• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

تقسيمات الإباحة

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



اتّضح ممّا تقدّم أنّ الإباحة تنقسم من حيث معناها ومن حيث مصدرها ومَن يكون له حقّ الإباحة أو غير ذلك من الجهات إلى أقسام عديدة:




فالإباحة التكليفية تنقسم إلى: إباحة اقتضائية وهي التي تكون على أساس ملاك وغرض مولوي في جعل خطاب التخيير والإباحة، وإباحة لا اقتضائية وهي التي تكون من جهة عدم ملاك في الالزام بفعل أو ترك.قال السيّد الشهيد الصدر : «إنّ ملاكها قد يكون اقتضائياً، وقد يكون غير اقتضائي؛ لأنّها قد تنشأ عن وجود ملاك في أن يكون المكلّف مطلق العنان، وقد تنشأ عن خلوّ الفعل المباح من أيّ ملاك».
وفي اصطلاحات الأصول: «أنّ الإباحة كما تكون لعدم المصلحة والمفسدة أو لتساويهما فيه كذلك قد تكون مع المصلحة الملزمة أو المفسدة الملزمة ولكن مع وجود مانع عن الالزام بالفعل أو الترك أو وجود المقتضي للترخيص والإباحة كما في الإباحات الظاهرية والاضطرارية، ويطلق على القسم الأوّل الإباحة اللااقتضائية وعلى القسم الثاني الإباحة الاقتضائية». لكنّ السيّد الإمام الخميني يعتقد أنّ الإباحة اللااقتضائية لا يمكن أن تكون شرعية، فيتحتّم كونها عقلية، حيث قال في كتاب البيع : «المباحات على قسمين:
منها: ما لا اقتضاء لها أي لا تقتضي موضوعاتها لحكم من الأحكام فمثل هذه الإباحة عقلية لا شرعية، ومنها ما هي مقتضية». وفي تهذيب الأصول : «الإباحة المسبّبة عن اقتضاء التساوي إباحة شرعية وتعدّ من الأحكام. وأمّا إذا فرضنا عدم اقتضاء للواقعة أصلًا فلا بدّ وأن لا يكون لها حكم شرعي؛ إذ جعل الإباحة بلا ملاك لغو فينطبق على الإباحة العقلية قهراً، ويخلو عن الجواز الشرعي». والظاهر أنّ مقصوده من الإباحة أو الجواز الشرعي- الذي نفاه- جعل الشارع للإباحة الذي هو الإباحة بالمعنى الأخصّ، لا الموقف الشرعي بمعنى عدم المنع الشرعي وهو الإباحة بالمعنى الأعمّ؛ فهذا لا مانع من جعله من قِبل الشارع. كما أنّ جعل الإباحة بالمعنى الأخصّ قد يكون بملاك الكشف عن عدم اقتضاء للمنع والمبغوضية الشرعية، فإنّ هذا ليس لغواً، بل قد يكون فيه غرض مهمّ للعباد تجاه مولاهم من قبيل: «وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا»؛ إذ أنّ المراد هو بيان عدم المنع الشرعي.



كما تنقسم إلى إباحة أوّلية أي ثابتة للفعل بعنوانه الذاتي، وإباحة ثانويّة تثبت في الفعل على أساس طروّ بعض العناوين عليه كالاضطرار والإكراه والتقيّة وغيرها.قال السيد البجنوردي : «في العناوين الثانوية جعل الشارع لفعل واحد من حيث الماهيّة حكمين واقعيّين مختلفين، غاية الأمر بعنوانين أحدهما هو العنوان الأوّلي للشي‌ء، والثاني هو العنوان الثانوي مثل‌ أكل لحم الميتة الذي هو بعنوانه الأوّلي حرام واقعاً، وبعنوانه الثانوي مثل أن يكون الأكل عن اضطرار أو إكراه أو غير ذلك هو حلال واقعاً».



كما تنقسم الإباحة بأقسامها إلى مطلقة من ناحية قيد ومشروطة به وهي التي تكون في فرض تحقق ذلك القيد، كإباحة الحيوان مشروطة بالتذكية وإباحة الإفطار للمكلّف في شهر رمضان مشروطة بالمرض أو السفر وإباحة التيمّم مشروطاً بعدم وجدان الماء.



وتنقسم من حيث من جعلت له الإباحة إلى إباحة عامّة وإباحة خاصّة فالخاصّة كإباحة الزواج بأكثر من أربع زوجات للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خاصّة أو إباحة النكاح له بلفظ الهبة .



ومن حيث الفعل المتعلّق به الإباحة إلى إباحة الانتفاع أو التملّك وإباحة التصرّف، وهو تارة يكون تصرّفاً وفعلًا حقيقيّاً كالأكل والشرب، واخرى يكون تصرّفاً وفعلًا اعتباريّاً إنشائيّاً كالبيع والإفتاء والقضاء سواء في ذلك الإباحة التكليفية أو الوضعية.هذا، وقد تسمّى إباحة الانتفاع بالإباحة المحضة أو المجرّدة أو الصرفة، في قبال إباحة التملّك.كما أنّ الإباحة قد تنسب إلى الفعل فيقال: فعل مباح، وتنسب إلى الأعيان فيقال: الأطعمة المباحة، والمقصود منه إباحة التصرّف فيها أو التملّك لها، وإلّا فالإباحة كحكم تكليفي لا تتعلّق إلّا بالأفعال.



وهناك تقسيم هامّ للإباحة في علم الأصول حيث قسّم الاصوليّون الأحكام الشرعيّة بما فيها الإباحة تكليفية كانت أو وضعية إلى قسمين أحكام واقعية وأحكام ظاهرية.والحكم الواقعي هو الحكم الشرعي الثابت على موضوعه، ويكون تابعاً لغرض وملاك واقعي في متعلّقه. ومن هنا يسمّى بالحكم النفسي أيضاً.
والحكم الظاهري هو الحكم المحدّد للموقف الشرعي الثابت تجاه نوع حالة الشكّ المستحكمة في تحديد الحكم‌ الشرعي. وتدخل في نطاق هذا التحديد جميع الموضوعات المتّحدة في نوع حالة الشكّ وإن كانت ذات أحكام مختلفة بحسب الواقع غير أنّ اختلاطها فيما بينها وعدم تمييز المكلّف بعضها عن بعض وعدم إمكان رفع هذا الاشتباه يسبّب حالة من التزاحم في ملاكاتها في نظر الشارع، ويدفعه إلى رسم طريق عملي للمكلّف لإحراز ما هو أهمّ بنظره عند الاختلاط يتناسب مع نوع حالة الشكّ. إذاً يكون غرض الشارع من جعل هذا الخطاب حفظ ما هو أهمّ من تلك الأحكام الواقعية المشتبهة، وعلى هذا الأساس فلا يكون للخطاب الظاهري ملاك وغرض نفسي.ومن هنا يسمّى بالخطاب الطريقي والحكم الظاهري،
[۹] محاضرات في أصول الفقه، ج۳، ص۱۷۵.
فإذا أصاب الواقع كان إيصالًا وخطاباً شرعيّاً لتنجيز نفس الحكم الواقعي في مورده لا حكماً نفسيّاً آخر، وإذا لم يصبه كان معذّراً أو منجّزاً من ناحية المسئوليّة وتبعة العقوبة.
وقد بحث علماؤنا في علم الأصول الفروق بين الحكم الظاهري والواقعي ونسبتهما وكيفيّة الجمع بينهما، كما بحثوا أقسام الحكم الظاهري ومراتبه وأحكامه وأدلّته،
[۱۰] كفاية الأصول، ج۱، ص۲۷۵- ۲۷۹.
وهي بحوث علميّة جليلة وهامّة انتهى إليها الفكر الأصولي الشيعي عبر جهود علمية مضنية واجتهادات معمّقة من قبل كبار فقهائنا الأعلام المتأخّرين قدّس اللَّه أسرارهم وشكر اللَّه مساعيهم.تطلب كلّ تلك التفاصيل في البحث الأصولي.
إذا اتّضح ذلك: فالإباحة الشرعيّة تكليفية كانت أو وضعية إذا كانت بالنحو الأوّل فهي إباحة واقعية، وإذا كانت بالنحو الثاني فهي ظاهرية، وتقسيمات الحكم الظاهري ومراتبه وحدوده جارية فيها أيضاً.فقد تكون الإباحة الظاهرية ثابتة بمستوى الأمارة والدليل الاجتهادي، كما إذا دلّ خبر معتبر على إباحة شي‌ء. وقد تكون ثابتة بمستوى الأصل العملي.وهذا قد يكون بملاك الشكّ وعدم العلم بالالزام الشرعي، وهو المسمّى بأصالة الإباحة أو الحلّية أو البراءة. وقد يكون بملاك أصل آخر كما في موارد استصحاب الإباحة الثابتة قبل الشرع. وتفصيل ذلك يطلب في البحث الأصولي.



وتنقسم الإباحة بحسب المبيح إلى شرعيّة ومالكيّة وولائيّة؛ فإنّ جميع التشريعات والأحكام الشرعية ومنها الإباحة وإن كان مردّها النهائي إلى اللَّه سبحانه وتعالى لكنّ الحكم بالإباحة قد يثبت للمكلّف غير معلّق على حصول إذن من أحد، فتلك الإباحة الشرعية. راجع مصطلح (إباحة شرعية).وقد يكون معلّقاً على إذن مالك الشي‌ء فهي إباحة مالكية كما قد يكون معلّقاً على إذن الولي فهي إباحة ولائيّة.



وتنقسم الإباحة الشرعية إلى: إباحة شرعيّة مستندة إلى الرضا الضمني من المالك، وإلى إباحة شرعيّة محضة، أي تعبّدية. والفرق بينهما أنّ الاولى تدور مدار الرضا؛ لأنّها تقع في طوله، بخلاف الثانية باعتبارها حكماً شرعياً يترتّب على موضوعه.



وتنقسم الإباحة المالكية من حيث إبرازها وإنشائها من المالك إلى قسمين:
الأوّل: إباحة إنشائية بأن ينشئ المالك عنوان الإباحة صريحاً سواء كان الإنشاء بالقول أو الفعل، وقد تسمّى إباحة تسبيبيّة؛ لأنّها سبب لجواز التصرّف وترتّب الأثر عليها كسائر المعاملات، وقد تسمّى أيضاً بالإباحة الصريحة، وقد تطلق الإباحة الصريحة في مقابل الإباحة المستفادة بالفحوى والأولويّة، فمن إباحة الدخول والكون في البيت يستفاد إباحة الصلاة فيه من باب الأولويّة.
الثاني: إباحة تقديريّة أو ضمنيّة، وهي الحاصلة من إحراز رضا المالك المستكشف ولو بالقرائن وشاهد الحال، ومثّلوا لها بالإعراض عن المال؛ فإنّ من رفع يده عن ملكه يرضى لا محالة بتصرّف الغير فيه، وهذه الإباحة التقديرية أو الرضا المستكشف بشاهد الحال تكفي في جواز التصرّف في مال الغير، ولا يلزم في جواز التصرّف إنشاء الإباحة من المالك.
نعم، ناقش بعض الفقهاء في ذلك‌ صغرويّاً فلم يعتبر الإعراض دالّا على الإباحة، بل لا بدّ من إنشائها أو دلالة القرائن عليها. ويظهر الفرق بين القولين في الإعراض فيما لو قلنا بكونه مزيلًا للملك فلا يجوز للمالك الرجوع فيه، بخلاف القول الأخير فإنّه يجوز له الرجوع ما دامت عينه موجودة، كما صرّح بذلك الشهيد الثاني.



وتنقسم الإباحة من حيث مقابلتها بالعوض إلى قسمين:
الأوّل: الإباحة المعوّضة أو المضمونة، وهي ما جعل في مقابلتها أو مقابلة المال المباح عوض معين، أو كانت الإباحة مشروطة بضمان القيمة والماليّة.
الثاني: الإباحة المجّانية، وهي ما لم يجعل فيها عوض كذلك ولم تكن مشروطة بضمان القيمة.وسيأتي البحث عن الإباحة المعوضة وأحكامها في مصطلح (إباحة معوّضة).



 
۱. دروس في علم الأصول، ج۱، ص۱۴۸.    
۲. اصطلاحات الأصول، ج۱، ص۱۲۱.    
۳. البيع (الخميني)، ج۵، ص۱۷۴.    
۴. تهذيب الأصول، ج۱، ص۲۳۵.    
۵. المائدة/سورة ۵، الآية ۲.    
۶. القواعد الفقهية، ج۳، ص۱۹۱.    
۷. فوائد الأصول، ج۱، ص۳۲۲.    
۸. مقالات في أصول الفقه، ج۲، ص۱۵۳.    
۹. محاضرات في أصول الفقه، ج۳، ص۱۷۵.
۱۰. كفاية الأصول، ج۱، ص۲۷۵- ۲۷۹.
۱۱. نهاية الأفكار، ج۲، ص۴۳.    
۱۲. فوائد الأصول، ج۳، ص۹۹- ۱۵۰.    
۱۳. الحاشية على كفاية الأصول (البروجردي)، ج۲، ص۶۱- ۶۶.    
۱۴. مسالك الأفهام، ج۱۱، ص۵۲۴- ۵۲۵.    
۱۵. حاشية المكاسب (الاصفهاني)، ج۲، ص۱۲۸- ۱۳۰.    
۱۶. جواهر الكلام، ج۳۶، ص۲۰۶- ۲۰۷.    
۱۷. مسالك الأفهام، ج۷، ص۳۱- ۳۳.    




الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۹۴-۹۹.    



جعبه ابزار