حج القران
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
والقارن كالمفرد في كيفيته وشروطه إلاّ أنه يضمّ إلى
إحرامه سياق الهدي.
(والقارن كالمفرد) في كيفيته وشروطه (إلاّ أنه يضمّ إلى إحرامه سياق الهدي) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر؛ للصحاح المستفيضة، منها : «القارن الذي يسوق
الهدي عليه طوافان بالبيت، وسعى واحد بين الصفا والمروة، وينبغي له أن يشترط على ربه إن لم يكن حجة فعمرة».
ومنها : «لا يكون قِران إلاّ بسياق الهدي، وعليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام
إبراهيم عليه السلام ، وسعى بين الصفا والمروة، وطواف بعد الحج وهو
طواف النساء ».
ونحوه آخر، بزيادة قوله : «كما يفعل المفرد، وليس أفضل من المفرد إلاّ بسياق الهدي».
والتقريب فيها حصر أفعال القِران فيما ذكر فيها، فيكون أفعال العمرة خارجة عنه، وجعل امتياز القِران عن
الإفراد بسياق الهدي خاصة، فلا يكون غيره معتبراً. وظاهر
التذكرة والمنتهى
أنه لا خلاف فيه بيننا، إلاّ من العماني، وفاقاً لجمهور العامة، فزعم أن القارن يعتمر أوّلاً، ولا يحلّ منها حتى يحلّ من الحج، مع أنه في غيرهما عُزي إلى
الجعفي والشيخ في الخلاف أيضاً.
وحجتهم عليه غير واضحة، عدا روايات استدلّ لهم بها.
وهي غير ظاهرة الدلالة، كما اعترف به جماعة.
نعم قيل بعد نقل القول من
العماني : ونزّل عليه أخبار حجّ
النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، فإنه قدم مكة وطاف وصلّى ركعتيه وسعى، وكذا الصحابة، ولم يحلّ، وأمرهم بالإحلال وقال : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم ولكني سقت الهدي، وليس لسائق الهدي أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه، وشبّك أصابعه بعضها إلى بعض، وقال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة».
والمعظم نزّلوها على أنه صلي الله عليه وآله وسلم إنما طاف طواف الحج وسعى سعيه مقدّماً على الوقوفين ، وأمر الأصحاب بالعدول إلى العمرة وقال : دخلت العمرة في الحج أي حج التمتع ، وفقهه أن الناس لم يكونوا يعتمرون في أيام الحج ، والأخبار الناطقة بأنه صلي الله عليه وآله وسلم أحرم بالحج وحده كثيرة.
أقول : وجملة منها صحيحة.
ثم في كلام القيل : وممّا يصرّح بجميع ذلك : الخبر المروي في
علل الصدوق ، وفيه : عن
اختلاف الناس في الحج ، فبعضهم يقول : خرج
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مُهلاًّ بالحج ، وقال بعضهم : مُهلاًّ بالعمرة ، وقال بعضهم : خرج قارناً ، وقال بعضهم : خرج ينتظر أمر الله عز وجل ، فقال
أبو عبد الله عليه السلام : « علم الله عز وجل أنها حجة لا يحجّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدها أبداً ، فجمع الله عزّ وجلّ له ذلك كلّه في سفرة واحدة ليكون جميع ذلك سنّة لأُمته ، فلمّا طاف بالبيت وبالصفا والمروة أمره
جبرئيل عليه السلام أن يجعلها عمرة إلاّ من كان معه هدي ، فهو محبوس على هديه لا يحلّ ، لقوله عزّ وجل : ( حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) فجمعت له العمرة الحج ، وكان خرج على خروج العرب الأول ، لأن العرب كانت لا تعرف إلاّ الحج ، وهو في ذلك ينتظر أمر الله عز وجل وهو عليه السلام يقول : الناس على أمر جاهليتهم إلاّ ما غيّره
الإسلام ، وكانوا لا يرون العمرة في
أشهر الحج ، _ فشقّ على أصحابه حين قال : اجعلوها عمرة ، لأنهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحج ، _ وهذا الكلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان في الوقت الذي أمرهم بفسخ الحج ، فقال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وشبّك بين أصابعه » يعني في أشهر الحج ، قال الراوي : قلت له : أفيعتدّ بشيء من الجاهلية؟ فقال : « إن
أهل الجاهلية ضيّعوا كل شيء من دين إبراهيم عليه السلام إلاّ الختان والتزويج والحج، فإنهم تمسّكوا بها ولم يضيّعوها».
وفي الصحيح : «أنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهلّ بالحج وساق مائة بدنة وأحرم الناس كلّهم بالحج لا يريدون العمرة ولا يدرون ما المتعة حتى إذا قدم رسول الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة طاف بالبيت وطاف الناس معه، ثم صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام واستلم الحجر، ثم أتى زمزم فشرب منها، وقال : لو لا أن أشقّ على أُمتي لاستقيت منها ذَنوباً أو ذَنوبين، ثم قال : ابدءوا بما بدأ الله عزّ وجل به فأتى الصفا ثم بدأ به، ثم طاف بين الصفا والمروة سبعاً، فلمّا قضى طوافه عند المروة قام فخطب أصحابه وأمرهم أن يحلّوا ويجعلوها عمرة، وهو شيء أمر الله عزّ وجلّ به، فأحلّ الناس وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم» الخبر.
وعن
الإسكافي يجمع بين النسكين بنية واحدة، فإن ساق الهدي طاف وسعى قبل الخروج إلى عرفات ولا يتحلل، وإن لم يسق جدّد
الإحرام بعد الطوف ولا يحلّ له النساء وإن قصّر. وكأنه نزّل عليه نحو الصحيح : «أيّما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح، إلاّ أن يسوق الهدي قد أشعره وقلّده، و
الإشعار أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها، وإن لم يسق الهدي فليجعلها متعة».
ونزّله الشيخ في
التهذيب على قوله : إن لم يكن حجّة فعمرة، قال : ويكون الفرق بينه وبين المتمتع أن المتمتع يقول هذا القول وينوي العمرة قبل الحج، ثم يحلّ بعد ذلك ويحرم بالحج فيكون متمتعاً، والسائق يقول هذا القول وينوي الحج، فإن لم يتم له الحج فيجعله عمرة مقبولة. وبُعده ظاهر.
والأظهر في معناه أن القِران لا يكون إلاّ بالسياق، أو أنه عليه السلام نهى عن الجمع بين الحج والعمرة وقال : إنه لا يصلح، وأن قوله «إلاّ أن يسوق»
استثناء من مقدّر، كأنه قال : ليس القران إلاّ أن يسوق، فإن لم يسق فليجعلها متعة، فإنها أفضل من
الإفراد ، ويدلُّ عليه قوله عليه السلام أول الخبر متصلاً بما ذكر : إنما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلاّ بسياق الهدي، وعليه طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام وسعي واحد بين الصفا والمروة وطواف بالبيت بعد الحج». ولعلّ قوله رسول الله صلى الله عليه وآله «بين الصفا والمروة» متعلق بالنسك، أي إنما نسك القارن أي سعيه بين الصفا والمروة، أو سعيه وطوافه؛ لأن الكعبة محاذية لما بينهما، كنسك المفرد بينهما، وإنما عليه طوافان بالبيت وسعى واحد، كلّ ذلك بعد الحج أي الوقوفين، أو الطواف الثاني وهو طواف النساء بعده، ثم صرّح عليه السلام بأنه لا قران بلا سياق، أو بأن القران بين النسكين غير صالح.
انتهى كلامه أعلى الله مقامه. وإنما نقلناه بطوله لتكفّله لتحقيق البحث كما هو، وجودة محصوله. واعلم أن إحرام القارن ينعقد بالتلبية والإشعار والتقليد على الأظهر الأشهر كما سيذكر.
(و) ذكر جماعة من الأصحاب من غير خلاف،
وربما قيل
المشهور أنه (إذا لبّى) وعقد إحرامه بها (استحب له إشعار ما يسوقه من البُدن) ولعلّه لإطلاق
الأمر بهما في النصوص، وإلاّ فلم نقف في ذلك على أمر بالخصوص. وهو على ما ذكره الأصحاب كما في
المدارك والذخيرة
أن (يشقّ سنامه من الجانب الأيمن ويلطّخ صفحته بالدم) والصحاح به مستفيضة، إلاّ أنها خالية عن الأمر بلطخ الصفحة بالدم، منها : عن البدنة كيف يشعرها؟ قال : «يشعرها وهي باركة، وتنحرها وهي قائمة، وتشعرها من الجانب الأيمن ثم تحرم إذا قلّدت أو أشعرت»
هذا إذا كان معه بدنة واحدة. (ولو كانت) معه (بدناً) كثيرة (دخل بينها وأشعرها يميناً وشمالاً) من غير أن يرتبها ترتيباً يوجب الإشعار في اليمين، كما في الصحيح
وغيره.
(و) كما يستحب إشعارها كذا يستحب (التقليد) لها كما يستفاد من المعتبرة، منها الصحيح : «البدنة يشعرها من جانبها الأيمن ثم يقلّدها بنعل قد صلّى فيها».
وفي القويّ : ما بال
البدنة تقلّد النعل وتشعر؟ فقال : «أما النعل فتعرف أنها بدنه ويعرفها صاحبها بنعله، وأما الإشعار فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها، فلا يستطيع
الشيطان أن يمسّها».
وهو على ما يستفاد منهما ومن غيرهما (أن يعلِّق في رقبته نعلاً قد صلى فيها) السائق نفسه كما هو ظاهرهما، ولا سيّما الثاني، وأظهر منهما الصحيح : «تقلّدها نعلاً خلقاً قد صلّيت فيها».
هذا حال البُدن.
(و) أما (الغنم) وكذا البقر ف (يقلّد لا غير) فيما ذكره الأصحاب، قالوا : لضعفهما عن الإشعار،
وفي الصحيح : «كان الناس يقلّدون الغنم والبقر، وإنما تركه الناس حديثاً ويقلّدون بخيط وسَيْر».
(السَّيْر : ما يُقَدّ من المجلد ، والجمع : السُّيُور.)
وإنما حكم الأصحاب باستحباب
التقليد والإشعار مع إفادة الأمر بهما الوارد في النصوص الوجوب؛ للأصل، والصحيح : في رجل ساق هدياً ولم يقلّده ولم يشعره، قال : «قد أجزأ عنه، ما أكثر ما لا يقلّد ولا يشعر ولا يجلّل».
رياض المسائل، ج۶، ص۱۲۶- ۱۳۲.