عدم جواز بيع ثمرة النخل قبل ظهورها
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
اعلم أنّه (لا يجوز بيع ثمرة النخل) بل مطلقا، كما يأتي (قبل ظهورها) المفسّر بالبروز إلى الوجود، وإن كانت بعدُ في الطلع أو الكِمام، في كلام جماعة،
ويشهد له بعض المعتبرة الآتية، عاما واحداً، بمعنى ثمرة ذلك العام وإن وجدت في شهر أو أقلّ.للغرر،
والإجماع المستفيض النقل في كلام جماعة، كالغنية والسرائر والمختلف والتذكرة والتنقيح والدروس ونكت الإرشاد والمسالك والروضة،
والمفلح الصيمري في شرح الشرائع؛ وهو وما قبله الحجة.
مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الناهية عنه فحوًى في بعض، ونصّاً في الباقي.فمن الأوّل النصوص الآتية المانعة عن بيعها قبل بدوّ الصلاح.ونحوها المعتبران، أحدهما الصحيح، والثاني الموثّق كالصحيح على الصحيح : «لا تشتر النخل حولاً واحداً حتى يطعم، وإن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل».
والخبر : «إذا بيع الحائط فيه النخل والشجر سنة واحدة فلا يباعنّ حتّى تبلغ ثمرته».
ومن الثاني الموثّق كالصحيح : عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ قال : «لا، إلاّ أن يشتري معها غيرها رطبة أو بقلاً، فيقول : أشتري منك هذه الرطبة» إلى أن قال : «فإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقل»
وادعى عليه في
المسالك الشهرة..
وهو وإن دلّ على الجواز مع الضميمة مطلقا، إلاّ أنّ اللازم وفاقاً للتذكرة حملها على المقصودة بالأصالة وكون الثمرة تابعة غير مقصودة؛ جمعاً بين الأدلّة،
والتفاتاً إلى
الإشعار به في ذيل الرواية من العلّة بأنّه إن لم تخرج الثمرة كان رأس ماله في الرطبة، بناءً على الغالب من عدم دفع الثمن في مثل هذه الصورة إلاّ بعد أن تكون الضميمة بالذات مقصودة دون الثمرة.وبه يقيّد
إطلاق المعتبرة المتقدّمة ككلام الجماعة، وإن كان الأحوط الترك مطلقا ولو مع الضميمة، فراراً من الشبهة الناشئة من الإطلاقات المزبورة، هذا.
ويستفاد من الصحاح الجواز من دون ضميمة أيضاً، لكن مع الكراهة، منها : عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين، قال : «لا بأس به، يقول : إن لم يخرج في هذه أخرج من قابل، وإن اشتريته سنة فلا تشتره حتى يبلغ، وإن اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا بأس» وعن الرجل يشتري الثمرة المسمّاة من أرض فتهلك تلك الأرض كلّها، فقال : «اختصموا في ذلك إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا يذكرون ذلك، فلمّا رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك
البيع حتى تبلغ الثمرة ولم يحرّمه، ولكن إنّما فعل ذلك من أجل خصومتهم».
وفيه دلالة على كون النهي للإرشاد ورفع
المنازعة ، وفي غيره كونه للكراهة، كالصحيح : «إنّما يكره شراؤها سنة واحدة قبل أن يطلع مخافة
الآفة حتى تستبين».
ونحوهما في عدم كون النهي للحرمة الخبر : «خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمع ضوضاء، فقال : ما هذا؟ فقيل : تبايع الناس بالنخل، فقعد النخل العام، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أمّا إذا فعلوا فلا يشتروا
النخل حتى يطلع فيه شيء، ولم يحرّمه».
ولذلك جمع الشيخ بينها وبين المتقدّمة عليها في الكتابين بالكراهة،
لكن فتواه بها بمجرّد ذلك غير معلومة، فلعلّها لمجرّد الجمع بين الأخبار المختلفة، مع
احتماله الحرمة
والاستحباب معاً في ذيل الباب المذكور فيه الأخبار المزبورة، المشعر بل الظاهر في تردّده في الكراهة، مع احتمال
إرادته الكراهة في البيع بعد ظهورها قبل بدوّ الصلاح، كما تشعر به عبارته، سيّما بعد ضمّ سياق بعضها إلى بعض، ولذا نسب جماعة القول بالكراهة إليه في المسألة الآتية دون هذه المسألة.
وكيف كان، ففتواه هنا بالكراهة لو كانت، مع أنّها غير معلومة شاذّة، كما دلّ عليها من النصوص وإن كانت بحسب الأسانيد معتبرة، لا تقاوم شيئاً ممّا قدّمناه من الأدلّة، سيّما الإجماعات المحكيّة المستفيضة التي كلّ واحد منها في حكم رواية صحيحة معتضدة بالشهرة العظيمة.مضافاً إلى ضعف دلالة الصحاح بالضرورة، فالأوّل : بقرب احتمال إرادة بدوّ الصلاح من
البلوغ المنهي عن بيع الثمرة قبله، بل لعلّه الظاهر، كما لا يخفى على المتأمّل المتدبّر.
والثاني : أوّلاً : بأعمّية الكراهة من المعنى المصطلح في هذه الأزمان المتأخّرة، فيحتمل الحرمة، بل يتعيّن، بشهادة الأخبار الظاهرة فيها لمكان النهي، بالضرورة. وثانياً : باحتمال أن يراد من طلوع الثمرة بلوغها وبدوّ وصلاحها، ولا بأس به وإن بَعُد؛ جمعاً بين الأدلّة.وبنحوه يجاب عن الثالث، فتأمّل، مضافاً إلى قصور سنده بالجهالة ووجه آخر لضعف الدلالة.فاحتمال بعض متأخّري متأخّري الطائفة المصير إلى الجواز مع الكراهة
ضعيف غايته.
ولا أزيد من عام واحد عطف على قوله : عاما واحداً.أي : لا يجوز بيع ثمرة النخل قبل ظهورها أزيد من عام واحد.، على الأظهر الأشهر، بل عن الحلّي عليه
الإجماع ؛
وهو الحجة.والمناقشة فيه بخروج مَن سيأتي كما في المختلف
مردودة، بناءً على ما عليه أصحابنا من عدم القدح فيه بمثل ذلك بالبديهة، هذا.مضافاً إلى أكثر ما مرّ من الأدلّة من لزوم الغرر، والجهالة، وفحاوى الأخبار الآتية، فتأمّل، وإطلاق الموثّقة الثانية بل عمومها الناشئ من ترك
الاستفصال .
مضافاً إلى مفهوم بعض المعتبرة بالشهرة، وما قدّمناه من الأدلّة : عن النخل والثمر يبتاعهما الرجل عاما واحداً، إلى أن قال : «فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام إن شئت مع ذلك العام أو أكثر من ذلك أو أقل».
خلافاً للمقنع والتذكرة،
فجوّزاه، كما حكاه جماعة؛ استناداً إلى
الأصل والعمومات، والصحيح : عن شراء النخل، فقال : «كان أبي يكره شراء النخل قبل أن يطلع ثمرة السنة، ولكن السنتين والثلاثة، كان يقول : إن لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأُخرى» وعن الرجل يبتاع النخل والفاكهة قبل أن يطلع، فيشتري سنتين أو ثلاثاً أو أربعاً؟ فقال : «لا بأس»
الحديث.
وربما يستدل له بإطلاق المعتبرين والصحيح الأوّل من الصحاح، المتوهَّم معارضتها لهما، من حيث تخصيص المنع في الأوّلين قبل أن يطعم بالحول الواحد، المشعر بالجواز فيما زاد، مع التصريح به فيه أخيراً، وإطلاق جواز البيع ثلاث سنين قبل البلوغ في الأخير، وهو كالأوّل أعمّ من ظهور الثمرة قبل بدوّ الصلاح وعدمه إن كان الأمران مراداً بهما بدوّ الصلاح، وإن أُريد بهما مجرّد ظهور الثمرة وإن بَعُد كان الخبران نصّين في الجواز قبله.وفي الجميع نظر؛
لاندفاع الأوّلين بما مرّ، سيّما أدلّة نفي الغرر.
وتاليهما : باحتمال الطلوع فيه بدوّ الصلاح، كما مرّ.ويكون المراد يقول : «إن لم يحمل» إلى آخره : إن خاست.
وارتكاب هذا الحمل فيه وإن بَعُد أولى من ارتكاب الحمل فيما مرّ؛ لكونه بوجوه كثيرة أعظمها الشهرة وأدلّة نفي الغرر المتّفق عليها فتوًى وروايةً بالترجيح أولى وأظهر.
وربما يستأنس لحمل الطلوع فيه على البلوغ بملاحظة الصحيح الأوّل، حيث اشترط في نفي بأس الشراء ثلاث سنين وقوعه قبل البلوغ الذي مرّ أنّ الظاهر منه بدوّ الصلاح وجعله المعيار له دون غيره، مع تضمّنه قوله في الصدر تعليلاً للجواز : «إن لم يخرج في هذه السنة أخرج من قابل». ولو كان المعيار هو الظهور لكان التبديل به عن البلوغ أولى، كما لا يخفى.
ومنه يظهر الجواب عن
الاستناد إليه وإلى المعتبرين من حيث جعلهما المعيار في الجواز مع تعدّد السنين والمنع مع
الاتّحاد هو قبل
الإطعام الظاهر في بدوّ الصلاح، مع حكاية التصريح به عن الصحاح، قال : أطعَمَتِ النخلة إذا أدرك ثمرها، وأطعَمَت البسرة أي صار لها طعم.
ثم لو سلّم
الإطلاق المتوهّم لُاجيب عنه بالتقييد بما تقدّم، لما تقدّم، فالقول بالمنع متعيّن.
رياض المسائل، ج۹، ص۵-۱۱.