حقيقة الإحرام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ظاهر كلمات
الفقهاء الاختلاف في حقيقة
الإحرام ، وهل أنّها من سنخ الأفعال بمعنى
النيّة و
لبس الثوبين والتلبية، أو خصوص
التلبية ، أو هي من سنخ الأحوال والصفات
الاعتباريّة الشرعيّة المسبّبة عن تلك الأفعال
كالطهارة من الحدث؟
ظاهر عبارة الشيخ هو القول بأنّ الإحرام عبارة عن النيّة، حيث إنّه لم يجعل التلبية ركناً،
كما أنّ الظاهر من الحلّي أنّه عبارة عن النيّة والتلبية معاً، ولا مدخليّة للتجرّد ولبس الثوبين فيه.
وصرّح العلّامة أنّه ماهيّة مركّبة من النيّة والتلبية ولبس الثوبين.
ولعلّ مبنى قول الشيخ وغيره- ممّن قال بأنّ النيّة أو
توطين النفس هي حقيقة الإحرام-
إطلاق الإحرام على النيّة من دون التلبية في جملة من الروايات، كخبر
معاوية بن عمّار ، قال: قال عليه السلام: «صلّ المكتوبة، ثمّ أحرم بالحجّ أو بالمتعة، واخرج بغير تلبية حتّى تصعد إلى أوّل البيداء إلى أوّل ميل عن يسارك، فإذا استوت بك الأرض- راكباً كنت أو ماشياً- فلبِّ».
وأمّا مبنى من جعل حقيقة الإحرام التلبية أو هي مع النيّة فهو إطلاق الإحرام في روايات اخرى على التلبية، كخبر معاوية بن عمّار الآخر: «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية و
الإشعار و
التقليد ، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم».
وفي خبر
معاوية بن وهب ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن التهيّؤ للإحرام؟ فقال: «في
مسجد الشجرة ، فقد صلّى فيه
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد ترى اناساً يحرمون، فلا تفعل حتّى تنتهي إلى
البيداء حيث الميل، فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول: لبّيك، اللّهمّ لبّيك».
ولذا ذهب جملة من الفقهاء المحقّقين إلى أنّ الإحرام حالة اعتباريّة تحصل بالنيّة أو
الالتزام أو توطين النفس مع التلبية أو بالتلبية، ويكون فعل المكلّف وإحرامه بمعنى إيجاد تلك الحالة الاعتباريّة خارجاً بأسبابها.
ووجه ذلك ما يستفاد من
استعمالات الشارع وإطلاقه للإحرام بما هو صفة وحالة للمكلّف، كما في قوله تعالى: «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ»،
وقوله تعالى: «وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ
الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً»،
والروايات
الدالّة على أنّ المحرم يحرم عليه كذا وكذا، ممّا يظهر منها جميعاً أنّ الإحرام حالة يتّصف بها المكلّف كالطهارة- مثلًا- ويكون بلحاظها موضوعاً لآثار شرعيّة خاصّة.
وبذلك يظهر وجه المناقشة فيما تقدّم عن الشيخ وغيره وإن نوقش فيه بوجوه اخرى أيضاً.
وأوّل من ذهب إلى هذا القول
المحدّث الأمين الاسترآبادي على ما حكي عنه، وكذا
كاشف الغطاء ، حيث قال: «هو عبارة عن حالة تمنع عن فعل شيء من المحرّمات المعلومة، ولعلّ حقيقة الصوم كذلك، فهما عبارة عن المحبوسيّة عن الامور المعلومة، فيكونان غير القصد والترك أو الكفّ والتوطين، فلا يدخلان في الأفعال ولا الأعدام، بل هما حالتان متفرّعتان عليها».
وبه صرّح
السيّد الحكيم أيضاً.
ولكن اختلفت عبارات القائلين بهذا القول في كيفيّة تصويره، ويمكن تلخيصها ضمن أقوال ثلاثة:
إنّ للإحرام مرتبتين تحصلان في حقّ المكلّف بتلك الأفعال: مرتبة قابلة للنقض تحصل بالنيّة، ومرتبة غير قابلة للنقض يجب عليه فيها جميع التروك، وهي تحصل بالتلبية.
وقد ذكر ذلك
المحقّق النراقي ،
واستوجهه
المحقّق العراقي ، حيث قال: «لكن يمكن الجمع بين هاتين الطائفتين،... بجعل الإحرام ذا مرتبتين: إحداهما ما يحصل بالعقد القابل للنقض، والاخرى ما يحصل بعده بالتلبية غير القابل بعده للنقض».
إنّ الإحرام حالة اعتبارية قصدية تحصل بأمر إنشائيأو بنائي، يوجده المحرم في حقّ نفسه بالالتزام أو البناء على
تحريم المحرّمات على نفسه بالتلبية، فيكون نظير الامور الاعتباريّة في باب العقود و
الإيقاعات .
وقد ذهب إليه
السيّد الگلبايگاني ناسباً ذلك إلى ظاهر
الصدوق والمفيد وسلّار والشيخ في
النهاية والسيد في
الغنية ،
ولعلّه أيضاً مراد من عبّر بأنّه توطين النفس على ترك المحرّمات.
إنّ الإحرام حالة اعتباريّة شرعيّة تترتّب على التلبية بقصد الحجّ أو العمرة قهراً، بلا حاجة إلى
إنشاء التحريم أو العزم عليه، بمعنى أنّه إذا لبّى بقصد الحجّ أو العمرة يتحقّق منه الإحرام قهراً، ولا يتحلّل منه إلّا بالتقصير أو
السعي ، فيكون نظير
اعتبار الطهارة الحدثية.وقد ذهب إلى ذلك
السيّد الخوئي ،
وأضاف في مكان آخر أنّه قد يطلق على التلبية نفسها باعتبارها سبباً لتلك الحالة، كالأسباب التوليديّة أو الطهارة التي تطلق على نفس الوضوء والغسل، قال: «إنّ الإحرام ليس هو الالتزام وتوطين النفس على ترك المحرّمات، بل الإحرام عبارة عن التلبية الموجبة للإحرام والدخول في الحرمة أو عمّا يترتّب على التلبية، فالإحرام اسم للسبب أو للمسبّب، فهو نظير الأفعال التوليديّة المترتّبة على عناوين خاصّة، كالطهارة المترتّبة على الوضوء أو الغسل، ولذا قد يؤمر بالغسل، وقد يؤمر بالطهارة... وهكذا المقام،...
فهما في الحقيقة شيء واحد، فالعزم على ترك المحرّمات خارج عن حقيقة الإحرام، وإنّما هي أحكام مترتّبة على الإحرام، لا أنّها نفس الإحرام».
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۲۲۳-۲۳۰.