بيان حد السرقة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو قطع الأصابع الأربع من يد اليمنى، وتترك الراحة والإبهام؛ ولو سرق بعد ذلك قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم ويترك العقب؛ ولو سرق ثلاثة حبس دائما؛ ولو سرق في
السجن قتل؛ ولو تكررت
السرقة من غير حد كفى
حد واحد؛ ولا يقطع اليسار مع وجود اليمنى بل يقطع اليمنى ولو كانت شلاء؛ وكذا لو كانت اليسار شلاء؛ ولو لم يكن يسار قطع اليمنى؛ وفي
الرواية: لا يقطع؛ وقال
الشيخ في
النهاية: ولو لم يكن يسار قطعت رجله اليسرى؛ ولو لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من
الحبس، وفي الكل تردد؛ ويسقط الحد
بالتوبة قبل
البينة لا بعدها؛ ويتخير
الإمام معها بعد
الإقرار في الإقامة على رواية فيها ضعف؛ والأشبه تحتم الحد ولا يضمن سراية الحد.
وهو قطع اليد،
بالكتاب والسنّة وإجماع الأُمّة، ويختص عندنا بالأصابع الأربع من اليد اليمنى، وتترك له الراحة والإبهام.
ولو عاد فسرق بعد ذلك أيضاً قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم، ويترك له العقب.
ولو عاد فسرق مرّة ثالثة حبس في
السجن دائماً وأُنفق عليه من
بيت المال مع فقره، لا مطلقاً.
ولو عاد فسرق في السجن أيضاً قتل بلا خلاف في شيء من ذلك أجده إلاّ ما سيأتي إليه الإشارة بل عليه الإجماع في الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر
حدّ الاستفاضة.
والنصوص به مع ذلك مستفيضة كادت تكون متواترة، ففي الصحيح: «قضى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) في السارق إذا سرق قطعت يمينه، وإذا سرق مرَّة أُخرى قطعت رجله اليسرى، ثم إذا سرق مرّة أُخرى سجنه وترك رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط ويده اليسرى يأكل بها ويستنجي بها، وقال: إنّي لأستحيي من الله تعالى أن أتركه لا ينتفع بشيء، ولكني أسجنه حتى يموت في السجن»
الخبر.
وفيه: «يقطع رجل
السارق بعد قطع اليد، ثم لا يقطع بعد، فإن عاد حبس في السجن وأُنفق عليه من بيت مال
المسلمين»
ونحوه آخر
.
وفي
الموثّق: «إذا أُخذ السارق قطعت يده من وسط الكفّ، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم، فإن عاد استودع السجن، فإن سرق في السجن قتل»
.
وفي الخبر: أخبرني عن السارق لمَ تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ولا تقطع يده اليمنى ورجله اليمنى؟ فقال: «ما أحسن ما سألت، إذا قطعت يده اليمنى ورجله اليمنى سقط على جانبه الأيسر ولم يقدر على القيام، وإذا قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى اعتدل واستوى قائماً» قلت: وكيف يقوم وقد قطعت رجله؟ فقال: «إنّ القطع ليس من حيث رأيت يقطع، إنّما يقطع الرجل من الكعب ويترك له من قدمه ما يقوم عليه ويصلّي ويعبد الله تعالى» قالت له: من أين تقطع اليد؟ قال: «تقطع الأربع أصابع ويترك الإبهام يعتمد عليها في
الصلاة، ويغسل بها وجهه» الخبر
.
وظاهرهما ولا سيّما الأوّل أنّ محل القطع في الرجل إنّما هو الكعب الذي هو عندنا وسط القدم عند معقد الشراك، كما تقدّم في بحث
الوضوء مشروحاً، وصرّح به الرواية الأُولى منهما وجماعة من أصحابنا،
كالشيخ في
المبسوط والخلاف والتبيان، والسيّدين في
الغنية والانتصار،
والحلّي في
السرائر، مدّعين عليه إجماع
الإمامية.
وحكي التصريح به أيضاً عن
الصدوق في
المقنع والحلبي في
الكافي وابن سعيد وابن حمزة في
الجامع والوسيلة،
والفاضل في
التلخيص، وغيرهم
.
وعلى هذا يكون المقطوع من عظامها الأصابع والمشط، ويبقى الرسغ والعظم الزورقي والنردي والعقب وما بينه وبين الساق.
خلافاً لظاهر العبارة هنا وفي
الشرائع والمقنعة والنهاية ومجمع البيان والمراسم، وسائر كتب الفاضل ما عدا التلخيص، والروضتين
، فعُبِّر فيها بمفصل القدم وترك العقب، الظاهرين في كون القطع من أصل الساق، أي المفصل بين الساق والقدم، وصرّح به الشيخان في كتبهما المذكورة، وعليه فلا تبقى من عظام القدم إلاّ عظم العقب وما بينه وبين عظم الساق، وتسمّيه الأطبّاء كعباً.
واحتجّ عليه في
المختلف بالموثق
وغيره
: «تقطع يد السارق ويترك إبهامه وصدر راحته، وتقطع رجله ويترك عقبه يمشي عليها».
أقول: ونحوهما خبر آخر
، والرضوي: «تقطع الرجل من المفصل ويترك العقب يطأ عليه»
.
والمسألة محل إشكال، ومقتضاه المصير إلى الأوّل؛ تقليلاً للعقوبة ودرءاً للحدّ ولو شيء منه بالشبهة الحاصلة من اختلاف
الفتوى والرواية.
مع إمكان ترجيحه أيضاً؛ للإجماعات المحكيّة والروايتين المعتضدتين بها وبالشهرة بين القدماء، وبالصحيح أيضاً، وفيه: «وكان إذا قطع اليد قطعها دون المفصل، فإذا قطع الرجل قطعها من الكعب» الخبر
. بناءً على ما مرّ من كونه عندنا حقيقةً في وسط القدم دون أصل الساق.
ولا تعارضها
النصوص المقابلة؛ لضعف جملة منها، وقصور باقيها عن الصحة والمقاومة لما مرّ من الأدلّة، مع موافقتها للعامّة كما يستفاد من الشيخ في المبسوط والخلاف، حيث قال: القطع عندنا في الرجل من عند معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم ويترك ما يمشي عليه، وعندهم المفصل الذي بين الساق والقدم
. انتهى.
فلتحمل على
التقيّة.
وربما يؤيّده كون المروي عنه (علیهالسّلام) في الرواية الأُولى التي هي أوضحها طريقاً
مولانا الكاظم (علیهالسّلام)، والتقية في زمانه في غاية من الشدّة، كما مرّ إليه الإشارة غير مرّة.
ومع ذلك فهي غير صريحة الدلالة؛ لما فيها من تعليل إبقاء العقب بحكمة ضرورة المشي عليها
والوطء بها، والظاهر أنّهما لا يتحققان بمجرّد العقب المجرّد، بل به وبما يتّصل به إلى
الكعب من عظام القدم، فينبغي أن يصرف به لفظ العقب عمّا هو ظاهر فيه من التجرّد الى ما يوافق الأوّل، بأن يراد منه ما يقابل صدر القدم من الأصابع والمشط إلى وسط القدم.
وهذا التعليل بعينه موجود في كلام
الأصحاب حتى القائلين بالقول الأخير، فيمكن حمل كلامهم أيضاً على ما حمل عليه النصوص، وعليه فيرتفع الخلاف. ولعلّه لهذا لم ينقله عنّا أكثر الأصحاب، بل عامّة من وقفت على كلامهم، عدا الفاضل في المختلف
، حيث نقل القولين ورجّح الثاني منهما، وهذا وإن كان صريحاً في اختياره إيّاه، بحيث لا يحتمل الحمل على ما قدّمناه، لكنّه شاذّ.
•
تكرار السرقة من غير حد، ولو تكررت
السرقة من غير حد كفى حد واحد
.
ولا يقطع اليسار مع وجود اليمين مطلقاً ولو كانت شلاّء، وكذا تقطع ولو كانت اليسار شلاّء أو كانتا شلاّءين، وفاقاً للأكثر، بل المشهور كما قيل
، بل في الغنية والخلاف عليه إجماع الإمامية
، وهو
الحجة.
مضافاً إلى العمومات، وخصوص
الصحيح: في رجل أشلّ اليد اليمنى أو أشلّ الشمال سرق، فقال: «تقطع يده اليمنى على كل حال»
.
وفي آخر وغيره: «أنّ الأشلّ إذا سرق قطعت يمينه على كل حال، شلاء كانت أو صحيحة»
الحديث.
خلافاً للمبسوط
والقاضي وابن حمزة والفاضل في المختلف
وشيخنا في
المسالك في قطع اليمين الشلاّء، فقيّدوه بما إذا لم يخف معه التلف على النفس بإخبار أهل العلم بالطبّ أنّها متى قطعت بقيت أفواه العروق مفتّحة.
ولا يخلو عن قوة؛ احتياطاً لبقاء النفس، مضافاً إلى
الأصل، وعدم معلومية شمول العمومات لمثل محل الفرض؛ لاختصاصها بحكم
التبادر باليد الصحيحة، أو الشلاّء التي لا يخاف بقطعها تلف النفس المحترمة، إذ ليس المقصود بالقطع هنا إتلافها، وعليه يحمل الصحيحان بتخصيصهما بالشلل المأمون مع قطعه على النفس، وكذا الكلام في الإجماعين المنقولين، مع وهن ثانيهما برجوع الناقل له عنه في المبسوط.
وللإسكافي في قطعها مع شلل اليسار فمنعه، قال: بل يخلد
الحبس؛ للخبر: «إذا سرق الرجل ويده اليسرى شلاّء لم تقطع يمينه ولا رجله»
مع أنّ المعهود من حكمة
الشارع إبقاء إحدى يديه.
وهو شاذّ، ومستنده مع ضعفه قاصر عن المقاومة لما قابلة من الصحيح والإجماع المنقول المعتضد بالشهرة والعموم.
ولو لم يكن له يسار قطعت اليمين أيضاً، وفاقاً للمشهور؛ للعمومات، وخصوص عموم الصحيح الأوّل.
خلافاً للإسكافي
أيضاً، فكشلاّء اليسار؛ لبعض ما مرّ فيه، مضافاً إلى خصوص الصحيح: لو أنّ رجلاً قطعت يده اليسرى في
قصاص فسرق ما يصنع به؟ فقال: «لا يقطع ولا يترك بغير ساق»
.
وأُجيب عنه بالحمل على إظهاره
التوبة، وهو بعيد بلا شبهة، إلاّ أن يقال: لا مندوحة عنه جمعاً بين الأدلّة.
وإلى هذه الرواية أشار بقوله: وفي الرواية أنّه لا يقطع.
وقال الشيخ في النهاية: ولو لم يكن له يسار قطعت رجله اليسرى، ولو لم يكن له رجل يسرى لم يكن عليه أكثر من الحبس
.
وحجته غير واضحة عدا وجه الحكمة المتقدّمة سنداً للإسكافي، وهو مع ضعفه وعدم مقاومته لأدلّة المشهور مقتضاه عدم قطع اليسار، لا قطع الرجل كما ذكره، أو التخليد في الحبس كما عليه الإسكافي، فهو أعمّ منهما، ولا دليل على التعيين إلاّ بعض الوجوه القياسية التي لا تصلح لإثبات
الأحكام الشرعية.
مع أنّه يحتمل على قولهما بعدم قطع اليسار ثبوت
التعزير، كما هو الأصل في ارتكاب كل محرّم لم يرد فيه نصّ بالخصوص.
وممّا ذكرنا يظهر ما في قول
الماتن:
وفي الكل أي كلّ من العمل بالرواية وما في النهاية تردّد إذ لا وجه له بالإضافة إلى ما في النهاية كما عرفته، بل بالإضافة إلى الرواية أيضاً، إلاّ أنّ احتماله بالإضافة إليها أقرب؛ لصحتها، ووجود قائل بها، ومناسبتها لوجه الحكمة، وإن كان جميع ذلك لا يعارض أدلّة الأكثر.
ولو لم يكن له يمين فهل يقطع اليسار، أم ينتقل إلى الرجل؟ ثم مع فقدهما هل يحبس، أم لا، بل يعزّر؟ وجوه وأقوال، أحوطها الاكتفاء بالتعزير.
هذا إذا ذهبت يمينه قبل السرقة، ولو ذهبت بعدها وقبل القطع بها لم يقطع اليسار قولاً واحداً؛ لتعلق القطع بالذاهبة.
•
التوبة في حد السرقة، ويسقط الحدّ بالتوبة قبل قيام
البيّنة على
السرقة ولا يسقط بعدها
؛ ويتخيّر
الإمام معها أي مع التوبة بعد
الإقرار في الإقامة
، والأشبه تحتّم الحد.
•
سراية حد السرقة، ولا يضمن الحاكم ولا الحدّاد سراية
الحدّ إلى عضو أو نفس، أيّ حدٍّ كان حتى
التعزير، فلا
دية له
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۱۳۰-۱۴۴.