الإباحة المعوضة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي نوع من الإباحة التي يجعل
العوض في قبالها وأكثر استعمالها في
العقود.
تساوي في اللغة بمعنى اللفظ
الإباحة (مطلقا).
الاباحة المعوّضة أو الإباحة بعوض هي
جعل العوض في مقابل الإباحة، ويقابلها الإباحة المجّانية.
ولم يذكر الفقهاء للإباحة المعوّضة تعريفاً محدّداً، إلّا انّه قد يفهم من خلال كلماتهم أنّ مرادهم منها
مطلق الإباحة بعوض، وهو معنى جامع يمكن أن يندرج تحته أقسام عديدة للإباحة بعوض يأتي شرحها وتوضيح ما ينبغي أن يراد منها.وقد تعرّض الفقهاء لها بمناسبة البحث عن جملة من العقد|العقود الرائجة عرفاً، والتي يشكل تخريجها على أساس
البيع أو
الاجارة ونحوهما من العقود المسمّاة، كبذل مال للحمّامي في قبال
الاستفادة من
الحمام، فحاولوا تخريجها على أساس أنّها إباحة معوّضة.
كما تعرّضوا لها أيضاً بمناسبة البحث عمّا نسب إلى المشهور في بحث المعاطاة من إفادتها للإباحة لا
الملك، حيث اختلفوا في كونها إباحة شرعية تعبّدية غير مقصودة للمتعاملين أو إباحة مالكية يقصدها المتعاملان ولو ضمناً.وبحثوا عن أحكام كلّ واحد منهما، إلّا أنّ جملة من تلك البحوث تبتني على القول بالإباحة الشرعية لا نتعرّض لها هنا، فإنّها تطلب من مصطلح «
معاطاة» و«إباحة شرعية».
وإنّما نتحدّث فيما يلي عن الإباحة المعوّضة التي يقصدها المتعاقدان، فإنّها التي ينبغي أن تراد من هذا
العنوان، وإن كان قد تطلق في بحث المعاطاة على
الإباحة الشرعية بعوض أيضاً بناءً على تفسير قول المشهور بإفادة المعاطاة للإباحة بذلك، إلّا أنّ هذا مجرّد احتمال لم يثبت ارادة المشهور له، ولم يقم على صحّته دليل، بل مقتضى العمومات عدم صحّته.
ومن هنا فسّر صاحب
الجواهر قول المشهور بالإباحة المالكية حيث قال:
«فمن أراد إباحة شيء لآخر كان له
الاكتفاء في الدلالة عليها بالأفعال مثلًا،ومن ذلك المعاطاة، ويكون المراد هذا ممّا ذكروه في الإباحة، لا أنّها حكم ما قصد به المتعاطيان الملك على جهة البيع».
وهي الاباحة التي يجعلها الشارع بلا جعل ولاية، وفرقها عن الاباحة المعوّضة أنّ الأخيرة إباحة يجعلها المالك أو
الولي ويترتب عليها الإباحة الشرعية.
وهي تمليك للعين بشرط
العوض، وفرقها عن الاباحة المعوّضة أنّ الأخيرة ليس فيها
تمليك، بل مجرّد الاباحة والتحليل بعوض أو على وجه
الضمان.
وهي عقد مضمونه
التبرّع بالمنفعة للغير أو تسليطه على
الإنتفاع مع شرط
الضمان عليه لو تلف عنده، فالضمان في
العارية المضمونة يكون للعين، وأمّا في الاباحة المعوّضة للانتفاع أيضاً، كما أنّها قد لا تكون عقداً بل مجرّد
إيقاع مشروط.
عقد أو إيقاع مضمونه الالتزام بعوض على عمل محلّل مقصود، بينما الاباحة المعوّضة اشتراط العوض في قبال الانتفاع بالمال. وقد يجعل العوض في
الجعالة في قبال نفس التمليك أو الإباحة للمال، فيشبه حينئذٍ الاباحة المعوّضة.
•
أقسام الإباحة المعوضة، قسّمت الإباحة المعوّضة في كلمات جملة من الفقهاء إلى أقسام عديدة.
•
صحة الإباحة المعوضة،هنا يأتي عدة آراء والأقوال متعددة في صحة الإباحة المعوضة عقداً أو ايقاعاً.
•
لزوم الإباحة المعوضة،اتّضح ممّا تقدّم أنّ
الإباحة بعوض تارة تخرّج على أساس كونها معاوضة أو عقداً مستقلًاّ.
ثمّ إنّه في كلّ قسم من هذه الأقسام الأربعة للإباحة المعوّضة إذا كانت الإباحة بعوض أو تمليك العوض بالخصوص عقداً خاصّاً كالصلح أو الهبة أو التجارة أو عقداً مستقلًاّ اشترط فيه ما يشترط في العقود أو المعاوضات عموماً أو تلك العقود الخاصّة من الشرائط والأحكام كاشتراط التنجيز وعدم الجهالة والترديد والتطابق بين الإيجاب والقبول والموالاة والقبض والإقباض وجريان الخيار وغير ذلك من الأحكام والآثار.
كما أنّ شروط الأهليّة من البلوغ وعدم السفه والحجر والجنون ونحو ذلك لازمة في جميع هذه الأقسام وسواء كانت الإباحة عقديّة أم لا؛ لأنّها شرط في مطلق التصرّف في الأموال حتى الإذن والإباحة، كما هو مقرّر في محلّه.
•
إباحة التملك بعوض،من موارد
الإباحة المعوّضة المتعارفة أن يبيح المالك تملّك ماله للغير بعوض كما في وضع الطعام أو المتاع في أمكنة عامّة.
وينبغي عقد البحث في صورتين:
الصورة الأولى: فيما لو كانت الإباحة إباحة التصرّف
والانتفاع بعوض، فنقول:
أ- تنتهي الإباحة المعوّضة بانتهاء التصرّف المباح، كالانتفاع بالحمّام مثلًا، فإنّه بمجرّد إكمال
الاستحمام ينتهي
الإذن.
ب- كما تنتهي بزوال الموضوع وتلف المال المباح، وهذا واضح.
ج- وتنتهي أيضاً
بانتقال المال إلى مالك آخر؛ فإنّ الإباحة مالكية ومقيّدة بموضوعها وهو ملك المبيح، فإذا بيع المال من شخص آخر زال موضوع الإباحة، كما أشار إلى ذلك المحقق الاصفهاني في عبارة سابقة. ولا يصحّ القول بانتقال العين إلى الغير بما هو مباح في تلك المدّة للمباح له، نظير انتقال العين مسلوبة المنفعة إلى الغير في بيع العين المستأجرة. وذلك لكون هذا خلف ما تقدّم في حقيقة الإباحة من عدم اقتضائها انتقال شيء إلى المباح له، بل هي مجرّد تحليل وإباحة للتصرّف من قبل المالك، وهذا حتى على تقدير رجوعه إلى
إنشاء الإباحة العقديّة لا يخرج عن كونه إباحة من قبل المالك ما دام مالكاً لا أكثر؛ إذ لا سلطنة للمالك على أكثر من ملكه، فالإباحة المنشأة مقيّدة لبّاً بمالكيّته لا محالة.
د- وكذلك تنتهي الإباحة بموت المبيح أو المباح له؛ لانتقال المال إلى الورثة في الأوّل فينتفي موضوع الإباحة- كما ذكرنا- وكون الإباحة للمباح له بالخصوص لا لورثته في الثاني فلا موضوع لجواز تصرّفهم. وقد تقدّم أنّ
الإباحة حتى العقديّة والمعوّضة لا توجب انتقال مال أو حقّ إلى المباح له لكي ينتقل إلى وارثه بموته أو يكون خارجاً عن تركة المبيح.
ه- وأمّا
انتهاء الإباحة برجوع المبيح عن الإباحة فمبنيّ على القول بعدم لزوم الإباحة حتى العقديّة وضعاً، وقد تقدّم البحث عنه مفصّلًا.
و- وأمّا جنون المبيح فهل يوجب انتهاء الإباحة- كما في العقود الإذنيّة- أم لا؟ الصحيح هو التفصيل بين فرض القول بلزوم الإباحة المعوّضة وضعاً، وعدم لزومها. ففي الفرض الثاني تنتهي الإباحة بجنون المبيح؛ لزوال أهليّته، فلا يكون بقاء إذنه- لو فرض- مؤثّراً في الإباحة. وفي الفرض الأوّل يمكن القول ببقاء الإباحة؛ لكونها منشأ بعقد لازم في زمان أهليّة المالك، فلا يضرّ
ارتفاع أهليّته بعد ذلك؛ لأنّ بقاء الإباحة غير مستند إلى إذنه ورضاه حال جنونه، بل إلى العقد الحاصل في زمان عقله وأهليّته. الصورة الثانية: فيما لو كانت الإباحة للتملّك بالعوض، وهنا تفصيل:
أ- فإن قيل بصحّتها من باب كونه عقداً من عقود المعاوضة ولو بعد الأخذ
والقبض للمال فحاله حال سائر عقود المعاوضة يكون مقتضى
القاعدة فيها اللزوم وعدم الانتهاء برجوع أحد الطرفين ما لم يكن تقايل أو خيار. نعم قد يصحّ الرجوع قبل القبض وتحقّق العقد كما أنّ
انتفاء الأهليّة أو الملكية قبل ذلك رافع لموضوع العقد.
ب- وأمّا إذا قيل بصحّتها من باب التملّك بالأخذ والحيازة بعد إذن المالك أو
إعراضه مشروطاً بالعوض فلا يجري فيه التقايل ولا
الخيار عندئذٍ، بل حاله حال سائر ما يملك بالأسباب القهريّة غير العقديّة.
الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۱۵۷-۱۸۴.