شرائط ناظر الوقف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(وإن أطلق) العقد ولم يشترط
النظارة لنفسه ولا لغيره (فالنظر لأرباب
الوقف ) الموقوف عليهم.
إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين كون الموقوف عليهم عامّاً أو خاصّاً، وذكر شيخنا
الشهيد الثاني وتبعه جماعة
أنه يبنى الحكم هنا على
انتقال الملك، فإن جعلناه للواقف أو للموقوف عليه مطلقا فالنظر له، وإن جعلناه للموقوف عليه إن كان معيّناً ولله سبحانه إن كان عامّاً فالنظر في الأوّل إلى الموقوف عليه، وللحاكم الشرعي في الثاني؛ لأنّه الناظر العام حيث لا يوجد الخاصّ. وهو حسن ويصير
الواقف حيث لا يكون النظر إليه بعد العقد كالأجنبي.
وحيث اشترط النظر لنفسه فقد اختلف الأصحاب في
اعتبار عدالته على قولين، بعد اتّفاقهم على اعتبارها في الغير إذا اشترط النظر له. و
الأصل يقتضي العدم فيه وفي الغير أيضاً، إلاّ أن اتّفاقهم عليه في الثاني كما في كلام جماعة قد حكي
أوجب تخصيصه، مع
اعتضاده ببعض النصوص المتضمنة لصدقة
الأمير صلوات الله عليه حيث قال في آخره بعد ذكر الحسن والحسين عليهما السلام: «فإن حدث بهما حدث فإن الآخر منهما ينظر في بني علي، فإن وجد منهم من يرضى بهديه و
إسلامه و
أمانته فإنه يجعله إليه إن شاء.. وإن لم ير فيهم بعض الذي يريد فإنه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به، فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذوو آرائهم فإنه يجعله إلى رجل يرضى به من بني هاشم»
بل قد استدل به بعض الأجلّة.
ولكن المناقشة فيه واضحة، بل العمدة هو
الاتفاق المحكي، إلاّ أن بعضاً حكى الخلاف فيه أيضاً فقال : خلافاً لبعضهم.
وفي التحرير : لو جعل النظر للأرشد عمل بذلك، ولو كان الأرشد فاسقاً فالأقرب عدم ضمّ عدل إليه.
قالوا : ويشترط فيه مضافاً إلى العدالة
الاهتداء إلى التصرف، وأنه لو عرض له الفسق انعزل ، فإن عاد عادت إن كان مشروطاً من الواقف.
ولا يجب على المشروط له القبول ، ولو قبل لم يجب عليه
الاستمرار ؛ للأصل ، وأنه في معنى التوكيل. وحيث يبطل النظر يصير كما لو لم يشترط.
ووظيفة الناظر مع الإطلاق العمارة ، و
الإجارة ، وتحصيل الغلّة وقسمتها على مستحقّها ، ولو فوّض إليه بعضها لم يتعدّه. ولو جعله لاثنين وأطلق لم يستقلّ أحدهما بالتصرف.
وليس للواقف عزل المشروط له النظارة في العقد ، وله عزل المنصوب من قبله لو شرط النظر لنفسه فولاّه ؛ لأنه وكيله.
ولو آجر الناظر مدّة فزادت
الأجرة فيها ، أو ظهر طالب بالزيادة لم ينفسخ العقد ؛ لأنه جرى بالغبطة في وقته ، إلاّ أن يكون في زمن خياره ، فيتعيّن عليه الفسخ حينئذٍ.
ثم إن شرط له شيء عوضاً من عمله لزم ، وليس له غيره ، وإلاّ فله
أجرة المثل عن عمله مع قصده الأُجرة به وقضاء العادة بعدم تبرّعه به.
قالوا : ولا يجوز لغير الناظر التصرف فيه إلاّ بإذنه ولو كان مستحقاً والناظر غير مستحق ؛ عملاً بالشرط.
وهو كذلك ، إلاّ أنه يشكل ذلك في
الأوقاف العامة على المسلمين ؛ للزوم تفويت كثير من أغراض الواقف ، إلاّ أن يقال : إذن حكّام الشرع في مثل ذلك معلوم بالقرائن.
( الرابع : في ) ما يتعلق بـ ( الموقوف عليه ).
( ويشترط وجوده ) أو إمكانه مع تبعيّته لموجودٍ حين العقد ( وتعيينه ) بالشخص ، أو الوصف المميّز ،
كالمسلم أو المؤمن أو العالم ، ونحو ذلك.
(وأن يكون ممن يملك) بلا خلاف فيه (و) في اشتراط (أن لا يكون الوقف عليه محرّماً).
(فلو وقف على من سيوجد) من المعدوم المحض، أو غير ممكن الوجود في العادة، كالميت وإن جعل تابعاً، أو غير المعيّن، كأحد هذين الرجلين، أو المشهدين، أو رجل من بني آدم، أو نحو ذلك، أو من لم يكن قابلاً للتملّك، كالحمل والعبد، بناءً على الأصح الأشهر من عدم تملّكه مطلقاً أو ما عدا فاضل الضريبة (لم يصحّ).
والوجه في الجميع بعد الوفاق الظاهر المصرح به في الغنية
استلزام الوقف انتقال المنفعة خاصّة أو مع العين، وليس أحد ممن تقدم بقابل للانتقال إليه.
نعم، العبد على القول بتملّكه يصحّ الوقف عليه إذا قبل مولاه وإن كان محجوراً عليه.
وحيث لا يصحّ الوقف عليه لا يكون وقفاً على سيّده عندنا، كما في ظاهر
المسالك وصريح الروضة؛
لعدم القصد إليه في العقد، فلا وجه لصرفه إليه.
ويستثنى منه العبد المعدّ لخدمة الكعبة والمشهد والمسجد، ونحوها من المصالح العامة، ونحوه الدابة المعدّة لنحو ذلك أيضاً؛ لأنه كالوقف على تلك المصلحة.
ومنه يظهر الوجه فيما استثنوه أيضاً بلا خلاف يعرف من صحة
الوقف على المساجد والقناطر، فإنه في الحقيقة وقف على المسلمين بحسب القصد وإن جعل متعلّقه بحسب اللفظ غيرهم مما لا يكون قابلاً للمالكية؛ إذ هو مصروف إلى مصالحهم، وإنما أفاد تخصيصه بذلك تخصيصه ببعض المصالح، وهو لا ينافي الصحة، كما لا ينافيها في الوقف على المساجد الخبران :
أحدهما
المرسل : عن الوقوف على المساجد، فقال : «لا يجوز، فإن المجوس وقفوا على بيوت النار» رواه في الفقيه.
والثاني القريب منه في قصور السند، ودونه في الدلالة على المنع، رواه في
التهذيب .
لضعف إسنادهما، وشذوذهما، و
احتمال حمل المساجد فيهما على نحو البيع والكنائس مما يستلزم الوقف عليه الإعانة على
الإثم المحرمة بالكتاب والسنة.
ولا وجه لحملهما على الكراهة بعد اتفاق الأصحاب في الظاهر على
الاستحباب .
مع احتمال «لا يجوز» فيهما
الاستفهام الإنكاري ، فيكون مفاده حينئذٍ الجواز، ويكون المقصود من ذكر التعليل بيان جوازه على المساجد بطريق أولى، ووجه
الأولوية لا يخفى.
ولا يصحّ على الزناة والعصاة من حيث هم كذلك؛ لأنه
إعانة على الإثم والعدوان فيكون معصية محرمة، أما لو وقف على شخصٍ متّصفٍ بذلك لا من حيث كون الوصف مناط الوقف صحّ ، سواء أطلق أو قصد جهة محلّلة.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۱۲۸- ۱۳۳.