شرائط الوصي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يعتبر التكليف و
الإسلام وفي
اعتبار العدالة تردّد، أشبهه أنها لا تعتبر أمّا لو أوصى إلى عدل ففسق بطلت وصيته ولا يوصى إلى المملوك إلاّ بإذن المولى.
(ويعتبر) في الوصي (التكليف) بالبلوغ والعقل، فلا تصحّ إلى صبي بحيث يتصرف حال صباه مطلقاً، ولو كان إلى البالغ منضمّاً، ولا إلى مجنون كذلك.
(والإسلام) فلا تصحّ
الوصية إلى الكافر وإن كان رحماً، إلاّ أن يوصي إليه مثله، كما يأتي. ولا خلاف في شيء من ذلك، بل عليه
الإجماع في الغنية؛
وهو الحجة، مضافاً إلى الأُصول القطعية في الأوّل، وما سيأتي إليه
الإشارة في الثاني.
(وفي اعتبار
العدالة تردّد) ينشأ : من أن الوصية استئمان، والفاسق ليس أهلاً له، لوجوب التثبّت عند خبره. وأنها تتضمن الركون إليه، والفاسق ظالم منهي عن الركون إليه. وأنها استنابة عن الغير فيشترط في النائب العدالة كوكيل الوكيل، بل أولى، لأن تقصير وكيل الوكيل مجبور بنظر الوكيل والموكّل وتفحّصهما عن مصلحتهما، بخلاف نائب الميت. ورضاه به غير عدل لا يقدح في ذلك؛ لأن مقتضاها
إثبات الولاية بعد الموت، وحينئذٍ فترتفع أهليّته عن
الإذن والولاية، ويصير التصرف متعلقاً بحق غير المستنيب من طفل ومجنون وفقير وغيرهم، فيكون أولى باعتبار العدالة من وكيل
الوكيل ووكيل الحاكم على مثل هذه المصالح.
ومن أنها في معنى الوكالة، ووكالة الفاسق جائزة كاستيداعه بالإجماع. (أشبهه) عند الماتن هنا، والفاضل في المختلف، وفاقاً للحلي
(أنها لا تعتبر). خلافاً للأكثر، كالشيخين والقاضي وابن حمزة والديلمي و
ابن زهرة العلوي وأحد قولي الأوّلين، فاختاروا الأوّل، وادّعى في الغنية عليه إجماع
الإمامية . ولا يخلو عن قوة؛ للإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحققة والمحكية في عبارات الأصحاب كافّة، المحتملة لكونها إجماعاً قبل خلاف الحلّي، وبما تقدم من الأدلّة الكثيرة.
مع ضعف الأدلة المقابلة لها بما عرفت من الفرق بين الوصية وبين
الاستيداع والوكالة؛ لتعلقهما بحق المودع والموكّل وهو مسلّط على
إتلاف ماله فضلاً عن تسليط غير العدل عليه، والموصي إنما سلّطه على حق الغير، لخروجه عن ملكه بالموت مطلقاً. مع أنا نمنع أن مطلق المستودع والوكيل لا يشترط فيهما العدالة، هذا. مضافاً إلى التأيّد بظواهر كثير من النصوص الواردة بالنسبة إلى من مات وله أموال وورثة صغار ولا وصي له،
حيث اشترطت عدالة المتولّي لذلك، وهي وإن كانت خارجة عما نحن فيه إلاّ أن فيها
إشعاراً بأن المتولّي لأمر الوصاية كذلك، ولا فرق بينهما إلاّ كون الأوّل منصوباً من قبل الشارع والثاني من قبل الميت، وإلاّ فهما بالنسبة إلى ما يتصرفان فيه واحد، وحينئذٍ فكما تراعى العدالة فيه من حيث إن الناصب له الشرع كذا تراعى فيه من حيث إن الناصب الموصي فلا ينصب لذلك إلاّ عدلاً.
والفرق بأن للموصي التسلّط على ماله يدفعه إلى من يشاء ويسلّط عليه من يختاره، لتسلّط الناس على أموالهم، بخلاف الحاكم الشرعي المنوط تصرفه بالمصلحة دون ما فيه مفسدة يظهر ضعفه مما مرّ؛ فإن الموصي بعد الموت و
انتقال التركة إلى الورثة وفيهم الصغير وفيها الوصايا إلى الجهات العامة ونحو ذلك من التصرّفات المحتاجة إلى الوثوق و
الائتمان لا تعلّق له بذلك، فتصرفه فيما ذكر إنما هو تصرف في مال الغير، لا مال نفسه كما ذكر في الفرق.
واعلم أن هذا الشرط إنما اعتبر ليحصل الوثوق بفعل الوصي ويقبل خبره به، كما يستفاد ذلك من دليله، لا في صحة الفعل في نفسه، فلو اوصي إلى من ظاهره العدالة وهو فاسق في نفسه ففعل مقتضى الوصية، فالظاهر نفوذ فعله وخروجه عن العهدة. ويمكن كون ظاهر الفسق كذلك لو اوصي إليه فيما بينه وبينه وفعل مقتضاها، بل لو فعله كذلك لم يبعد الصحة، وإن حكم ظاهراً بعدم وقوعه وضمانه ما ادّعى فعله.
وتظهر الفائدة لو فعل مقتضى الوصية باطّلاع عدلين أو باطّلاع الحاكم، نبّه بذلك في
التذكرة والروضة.
وهو حسن، إلاّ أن ظاهر
اشتراط العدالة في إطلاق العبارة كغيرها من عبائر الجماعة ومنها عبارة الغنية المحكي فيها إجماع الإماميّة
ينافي ذلك كله، ويمكن تنزيله على أن المراد أنها شرط في صحة
الاستنابة لا في صحة النيابة. ثم إن هذا التردّد إنّما هو إذا أوصى إلى الفاسق ابتداءً.
(أمّا لو أوصى إلى عدل ففسق بطلت وصيته) إجماعاً إلاّ من الحلّي،
كما في المهذب وشرح الشرائع للصيمري وعن المحقق الثاني في شرح القواعد.
ولا ريب فيه على المختار : من اشتراط العدالة ابتداءً ، وكذا على غيره إن ظهر كون الباعث على نصبه عدالته، وإلاّ فإشكال ينشأ : من
الأصل ، وحرمة تبديل الوصية عن وجهها. و احتمال كونها الباعث على النصب غير كافٍ في الخروج عنهما.
ومن شهادة الظاهر بهذا
الاحتمال ، وظهور الإجماع على
البطلان مطلقاً من الكتب المزبورة، بناءً على التصريح بلفظة الظاهر فيه، مع عدم قدح استثنائهم الحلّي في انعقاده، لمعلومية نسبه، مع أنه حكي عنه ما يدل على اختياره الأوّل و
الإذعان به.
وإطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في البطلان بين فسقه بعد وفاة الموصي أو في حياته، علم به أو جهل.
وربما يستشكل فيه في الثاني مع العلم بفسقه وعدم عزله. وهو في محله على القول بعدم اشتراط العدالة في
الابتداء . وهل تبطل الوصية بطروّ والفسق من حينه، أم يتوقف على حكم الحاكم وعزله؟ وجهان : ظاهر العبارة كغيرها الأوّل، وصريح
الإرشاد وغيره
الثاني. وتظهر الفائدة في تصرفه قبل أن يعزله الحاكم، فينفذ على الثاني دون الأوّل. وهو الوجه حيث ما ظهر أن الباعث لوصايته هو العدالة؛ لفواته، مع كونه منزّلاً منزلة الشرط الذي يفوت المشروط بفواته. وهل تعود
الوصية بعوده عدلاً؟ قيل : الأشهر لا.
ولعلّه الأقوى؛ للأصل، وعدم ما يقتضي العود أصلاً.
(و) يعتبر فيه أيضاً الحرّية فـ (لا يوصى إلى المملوك) بلا خلاف فيه في الجملة، بل عليه مطلقاً في صريح الغنية وظاهر التذكرة إجماع الإمامية؛
وهو الحجة. مضافاً إلى أدلّة الحجر عليه في أمر نفسه، فأولى أن يكون محجوراً عليه في حقّ غيره، واستلزامه التصرف في ملك الغير بغير إذنه، وهو ممنوع منه.
(إلاّ) أن يوصى إليه (بإذن المولى) فتصحّ بلا خلاف منا؛ لزوال المانع. وحينئذٍ فليس للمولى الرجوع في الإذن بعد موت الموصي، ويصحّ قبله، كما إذا قبل الحرّ. ولا فرق في محل المنع بين كون العبد قنّاً أو مُدَبّراً أو مكاتباً أو مبعّضاً، للموصي أو غيره، عند الشيخ وابن حمزة والحلّي والمختلف.
خلافاً للمفيد والديلمي،
فجوّز الوصية إلى من عدا القنّ إمّا مطلقاً، كما يظهر من المختلف و
الدروس ،
أو إذا كان عبد نفسه، كما يستفاد من
التنقيح ومال إليه، قال : لحرية المدبر حال المباشرة، ولزوم الكتابة، وتصرف المكاتب من غير حجر عليه.
ولا يخلو عن قوة؛ لعمومات الكتاب والسنة الناهية عن تغيير الوصية، وسلامتها في المفروض عما مرّ من الأدلّة المانعة، لما ذكر.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۳۱۲- ۳۱۷.