شروط المطلق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يعتبر في المطلِّق
البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلا اعتبار بطلاق الصبي، وفيمن بلغ عشرا
رواية بالجواز فيها ضعف، ولو طلق عنه الولى لم يقع إلا أن يبلغ فاسد
العقد؛ ولا يصلح
طلاق المجنون، ولا السكران، ولا المكره، ولا المغضب، مع ارتفاع القصد.
في بيان المطلِّق، ويعتبر فيه
البلوغ والعقل والاختيار والقصد إليه، بلا خلاف، بل إجماعاً فيما عدا الأوّل، وفيه في الجملة، والنّصوص بها مع ذلك مستفيضة سيأتي إليها الإشارة.
فلا اعتبار بطلاق الصبي الغير المميّز إجماعاً، وفيه أيضاً على الأشهر، بل عليه كافّة من تأخّر، وهو الأظهر؛ للأصل، وأدلّة الحجر عموماً في الأكثر، أو فحوًى في الجميع إن ادّعي اختصاصها بالمال؛ إذ المنع عن التصرّف في المال ولا سيّما قليله ملازم للمنع عنه في
الطلاق بطريق أولى، كيف لا ولتعلّقه بأمر الفروج أمره أشدّ من أمر المال بمراتب شتّى جدّاً، وفاقاً، نصّاً وفتوى، هذا.
مضافاً إلى
إطلاق خصوص المعتبرة المستفيضة، منها القريب سنده من الصحة: «ليس طلاق الصبي بشيء»
ونحوه
المنجبر قصور سنده بالشهرة.
ومنها: «كل طلاق جائز إلاّ طلاق المعتوه، أو الصبي، أو مُبَرسَم، أو مجنون، أو مكره»
(البرسام : علّة يهذي فيها صاحبها وهو المُبَرسَم
).
ومنها المروي عن
قرب الإسناد: «لا يجوز طلاق الغلام حتّى يحتلم»
هذا.
مع أنّ في
الصحيح: عن الصبي يتزوّج الصبيّة؟ قال: «إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز، ولكن لهما
الخيار إذا أدركا»
.
وقد حمل الشيخ وغيره
الخيار فيه على الطلاق، فيدل حينئذٍ على اشتراطه بالإدراك الدالّ بمفهومه على العدم بعدمه.
ولكن ورد فيمن بلغ بحسب السن عشراً
رواية المراد بها الجنس لتعدّدها بالجواز عمل بها
النهاية، وتبعه عليه جماعة
كالقاضي وابن حمزة، أحدها
الموثق: «يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين»
ونحوه
المرسل كالصحيح
.
وهي وإن لم يكن فيها ضعف بالمعنى المصطلح، إلاّ أنّها قاصرة عن المقاومة لما مرّ من حيث الاستفاضة، والاعتضاد بالأصل والعمومات
والشهرة العظيمة والأولوية المتقدمة، فحمل تلك على هذه بالتقييد المناقشة فيه واضحة.
مع بُعد جريانه في بعضها ممّا جعل فيه غاية الجواز إلى
الاحتلام؛ لكونه كالصريح في المنع عن طلاق ذي العشر لعدم كونه الغاية.
فالقول بهذه الرواية ضعيف البتّة، كالجواز المطلق في ذي التميز، كما عن
الإسكافي وجماعة
، وإن وردت به روايات بحسب الأسانيد معتبرة، كالموثقين: «يجوز طلاق الصبي إذا كان قد عقل، ووصيته وصدقته وإن لم يحتلم»
ونحوهما الرضوي: «إذا طلق للسنة فطلاقه جائز»
.
لتطرّق النظر إليها بما مضى، مع لزوم تقييدها بالخبرين المقيّدين إن عملنا بهما، كتقييدهما بها.
ولو طلّق عنه الولي لم يقع مطلقاً، أبويه كان أم الحاكم؛ للأصل، وعموم: «الطلاق بيد من أخذ بالساق»
كما في المستفيضة.
مضافاً إلى
الإجماع المحكي في كلام جماعة
.
وخصوص المعتبرة المستدل بها في الأوّلين بالمنطوق، وفي الثالث بالأولوية، منها الصحيح وغيره: هل يجوز طلاق
الأب؟ قال: «لا»
.
والفرق بينه وبين المجنون حيث قلنا بجواز طلاقه عنه: ترقّب مدّة يمكن زوال المنع فيها واندفاع الضرر به فيها، دون المجنون، كما لا يخفى.
مضافاً إلى استفاضة النصوص المخرجة عن
الأصل فيه، دون الصبي، ولا مخرج عنه فيه منها قطعاً، وهي كافية في الفرق، ويخرج ما ذكرناه من الاعتبار شاهداً قطعاً.
إلاّ أن يكون بلغ فاسد
العقل فساداً لا يمكنه معه القصد إلى الطلاق أصلاً، فيجوز طلاق الولي عنه حينئذٍ مطلقاً، مطبقاً كان أو أدواريّاً لا يفيق حال الطلاق أبداً، على الأظهر الأشهر، بل في
الإيضاح الإجماع عليه، وهو
الحجّة فيه، كالمستفيضة.
منها الصحيحان، في أحدهما: عن الأحمق الذاهب العقل أيجوز طلاق وليّه عنه؟ قال: «ولمَ لا يطلّق هو؟» قلت: لا يؤمن إن طلّق هو أن يقول غداً: لم أُطلّق، أو لا يحسن أن يطلّق، قال: «ما أرى وليّه إلاّ بمنزلة السلطان»
.
ونحوه الثاني
مبدلاً فيه السلطان بالإمام وإجمال المنزلة فيهما مبيَّن بسياقهما المعرب من حيث وجوب المطابقة بين السؤال والجواب عن إرادة جواز الطلاق منها؛ وبالمعتبرة، منها: في طلاق المعتوه، قال: «يطلّق عنه وليّه فإنّي أراه بمنزلة
الإمام»
.
وقريب منه آخر: «المعتوه الذي لا يحسن أن يطلّق يطلّق عنه وليه»
.
وقصور سندهما منجبر بالشهرة، مع احتمال الأوّل الصحة، كما عليه من المحقّقين جماعة
.
خلافاً للخلاف
، مدّعياً على المنع
الوفاق، وتبعه الحلي
؛ لعموم المستفيض.
ويخص بما مرّ، والإجماع مع معارضته بأقوى منه موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف، وعلى تقدير صحته وخلوّه فغايته أنّه خبر صحيح، ولكنه واحد لا يعارض المستفيضة المتعدّد صحاحها، والمنجبر بالشهرة باقيها.
ثم ظاهر الحصر في العبارة انحصار جواز طلاق الولي في اتصال
الجنون بالصغر، وهو مخالف للإجماع، ولإطلاق
النصوص إن أُريد بالولي: المطلق، وللأخير خاصّة إن أُريد به من عدا الحاكم، كما هو الظاهر.
ولعلّه مبني على ما مضى في بحث
النكاح من انقطاع ولايته في غير هذه الصورة.
لكنه معارض بمثله في جانب الحاكم، كما عرفت ثمة، مع اعتضاده بإطلاق أخبار المسألة، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال فيها، بل ربما كان أظهر أفرادها غير المفروض في العبارة، ولعلّه لذا أطلق الجواز جماعة
، وإن صرّح بما في العبارة شيخنا في
الروضة.
ثمّ ليس في النصوص كالعبارة اشتراط
الغبطة، لكنه مشهور بين
الطائفة، فإن تمّ إجماع، وإلا فطريق المناقشة فيه غير منسدّة، كيف لا؟! وغاية ما يستفاد من الأدلة مراعاة عدم الضرر لا الغبطة، وأحدهما غير الآخر بالضرورة.
ولا يصح طلاق المجنون مطلقاً، عدا الأدواري حال إفاقته. ولا
السكران البالغ حدّا يصير نحو
المجنون الذي لا ينتظم أُموره، ولا يتوجّه إلى أفعاله قصده، وفي معناه المغمى عليه والنائم. لانتفاء القصد المشترط في الصحة بالإجماع والمعتبرة الآتية.
والنصوص به مع ذلك مستفيضة مضى منها في الأوّل، مضافاً إلى الصحيح فيه وفي الثاني: عن طلاق السكران وعتقه؟ فقال: «لا يجوز» وعن طلاق المعتوه؟ قال: «وما هو؟» قلت: الأحمق الذاهب العقل، قال: «لا يجوز»
.
ومنها في الثاني المستفيضة، منها الصحيح: عن طلاق السكران؟ فقال: «لا يجوز، ولا كرامة»
.
وأمّا ما ورد في شواذّ الأخبار
: من جواز طلاق المعتوه، فمحمول وإن صحّ سنده على الأدواري حال إفاقته، أو طلاق الولي عنه، فإنّه طلاقه، أو الناقص العقل الغير البالغ حدّ الجنون؛ لكونه أعم منهما، كما يستفاد من أخبار هذا الباب، بل وربما كان حقيقة في المحمول عليه خاصّة، كما حكاه عن جماعة من أهل اللغة بعض الأصحاب
.
ولا المكره عليه لفقد
الاختيار المشترط في الصحة هنا وفي سائر تصرفاته، عدا ما استثني بإجماع الأُمّة، كما حكاه بعض الأجلّة
.
والنصوص المستفيضة، منها الصحيح: عن طلاق المكره وعتقه؟ فقال: «ليس طلاقه بطلاق، ولا عتقه بعتق» الخبر
.
ويتحقق الإكراه بتوعّده بما يكون مضرّاً به في نفسه، أو من يجري مجراه من إخوانه، ففي الصحيح: أمرّ بالعشّار ومعي مال فيستحلفني، فإن حلفت تركني، وإن لم أحلف فتّشني، فقال: «احلف له» قلت: فإنّه يستحلفني بالطلاق، فقال: «احلف له» فقلت: فإنّ المال لا يكون لي، قال: «فعن مال أخيك» الخبر
.
ويناط الضرر بحسب حاله مع قدرة المتوعّد على فعل ما توعّد به،
والعلم أو
الظن بفعله به مع عدم فعله المأمور به. ولا فرق بين كون المتوعَّد به قتلاً، أو جرحاً، أو أخذ مال وإن قلّ، أو شتماً، أو ضرباً، أو حبساً. ويستوي في الأولين جميع الناس، أمّا الأربعة فتختلف باختلاف الناس ضعةً ورفعةً، فقراً وغنى، فربما يؤثّر قليلها في الوجيه والفقير اللذين ينقصهما ذلك، وقد يحتمل بعض الناس شيئاً لا يؤثّر في قدره وفقره، والضابط فيه حصول الضرر عرفاً بوقوع المتوعَّد به.
وربما يشرك الثالث مع الأوّلين في استواء الناس فيهما. ولا وجه له بعد مشاهدة اختلاف الناس فيه، وعدم صدق
الإكراه في بعض صوره في العرف المنوط به، إلاّ ما ربما يتوهّم من إطلاق النصوص هنا بحصول الإكراه بالخوف على المال على الإطلاق، ولكن المتبادر منه ما ذكرناه. ولو خيّره بين الطلاق أو غيره من أفعاله المنوطة صحتها باختياره، ورفعِ مال غير مستحق فهو إكراه، بلا خلاف، وربما كان في الموثق
المتضمّن لإفساده (علیهالسّلام) الطلاق الذي خيّر
الراوي فيه بينه وبين منع زوجته الأُخرى عنه ففعله دلالة عليه، فإنّ منع الزوجة غير مستحق عليه، وهذا بخلاف ما لو خيّر بينه وبين ما يستحقّه المخيِّر من مال وغيره وإن حتم أحدهما الغير المعيَّن عليه، فإنّه لا إكراه فيه بلا خلاف.
وفي بعض النصوص دلالة عليه، كالخبر: إنّ امرأة عارفة أحدث زوجها، فهرب في البلاد، فتبع الزوج بعض أهل المرأة، فقال: إمّا طلّقت، وإمّا رددتك، فطلّقها، ومضى الرجل على وجهه، فما ترى للمرأة؟ فكتب بخطّه: «تزوّجي يرحمك
الله تعالى»
فتدبّر.
كما لا إكراه على طلاق معيّنة فطلّق غيرها، أو على طلقة فطلّق أزيد، أو على طلاق المعيّنة ففعله مرّة قاصداً إليه، بلا إشكال ولا اختلاف في الأوّل، ومعهما في الآخرين، وإن كان
الأقوى في الأخير ما ذكرناه؛ لحصول
القصد واللفظ المشترطين في الصحة، مع عدم المانع عنها سوى إطلاق النصوص بمنع الإكراه الغير المنصرف إلى مثل هذا؛ لانصرافه إلى ما لا يتضمّن القصد إلى الطلاق أصلاً.
ولا يبعد انسحابه في الأوّل إن تعدّد الطلقات في العبارة؛ لاختصاص الأخبار بالواحدة فيخلو عنه الطلقات الزائدة.
ولو أكرهه على طلاق إحدى الزوجتين مريداً بها المتشخّصة في الخارج فالأقوى أنّه إكراه؛ لعدم تحقق مقتضى أمره المشار إليه بدون إحداهما، بخلاف ما لو أكرهه على ذلك من دون إرادة المتشخّصة، كأن يقول: قل: إحداهما، طالق، فالأقوى عدم الإكراه في طلاق إحداهما المعيّنة؛ لعدم الإكراه عليه، واندفاعه بما لم يأت به.
ولا المغضب مع ارتفاع القصد المشترط في صحة
الطلاق، بل مطلق التصرفات، بالوفاق، كما حكاه جماعة
، وساعده الاعتبار.
مع استفاضة النصوص به في المضمار، منها: «لإطلاق إلاّ ما أُريد به الطلاق»
.
ومنها: «لا يقع الطلاق بإكراه، ولا إجبار، ولا على سُكر، ولا على غضب»
.
ومنها الرضوي: «ولا يقع إلاّ على طهر من غير
جماع، بشاهد عدلين، مريداً للطلاق»
.
ونحو المغضب: الساهي، والنائم، والغالط، والهازل، والعجمي، ونحوه الملقَّن بالصيغة مع عدم معرفة المعنى.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۱۹۵-۲۰۴.