تزويج بأمة بين شريكين
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لو اشترى الحر نصيب أحد الشريكين من زوجته بطل عقده؛ ولو أمضى الشريك
العقد لم يحل وطؤها، وبالتحليل
رواية ليس فيها ضعف كما ذكره المصنّف وجماعة؛ وكذا لو كان بعضها حرا، أولوها يأها مولاها على الزمان ففى جواز العقد عليها
متعة في زمانها تردد، أشبهه: المنع، ولكن ذلك
اجتهاد في مقابلة النصّ الصحيح الصريح؛ فالقول بالجواز متعيّن.
ولو اشترى الحرّ المتزوّج بأمة بين شريكين بإذنهما نصيب أحد الشريكين من زوجته بطل عقده. لامتناع عقد
الإنسان على أمته لنفسه مطلقاً ابتداءً واستدامةً، الملازم لبطلان
العقد بالإضافة إلى حصّته المنتقلة إليه بالشراء، ويلزمه البطلان بالإضافة إلى الجميع؛ لعدم تبعّض العقد، وانتفاء الكلّ بانتفاء الجزء.
وللموثّق: عن رجلين بينهما
أمة، فزوّجاها من رجل، ثم إنّ الرجل اشترى بعض السهمين، قال: «حرمت عليه باشترائه إيّاها؛ وذلك أنّ بيعها طلاقها، إلاّ أن يشتريها جميعاً»
.
ومع بطلان العقد رأساً يحرم
الوطء مطلقاً جدّاً؛ لاستلزامه التصرّف في ملك الغير بدون إذنه، وهو محرّم قطعاً.
ولو حصل
الإذن بأن أمضى الشريك الآخر المالك العقد لم يحلّ على الأشهر الأظهر أيضاً؛ لأنّ العقد إن كان بطل بالشراء كما هو الظاهر فكيف يصير بالرضاء صحيحاً؟! وإن لم يبطل فلا وجه لاعتبار رضاه؛ لوقوعه أولاً به ولم يتجدّد له ملك فلا يقف على إجازته، ومع ذلك يعضده
إطلاق النصّ السابق.
فخلاف
الطوسي والقاضي هنا حيث حكما بالحلّ مع
الإمضاء ضعيف جدّاً، لا وجه له أصلاً، ولذا حُمِل عبارتهما على ما يؤول إلى المختار
تفادياً من فتواهما بما لا وجه له رأساً، وهو
حسن وإن كان بالإضافة إلى عبارتهما بعيداً.
كلّ ذا إذا وقع
الرضاء بالوطء بإمضاء العقد السابق.
وأمّا مع وقوعه بالتحليل المتجدّد فقولان، أشهرهما كما حكي
التسوية بينه وبين ما مضى في المنع. للموثّق السابق، الحاصر لوجه الحلّ بعد بطلان العقد المحكوم به فيه في شرائها جميعاً. ولأصالة عصمة الفروج، إلاّ مع ثبوت الحلّ بوجه شرعي، وليس إلاّ الانفراد بأحد أمرين: العقد أو
الملك، لا الملفق منهما؛ إمّا لظهور
الآية (إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ)
في منع الجمع، أو لاحتمالها له ولمنع الخلوّ؛ إذ مع الأول الآية ناصّة في
التحريم هنا، وعلى الثاني وإن لم تكن ناصّة ولا ظاهرة إلاّ أنّها ليست ناهضة لتخصيص
أصالة الحرمة؛ لاحتمال إرادة المنع من الجمع بالضرورة، وليست ظاهرة في إرادة المنع من الخلوّ ليصحّ التخصيص.
فأصالة الحرمة باقية بحالها، سليمة عمّا يصلح للمعارضة؛ إذ ليس إلاّ الآية، وقد عرفت ما فيها من المناقشة؛ أو استصحاب الحلّية السابقة، وهي منقطعة بالشراء بإجماع الطائفة، وإلاّ لما احتيج إلى إمضاء أو تحليل بالمرّة.
فالقول بالتسوية والمنع مطلقاً متّجه لولا ورود
رواية مرويّة في الكتب الثلاثة صحيحة صريحة في
الإباحة بالتحليل: عن
جارية بين رجلين دبّراها، ثم أحلّ أحدهما فرجها لشريكه، قال: «هي له
حلال»
. وهي وإن اختصّ موردها بغير المقام، إلاّ أنّ في ذيلها تعليل الحكم بما ظاهره العموم له، مع أنّ الظاهر عدم القائل بالفرق بينهما. وليس فيها ضعف كما ذكره المصنّف وجماعة
؛ إذ ليس في سندها غير
الحسن بن محبوب، وهو
ثقة مجمع على تصحيح رواياته، عن
عليّ بن رئاب، عن
محمّد بن قيس، وكلاهما ثقتان.
نعم، رواها الشيخ في أول كتاب النكاح عن محمّد بن مسلم
، بطريق فيه
عليّ بن الحسن بن فضّال، وليس فيه ضعف، بل هو موثّق، ولكن المصنّف دأبه عدّ مثله ضعيفاً كما مرّ مراراً، فليس في شيء من طرقها ضعف بالمعنى المصطلح.
فالقول بمضمونها متّجه جدّاً، يُخَصّ بها ما تقدّم من الأصل والإطلاق ظاهراً، وفاقاً للحلّي
وجماعة، منهم: شيخنا
الشهيد في
اللمعة .
إلاّ أنّ اعتضادهما بالشهرة يوجب عدم مكافأة
النصّ لهما، فالاحتياط: المنع، وإن كان في تعيّنه نظر؛ نظراً إلى ظهور أنّ الباعث للمشهور توهّمهم ضعف الرواية، كما يفصح عنهم عباراتهم المشعرة بأنّه مع الصحة يصار إليه وأنّ المانع إنّما هو الضعف، فتأمّل.
وعُلِّل الجواز مضافاً إلى الرواية بأنّها قبل التحليل محرّمة، وإنّما حلّت به، فالسبب واحد
.
وفيه: أنّه حينئذٍ يكون تمام السبب لا السبب التامّ في الإباحة؛ ضرورة أنّ التحليل مختصّ بحصّة الشريك لا بالجميع، وتحقّق المسبَّب عند تمام السبب لا يوجب كون الجزء الأخير سبباً تامّاً. اللهم إلاّ أن يريد من اتّحاد السبب الاتّحاد بحسب الملكيّة وإن اختلف جهتاها، من حيث إنّ إحداهما ناشئة من الملكيّة الحقيقيّة، والأُخرى من
التحليل والإباحة التي بمنزلتها لأنّها تمليك منفعة، فيكون حلّ جميعها بالملك، فهو أحد الأمرين المعتبر في إباحة الوطء انفراد أحدهما كما مضى. لكنّه متوقّف على عدم كون التحليل عقداً، وما مضى في وجه الاستدلال بأصالة الحرمة مبنيّ على خلافه، وسيأتي الكلام فيه في بحثه إن شاء الله تعالى.
وكذا يحرم عليه وطؤها لو كان بعضها أي الأمة المملوك نصفها لزوجها أو غيره حرّا. لأنّ الجزء لا يستباح بملك البعض ولا بالعقد الدائم اتّفاقاً؛ لتبعّض السبب، ولا بالمنقطع؛ لذلك، ولا بالتحليل؛ لأنّ
المرأة ليس لها تحليل نفسها إجماعاً، وإنّما يقع من المولى خاصّة.
وللصحيح الصريح في ذلك، وقد مضى صدره، وفيه بعد ذلك ـ: «وأيّهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حرّا من قبل الذي مات ونصفها مدبّراً» قلت: أرأيت الثاني منهما أن يمسّها، إله ذلك؟ قال: «لا، إلاّ أن يثبت عتقها ويتزوّجها برضاء منها متى ما أراد» قلت له: أليس صار نصفها حرّا وقد ملكت نصف رقبتها والنصف الآخر للباقي منهما؟ قال: «بلى» قلت: فإن هي جعلت مولاها في حلّ من فرجها؟ قال: «لا يجوز ذلك له» قلت: لِمَ لا يجوز لها ذلك؟ وكيف أجزت للّذي له نصفها حين أحلّ فرجها لشريكه فيها؟ قال: «لأنّ الحرّة لا تهب فرجها ولا تعيره ولا تحلّه، ولكن لها من نفسها يوم وللّذي دبرها يوم، فإن أحبّ أن يتزوّجها متعة بشيء في ذلك اليوم الذي تملك فيه نفسها فليتمتّع منها بشيء قلّ أو كثر»
.
ولو هايأها مولاها، ففي جواز
العقد منه عليها متعةً في زمانها تردّدٌ ينشأ من صريح ما مضى من الصحيح، ومن لزوم تبعيض السبب، فإنّها لم تخرج بالمهاياة عن كون المولى مالكاً للبعض، على أنّ منافع البضع لا يتعلّق بها المهايأة، وإلاّ يحلّ لها
المتعة بغيره في أيّامها، وهو باطل اتّفاقاً، كما حكي في كلام
المسالك وسبطه
؛ ومنشأه واضح.
ولكن ذلك
اجتهاد في مقابلة النصّ الصحيح الصريح؛ فالقول بالجواز متعيّن، وفاقاً للطوسي والقاضي
وجماعة
.. فقول المصنّف: أشبهه المنع في حيّز المنع وإن كان أشهر لابتنائه على ضعف
الخبر، ولا وجه له كما مرّ، ولكن
الاحتياط لا يترك على حال.
ومقتضى
الأصل المتقدّم، كالاتّفاق المحكيّ، واختصاص النصّ بجواز التمتّع في أيّامها بالمولى خاصّة: اختصاص الجواز به، وإجراء المنع في غيره من دون تردّد؛ لانتفاء مقتضيه، فلا وجه لإطلاق التردّد في جواز العقد عليها، حتى ما إذا كان العاقد غير المولى كما هو ظاهر العبارة، إلاّ أن تُخصّ به.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۳۸۴-۳۸۹.