شهادة النساء في الجراح والقتل
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وتقبل
شهادة النساء في
الجراح والقتل لكن لا منفردات، بل إذا كنّ مع الرجال منضمّات بأن يشهد رجل وامرأتان.
وتقبل
شهادة النساء في
الجراح والقتل لكن لا منفردات، بل إذا كنّ مع الرجال منضمّات بأن يشهد رجل وامرأتان.
ولا خلاف في عدم القبول مع الانفراد إلاّ من
الحلبي؛ حيث قال بقبول شهادة امرأتين في نصف
دية النفس والعضو والجراح، والمرأة الواحدة في الربع
. واستغربه في
المختلف، وشذّذه في
المسالك، مشعرين بدعوى الإجماع على خلافه، ولعلّه كذلك، فلا عبرة به وإن دلّ عليه الصحيح وغيره.
ففي الأوّل: «قضى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) في غلام شهدت عليه امرأة أنّه دفع غلاماً في بئر فقتله، فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة»
.
وفي الثاني: عن امرأة شهدت على رجل أنّه دفع صبياً في بئر فمات، قال: «على الرجل ربع دية الصبي بشهادة المرأة»
.
لمخالفتهما مع قصور
سند الثاني الإجماع الظاهر والمحكي،
والأصل، وخصوص النصوص الآتية المانعة عن قبول شهادتهن مطلقاً، والمجوّزة له بشرط الانضمام إلى الرجل، وعموم النصوص المانعة عن قبول شهادتهن مطلقاً، إلاّ في
الديون مع الرجال، والمجوّزة له في خصوص ما لا يطّلع عليه الرجال خاصّة.
وبالجملة: فهذا القول في غاية من الضعف.
وأمّا القبول مع انضمام الرجل الواحد إلى امرأتين فمتفق عليه في الظاهر فيما لو كان المشهود به لا توجب إلاّ
الدية كقتل الخطأ، والمأمومة، والجائفة؛ عملاً بالأدلّة الآتية الدالّة على قبول شهادتهن مع الرجل فيما كان مالاً أو المقصود منه المال، مضافاً إلى
إطلاق بعض النصوص الآتية الدالة على قبول شهادتهن في
الدم بعد حمله على خصوص ما نحن فيه.
وأمّا فيما لا يوجب إلاّ
القصاص فمختلف فيه بين الأصحاب، فبين مانع عنه مطلقاً
كالحلّي والشيخ في
الخلاف. وقائل به
كالعماني،
والماتن في موضع من
الشرائع،
والفاضل في موضع من
الإرشاد والقواعد، واحتمله في
التحرير.
ونسب في المختلف والإيضاح والنكت والمسالك إلى مقوّى المبسوط
، مع أنّ عبارته المحكية في المختلف صريحة في عدم القبول فإنّه قال بعد تعداد ما لا يثبت إلاّ بشاهدين من نحو النكاح والخلع والطلاق والجناية الموجبة للقود وغير ذلك ما لفظه: وقال بعضهم: تثبت جميع ذلك بشاهد وامرأتين. وهو الأقوى إلاّ القصاص
. انتهى.
وهو كما ترى صريح فيما ذكرنا، فهو غريب.
وأغرب منه نسبة المسالك هذا القول إلى كثير من الأصحاب
، مع أنّي لم أقف على قائل به عدا من ذكرته.
ومع ذلك الفاضلان وإن أطلقا القبول في
القتل في كتبهم المذكورة في هذا الكتاب، إلاّ أنّهما رجعا عنه فيها في كتاب
القصاص وباقي كتبهما، كهذا الكتاب، فإنّه وإن قال أوّلاً: تقبل شهادتهن مع الرجال في الجراح والقتل بقول مطلق ولكن قيّده وبيّنه بأنّه تجب بشهادتهن الدية لا
القود.
ونحوه الفاضل في
المختلف، فإنّه بعد ترجيحه لهذا القول، وذكره أدلّة المانعين وبعض الأجوبة عنها قال مجيباً أيضاً: أو نقول بالموجب، فإنّا لا نثبت القود بشهادتهن، بل نوجب الدية
.
وكذا في التحرير؛ حيث جعل الجناية الموجبة للقود من جملة ما لا يثبت إلاّ بشاهدين، وجعل قتل الخطأ، وكل جرح لا يوجب إلاّ المال كالمأمومة والجائفة، وكل عمد لا يوجب القصاص، كقتل السيد العبد،
والمسلم الكافر،
والأب ولده، من جملة ما يثبت بهما وبشاهد وامرأتين
.
ونحوهما في تقييد المنع عن القبول بالقود دون الدية عبائر باقي الأصحاب الذين وقفت على كلامهم في المسألة كالإسكافي، والشيخ في
المبسوط والخلاف
والنهاية، والقاضي، والحلبي، وابن حمزة، وفخر الدين، والشهيد في الدروس واللمعة
، وغيرهم من متأخري الأصحاب
.
بل ظاهر
الصيمري عدم الخلاف فيه إلاّ من الفاضلين في كتبهما المتقدمة التي قالا فيها بالقبول على الإطلاق، فإنّه قال بعد نسبة ذلك إليهما فيها ما لفظه: وظاهر التحرير عدم الثبوت بغير الشاهدين، وهو المشهور بين الأصحاب، فضبطوا ذلك بما كان من حقوق الله تعالى، أو حقوق الآدميين وليس مالاً ولا المقصود منه المال، فإنّه لا يثبت إلاّ بشهادة الرجال دون النساء
.
وهو كما ترى ظاهر فيما ذكرناه وأنّه لا مخالف فيه من القدماء، ونحوه عبارة المختلف المتقدمة، فأين الكثير الذين ذكر مصيرهم إلى القبول في القود؟! ولكن شيخنا أعرف بما ذكره.
وبالجملة: التحقيق أنّ في المقام دعويين:
إحداهما القبول في القود، والأظهر الأشهر العدم، بل في ظاهر عبارة الإسكافي المحكية في المختلف
إجماعنا عليه، ونسب الماتن القبول فيه في كتاب القصاص إلى الشذوذ مشعراً كسابقه بدعوى
الإجماع عليه؛ للأصل المتقدم، والنصوص المستفيضة المتقدم إلى جملة منها الإشارة في الأبحاث السابقة، وفيها الصحيح وغيره من المعتبرة، وفي
الصحيح: «لا تجوز شهادة النساء في القتل»
.
خلافاً لمن مرّ؛ لما مرّ من الصحيح المتضمن لعدم جواز شهادتهن في
الحدود إلاّ في القتل وحده.
والصحيح: «تجوز شهادة النساء في
الدم مع الرجال»
.
والخبر الضعيف
بمفضل بن صالح: تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ قال: «نعم»
.
ولا يخفى عليك عدم مقاومة هذه النصوص لمقابلتها؛ لوجوه شتى، مع ضعف بعضها، وندرة القائل بالحصر المستفاد من الصحيحة الأُولى منها، بل وعدمه، مع متروكية ظاهر إطلاق القبول فيها لشهادة النساء الشامل لما إذا كنّ منفردات، مع ما عرفت من ندرة القائل بها جملة في المسألة، إذ ليس إلاّ
العماني؛ لرجوع الفاضلين عنها فيما عرفت من كتبهما، فلتكن مطرحة أو مؤوّلة بما تؤول به إلى الأخبار الأوّلة بحملها على القبول في الدية خاصّة دون القود، كما فعله الشيخ وجماعة.
وأمّا الجمع بينهما بحمل المانعة على صورة الانفراد وهذه على صورة الاجتماع مع الرجل ليصحّ القول بالقبول في القود فهو فرع التكافؤ المفقود في هذه؛ لرجحان المانعة عليها من وجوه شتى كما مضى، مضافاً إلى منافاته لظاهر سياق جملة منها بل صريحها؛ لتصريحها بقبول شهادتهن مع الرجل في
النكاح ومنعها بعد ذلك عنه في الطلاق والدم مطلقاً، هذا.
ويختلج بالبال عدم معارضة هذه الأخبار لما قابلها بعد ضمّ مطلقها إلى مقيّدها أصلاً؛ إذ ليس في المقيد إلاّ اعتبار شهادتهن مع الرجال بصيغة الجمع، ولا ريب فيه، وليس فيها اعتبارها مع الرجل الواحد كما هو محل بحثنا، فتأمّل جدّاً.
وثانيهما: القبول في الدية، وهو مذهب الماتن هنا، تبعاً للشيخ في النهاية
وجماعة كالإسكافي،
والحلبي،
والقاضي،
وابن حمزة، والفاضل في المختلف، وولده في
الإيضاح.
وحجتهم غير واضحة، عدا ما في
المسالك وغيره
من أنّها الجمع المتقدم إليه الإشارة، ولا شاهد عليه ولا
أمارة، مع قصور الأخيرة عن المقاومة لما قابلها من الأخبار المانعة من وجوه عديدة، والجمع فرع التكافؤ بلا شبهة، فالأصح عدم القبول أيضاً في الدية، وفاقاً لمن قدّمت ذكره، وهو ظاهر كل من جعل القود مما لا تقبل فيه شهادة النسوة بالمرّة مع عدم ذكره القبول فيه بالإضافة إلى الدية خاصّة، كالفاضلين في كتبهما المتقدمة والشهيدين في
الدروس واللمعتين، لكن عبارة الإسكافي ربما تشعر بإجماعنا على ما ذكره، فإنّه قال: ولا بأس عندنا بشهادتهن مع الرجال في الحدود
والأنساب والطلاق، ولا توجب القود إلاّ بشهادة الرجال حقناً للدماء، فإن لم تتم الشهادة على القتل بالرجال وشاركهم النساء أوجبنا بها الدية
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۳۴۳-۳۴۹.