حمل السلاح للمحرم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يجب على المحرم في حال الإحرام
الاجتناب عن امور تسمّى بتروك
الإحرام ، منها: حمل السلاح.
المشهور
بين
الفقهاء عدم جواز لبس السلاح للمحرم إلّا مع
الخوف والضرورة، فيجوز حينئذٍ إجماعاً. وهو من المحظورات
المشتركة بين الرجال والنساء وإن قلّ صدوره منهن.
وتدلّ عليه عدّة روايات:
منها: صحيحة
الحلبي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام : «أنّ المحرم إذا خاف العدو يلبس السلاح فلا كفّارة عليه».
ومنها: صحيحة
عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام: أ يحمل السلاح المحرم؟ فقال: «إذا خاف
المحرم عدواً أو سرقاً فليلبس السلاح».
ومنها: صحيحته الاخرى عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: قال: «المحرم إذا خاف لبِسَ السلاح».
ومنها: خبر
زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام : قال: «لا بأس بأن يحرم الرجل وعليه سلاحه إذا خاف العدو».
وهذه الروايات جميعاً تنص بمنطوقها على جواز لبس المحرم السلاح إذا خاف عدواً أو سرقاً، وبمفهومها تدلّ على عدم جوازه إذا لم يخف، كما إذا لبسه
مباهاة أو بدافع آخر، فإنّه غير جائز للمحرم.
ولكن ذهب بعض الفقهاء إلى كراهة لبس المحرم السلاح، وفي
الدروس نسبه إلى الندرة.
قال
المحقّق الحلّي : «ولبس السلاح لغير الضرورة، وقيل: يكره، وهو
الأشبه ».
قال العلّامة الحلّي: «يكره لبس السلاح
اختياراً »،
ونحوه في
التحرير .
وقال في
المنتهى : «دليل
التحريم دليل الخطاب، وهو ضعيف عندنا»،
رغم قوله بحجّية مفهوم الشرط.
ولعلّه- كما ذكر
المحقّق الأردبيلي وغيره- يريد أنّه ليس بشرط، بل ظرف كما هو ظاهر (إذا)، أو أنّ ذلك إنّما يكون حجّة لو علم عدم وجود سبب
أصلًا لاختيار القيد أو ما علم سبب آخر، وهنا معلوم ذلك وهو
الاحتياج حين العدو وعدمه عند عدمه، فالتعليق
باعتبار عدم الاحتياج إلى لبس السلاح عند عدم الخوف لا تحريمه.
وممّا يؤيّده أنّ مقتضى الرواية الاولى لزوم الكفّارة بلبس السلاح مع
انتفاء الخوف، ولا قائل به إلّا فيما يغطّي الرأس كالمغفر أو يحيط بالجسد، وهما إنّما يحرمان لذلك لا لكونهما من السلاح.
والمفهوم من قوله عليه السلام في الرواية الثانية: «فليلبس السلاح» عدم رجحان أخذ السلاح مع عدم الخوف؛ لأنّ الظاهر أنّ منطوقها رجحان
الأخذ معه.
أمّا الدليل على الكراهة فلعلّه
الإجماع على المرجوحيّة مع عدم الحاجة؛
مضافاً إلى ما يستفاد من الروايات من أنّ لبس السلاح أمر مرجوح.
ولكن نوقش فيما ذكر: بأنّ عدم الاحتياج إلى لبس السلاح عند انتفاء الخوف أمر ظاهر لا يحتاج إلى تنبيه عليه ليكون هو الغرض من التعليق، بل الغرض من التعليق- كما فهمه المشهور- هو بيان عدم جواز اللبس عند انتفاء الخوف والضرورة،
وأمّا ما ذكر- من أنّ الخوف في الرواية محقّق للبس السلاح، فالقضية سيقت لبيان
الموضوع - فهو غير صحيح؛ إذ لبس السلاح ليس دائماً لغرض الخوف.
بل ربّما يلبسه
الإنسان للتظاهر و
التفاخر ونحو ذلك من الأغراض،
كما أنّ ما ادّعي من عدم
الكفّارة غير صحيح أيضاً، بل لبس السلاح من غير ضرورة موجب للكفّارة.
ثمّ بناءً على الحرمة، هل يختص الحكم بلبس
آلات الحرب أو يعمّ آلات الوقاية أيضاً؟
ذهب بعض الفقهاء إلى عموم الحكم لآلات
الوقاية كالدرع والمغفر.
لكن استظهر غير واحد من الفقهاء من النصوص
اختصاص الحكم بآلات الحرب؛ نظراً إلى عدم صدق لبس السلاح عليها.
نعم، قد يقال: إنّ لبس الدرع و
المغفر حراماً من جهة كونهما لباساً محيطاً بالبدن أو موجباً لتغطية الرأس.
وقد تقدّم من بعض الفقهاء في لبس المخيط اختصاص حرمة لبس المخيط على الرجال بالثياب
الاعتيادية كالقميص و
السراويل و
العباءة ، أمّا لبس غيرها فلا يكون محرّماً عليه.
نعم، تحرم تغطية الرأس بغير أجزاء
البدن كما مرّ.
ثمّ إنّ المعيار في الحرمة هل هو لبس السلاح فتختص بما إذا كان السلاح قابلًا للّبس عرفاً فلا تشمل مثل حمل الرمح وآلة
البندق والعصا ذات الرأس، أو يكون المدار على كون المحرم مسلّحاً ولو بحمل السلاح بنفسه أو بغيره؟
ظاهر كلمات أكثر الفقهاء هو الأوّل حيث اقتصروا على عنوان اللبس. نعم، حرّم الحلبي حمل السلاح،
وقيل: كأنّه يريد لبسه.
لكن يمكن أن يقال: إنّ هذا الظاهر غير مراد قطعاً، بل المراد من اللبس هنا إمّا ما قاله
المحقّق النجفي وجعل بعض المعاصرين أيضاً المدار على كون الرجل يعدّ مسلحاً
من كون الرجل يعدّ مسلّحاً فيشمل نحو ما مرّ ممّا هو داخل في الحكم قطعاً، وربّما يشير إليه الجواب عن الحمل باللبس في الصحيحة الاولى لابن سنان المشعر
باتحادهما ، أو أنّ المراد حمل السلاح؛ نظراً إلى أنّ المستفاد من صحيح ابن سنان أنّ
المعيار في الحرمة هو حمل السلاح؛ لأنّ السؤال عن الحمل، ومقتضى مطابقة السؤال والجواب أنّ الممنوع هو الحمل، وإلّا لكان سؤاله بلا جواب وإنّما أجاب باللبس مع أنّ السؤال عن الحمل لغلبة اللبس في الخارج، فالمستفاد من الرواية أنّ الحمل محرّم، وكذا اللبس؛ لصدق الحمل عليه.
وقد يجعل المدار على مجرد كون السلاح عند المحرم، واستدلّ له
بقول
أمير المؤمنين عليه السلام في خبر الأربعمائة المروي في
الخصال : «لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم».
ولكن نسب المحقّق النجفي القول بحرمة الحمل على وجه لا يُعدّ به مسلحاً إلى الندرة، وأجاب عن الخبر المزبور بأنّه- مع ظهوره في الحرم دون المحرم، وأنّه لم يعرف قائلًا به، بل
السيرة القطعية على خلافه- محمول على ضرب من الكراهة.
وأورد
المحقق الخوئي على القول المزبور بأنّ المذكور في الروايات عنوان الحمل واللبس، وذلك غير صادق على مجرد كون السلاح معه.
ومن هنا قال الفقهاء: إنّه لا بأس بوجود السلاح عند المحرم إذا لم يكن حاملًا له، ومع ذلك فالترك
أحوط مطلقاً، أو إذا كان ظاهراً.
ثمّ إنّه صرّح بعض الفقهاء بعدم جواز
إشهار السلاح إلّا للضرورة
وإن لم يصدق معه لبس أو حمل.
واستدلّ له
بقول
الإمام الصادق عليه السلام في خبر
حريز : «لا ينبغي أن يدخل الحرم سلاح إلّا أن يدخله في جوالق أو يغيّبه».
وبخبر
أبي بصير : «لا بأس أن يخرج بسلاح من بلده، ولكن إذا دخل مكّة لم يظهره».
ولكن خالف في ذلك بعض الفقهاء، قال المحقّق النجفي: «لا ريب في أنّه أحوط، وإن كان
الأقوى عدم الحرمة كما عساه يشعر به قول: «لا ينبغي» الذي يكون قرينة على المراد في الخبر الثاني، خصوصاً بعد ندرة القول بذلك».
وقال المحقّق الخوئي: إنّه على تقدير حرمة ذلك فهو من أحكام الدخول في مكّة أو الحرم، ولا يرتبط
بالإحرام .
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۶۳۴- ۶۳۹.