• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

حاجة البشر للهداية الدينية

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



حاجة البشر للهداية الدينية:انّ الانسان یملک ثلاثة انواع من الحاجات: الحاجات الطبيعية:انّ اوّل نوع من حاجة الانسان‌ ما یتّصل بدائرة الحیاة الطبیعیة، من قبیل الحاجة للغذاء، المسکن، الدفاع عن النفس، الانتقال من مکان الی آخر.لانّ من الممکن ان تؤدّی بعض اسالیب تسخیر الطبیعة الی مفاسد اخلاقیة واجتماعیة، وبالتالی تقف حاجزاً امام مسیرة الانسان التکاملیة، فلابدّ من نهیه عن اتّخاذ مثل هذه الاسالیب والاعمال السلبیة.
والحاجات المعنوية والروحية :والتي تتّصل بدائرة النفس الإنسانية وتكون منشأ الميول الخيّرة أو الشريرة في واقع الإنسان وتؤدّي إلى صدور سلوكيات تتّسم ب القيمة الأخلاقية أو ما يخالف القيم في حياة الإنسان، مثل الحاجة للهدوء النفسي والروحي والحاجة للعبادة، ومعرفة سرّ الوجود وعلّة خلق الإنسان والعالم، والحاجة إلى الحبّ و الإحسان، وأمثال ذلك، وحاجة الإنسان للفقه لإشباع هذه الحاجات أمر واضح جدّاً، لأنّه بالرغم من أنّ عقل الإنسان وفطرته يدركان الخير والشرّ والحقّ والباطل في حدود معينة ويقودان الإنسان إلى ما فيه صلاحه وخيره في هذا المجال، إلّا أنّنا نعتقد بأنّ تعقيد المسائل النفسية والروحية وتدخّل النوازع و الأهواء النفسانية في هذه العملية كبير جدّاً إلى حدّ أنّه لو لم يتدخّل الوحي في عملية إرشاد الإنسان وهدايته وتفويض زمام أمره إلى العقل و التجربة البشرية، فإنّ الإنسان سيتحرّك قطعاً في خطّ الانحراف والخطيئة. على هذا الأساس فإنّ قسماً مهمّاً من الشريعة المقدّسة اختصّت بأمر العبادات لتدارك هذه الحاجات المعنوية، والفقه الإسلامي تكفّل إرشاد الإنسان إلى طريق العبودية والإيمان والتحلّي ب مكارم الأخلاق بالاستعانة بالركنين الآخرين: الأخلاق و العقيدة.
والحاجات الإجتماعية:التي أفرزتها ضرورة الإرتباط مع الآخرين والحياة إلى جانب أفراد المجتمع، سواءً كانت هذه الضرورة تمتدّ إلى باطن النفس البشرية والفطرة الإنسانية و الحاجات الروحية، أم تمتدّ بجذورها إلى الحاجات الطبيعية،إنّ الاستجابة لهذا القسم من الحاجات، وبشكل عام تنظيم العلاقات الاجتماعية لأفراد البشر، يتسبّب في إيجاد الأنظمة و المؤسسات المدنية والاجتماعية من قبيل ن ظام الأُسرة و الملكية و الاقتصاد و السياسة و الحكومة. إنّ حاجة المتدينين للفقه في مجال رفع مشكلات هذا القسم من الحاجات، أمر بيّن أيضاً.



في البداية ومن أجل أن نتعرّف على الموارد والدوائر التي يحتاج الإنسان فيها للهداية الدينية، وبالتالي يحتاج لوضع القوانين و المقرّرات، وما ينبغي له وما لا ينبغي في واقع الحياة، وبما أنّ الإنسان في حركة حياته يحتاج إلى أمور مختلفة وكلّ حاجة يمكن أن تكون لها حلول متعدّدة، فإنّ الشريعة وكذلك الفقه الإسلامي يعتبر أفضل الحلول، ويمنح الإنسان أحسن الاستجابات لهذه الحاجات، ويقرّر في أحكامه السلوك السليم والصحيح لرفع هذه الحاجات وحلّ تلكم المشكلات.
امّا ما هی الحاجات والمشاکل التی یواجهها الانسان فی واقع الحیاة وفی ایّ موارد؟ فی مقام الجواب ینبغی القول: انّ الانسان یملک ثلاثة انواع من الحاجات:

۱.۱ - الحاجات الطبیعیة

انّ اوّل نوع من حاجة الانسان‌ ما یتّصل بدائرة الحیاة الطبیعیة، من قبیل الحاجة للغذاء، المسکن، الدفاع عن النفس، الانتقال من مکان الی آخر. وربّما یقال انّه ومن اجل اشباع هذا النوع من الحاجات، لا یحتاج الانسان الی الفقه، لانّ الحاجات موجودة ومتوفّرة بشکل مباشر فی المحیط الطبیعی الذی یعیش فیه، ویکفی لرفعها ان یقوم الانسان لاشباع هذا النوع من الحاجات بالسعی المتواصل لاستغلال عناصر الطبیعة ویستثمرها لصالحه ویعمل علی تسخیر موارد الطبیعة حوله فی تحقیق هذا المطلوب، ویکفی للانسان ان یستخدم العقل و العلم و قدرة الابداع فیه للوصول الی هذا الهدف، ولا یحتاج حینئذٍ لتدخّل الدین، لانّ تطویع قوی الطبیعة والعمل علی اعمار الحیاة فی بُعدها المادّی لا یرتبط بهدایة او ضلالة الانسان، لیکون مشمولًا لمقرّرات الشریعة وقوانین الفقه. وببیان آخر: انّ رسالة الدین لا تقوم علی اساس تعلیم العلوم والفنون لتسخیر الطبیعة للانسان، لانّ ارتکاب الخطا فی هذه المساحة لا یؤدّی اطلاقاً الی انحراف الانسان عن خطّ الهدایة والسقوط من اُفق الانسانیة، مثلًا اکتشف الانسان بعد الفی عام من عمر نظریة بطلیموس حول الارض و الکرات السماویة، خطا هذه النظریة واستبدلها بنظریة جدیدة، وهی نظریة کبرنیک و غالیلو، ومثل هذا الخطا لا یتقاطع مع وصول الانسان الی آفاق السعادة ولا یؤثّر علی مسیرة الانسان والغایة من خلقته‌.
[۱] مقالة مکانة الفقه فی الفکر الاسلامی، مجلّة فقه اهل البیت، السنة الثانیة، العدد ۱، ص۲۱۵ و ۲۱۶.
وفی مقام الجواب یمکن القول: انّ هذا الکلام صحیح ومقبول من جهة، وهی انّ رسالة الدین لاتتمثّل فی تعلیم الانسان العلوم و الفنون والاسالیب المختصّة بتسخیر الطبیعة، ولکنّ هذا المعنی لا یعنی انّ الاسلام لم یقرّر ایّ حکم من الاحکام لهذه النشاطات والفعالیات التی یقوم بها الانسان فی حرکة حیاته الطبیعیة، لانّ من الممکن ان تؤدّی بعض اسالیب تسخیر الطبیعة الی مفاسد اخلاقیة واجتماعیة، وبالتالی تقف حاجزاً امام مسیرة الانسان التکاملیة، فلابدّ من نهیه عن اتّخاذ مثل هذه الاسالیب والاعمال السلبیة، علی سبیل المثال فانّ الاسلام فی المسائل الاقتصادیة وما یتعلّق بالمصارف قد حرّم الاسالیب التی تفضی الی الربا، وکذلک حرّم بیع وشراء المخدّرات و المشروبات الکحولیة وجمیع الامور المضرّة للانسان فی بدنه وروحه واخلاقه. کان النبیّ الاکرم (صلی‌الله‌علیه‌و‌آله‌وسلّم) یعلم عن طریق الوحی بانّ النوع الفلانی من اللحم مفید للانسان والنوع الآخر مضرّ، وقد احلّ الاول بحکم الهی وحرّم الثانی، وهکذا بالنسبة لسائر الانواع من المشروبات والامور المتعلقة بحیاة الانسان المادیة. وبعبارة اخری: انّ عدم تدّخل الشریعة فی مجالات العلوم والفنون المرتبطة بتسخیر الطبیعة، لیس بمعنی عدم وضع احکام کلیّة لهذه الاسالیب ووضعها فی اطار هادف لخدمة الإنسان في طريق سعادته وتكامله (ولعلّ قائل هذا الكلام لا ينكر هذا المطلب) لأنّه بالرغم من أنّ الإنسان يتمكّن من خلال السعي الجادّ واستخدام العقل و العلم من إشباع حاجاته الطبيعية بواسطة تسخير الأشياء الموجودة في عالم الطبيعة، ولكن لا شكّ في أنّ هذه العناصر تتزاحم عادة مع عناصر أخرى من شأنها تهديد حياة الإنسان وبقائه، ولابدّ من مواجهتها والتصدّي لها وإبعادها عن حياة الإنسان، ومن جهة أخرى فإنّ الكثير من أفراد البشر لا يعيشون القناعة، بل يطلبون المزيد حتّى بعد إشباع حاجاتهم الطبيعية، فبعد أن يحرزوا أصل بقائهم ووجودهم، يتحرّكون لإشباع رغباتهم وميولهم النفسانية من حياة الترف واللذائذ، وفي ظلّ هذا التزاحم والصراع وطلب المزيد ومع عدم الالتزام الديني، فإنّ احتمالات الانحراف والزيغ ستزداد قطعاً، هذه الإنحرافات تؤدّي إلى تكريس ظواهر الفقر والفساد والتمييز في أجواء المجتمع البشري، ومن الطبيعي أنّ حالات الفقر و الفساد و التمييز العنصري والعرقي تؤثّر تأثيراً مباشراً على روح الإنسان ونفسه وتسبّب بدورها مزيداً من حالات اليأس و الجنوح الأخلاقي.
ولهذا السبب نرى وجود واجبات ومحرّمات كثيرة في الفقه الإسلامي في مجال المسائل التي تتّصل بحياة الإنسان الطبيعية، لحفظه من خطر النفس الأمّارة بالسوء. والشاهد على هذا الكلام وجود كتاب الطهارة و النجاسة في‌الفقه لحفظ الإنسان في مجال الصحّة ورعاية الأمور الصحيّة، وكتاب الأطعمة والأشربة لإبعاد الإنسان عن الأطعمة المضرّة في بدنه أو المضرّة بحاله المعنوي والأخلاقي، وكذلك تحريم بعض أشكال السلوكيات والأعمال المضرّة تجاه الطبيعة حيث تشكّل خطراً على البيئة، وبشكل عام فهناك أحكام تقرّر حرمة الإضرار بالنفس وما يشكل خطراً على سلامة جسم الإنسان وروحه (وربّما لا يدرك الإنسان نفسه خطر هذه الأمور).

۱.۲ - الحاجات الروحية والمعنوية

النوع الثاني من الحاجات، هي الحاجات الروحية والمعنوية والتي تتّصل بدائرة النفس الإنسانية وتكون منشأ الميول الخيّرة أو الشريرة في واقع الإنسان وتؤدّي إلى صدور سلوكيات تتّسم ب القيمة الأخلاقية أو ما يخالف القيم في حياة الإنسان، مثل الحاجة للهدوء النفسي والروحي والحاجة للعبادة، ومعرفة سرّ الوجود وعلّة خلق الإنسان والعالم، والحاجة إلى الحبّ و الإحسان، وأمثال ذلك.
ولا شكّ في أنّ الاستجابة الصحيحة و الإشباع السليم لهذه الحاجات في الإنسان يؤدّي إلى تصحيح مسيرته في خطّ العدالة والفضيلة، وعلى العكس من ذلك فإنّ الاستجابة السقيمة والإشباع غير الصحيح يورثه حالات الكفر و الظلم والكراهية.
إنّ حاجة الإنسان للفقه لإشباع هذه الحاجات أمر واضح جدّاً، لأنّه بالرغم من أنّ عقل الإنسان وفطرته يدركان الخير والشرّ والحقّ والباطل في حدود معينة ويقودان الإنسان إلى ما فيه صلاحه وخيره في هذا المجال، إلّا أنّنا نعتقد بأنّ تعقيد المسائل النفسية والروحية وتدخّل النوازع و الأهواء النفسانية في هذه العملية كبير جدّاً إلى حدّ أنّه لو لم يتدخّل الوحي في عملية إرشاد الإنسان وهدايته وتفويض زمام أمره إلى العقل و التجربة البشرية، فإنّ الإنسان سيتحرّك قطعاً في خطّ الانحراف والخطيئة. على هذا الأساس فإنّ قسماً مهمّاً من الشريعة المقدّسة اختصّت بأمر العبادات لتدارك هذه الحاجات المعنوية، والفقه الإسلامي تكفّل إرشاد الإنسان إلى طريق العبودية والإيمان والتحلّي ب مكارم الأخلاق بالاستعانة بالركنين الآخرين: الأخلاق و العقيدة.

۱.۳ - الحاجات الاجتماعية

النوع الثالث هو الحاجات الاجتماعية، أي الحاجات التي أفرزتها ضرورة الإرتباط مع الآخرين والحياة إلى جانب أفراد المجتمع، سواءً كانت هذه الضرورة تمتدّ إلى باطن النفس البشرية والفطرة الإنسانية و الحاجات الروحية، أم تمتدّ بجذورها إلى الحاجات الطبيعية.
إنّ الاستجابة لهذا القسم من الحاجات، وبشكل عام تنظيم العلاقات الاجتماعية لأفراد البشر، يتسبّب في إيجاد الأنظمة و المؤسسات المدنية والاجتماعية من قبيل ن ظام الأُسرة و الملكية و الاقتصاد و السياسة و الحكومة. إنّ حاجة المتدينين للفقه في مجال رفع مشكلات هذا القسم من الحاجات، أمر بيّن أيضاً، لأنّه:
أوّلًا: إنّ اتّساق وانسجام النظم المذكورة مع الغاية الكلّية للدين وهي هداية الإنسان وحركته في خطّ الكمال المعنوي، يعدّ أمراً ضرورياً، لأنّه من الواضح في صورة عدم تحقّق الانسجام بين هذه الأمور، فإنّ ذلك من شأنه أن يقود الإنسان نحو وادي الانحراف والسقوط والابتعاد عن مسير الهداية والصلاح.
ثانياً: إنّ هذا الانسجام يتطلّب وجود واجبات ومحرّمات ومقرّرات وقوانين لا يستطيع العقل البشريّ لوحده ولا التجربة البشرية من ضمان وتأمين هذه الأمور، بل يجب التوجّه في ذلك إلى الفقه والاقتباس من منهله، الفقه الّذي يستوحي أحكامه من الوحي الإلهي، وعلى هذا الأساس نرى وجود أحكام كثيرة في أبواب المعاملات والأحوال الشخصية في الفقه تتكفّل منح الإنسان الطهر والصفاء و الطمأنينة في حركته الاجتماعية.

۱.۳.۱ - قصور العقل والحس في وضع المقررات

وببيان آخر: إنّ الإنسان بعقله وفهمه لا يمكنه وضع قوانين ومقرّرات صحيحة في هذا المجال، حيث إنّه كما يملك القدرة على الصلاح والفلاح، فهو يملك القدرة أيضاً على الفساد و الطغيان: «إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَّآهُ اسْتَغْنَى» حيث يعيش الإنسان في نوازعه النفسانية حالات الظلم و الجهل و الحرص و الطمع بأموال و حقوق الآخرين وعدم القناعة بحقّه وماله، ومع هذا الحال كيف يعقل أنّ الدين الذي جاء لهداية الإنسان إلى سعادة الدنيا والآخرة، يترك الإنسان لوحده ليقوم بتنظيم حياته الاجتماعية من خلال الاستعانة بعقله وتجاربه ويقرر الدين صحة هذه التجارب والمعطيات البشرية في حركة الحياة الاجتماعية.


۱. مقالة مکانة الفقه فی الفکر الاسلامی، مجلّة فقه اهل البیت، السنة الثانیة، العدد ۱، ص۲۱۵ و ۲۱۶.



موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المأخوذ من عنوان «حاجة البشر للهداية الدينية» ج۱، ص۴۸-۵۱.    






جعبه ابزار