الشفيع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو كل شريك بحصة مشاعة قادر على الثمن؛ فلا تثبت
للذمي على
مسلم؛ ولا بالجوار؛ ولا لعاجز عن الثمن؛ ولا فيما قسم وميز إلا بالشركة في الطريق او النهر اذا بيع أحدهما او هما مع الشقص؛ وتثبت بين شريكن. ولا تثبت لما زاد على أشهر الروايتين؛ ولو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام، فان لم يحضره بطلت؛ ولو قال انه في بلد آخر، أجل بقدر وصوله وثلاثة أيام ما لم يتضرر المشتري؛ وتثبت للغائب
والسفيه والمجنون والصبي ويأخذ لهم الولي مع الغبطة، ولو ترك الولي فبلغ الصبي او أفاق المجنون فله الأخذ.
في بيان الشفيع المستحقّ لمطالبة المشتري بالشفعة وهو كلّ
مسلم شريك بحصّة مشاعة قادر على الثمن واعتبار
الإسلام فيه ليس كلّياً؛ لثبوتها بين الكفّار بعضهم مع بعض إجماعاً، كما في
المبسوط وغيره
؛ لعموم الأدلّة.
بل يعتبر إذا كان المشتري مسلماً فلا تثبت
لذمّي ولا
حربي على مسلم إجماعاً منّا، كما في
الانتصار والمبسوط
والسرائر والمسالك وشرح الإرشاد
للمقدس الأردبيلي حاكياً له عن
التذكرة، وهو أيضاً ظاهر جماعة
؛ وهو
الحجّة، مضافاً إلى أنّ مطالبتها تسلّط على سبيل القهر، و «لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً».
وفي الخبر: «ليس لليهودي ولا النصراني شفعة»
يعني على المسلم؛ للإجماع على ثبوتها لهما على غيره. واختصاص
النصّ والفتوى بالذمّي لعلّه لندرة اتّفاق شركة المسلم مع الحربيّ، أو للتنبيه على الأدنى بالأعلى.
ويتفرّع على اعتبار
الشركة في الحصّة أنّه لا تثبت بالجوار بلا خلاف منّا حتّى من العماني كما في ظاهر
المسالك، وصريح بعض من تبعه
. بل عليه الإجماع في السرائر وعن
شيخ الطائفة؛ وهو الحجّة، مضافاً إلى
الأصل واختصاص المخصّصة له بما فيه الشركة، مع فحوى النصوص الآتية الدالّة على نفي
الشفعة فيما حصل فيه قسمة، بل بعضها كالصريح في ذلك.
كالحسن: عن الشفعة في الدور أشيء واجب للشريك ويعرض على الجار فهو أحق بها من غيره؟ فقال: «الشفعة في البيوع إذا كان شريكاً فهو أحقّ بها من غيره بالثمن»
فلا شبهة في المسألة.
وخلاف
العماني هنا على تقديره كما يستفاد من جماعة
شاذّ منعقد الإجماع على خلافه.
ويتفرّع على اعتبار القدرة على الثمن أنّه لا تثبت الشفعة لعاجز عن الثمن بلا خلاف ظاهر، بل مصرّح بالوفاق عليه وعلى باقي قيود التعريف في المسالك حيث حكاه بعد ذكره بقيوده
؛ وهو الحجّة، مضافاً إلى الأصل، واختصاص المثبت من النصّ والفتوى بحكم
التبادر في بعض، والتصريح في الآخر بالقادر. مع إمكان الاستدلال عليه بالخبر الآتي في تأجيل ثلاثة أيّام لمدّعي غيبة الثمن ونفي الشفعة إن لم يحضره بعدها، وبلزوم الضرر على المشتري أو البائع على تقدير ثبوتها مع العجز أيضاً، وهو منفيّ عقلاً ونقلاً.
ومنه يظهر الوجه في إلحاقهم المماطل، والهارب بعد
البيع عن بذل الثمن بالعاجز عنه أوّلاً.
ويرجع في العجز إلى اعترافه، أو
شهادة القرائن القطعيّة بعجزه، وعدم إمكان استدانته أو عدم مشروعيّتها.
ولا تثبت الشفعة فيما ميّز وقسّم على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر، وعن الشيخ وفي السرائر
والتنقيح وغيره
الإجماع عليه؛ وهو الحجّة، مضافاً إلى أكثر ما مرّ في نفيها للجار من الأدلّة. والنصوص به مع ذلك مستفيضة كادت تكون
متواترة.
منها زيادة على الحسنة المتقدّمة الصحيح: «لا تكون الشفعة إلاّ لشريكين ما لم يتقاسما»
الحديث.
والقوي: «لا شفعة إلاّ لشريك غير مقاسم»
ونحوه أخبار أُخر ثلاثة
.
والخبر: «إذا وقعت
السهام ارتفعت الشفعة»
.
وفي آخر: «إذا أرّفت الأُرف، وحدّت الحدود فلا شفعة»
.
وفي ثالث: «أنّ
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) قضى بالشفعة ما لم تؤرّف» يعني: ما لم تقسّم
.
وفي المعتبرين: «لا شفعة إلاّ لشريك»
.
ولا يضرّ ضعف الإسناد بعد الانجبار بالأصل، والكثرة، وعمل
الأصحاب. وخلاف العماني
شاذّ، ومستنده غير واضح عدا ما يستدلّ له بالخبر العامي الوارد في الجار
والنصّ الآتي في الاستثناء.
والأوّل ضعيف سنداً غير صريح دلالةً، ولا مقاوم لما مرّ من الأدلّة من وجوه شتّى.
والثاني نقول بموجبه تبعاً للأصحاب من غير خلاف، ومنهم الماتن هنا لقوله: إلاّ بالشركة في الطريق والنهر إذا بيع أحدهما أو هما مع الشقص المقسوم، للصحيح: عن دار فيها دور، وطريقهم واحد في عرصة الدار، فباع بعضهم منزله من رجل، هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال: «إن كان باع الدار وحوّل بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم، وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة»
.
ونحوه خبر آخر
.
وقريب منهما الرضوي: «فإذا كانت دار فيها دور، وطريق أبوابها في عرصة واحدة، فباع رجل داره منها من رجل كان لصاحب الدار الأُخرى شفعة إذا لم يتهيّأ له أن يحوِّل باب الدار التي اشتراها إلى موضع آخر، فإن حوّل بابها فلا شفعة لأحد عليه»
.
بناءً على ما قيل من ظهور أنّ قوله: «إذا لم يتهيّأ» إلى آخره، كناية عن دخول الطريق في
البيع وعدمه، بمعنى أنّه إن باع الدار وحدها من غير دخول الطريق معها فلا شفعة؛ لما مرّ من عدم موجب لها. وإن أدخل الطريق في البيع لعدم إمكان طريق له غير ذلك فله الشفعة في الجميع
.
وعن التذكرة
الاستدلال أيضاً بالحسن: عن دار بين قوم اقتسموها، فأخذ كلّ واحد منهم قطعة فبناها، وتركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم، إله ذلك؟ قال: «نعم ولكن يسدّ بابه ويفتح باباً إلى الطريق، أو ينزل من فوق البيت ويسدّ بابه، فإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنّهم أحقّ به، وإلاّ فهو طريقه يجيء حتى يجلس على ذلك الباب»
.
ونحوه
الموثق، إلاّ أنّه قال: «أو ينزل من فوق البيت، فإن أراد شريكهم أن يبيع منتقل قدميه فهو أحقّ به، وإن أراد يجيء حتّى يقعد على الباب المسدود الذي باعه لم يكن لهم أن يمنعوه»
.
وفيه نظر، كما نبّه عليه جمع ممّن تأخّر
؛ إذ لا تعرّض فيهما لبيع الدار مع الممرّ كما هو محلّ البحث، بل ظاهرهما ثبوت الشفعة في الطريق فقط ببيعه خاصّةً.
واعلم أنّ النصوص كما ترى مختصّة بصورة الاشتراك في الطريق، لكنّهم ألحقوا به الاشتراك في
الشرب، ومستندهم غير واضح، مع مخالفته لأُصولهم في الكتاب، اللهم إلاّ أن تكون انعقد عليه
الإجماع.
ثمّ لو باع الشريك حصّته من العرصة التي هي الطريق دون الدار جاز الأخذ بالشفعة؛ لما مرّ إليه الإشارة.
واشترط بعضهم كون الطريق ممّا يقبل القسمة في صورة انفراده بالبيع دون صورة الانضمام
، وبعضهم اشترط ذلك في الموضعين
. وليس في الروايات وغيرها تعرّض لذلك، فالأقوى عدم اعتباره مطلقاً.
وكذا
إطلاق الروايات يقتضي عدم الفرق بين كون الدور مقسومة بعد اشتراك سابق أم لا. وبه صرّح في المسالك
، وحكي عن التذكرة
، وتبعهما جماعة
. وعن ظاهر آخرين
اعتبار شركة سابقة على القسمة في ذات الطريق؛ تعويلاً على حجّة ضعيفة. فالأوّل في غاية القوّة.
واعلم أنّه تثبت الشفعة بين شريكين إجماعاً فتوًى ونصّاً ولا تثبت لما زاد عليهما على أشهر الروايتين فتوًى، بل عليه في الانتصار والسرائر والتنقيح إجماعنا
، ومع ذلك هي صحاح مستفيضة وغيرها من المعتبرة تقدّم إلى جملة منها الإشارة في تضاعيف المباحث السابقة، معتضدة بالأصل المتقدّم غير مرّة.
والرواية الثانية أيضاً مستفيضة، منها: النصوص المتقدّمة في المسألة السابقة.
ومنها: الخبران «الشفعة على عدد الرجال»
.
والخبر: «قضى
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) بالشفعة بين الشركاء»
.
وهي مع قصور
سند أكثرها، وعدم مكافأتها لما مضى من وجوه شتّى شاذّة لا عامل بها عدا
الإسكافي والصدوق في
الفقيه في الجملة
، موافقة لمذهب
العامّة القائلين بمضمونها، كما صرّح به
المرتضى وشيخ الطائفة
وجماعة
، فلتحمل على
التقية لذلك، سيّما مع كون
راوي بعضها من العامّة.
ويعضده مصير الإسكافي إليها، إلاّ أنّ المنقول عنه في الانتصار يخصص ذلك بغير الحيوان، ومصيره فيه إلى ما عليه الأصحاب
. وهو حينئذٍ كالصدوق في قوله بالتفصيل المزبور، فإنّه قال في الفقيه بعد نقل ما يدلّ على المختار من الأخبار: قال مصنّف هذا الكتاب: يعني بذلك الشفعة في الحيوان وحده، فأمّا غير الحيوان فالشفعة واجبة للشركاء وإن كانوا أكثر من اثنين، وتصديق ذلك ما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن
عبد الله بن سنان قال: سألته عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم أن يبيع نصيبه، قال: «يبيعه» قلت: فإنّهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه فلمّا أقدم على
البيع قال له شريكه: أعطني، قال: «هو أحقّ به» ثمّ قال (علیهالسّلام): «لا شفعة في حيوان إلاّ أن يكون الشريك فيه واحداً»
انتهى.
وظاهر جماعة من الأصحاب مصير الإسكافي إلى القول المزبور مطلقاً من دون التفصيل
، وعبارة المختلف يحتمل ذلك وما ذكره المرتضى، فإنّه قال بعد نقل مذهب الصدوق: وكذا اختار
ابن الجنيد ثبوت الشفعة مع الكثرة
.
ويعضد ما ذكره الجماعة ما ذكره
الماتن في
الشرائع من أنّ في المسألة أقوالاً ثلاثة، وعدّ منها القول بثبوتها مع الكثرة مطلقاً
، ولم نجد القائل به لو لم يكن الإسكافي.
لكن يضعّفه أنّه عدّ منها القول بالتفصيل بين العبد خاصّةً وغيره، ولا قائل به حتّى الصدوق؛ لاشتراطه اتّحاد الشريك في مطلق الحيوان من دون تخصيص بالعبد، فهو غير الصدوق. ولعلّ القول بالثبوت مطلقاً لمن عدا الإسكافي وقد وقف على قائله ولم نقف عليه، كالقول بالتفصيل الذي حكاه.
وكيف كان فالقول بالتفصيل بقسميه على تقديرهما ضعيف جدّاً كسابقهما؛ لعدم وضوح مأخذهما عدا ما في الفقيه قد مضى، وهو كما ترى؛ لعدم التعارض بين الخبر الذي قيّده والذي استشهد به لتقييده؛ إذ غايته اشتراط الاتّحاد في الحيوان وهو لا ينافي اشتراطه في غيره كما هو مقتضى الخبر الأوّل المفيد بعمومه، بل بصريحه؛ لأنّه
المرسل المتقدّم المصرّح بثبوت الشفعة في كلّ شيء حتّى الحيوان، ونحوه الرضوي الماضي إلاّ بالمفهوم الضعيف الذي لعلّه لا يقول به.
ثمّ على تقدير حجّيته لا يمكن
التقييد به أيضاً؛ لما مضى من عدم التكافؤ أصلاً.
ومقتضاه رفع اليد عن نحو هذا الخبر كغيره من الأخبار المتقدّمة المطلقة، سيّما مع ما عرفت من قوّة احتمال ورودها للتقية.
ويحتمل أيضاً محامل أُخر ذكرها الجماعة
، كحمل لفظ الجمع فيها على الاثنين ولو مجازاً، أو على إرادة تعميم الحكم بالنسبة إلى المكلّفين، لا بالنسبة إلى قضيّة واحدة اشترك فيها جماعة. وهما وإن بعدا إلاّ أنّه لا بأس بهما جمعاً، وهو أحسن من الطرح مهما أمكن وأولى.
وبالجملة لا ريب ولا شبهة في المسألة بحمد الله تعالى.
واعلم أنّه لا خلاف على الظاهر المصرّح به في
شرح الإرشاد للمقدّس الأردبيلي محتملاً كونه إجماعاً في أنّه لو ادّعى الشفيع غيبة الثمن أُجّل ثلاثة أيّام ولو ملفقة من وقت حضوره للأخذ بالشفعة إن ذكر أنّه ببلده فإن لم يحضره في المدّة المضروبة بطلت. ولو قال: إنّه في بلد آخر أُجّل بقدر وصوله إليه وعوده منه وزيادة ثلاثة أيّام بعد ذلك.
والأصل في جميع ذلك الحسن بالنهدي: عن رجل طلب شفعة أرض فذهب على أنْ يحضر المال فلم ينضّ، فكيف يصنع صاحب الأرض إذا أراد بيعها، أيبيعها أو ينتظر مجيء شريكه صاحب الشفعة؟ قال: «إن كان معه في المصر فلينتظر به ثلاثة أيّام، فإن أتاه بالمال، وإلاّ فليبع وبطلت شفعته في الأرض، وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى بلد آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة أيّام إذا قدم، فإن وفاه، وإلاّ فلا شفعة له»
.
وقصوره عن الصحّة مجبور بالعمل، مع أنّ
الحسن في نفسه
حجّة على الأظهر الأشهر بين الطائفة.
وظاهر إطلاقه وإن شمل صورتي ترتّب الضرر على المشتري بالتأجيل وعدمه، إلاّ أنّ ظاهرهم الإطباق على تقييده بما إذا لم يتضرّر المشتري به كما إذا كان البلد بعيداً جدّاً. ولعلّه للجمع بينه وبين ما دلّ على نفي الضرر من
العقل والنقل، مضافاً إلى التأيّد بما مرّ من إناطة ثبوت الشفعة بنفي الضرر، فينبغي أن يكون حيث لا يلزم من وجه آخر، لأنّ مع التعارض ينبغي الرجوع إلى حكم الأصل، وهو عدم الشفعة، هذا.
وأمّا ما يورد على الخبر من أنّ مورده هو الشفعة قبل البيع، وأنّ الذي ينتظر به هو الشريك الذي يريد أن يبيع، لا المشتري. فهو خارج عن محلّ البحث الذي استدلّوا به عليه وهو الشفعة بعد البيع، ولعلّهم قاسوا حال المشتري على البائع، وهو مشكل.
فغير واضح؛ لابتنائه على كون المراد بصاحب الأرض هو المالك الأوّل دون المشتري، ولا إشعار في الخبر به، مع صدق ذلك على المشتري. بل إطلاق لفظ الشفعة التي هي حقيقة في الاستحقاق بعد البيع كما مرّ يعضد إرادة الثاني، هذا.
مع احتمال أن يكون الإلحاق على تقدير صحّة ما ذكر من باب تنقيح المناط القطعيّ، لا
القياس الخفيّ، فتدبّر.
ثمّ المراد ببطلانها على تقدير عدم إحضاره في المدّة المضروبة سقوطها إن لم يكن أخذ، ويتسلّط المشتري على الفسخ إن كان قد أخذ. كذا ذكره في المسالك
.
ولعلّه كذلك؛ لأنّ الحكم بالبطلان إنّما هو مراعاة للمشتري، فإذا رضي بأخذ الشفيع بالتأخير فقد أسقط حقّه. وليس في إطلاق الرواية ما ينافي ذلك؛ لأنّ غايتها إسقاط حقّ الشفيع من السلطنة على المطالبة، وهو لا يستلزم إسقاط حقّ المشتري من المطالبة بالثمن بعد إجراء الصيغة الناقلة.
وبالجملة لا دلالة فيها على بطلان حقّ الشفيع، وعلى تقديره لا ضير فيه أيضاً، وإن هي حينئذٍ إلاّ كما ورد في خيار التأخير من بطلان البيع، مع إطباق الأصحاب على بقاء الصحّة وثبوت
الخيار، لا فساد الشفعة من أصله.
فما في الكفاية
من أنّ هذا التفصيل غير مذكور في الرواية، محلّ مناقشة إن أراد الردّ بها عليه، وإن أراد عدم استفادة ما ذكره منها فحسن، إلاّ أنّه لم يستند إليها في ذلك. ولعلّه أخذه ممّا قدّمناه من الحجّة.
وتثبت الشفعة للغائب وإن طالت غيبته، فإذا قدم من سفره أخذ إن لم يتمكّن من الأخذ في الغيبة بنفسه، أو وكيله. ولا عبرة بتمكّنه من الإشهاد.
وفي حكمه المريض والمحبوس ظلماً أو بحقّ يعجز عنه، ولو قدر على الحقّ ولم يطالب بعد مضيّ زمان يتمكّن من التخلّص والمطالبة بطلت.
وكذا
السفيه والمجنون والصبيّ في ثبوت الشفعة لهم ويأخذ لهم الوليّ مع الغبطة والمصلحة كسائر التصرّفات. ولا خلاف في شيء من ذلك أجده، وبعدمه صرّح بعض الأجلّة
؛ وهو
الحجّة، مضافاً إلى العمومات المعتضدة بوجه الحكمة المشتركة، وخصوص بعض المعتبرة المنجبر قصور سنده عن الصحّة بفتوى الطائفة: «وصيّ
اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له الشفعة إذا كان له فيه رغبة» وقال: «للغائب شفعة»
.
وهو وإن اختصّ مورده بالأوّل والأخير إلاّ أنّ الوسطين ملحقان بهما لعدم القائل بالفرق بين الأربعة في الطائفة، مع اعتضاد إلحاق الثالث بل ما سبقه أيضاً بالاستقراء، واشتراكه مع الصبيّ في الأحكام غالباً، هذا.
وربما يشكل الحكم بثبوت الشفعة لهم إن تضمّن طول الغيبة، وانتظار ارتفاع موانع الثلاثة حيث لم يأخذ لهم وليّهم بالشفعة كما سيأتي إليه الإشارة ضرراً على المشتري؛ يظهر وجهه ممّا قدّمناه قريباً من أنّ مقتضى تعارض الضررين الرجوع إلى حكم
الأصل، وهو عدم الشفعة.
ووجّهنا بهذا حكمهم السابق بتقييد جواز التأجيل بما إذا لم يتضرّر به المشتري، مع خلوّ
النصّ كما عرفت عن القيد. لكن عدم خلافهم في ذلك بحيث كاد أن يعدّ من الإجماع كفانا الاشتغال بطلب دليل آخر على تصحيح الإطلاق.
ولو ترك الوليّ الأخذ حيث يجوز له فبلغ الصبيّ، أو أفاق المجنون أو رشد السفيه فله أي لكلّ منهم الأخذ قيل: لأنّ التأخير وقع لعذر، وتقصير الوليّ بالتراخي لا يسقط حق المولّى عليه، وليس الحقّ متجدّداً عند الكمال، بل مستمرّ وإنّما المتجدّد أهليّة الآخذ
. ولا يظهر خلاف فيه، وفي أنّه لو كان الترك لعدم المصلحة لم يكن لهم بعد ارتفاع الموانع الأخذ بالشفعة.
وعليه فلو جهل الحال في سبب الترك هل هو الثاني أو الأوّل؟ ففي استحقاقهم الأخذ نظراً إلى وجود السبب فيستصحب، أم لا التفاتاً إلى أنّه مقيّد بالمصلحة وهي غير معلومة، وجهان، أوجههما الثاني عند
الشهيد الثاني.
وذكر تبعاً
للدروس أنّ المفلس له الشفعة
، ولكن لا يجب على الغرماء تمكينه من الثمن، فإن بذلوه أو رضي المشتري بذمّته فأخذ، تعلّق بالشقص حق الغرماء. ولا يجب عليه الأخذ لو طلبوه منه مطلقاً ولو بذلوا له الثمن، أو كان للمشتري بذمّته رضاً.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۴، ص۶۷-۸۱.