حد تكرار الزنا
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولو تكرر
الزنى، كفى
حد واحد؛ ولو حد مع كل واحد مرة قتل في الثالثة، وقيل: في الرابعة وهو
أحوط؛ والمملوك إذا أقيم عليه
حد الزنى سبعا قتل في الثامنة، وقيل: في التاسعة؛ وهو أولى.
ولو تكرّر
الزنا من الحرّ أو المملوك ولم يحدّ فيما بينها كفى أن يقام عليه حَدٌّ واحد مطلقاً، على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخّر، وادّعى عليه الشهرة المطلقة جماعة، ومنهم:
الفاضل في
المختلف، بل ظاهره بلوغها الإجماع حيث استند إليها، مع أنّ
الشهرة الغير البالغة حدّه ليست حجّة عنده.
قيل:
لأصالة البراءة، وصدق الامتثال، وابتناء الحدود على التخفيف، وللشكّ في وجوب الزائد فيدرأ بالشبهة
.
وفي الأولين مناقشة؛ لاقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبَّبات، والتداخل خلاف الأصل.
لكن مقتضى هذا: لزوم التعدّد مطلقاً، ولو كان المزنيّ بها مكرّراً واحدة، ولم يقل به أحد من
الطائفة، حتى
الإسكافي والصدوق، اللذين حكي عنهما الخلاف في المسألة، فإنّهما قالا بما عليه الجماعة إن وقع التكرار بامرأة واحدة، وأوجبا التعدّد إن وقع بالمتعدّدة
. وحينئذ، فلا يمكن الأخذ بالقاعدة المقتضية لتعدّد المسبّبات عند تعدّد أسبابها؛ لمخالفة عمومها
الإجماع هنا، فلا بُدّ من المصير إلى أحد القولين: إمّا التفصيل المتقدّم، أو المنع عن التعدّد مطلقاً.
والأوّل غير ممكن؛ لعدم الدليل عليه، عدا خبر واحد
قاصر
السند، بل ضعيف شاذّ مطروح، كما صرّح به
الماتن في
الشرائع.
فتعيّن الثاني.
وينبغي تقييده بما إذا اقتصى الزنا المتكرّر نوعاً واحداً من
الحدّ جلداً، أو رجماً، أو نحوهما أمّا لو اقتضى حدوداً مختلفة كأن زنى بكراً، ثم زنى محصناً توجّه عليه الحدّان معاً.
ولا ينافيه إطلاق العبارة ونحوها؛ لعدم انصرافها بحكم
التبادر إلى الصورة الأخيرة جدّاً؛ مع تصريحهم كما سيأتي إن شاء الله تعالى بأنّه إذا اجتمع عليه الحدّ والرجم جُلِدَ أوّلاً، وهو كالصريح فيما ذكرنا.
ولو حُدَّ مع كلّ مرّة قُتِلَ في الثالثة وفاقاً
للصدوقين والحلّي؛ للصحيح: «إنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة»
وادّعى الإجماع عليه في
السرائر.
وقيل كما عن
المقنعة والنهاية والمبسوط والكافي والجامع والوسيلة والانتصار والغنية: بل يقتل في الرابعة، وهو أشهر، كما ادّعاه جمعٌ ممن تأخّر
، معترضين به إجماع الحلّي.
أقول: مع أنّه معارض بالإجماع المحكيّ في الانتصار والغنية على الحكم في خصوص المسألة، ولا كذلك إجماعه؛ لكونه مدّعى على الحكم كلّية في كلّ كبيرة، فيترجّح إجماعهما على إجماعه، سيّما مع تعدّده، فيخصَّص به إجماعه والصحيح المتقدّم؛ لعمومه، مع معارضته أيضاً بكثير من
النصوص.
كالموثّق: «الزاني إذا جُلِدَ ثلاثاً يُقَتل في الرابعة»
.
والخبر المرويّ عن
العيون والعلل، عن
محمّد بن سنان، عن
مولانا الرضا (علیهالسّلام) فيما كتب إليه: «وعلّة القتل بعد إقامة الحدّ في الثالثة على الزاني والزانية لاستخفافهما» إلى آخر الرواية
.
وقريب منهما اخرى آتية؛ وقصور السند مجبور بالشهرة الظاهرة والمحكيّة في كلام جماعة، والإجماعات المنقولة، كما عرفته.
وهذه النصوص مخصِّص آخر أيضاً للصحيحة المتقدّمة. فإذاً هذا القول في غاية القوّة، مع كونه
أحوط بلا خلاف ولا شبهة؛ لما فيه من عدم التهجّم على إراقة الدماء، وحفظ النفس المحترمة.
وأمّا القول بقتله في الخامسة كما يحكى عن
الخلاف فشاذٌّ غير واضح المستند، مخالف للإجماع.
والمملوك وكذا المملوكة إذا أُقيم عليه حدّ الزنى سبعاً قُتِل في الثامنة وفاقاً للشيخين والصدوقين
والديلمي والحلبي والحلّي
وابن حمزة والسيّدين في الانتصار والغنية مدّعيَين عليه إجماع
الإماميّة، ونسبه في السرائر إلى أصحابنا ما عدا
الشيخ في النهاية، مشعراً بدعوى الإجماع عليه أيضاً؛ وهو
الحجّة.
مضافاً إلى الصحيحة: «إذا زنى العبد ضرب خمسين، فإن عاد ضرب خمسين، فإن عاد ضرب خمسين إلى ثماني مرّات، فإن زنى ثماني مرّات قتل»
.
ويناسبه ما مرّ من الأدلّة على قتل الحرّ في الرابعة؛ بناءً على تنصيف حكم المملوك.
وقيل كما عن النهاية
والقاضي: بل يقتل في التاسعة واختاره
الفاضل في
المختلف وولده في
الإيضاح.
للخبر: في أمة زنت، قال: «تجلد خمسين جلدة» قلت: فإنّها عادت، قال: «تجلد خمسين» قلت: فيجب عليها
الرجم في شيء من الحالات؟ قال: «إذا زنت ثماني مرّات يجب عليها الرجم» قلت: كيف صار في ثماني مرّات؟ فقال: «لأنّ الحرّ إذا زنى أربع مرّات وأُقيم عليه الحدّ قتل، فإذا زنت الأمة ثماني مرّات رجمت في التاسعة»
.
وضعف سنده يمنع عن العمل به، سيّما مع اختلال متنه بتضمنه تعليل
القتل في التسع بمناسبته لتنصيف حدّ المملوك عن حدّ الحرّ، ولا ريب أنّها تقتضي القتل في الثامنة كما عرفته وصرّح به جماعة، فلا يمكن الجمع بينهما، ولا الحكم بخلل التعليل؛ لموافقته الأدلّة المتكاثرة من
الفتوى والرواية، فتعيّن توجّه الخلل إلى الحكم بالقتل في التاسعة، سيّما مع منافاته لصدر الرواية، فإنّ ظاهره كالصحيحة السابقة هو القتل في الثامنة.
مع أنّه أيضاً تضمّن الأمر بالرجم، وهو ينافي جواز مطلق القتل ولو بغيره، المتّفق عليه حتى من أرباب هذا القول.
ولا جابر لهذه القوادح وغيرها من نحو القصور عن المقاومة للأدلّة المتقدّمة؛ لاشتهارها شهرة عظيمة، دون هذه الرواية، سيّما مع رجوع الشيخ في
المبسوط والخلاف عنها إلى ما عليه الجماعة، فلم يبق من القدماء قائل بهذا القول عدا القاضي، وهو بالنسبة إلى باقيهم نادرٌ جدّاً، كندرة الفاضل وولده بالنسبة إلى باقي المتأخّرين؛ إذا لم يصر أحد منهم إلى ترجيح هذا القول صريحاً، وإن احتاطوا به فقالوا: وهو أولى لعين ما في المسألة السابقة قد مضى.
وفيه نظر جدّاً؛ إذ الأولويّة حسنة حيث يحصل شبهة للحدّ دارئة، وهي في المسألة بعد ما عرفت من قيام الأدلّة القويّة من الصحيحة، والإجماعات المحكيّة، والشهرة العظيمة المتحقّقة مفقودة، وإن لم يحصل منها سوى المظنّة؛ لكونها من
المجتهد بمنزلة
العلم والمعرفة كما برهن في محلّه، ولذا يكتفى بها في سائر المواضع المأمور فيها بتحصيل العلم اتّفاقاً، فينبغي الاكتفاء بها هنا أيضاً؛ والاحتياط في العمل بالأخذ بالمتيقّن حسن حيث لم يكن فيه مخالفة
الاحتياط من وجه آخر، كما في محلّ البحث، فإنّ ترك قتله في الثامنة بعد ثبوت الأمر به
بالظنّ الاجتهادي يوجب تعطيل حدود الله تعالى.
اللهمّ إلاّ أن يقال: إذا دار الأمر بين محظورين كان الاحتياط في اجتناب أكثرهما ضرراً، ولا ريب أنّ ضرر قتل النفس المحترمة أشدّ ثم أشدّ من ضرر تعطيل حدود الله سبحانه، فتأمّل.
وهنا قول آخر بالتفصيل محكيّ عن
الراوندي، مأخذه الجمع بين الخبرين، بحمل الأوّل على ما إذا أُقيمت
البيّنة، والثاني على حالة
الإقرار.
وهو مع شذوذه تحكّم، كما صرّح به جمع
؛ لفقد
التكافؤ، ثم
الشاهد.
وفي الروايتين: أنّ
الإمام يدفع ثمن المملوك بعد قتله إلى مواليه من
بيت المال، واختاره بعضهم
، ونفى عنه
الشهيد البعد
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۴۹۰-۴۹۶.