دية الجنين بعد ولوج الروح
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
دية الجنين الحر
المسلم بعد أن ولجته الروح فالدية كاملة للذكر ونصفها للانثى؛ ولو لم يكتسي اللحم ففي ديته قولان، أحدهما: غرة، والآخر: توزيع
الدية على حالاته، ففيه عظما ثمانون، ونصفه ستون، وعلقة أربعون ونطفة بعد استقرارها في الرحم عشرون؛ وقال
الشيخ: وفيما بينهما بحسابه.
ولو جني عليه بعد أن ولجته الروح فالدية دية النفس كاملة للذّكر، ونصفها للأُنثى بلا خلاف أجده، والنصوص به مع ذلك مستفيضة تقدّم إلى جملة منها الإشارة.
وإطلاق
النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين
موت الجنين في البطن أم خارجه.
خلافاً
للغنية، فخصّ وجوب كمال الدية بالصورة الثانية، قال: وإن مات الجنين في الجوف ففيه نصف الدية
.
ولم أعرف مستنده سوى ما ادّعاه في ظاهر كلامه من إجماع
الإمامية، ووهنه ظاهر؛ إذ لا موافق له أجده عدا
الحلبي والعماني والإسكافي، لكنّهما ذكرا ذلك في الجنين المملوك خاصّة؛ للرواية: في رجل قتل جنين أمة لقوم في بطنها، فقال: «إن كان مات في بطنها بعد ما ضربها فعليه نصف عشر قيمة امّه، وإن كان ضربها فألقته حيّاً فمات فإنّ عليه عشر قيمة امّه»
.
وهي ضعيفة
السند قاصرة المتن عن إفادة ما ذكره
ابن زهرة؛ لاختصاصها ككلام القديمين بالجنين المملوك خاصّة، ومع ذلك صريحة ككلامهما بإثبات العشر ونصفه في الصورتين مع ولوج الروح، وهو قد صرّح بلزوم دية النفس أو نصفها حينئذٍ لو مات خارجاً، ونصفهما لو مات في بطنها.
ومن هنا ظهر عدم موافقته للقديمين أصلاً إلاّ في أصل التفصيل بين الموت في البطن أو خارجه.
ولو لم يكتس اللّحم ففي ديته قولان:
أحدهما: أنّها غرّة عبد أو أمة مطلقاً، ذهب إليه
الشيخ في جملة من كتبه
وفاقاً للإسكافي
، لكنّه أطلق ولم يفصّل بين اكتسائه اللحم وعدمه كما مرّ، والشيخ فصّل بين الصورتين ووافق الأصحاب في لزوم المائة في الأُولى، ووافقه في الثانية؛ جمعاً بين النصوص المتقدّمة الدالّة على المائة والنصوص الدالّة على الغرّة بقول مطلق، كالصحيح: «جاءت امرأة فاستعدت على أعرابي قد أفزعها فألقت جنيناً، فقال الأعرابي: لم يهلّ ولم يصح ومثله يطلّ، فقال له
النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): اسكت سجّاعة، عليك غرّة وصيف أو أمة»
ونحوه
الصحيح.
والقوي في
قضاء النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) بذلك في مثل تلك القضية
.
والصحيح: عن رجل قتل امرأة خطأً وهي على رأس الولد تمخض؟ فقال (علیهالسّلام): «عليه خمسة آلاف درهم، وعليه دية الذي في بطنها غرّة وصيف أو وصيفة»
.
والخبر: «إن ضرب رجل امرأة حبلى فألقت ما في بطنها ميتاً فإنّ عليه غرّة
عبد أو
أمة يدفعه إليها»
.
بحمل الأوّلة على تامّ الخلقة كما هو صريحها، والأخيرة على ناقصها كأن طرح علقةً أو مضغةً، واستشهد عليه بالصحيح: في امرأة شربت دواءً وهي حامل لتطرح ولدها فألقت ولدها، قال: «إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم وشقّ له السمع والبصر فإنّ عليها ديته تسلّمها إلى أبيه، وإن كان جنيناً
علقة أو
مضغة فإنّ عليها أربعين ديناراً أو غرّة تسلّمها إلى أبيه»
.
وفي هذا الجمع نظر؛ لأنّ فيه اطراحاً للأخبار الأوّلة في صورة عدم تمام الخلقة، لتصريحها بالتفصيل الذي عرفته وسيأتي إليه الإشارة.
وينافيه
إطلاق أخبار الغرّة، إلاّ أن يجمع بينهما بحمل إطلاقها على تفصيل تلك بتقييده بغرّةٍ تساوي عشرين ديناراً في
النطفة، وأربعين في العلقة، وهكذا، لكنّه لا يلائم ما اختاره من لزوم الغرّة على الإطلاق.
وينافيه صريح الصحيحة الأخيرة؛ لنصها بلزوم الغرّة أو أربعين ديناراً في المضغة، مع أنّ مقتضى تلك النصوص لزوم ستّين ديناراً فيها.
مع أنّ المستفاد من المعتبرة تعيين قيمة الغرّة بخمسين ديناراً كما في الصحيح والقوي: الغرّة قد تكون بمائة دينار وتكون بعشرة، فقال: «بخمسين»
وعليه الإسكافي
. أو بأربعين كما في ظاهر الصحيحة المتقدّمة،
والموثّق: «إنّ الغرّة تزيد وتنقص ولكن قيمتها أربعون ديناراً»
هذا.
مع أنّ جملة من أخبار الغرّة قضية في واقعة، فليس فيها حجة، والباقية بعضها ضعيف، والصحيح منها كما عداه لا يقاوم الأخبار السابقة من وجوه عديدة، أعظمها اشتهارها ومخالفتها للعامّة، دون هذه لموافقتها لمذهب كثير منهم، كما صرّح به الشيخ، واحتمل لذلك حملها على
التقية، قال: لأنّ ذلك مذهب كثير من
العامّة وقد روي ذلك عن النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)
.
أقول: ويؤيّده كون جملة من رواياتها عن
السكوني الذي هو من قضاتهم، ومصير الإسكافي إليه أيضاً، ولذا اختار أكثر
الأصحاب بل المشهور على الظاهر، المصرّح به في كثير من العبائر
وهو توزيع الدية أي المائة وتقسيمها على مراتب حالاته، ففيه وهو عظم ثمانون ديناراً ومضغة ستّون، وعلقة أربعون، ونطفة بعد استقرارها في الرحم عشرون كما فصّلته تلك الأخبار السابقة وغيرها من المعتبرة، وادّعي عليه
الإجماع في
الغنية، وعلى هذا فلا حاجة بنا إلى تحقيق معنى الغرّة وذكر الاختلاف فيها.
ثم إنّ إطلاق أكثر النصوص والفتاوي على المختار بإثبات
الديات المقدّرة في محالّها يقتضي ثبوت كلٍّ منها فيما يصدق عليه مبدأ كلٍّ منها، حتى أنّ في النطفة قبل تمام الأربعين يوماً من وضعها في الرحم ولو بيومٍ يكون فيها مقدّرها عشرون ديناراً، وهكذا.
وقال الشيخ في
النهاية: وفيما بينهما أي بين الحالتين، أي حالة وضعها في
الرحم وحالة انتقالها إلى العلقة، وحالة وانتقالها إليها وانتقالها إلى المضغة، وهكذا بحسابه وهو مجمل، وفسّره
الحلّي بأنّ النطفة تمكث عشرين يوماً ثم تصير علقة، وكذا ما بين العلقة والمضغة، فيكون لكلّ يوم دينار.
واعترضه
الماتن فقال في
الشرائع: نحن نطالبه بصحة ما ادّعاه الأوّل، ثم بالدلالة على أنّ تفسيره مراد، على أنّ المروي في المكث بين النطفة والعلقة أربعون يوماً، وكذا بين العلقة والمضغة، روى ذلك
سعيد بن المسيب عن
علي بن الحسين (علیهالسّلام)،
ومحمد بن مسلم عن
أبي جعفر (علیهالسّلام)،
وأبو جرير القمي عن
موسى بن جعفر (علیهالسّلام)، وأمّا العشرون فلم نقف لها على رواية.
ولو سلّمنا المكث الذي ذكره من أين أنّ التفاوت في الدية مقسوم على الأيّام؟ مع أنّه يحتمل أن تكون الإشارة بذلك إلى ما رواه
يونس الشيباني عن
الصادق (علیهالسّلام): أنّ لكلّ قطرة أي من الدم تظهر على النطفة دينارين
. إلى آخر ما ذكره
.
وقريباً منه ذكر
الفاضل في
التحرير، وحكى عنه أيضاً في
نكت النهاية.
وهو حسن، إلاّ ما فهماه من الحلّي من كون مدّة المكث من حالة إلى أُخرى عشرين يوماً، وذلك فإنّ الظاهر من كلامه خلافه، واعتباره في المكث أربعين كما ذكروه، فإنّه قال: الجنين: الولد ما دام في البطن، وأقلّ ما يكون نطفة، وفيها بعد وضعها إلى عشرين يوماً عشرون ديناراً، ثم بعد العشرين يوماً لكل يوم دينار إلى أربعين يوماً وهي دية العلقة، فهذا معنى قولهم: وفيما بينهما بحساب ذلك، ثم تصير مضغة وفيها ستّون ديناراً، وفيما بين ذلك بحسابه
.
وهو كما ترى ظاهر بل صريح فيما قلناه.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۵۴۱-۵۴۷.