حرمة قطع الصلاة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يحرم قطع
الصلاة بلا خلاف على الظاهر.
(ويحرم قطع الصلاة) بلا خلاف على الظاهر، المصرّح به في عبائر جماعة، معربين عن دعوى
الإجماع عليه، كما صرّح به جملة منهم في جملة من المنافيات المتقدمة، كالشهيد ; في
الذكرى في الكلام، والحدث في الأثناء، وتعمّد القهقهة.
وهو الحجة، مضافا إلى الآية الكريمة (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)
والنهي
للتحريم ، خرج منه ما أخرجه الدليل ويبقى الباقي، والعبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل، والعام المخصص حجة في الباقي.
والنصّ بأن «تحريمها التكبير، وتحليلها
التسليم »
ولا معنى لكون تحريمها التكبير.. إلاّ تحريم ما كان محلّلا قبله به، وتحليله بالتسليم وبعده. وفي الصحيح : عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه، أيصلّي على تلك الحال أو لا يصلّي؟ فقال : «إذا احتمل الصبر ولم يخف
إعجالا عن الصلاة فليصلّ وليصبر»
و
الأمر بالصبر حقيقة في الوجوب، ولو لا حرمة القطع لما وجب. وفي آخرين : «لا تقلّب وجهك عن
القبلة فتفسد صلاتك»،
وهو أظهر دلالة على حرمة
الإفساد كلية، حيث علّل به تحريم الالتفات. وفي آخر : «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق، أو غريما لك عليه مال، أو حيّة تتخوفها على نفسك، فاقطع الصلاة واتّبع غلامك وغريمك واقتل الحية».
وهو بمفهومه دالّ على الحكم المزبور، وبمنطوقه على ما ظاهرهم
الاتفاق عليه من الجواز في صورة خوف الضرر بترك القطع، المشار إليها بقوله : (إلاّ لخوف ضرر، كفوات غريم أو تردّي طفل) أو نحو ذلك. مضافا إلى الموثق الوارد فيها : عن الرجل يكون قائما في صلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يخاف ضيعته أو هلاكه، قال : «يقطع صلاته ويحرز متاعه ثمَّ يستقبل القبلة» قلت : فيكون في صلاة الفريضة فتفلّت عليه دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتا، فقال : «لا بأس، يقطع صلاته ويتحرّز ويعود إلى صلاته».
وفي القوي : رجل يصلّي ويرى الصبي يحبو إلى النار، والشاة تدخل البيت لتفسد الشيء، قال : «فينصرف وليتحرّز ما يتخوف منه ويبني على صلاته ما لم يتكلم».
وهو ظاهر في الجواز، لكن مع البناء دون القطع.
و
الاستثناء من المنع يقتضي ثبوت الجواز المطلق المجامع للوجوب و
الاستحباب والكراهة و
الإباحة ، ولذا قسّمه إليها الشهيدان وغيرهما،
فقالوا : يجب لحفظ النفس والمال المحترمين حيث يتعين عليه. ويستحب
لاستدراك الأذان والإقامة وقراءة الجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة، و
للائتمام بإمام
الأصل . ويباح
لإحراز المال اليسير الذي لا يتضرّر بفواته، وقتل الحية التي لا يظن أذاها. ويكره لإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته، قاله في الذكرى واحتمل التحريم. وقال : وإذا أراد القطع فالأجود التحليل بالتسليم، لعموم : «وتحليلها التسليم» ولو ضاق الحال عنه سقط، وإن لم يأت به وفعل منافيا آخر فالأقرب عدم
الإثم ، لأن القطع سائغ، والتسليم إنما يجب التحلّل به في الصلاة التامة.
وهل الحكم بتحريم القطع يختص بالفريضة، أم يعمّها والنافلة؟ ظاهر إطلاق العبارة كغيرها من أكثر الفتاوي والأدلّة الثاني. خلافا للقواعد وشيخنا الشهيد الثاني وغيرهما،
فالأوّل، لمفهوم بعض الصحاح المتقدمة، وخصوصا ما مرّ من المعتبرة في بحث الالتفات عن القبلة.
وهو غير بعيد، لاعتبار هذه الأدلة، فتصلح أن تكون للإطلاقات مقيدة، نعم يكره لشبهة الخلاف الناشئ من
الإطلاق .
(وقيل) والقائل الشيخ في النهاية و
المبسوط والخلاف (يقطعها
الأكل والشرب). ولا ريب فيه إذا بلغا الكثرة، بل على
البطلان حينئذ الإجماع في كلام جماعة.
كما لا ريب في العدم مع النسيان مطلقا، للأصل، مع دعوى
الإجماع عليه في المنتهى.
ويشكل مع القلّة، لعدم دليل على البطلان بهما حينئذ يعتدّ به عدا دعوى الإجماع في الخلاف على البطلان بهما بقول مطلق، وفي
انصرافه إلى القليل منهما نظر، لاختصاصه بحكم التبادر بالكثير، مع أن في المنتهى الإجماع على عدم البطلان
بابتلاع نحو ما بين الأسنان، وبوضع سكرة في فيه فتذوب وتسوق مع الريق.
وفي الصحيح : عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي وفي فيه الخبز ؟ قال : «إن كان يمنعه من قراءته فلا، وإن كان لا يمنعه فلا بأس»
وهو ظاهر أيضا في عدم البطلان. مضافا إلى الأصل، وفحوى النصوص المجوّزة لكثير من الأفعال المتقدمة في بحث الفعل الكثير، من نحو
إرضاع الطفل و
إحضانه وقتل الحية والعقرب ونحو ذلك.
فالأجود وفاقا لجماعة من المتأخرّين
عدم البطلان بالقليل، واختصاصه بالكثير.
ولا فرق في القطع بهما في الجملة أو مطلقا بين الفريضة والنافلة (إلاّ في الوتر لمن عزم الصوم ولحقه عطش) وكان الماء أمامه بعيدا عنه بخطوتين أو ثلاثة، فيجوز له الشرب حينئذ، كما في النص.
وهذا الاستثناء بهذه القيود مجمع عليه كما في التنقيح.
وظاهره عدم الفرق بين القليل والكثير، مع أن في المنتهى : الأقرب
اعتبار القلّة.
وفي المختلف : أن الرخصة إمّا في القليل، أو في الدعاء بعد
الوتر .
أقول : وعليه لا معنى للاستثناء،
لاشتراك مطلق النافلة بل الفريضة أيضا في جواز القليل من الأكل والشرب، بل مطلق الأفعال فيها، إلاّ على القول بالمنع عنهما فيها مطلقا، ولم أجد به قائلا صريحا، بل ولا ظاهرا، لانصراف الإطلاق في كلام الشيخ الذي هو الأصل في هذا القول إلى الكثير المتفق على البطلان به كما مضى. نعم، كل من عطفهما على الفعل الكثير ظاهره كونهما مبطلين عنده مطلقا، فيصحّ الاستثناء على هذا مطلقا ولو قيّد الشرب في المستثنى بالقليل، لكنه خلاف ظاهر النص والأكثر.
وفي جواز
استثناء مطلق النافلة مع القيود المزبورة أو مطلقا كالوتر بدونها إشكال. والأصل يقتضي العدم، كما هو ظاهر الأكثر.
ويحتمل الجواز، لتخلّف حكم النافلة عن الفريضة في مواضع عديدة، مع ورود النص بأن النافلة ليست كالفريضة،
وفي الخلاف : وروي
إباحة الشرب في النافلة.
وظاهره المصير إلى هذا الاحتمال وورود نصّ به، وإن احتمل أن يريد به المنصوص في هذا النص خاصة من غير تعميم لغيره، ولا ريب أن الأحوط العدم.
رياض المسائل، ج۳، ص۲۹۳- ۲۹۸.