عدم جواز الصلاة في الثوب المغضوب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(ولا تجوز) الصلاة ولا تصح (في ثوب مغصوب مع
العلم ) بالغصبية،بلا خلاف أجده فيما لو كان ساترا إلّا من نادر لا يعبأ به،
مع دعوى
الإجماع على خلافه في كلام كثير، كالسيدين في الناصريات والغنية، والفاضل في ظاهر
المنتهى وصريح التحرير ونهاية الإحكام والتذكرة، والمحقق الثاني في شرح القواعد والشهيدين في
الذكرى وروض الجنان.
وهو الحجة، مضافا إلى الأصول الآتية.
ومقتضى
إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة ـ ومنهم كثير من نقلة الإجماع ـ عدم الفرق بين كونه ساترا أو غيره، وبه صرّح جماعة
ومنهم الشهيد ; في جملة من كتبه،
بل زاد فقال : ولا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب ولو خيطا، فتبطل الصلاة مع علمه بالغصب.وهو حسن، لما ذكره جماعة
: من أن الحركات الواقعة في الصلاة منهي عنها، لأنها تصرّف في المغصوب، والنهي عن الحركة نهي عن
القيام والقعود والركوع والسجود، وكل منها جزء للصلاة فتفسد؛ لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد، فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها.
وبأنه مأمور
بإبانة المغصوب عنه وردّه إلى مالكه، فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادّا للصلاة،
والأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده- في «م» زيادة : الخاص.- بالتقريب الآتي فيفسد.وأما ما يقال
في الجواب عن الأوّل : بأن النهي إنما يتوجه إلى التصرّف في المغصوب من حيث هو تصرّف فيه، لا إلى الحركات من حيث هي حركات الصلاة، فالنهي متعلق بأمر خارج عنها ليس جزءا ولا شرطا، فلا يتطرق إليه
الفساد ، بخلاف ما لو كان المغصوب ساترا أو مسجدا أو مكانا، لفوات بعض الشروط أو بعض الأجزاء.
وعن الثاني : بمنع
اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص، وإنما يقتضي النهي عن ضده العام الذي هو الترك أو الكفّ.
فضعيف، أما الأوّل فلما ذكره بعض الأفاضل : من أنّ
الإنسان إذا كان متلبّسا بلباس مغصوب في حال
الركوع مثلا فلا خفاء في أنّ الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرمة، لكونها محرّكة للشيء المغصوب، فيكون تصرّفا في مال الغير محرّما، فلا يصح التعبّد به مع أنه جزء الصلاة،
واعتبار الجهتين غير نافع في صحة تعلق الوجوب والحرمة إلّا مع
اختلاف المتعلقين لا مطلقا، وبالجملة لا يصح هذا الكلام على رأي أصحابنا القائلين بأن الشيء الواحد الشخصي لا يجوز أن يكون متعلّقا للوجوب والحرمة معا مطلقا، وإنما يتم على رأي جماعة من العامة المخالفين في هذه المسألة.. إلى آخر ما ذكره.
ولنعم ما أفاده وإجادة، شكر الله سعيه.
هذا، مع أن اختلاف الجهة لو أثّر للزم صحة الصلاة فيه ولو تعلق بها أو بجزئها أو بشرطها النهي، ولا يقول به، لما عرفت من تصريحه بالفساد لو كان ساترا، لفوات الشرط. هذا.ودعوى فساد المشروط بتعلق النهي بشرطه مطلقا كما يقتضيه عبارته ممنوعة، بل يختص بذلك بما إذا كان الشرط عبادة، فإنّ تعلق النهي به يستلزم فساده ويترتب عليه فساد مشروطه. وأما إذا لم يكن عبادة فلا وجه لذلك فيه، فإن النهي لا يقتضي فساده حتى يترتب عليه فساد المشروط، وإنما يقتضي حرمته، ولا تلازم بينها وبين حرمة المشروط، كما لو أوقع إزالة الخبث المشترطة في صحة الصلاة بالماء الغصبي، فإن ذلك لا يؤثّر في
بطلان مشروطها، والستر من قبيلها ليست بعبادة جدّا، وإلّا لما صح صلاة من ستر عورته من دون قصد القربة بناء على
اشتراطه في مطلق العبادة، وأنها به تفترق عما ليس بعبادة.
ومن هنا يظهر ما في دعوى بعض الأفاضل كون الستر عبادة، حيث قال ـ بعد نقل كلام الماتن في
المعتبر : اعلم أني لم أقف على نصّ من
أهل البيت بإبطال الصلاة وإنما هو شيء ذهب إليه المشايخ الثلاثة وأتباعهم. والأقرب أنه إن ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة، لأن جزء الصلاة يكون منهيا عنه وتبطل الصلاة بفواته. أما لو لم يكن كذلك لم تبطل كلبس خاتم من ذهب وفي المعتبر : وكان كلبس خاتم مغصوب.
ـ ما صورته :
يعني جزأها وما جرى مجرى الجزء من الشرط المقارن، يعني أنّ النهي إنما يقتضي الفساد إذا تعلق بالعبادة، فإذا استتر بالمغصوب صدق أنه استتر استتارا منهيّا عنه، فإن
الاستتار به عين لبسه والتصرف فيه، فلا يكون استتارا مأمورا به في الصلاة، فقد صلّى صلاة خالية عن شرطه الذي هو الاستتار المأمور به، وليس هذا كالتطهير من الخبث بالمغصوب، فإنه وإن نهي عنه لكن يحصّل الطهارة، وشرط الصلاة إنما هو
الطهارة لا فعلها لينتفي الشرط إذا نهي عنه.. إلى آخر ما ذكره.
ومحصل كلامه ـ كما ترى ـ في وجه الفرق بين التطهير والستر كونه عبادة دون سابقة، إذ به تتمّ الخصوصية للستر، وقد عرفت ما فيه.
وليت شعري ما الذي دعاه إلى جعله عبادة؟ ولم أر له أثرا عدا تعلّق الأمر بالستر، وأن
الأصل فيما تعلق به أوامر الشرع أن تكون عبادة موقوفة على قصد القربة، وهذا بعينه موجود في
إزالة الخبث عن الثوب.فإن ادعى خروج ذلك بالإجماع على عدم اعتبار قصد القربة فيه.قلنا له : كذلك
الأمر في محل النزاع، وإلّا لما صحّ صلاة من ستر عورته بمحلّل إلّا بقصد القربة، وهو خلاف الإجماع، بل البديهة.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه لفساد الصلاة في المغصوب الساتر للعورة غير ما قدّمنا إليه
الإشارة : من كون الحركات الأجزائية منهيّا عنها باعتبار كونها تصرّفا فيه، وهذا لا يختلف فيه الحال بين الساتر وغيره. فالقول بالفرق ـ كما عليه الماتن في المعتبر وشيخنا في روض الجنان وسبطه في المدارك وقواه في
الذكرى ـ ضعيف، سيّما مع إطلاق جملة من الإجماعات المحكية المؤيّدة بالدليلين المتقدم إليهما الإشارة ، لضعف ما يرد عليهما :
أما الأوّل : فلما مر.
وأما الثاني : فلأن الأمر بالشيء وإن كان لا يقتضي النهي عن ضده الخاص لفظا ولا معنى ـ كما هو الأشهر الأقوى ـ إلّا أنه يستلزم عدم
اجتماع أمر آخر معه يضادّه لو كان مضيّقا والآخر موسّعا كما فيما نحن فيه، فإن الأمر بالإبانة فوريّ إجماعا والفرض سعة وقت الصلاة، وإلّا فهي مقدمة على جميع الواجبات، وحيث استلزم عدم الاجتماع بقي الصلاة بلا أمر، وهو عين معنى الفساد، إذ الصحة في العبادة عبارة عن موافقة الأمر، وحيث لا أمر فلا موافقة، فجاء الفساد من هذه الجهة لا
استلزام الأمر بالشيء النهي عن ضده وإن أوهمه ما سبق في
الدليل من العبارة، لكن المراد ما عرفت، وإنما وقع التعبير بذلك
مسامحة .
رياض المسائل، ج۲، ص۳۳۳-۳۳۸.