ترتيب الأذان والإقامة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو أن يأتي المؤذّن والمقيم بفصول الأذان على الوجه الذي ورد بهما الأمر في النصوص، بمعنى عدم تقدّم الفصل المتأخّر منهما على الفصل المتقدّم، وهو عند الفقهاء شرط في صحّة
الأذان والإقامة.
===الترتيب بين فصول الأذان والإقامة===
الترتيب هو أن يأتي المؤذّن والمقيم بفصول الأذان على الوجه الذي ورد بهما الأمر في النصوص، بمعنى عدم تقدّم الفصل المتأخّر منهما على الفصل المتقدّم، وهو عند الفقهاء شرط في صحّة
الأذان والإقامة،
بلا خلاف فيه، بل ادّعى غير واحد
الإجماع عليه.
فلو خالف
الترتيب فيما بين فصول الأذان والإقامة يرجع إلى موضع المخالفة، ويأتي على الترتيب إلى الآخر، إلّا إذا حصل الفصل الطويل المخلّ
بالموالاة المعتبرة فيه فيعيد من الأوّل
كما سيأتي.واستدلّ لاعتباره- مضافاً إلى
الارتكاز القطعي بين المتشرّعة
- بالأخبار
:
منها: النصوص المتقدّمة المتعرّضة لكيفيّة الأذان،
فإنّ ظاهرها- بعد اتّحاد ألسنتها- تحديد الفصول على النهج الخاص ووضع كلّ فصل في محلّه المقرّر له، المساوق للزوم
رعاية الترتيب وعدم التخلّف عنه.
ومنها: الأخبار المتضمّنة لحكم
السهو أو
النسيان بالنسبة إلى الفصول، كصحيحة زرارة عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: «من سها في الأذان فقدّم أو أخّر أعاد على الأوّل الذي أخّره حتى يمضي على آخره».
وكذا مرسل
الفقيه عن
الباقر عليه السلام. قال: «تابع بين الوضوء- إلى أن قال:- وكذلك في الأذان والإقامة فابدأ بالأوّل فالأوّل، فإن قلت: حيّ على الصلاة قبل الشهادتين تشهّدت، ثمّ قلت: حيّ على الصلاة».
فهذه الروايات صريحة في المطلوب، وفي أنّه لو خالف الترتيب رجع وتدارك من موضع المخالفة.
وكما أنّ التقديم والتأخير ينافي الترتيب كذلك
النقصان ؛ ضرورة كونه مع النقصان لم يضع الفصل في محلّه الذي هو بعد المنسي، ويدلّ عليه أيضاً خبر
عمّار الساباطي ، قال: سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام عن رجل نسي من الأذان حرفاً فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة؟ قال: «يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف إلى آخره، ولا يعيد الأذان كلّه، ولا
الإقامة».
وبهذا الخبر- مضافاً إلى ما تقدّم- يمكن الخروج عن ظاهر موثّقته الاخرى الدالّة على عدم
الرجوع لتدارك المنسي من الأذان، وهو قوله عليه السلام: «إن نسي الرجل حرفاً من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة فليس عليه شيء».
ولعلّه محمول على
الاجتزاء بالإقامة عن الأذان، لا أنّ المراد حصول وظيفتهما معاً في الفرض المزبور.
===الترتيب بين الأذان والإقامة===
كما يعتبر الترتيب بين فصول الأذان والإقامة كذلك يعتبر الترتيب بين الأذان والإقامة نفسيهما، بمعنى عدم تقدّم الإقامة على الأذان، وعليه أجمع فقهاؤنا؛
مستدلّين له- مضافاً إلى ما مرّ من الارتكاز القطعي بين المتشرّعة- بجملة من النصوص التي تدلّ على تأخّر محلّ الإقامة عن الأذان. منها: صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة قال: «يمضي- إلى أن قال:- يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء».
فلو نسي حرفاً من الأذان يعيد من ذلك الحرف إلى آخر الإقامة؛ رعايةً للترتيب المعتبر بينهما.
وأمّا ما يرى في بعض النصوص من الاقتصار على إعادة الأذان وحده دون الإقامة كخبر عمّار الساباطي الآخر.
فلا بدّ من طرحه، أو حمله على إرادة عدم إعادة الإقامة كلّها- كالأذان- لو نسي منها حرفاً إلّا إذا كان المنسي الحرف الأوّل فيهما.
وكذا لو قدّم الإقامة أعادها بعد الأذان
فيما لو أراد
الإتيان بالوظيفتين معاً، وإلّا لا يلزم
بالتدارك ويسلم له أحدهما، ومثل العكس في ذلك الترك، فمن أقام عازماً على
الاقتصار عليها ثمّ بدا له بعد الفراغ منها الإتيان بالأذان وجب عليه إعادة الإقامة أيضاً إن كان قد أراد تحصيل الفضيلتين، وإلّا اقتصر على الأذان وكان كالمصلّي به ابتداءً بلا إقامة.
لكن ينبغي اشتراط العمد في العكس بعدم وقوعه على وجه
التشريع بحيث يقتضي فساده.
إلّا أنّ بعض المحقّقين ناقش في ذلك بأنّ تدارك الأذان على النهج المزبورلا سبيل إليه؛ لتجاوز المحلّ وسقوط الأمر.
واجيب عن ذلك:
أوّلًا: بأنّ فوات المحلّ
وامتناع التدارك خاصّ بالعملين المستقلّين المتعلّقين لأمرين نفسيّين كصلاة الظهرين ونافلتيهما، دون مثل المقام حيث إنّ الأذان والإقامة ليسا كذلك؛ لكي يدّعى فوات محلّ الأذان، بل هما معاً يعدّان من مقدّمات
الصلاة، وما دام المصلّي لم يتلبّس بالصلاة فهو مأمور بالإتيان بهما بمقتضى الإطلاقات الناطقة بأنّه لا صلاة إلّا بأذان وإقامة الشاملة حتى لمن أتى بالإقامة وحدها، فلو بدا له في الأذان وأراد أن يتداركه لا قصور في شمول الإطلاقات له، غاية
الأمر مع إعادة الإقامة رعايةً للترتيب.
وثانياً: سلّمنا أنّ الأمر نفسيّ مستقلّ لكنّ الأذان المأتي به بعد الإقامة لمكان
اشتماله على كلام
الآدمي يستوجب استحباب إعادة الإقامة؛ للأمر بها لدى تخلّل التكلّم بينها وبين الصلاة كما يأتي، فيستكشف من استحباب الإعادة بقاء محلّ الأذان وعدم فواته.
والمقصود من اشتراط الترتيب بين فصول الأذان أو بينه وبين الإقامة عدم اعتبارهما بدونه،
فلا يعتدّ بهما في الجماعة ولا يبرأ بهما من حلف أن يؤذّن أو يقيم، وغير ذلك من الفوائد المترتّبة عليه؛ قال
ابن فهد الحلّي في
المهذّب البارع،
:وتظهر فائدته (اشتراط الترتيب) في مسائل:
أ-
الاعتداد به في فضيلة الصلاة. ب- اعتباره في الجماعة وجوباً أو استحباباً (حسب اختلاف الأقوال فيه). ج- استحباب حكايته للسامع إذا كان قريباً، وعدمه مع عدمه؛ لأنّه (غير المرتّب) ليس بأذان، وإنّما يستحبّ حكاية الأذان. د- لو نذر الأذان لم يبرأ بغير المرتّب، ويجب الكفّارة مع تحقّق المخالفة.ه- لو نذر الصلاة بسننها لم يبرأ
بإيقاعها مع عدم الترتيب في أذانها. و- عدم سقوط
التكليف بإيقاع غير المرتّب لو قلنا بوجوبه على أهل
المصر على القول به. ز- لا يدخل غير المرتّب في المؤذّنين لو نذر أو وقف أو أوصى للمؤذّنين.ح- عدم استحقاقه
الجُعل ممّن قال: من أذّن في داري فله درهم». لأنّ الشرط هو ما يتوقّف عليه صحّة الماهيّة، وفقدان الشرط يوجب
انتفاء المشروط، فكان وجود الماهيّة مع
الإخلال بشرطها كلا وجودها،
بل أنّ غير المرتّب إذا اعتقد مشروعيّته كذلك وأنّه أذان صحيح فعل
حراماً ؛ لأنّه تغيير للحكم الشرعي كما صرّح بذلك
الشهيد وابن فهد الحلّي
وغيرهما.
ثمّ إنّه لا فرق في عدم
الاعتداد بغير المرتّب بين كونه عمداً أو سهواً أو جهلًا، كما صرّح بذلك جملة من الفقهاء.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۱۲۳-۱۲۷.