خيار التأخير
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الخامس :) خيار التأخير، أي تأخير
إقباض الثمن والمثمن عن ثلاثة أيّام، فـ (من باع ولم يقبض الثمن ولا قبّض) بتشديد الباء (المبيع ولا اشترط التأخير) فيهما احترز به عن النسيئة والسلف ـ (فالبيع لازم) على المتعين (إلى ثلاثة أيّام، ومع
انقضائها يثبت الخيار) بين الفسخ
والإمضاء (للبائع) خاصّة، بالإجماع المستفيض النقل في كلام جماعة، كالإنتصار والغنية والتنقيح والتذكرة،
وغيرها من كتب الجماعة،
والنصوص به مع ذلك مستفيضة.
ففي الصحيح : عن الرجل يبيع
البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن، قال : «الأجل بينهما ثلاثة أيّام، فإن قبضه بيعه وإلاّ فلا بيع بينهما».
وفي آخر : الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده، فيقول : حتى آتيك بثمنه، قال : «إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيّام، وإلاّ فلا بيع له».
وفي الموثق : «من اشترى بيعاً فمضت ثلاثة أيّام ولم يجيء فلا بيع له».
وليس فيها كغيرها اشتراط عدم إقباض المبيع، بل إطلاقها يشمل صورتي إقباضه وعدمه. بل ربما كان ظاهراً في الصورة الاولى إن قلنا بأنّ القبض في نحو المتاع هو الأخذ باليد؛ لغلبة تحقّقه بعد عقد البيع.نعم، لو قلنا بأنّ القبض فيه هو النقل لم يكن
للإطلاق ظهور في ذلك، بل ظاهر السياق عدم تحقّقه، فتدبّر.
ولعلّ
استناد الأصحاب إلى هذه الأخبار مع اشتراطهم عدم إقباض المبيع مبنيّ على كون القبض عندهم في نحو المتاع هو النقل لا مجرّد القبض باليد، وسيأتي الكلام فيه .إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب
الاتفاق على
الاشتراط ، بل عبارات نقلة
الإجماع مصرّحة به، وربما كان في الصحيح الأوّل
إشعار به، بل دلالة عليه، فتأمّل، فلا مندوحة عنه، مع لزوم
الاقتصار في الخيار المخالف للأصل على القدر المتيقّن من الإطلاق، مع أنّ في الغنية نسب ذلك إلى رواية الأصحاب.
نعم، عن الشيخ القول بجواز الفسخ مع تعذّر قبض الثمن،
وقوّاه في الدروس؛
لخبر نفي الضرر، لا لما مرّ من النص، لعدم التقييد فيه بقيد تعذّر قبض الثمن. والرجوع فيه إلى أدلّة لزوم العقد أولى؛
لاندفاع الضرر بأخذ العين مقاصّة إن أمكنت، وإلاّ فليس للفسخ فائدة.
وظاهر النصوص كما ترى
بطلان البيع بعد
الانقضاء لا ثبوت الخيار، كما عن
الإسكافي وأحد قولي الطوسي،
إلاّ أنّ الشهرة العظيمة والإجماعات المحكية البالغة حدّ
الاستفاضة مع أصالة بقاء الصحة أوجبت المصير إلى حمل البيع المنفي بعد تعذّر الحمل على الحقيقة على البيع اللازم خاصّة، وإن كان أقرب المجازات نفي الصحة.مع إمكان المناقشة في ظهور الدلالة بورود النفي هنا مورد توهّم لزوم المعاملة، فلا يفيد سوى نفيه، وهو يجامع بقاء الصحة المستفاد من الأدلّة المتقدّمة.مضافاً إلى
إشعار ما عدا الخبر الأولّ بذلك، من حيث تخصيص النفي فيه بالمشتري فقال : «لا بيع له» وهو ظاهر في الثبوت للبائع.ولا ينافيه نفيه فيما بينهما في الخبر الأوّل؛ لكون المتعلّق المركّب الصادق نفيه
بانتفاء البيع عن أحدهما، فلا إشكال بحمد الله تعالى.
ثم إنّه لا فرق في المبيع بالإضافة إلى مدّة الخيار بين الجارية وغيرها في إطلاق أكثر النصوص والفتاوى، خلافاً للمقنع ومحتمل
الاستبصار لم نجده في نسختنا من المقنع،
فجعلا مدّة الخيار فيها إلى شهر؛ للصحيح.
وهو أحوط، وإن كان الأوّل أجود؛ لتعاضد أدلّته بالكثرة والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل إجماع في الحقيقة، والإجماعات المحكية.
واعلم أنّ قبض البعض كلا قبض؛ لصدق عدم قبض الثمن وإقباض المثمن مجتمعاً ومنفرداً، ولظاهر بعض النصوص المثبتة للخيار لمن باع محملاً وقبض بعض الثمن،
فتأمّل.وشرط القبض المانع كونه بإذن المالك، فلا أثر لما يقع بدونه، كما لو ظهر الثمن مستحقاً أو بعضه.
ولا يسقط هذا الخيار بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة وإن كانت قرينة الرضا بالعقد؛ عملاً
بالاستصحاب ، على إشكال مع القرينة، لمفهوم بعض ما مرّ من الأخبار في خيار الحيوان .ولو بذل المشتري الثمن بعدها قبل الفسخ سقوط الخيار وجهان، منشأهما زوال الضرر والاستصحاب. والثاني أظهر؛ لكون دليل الأوّل مناطاً مستنبطاً.
وحيث يثبت
الخيار بشرائطه (فإن تلف) المبيع بعد بانقضاء الثلاثة كان من البائع إجماعاً تواتر نقله جدّاً. وإن تلف فيها فـ (قال المفيد) وكثير ممّن تبعه،
بل ادّعى عليه الإجماع في الانتصار والغنية
(يتلف في الثلاثة من المشتري، وبعدها من البائع) لأنّ العقد ثبت بينهما عن تراضٍ منهما، بخلاف ما بعد الثلاثة، لأنّ البائع أحقّ به.وفي نكت الإرشاد للشهيد : الظاهر أنّ مراده أنّه لمّا ثبت العقد الناقل للملك ولا خيرة للبائع فيه، بل هو ممنوع منه لحقّ المشتري صار كالمودع عنده، بخلاف ما بعدها، فإنّ إمساكه لنفسه لثبوت الخيار له حينئذٍ عند جماعة، أو لبطلان البيع، كظاهر كلام ابن الجنيد والشيخ. انتهى.
وهو بملاحظة ردّه الرواية الآتية بعدم الصراحة في المتنازع، وعدم عموم لها يشمله مشعر، بل ظاهر في الميل إلى هذا القول.وهو غير بعيد؛ للإجماعين المحكيين اللذين هما في حكم خبرين صحيحين، مع كون
النماء له فيكون التلف عليه، لتلازم الأمرين، كما يستفاد من بعض أخبار خيار الشرط .والنقض بالتلف بما بعد الثلاثة كما في
السرائر مدفوع بالإجماع ثمّة دون المسألة، مضافاً إلى الحجّة المتقدّمة.
(و) لكن استقرّ رأي المتأخّرين كافّة بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعاً على بائعه».
وفي الخبر في رجل اشترى متاعاً من رجل وأوجب له غير أنّه ترك المتاع ولم يقبضه، وقال : آتيك غداً إن شاء الله تعالى، فسرق المتاع، من مال مَن يكون؟ قال : «من صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ إليه ماله».
والمسألة محلّ تردّد، وإن كان ما صار إليه المتأخّرون لا يخلو عن قوّة، سيّما مع دعوى الخلاف عليه
الإجماع .
وأمّا التفصيل بين التلف بعد عرض
السلعة على المشتري فلم يقبله فالأوّل، وقبله فالثاني كما عن ابن حمزة والحلبي
فلا مستند له، فهو ضعيف غايته، وإن مال إليه في المختلف.
(ولو اشترى ما يفسد من يومه) ولو بنقص الوصف وفوات الرغبة، كما في الخضروات واللحم والعنب وكثير من الفواكه (ففي رواية) مرسلة عمل بها الأصحاب كافّة كما في المهذّب،
بل عليه الإجماع في الغنية
أنّه (يلزم البيع إلى الليل، فإن لم يأت) المشتري (بالثمن فلا بيع له).
وفي نسبة الحكم إلى الرواية نوع إشعار بالتردّد في المسألة، وليس لقصور السند،
للانجبار بالعمل، ونحوه حجّة عند الماتن، ولا لقصور الدلالة من حيث ظهورها في بطلان المعاملة لا ثبوت الخيار كما ذكره الجماعة، لما مرّت إليه
الإشارة ، بل لأنّ الظاهر أنّ هذا الخيار شُرّع لدفع الضرر، وإذا توقّف ثبوته على دخول الليل مع كون الفساد يحصل من يومه كما فرض في الخبر لا يندفع الضرر، وإنّما يندفع بالفسخ قبل الفساد، ولذا فرضه شيخنا في الدروس خيار ما يفسده المبيت.
وهو حسن، وإن كان فيه خروج من ظاهر النص؛ لتلافيه بخبر الضرار، مع أنّ حمله عليه
بإرادة الليلة أيضاً من اليوم ممكن. والأقرب تعديته إلى كلّ ما يتسارع إليه الفساد عند خوفه ولا يتقيد بالليل، وفاقاً للدروس والروضة.
فعلى هذا لو كان مما يفسد في يومين تأخّر الخيار عن الليل إلى حين خوفه، ولا يضرّ خروجه عن مورد النص، فإنّ خبر الضرار يفيده في الجميع.
وفي
إلحاق فوات السوق بخوف الفساد وجهان، ولكن
الأصل مع عدم تيقّن الضرر يقتضي المصير إلى الثاني، مع كونه في الجملة أحوط. وظاهر الماتن وغيره،
وصريح جماعة
كالغنية مدّعياً الإجماع عليه
: كون هذا الخيار من جملة أفراد خيار التأخير، فيشترط فيه ما يشترط فيه من الأُمور الثلاثة.
رياض المسائل ج۸، ص۳۰۶-۳۱۳.