قاعدة الإلزام في المعاملات المالية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ذكرت لقاعدة
الإلزام تطبيقات كثيرة فىالبيع والمعاملات المالية ونحوها:
حيث وقع بحث في أنّه هل يختصّ جواز الأخذ بالسلطان المخالف؟قال
الشهيد الثاني : «الظاهر أنّ الحكم مختصّ بالجائر المخالف للحقّ؛ نظراً إلى معتقَده من
استحقاقه ذلك عندهم».
وذكر
المحقّق النائيني أنّ مرجع استدلاله إلى أنّ المورد من صغريات قاعدة الإلزام، وأجاب عمّا ذكره الشهيد الثاني بأنّه لا يكفي اعتقاده بالاستحقاق، بل يشترط كون دافع الخراج أيضاً يعتقد استحقاق السلطان.
كما وقع بحث في أنّه هل يعتبر كون المأخوذ منه معتقداً باستحقاق السلطان للأخذ؟استقرب بعضهم
اختصاص الحكم بجواز أخذ الخراج بالمأخوذ ممّن يعتقد استحقاق الآخذ للأخذ بعد أن قال: «في وجوب التخصيص بما أخذ من معتقدي الإمامة نظر، ينشأ من أنّ جواز معاملتهم بمذهبهم هل يقتضي العموم فلا يشترط
الإباحة أو لا يقتضيه فيشترط؟».
قال
الشيخ الأنصاري : «... كأنّه أدخل(الأصحاب) هذه المسألة... في القاعدة المعروفة من إلزام الناس بما ألزموا به أنفسهم، ووجوب المضيّ معهم في أحكامهم...».
فإذا وصف المبيع ووجده على الصفة لم يكن له
الخيار عند علمائنا أجمع.
ولكنّ بعض الجمهور على ثبوت خيار الرؤية له وإن وجده على الصفة،الحنفية والشافعية في قولٍ.
فلو اشترينا ممّن يقول منهم بثبوت الخيار فيجوز لنا- على رأي بعض الفقهاء
- إلزامه بما التزم به من الخيار؛ استناداً إلى قاعدةالإلزام.
فلو باع خلّاً وخمراً، أو حرّاً وعبداً، أو شاة
وخنزيراً صفقة واحدة، فالبيع عندنا صحيح بالنسبة إلى الخلّ والعبد والشاة،
ولكنّ الحنفية والمالكيّة يقولون
بالبطلان في الجميع،
فإذا كان البائع إمامياً وندم على بيع ما ينفذ فيه
البيع، وكان المشتري من القائلين بالبطلان
اجتهاداً أو تقليداً كان للإمامي إلزامه بردّ ماله؛ لقاعدة الإلزام على ما صرّح به بعض الفقهاء.
فلو باع شيئاً من المخالف وكان المخالف من القائلين بعدم ثبوت
خيار المجلس ،
ولم يشترط الخيار لهما ولا لخصوص المشتري، فلو فسخ المشتري وهما بعد في المجلس فللبائع الإمامي إلزامه ببقاء المعاملة.
واحتمل بعضهم عدم جريان
القاعدة ، فإنّها تجري فيما كان المخالف عاملًا بما يدين به لا على خلافه.
حيث لا يتقدّر عند الإمامية بمدّة مخصوصة، بل يعتبر أن تكون مضبوطة،
لكن قال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز أكثر من ثلاثة أيّام،
ويمتدّ عند
مالك بن أنس في العقار إلى شهر وما أشبهه كستّة أيّام،
ومقتضى القاعدة أنّ للإمامي إلزام غيره من أتباع الفقهاء الثلاثة بتجديد مدّة الشرط وعدم
التجاوز عن ذلك.
لكن ذهب بعض إلى عدم صحّة ذلك، فإنّهم تارة يشترطون الخيار في المدّة المحدودة، ففي هذا الفرض لا مجال للقاعدة، وأخرى يتجاوزون عمّا يعتقدون به من المدّة في مقام
الاشتراط ، ففي هذا الفرض تجري القاعدة ويحكم
بالبطلان أو الرجوع إلى الحدّ.ويحتمل عدم جريانها فيما عملوا على خلاف
اعتقادهم كما في المفروض.
وثالثة يشترطون الخيار من غير ذكر المدّة أو ذكر مدّة مجهولة أو مطلقة، وفي هذا الفرض أيضاً لا وجه لجريان القاعدة، فإنّه إن كانوا يحكمون بالبطلان فلعدم الخلاف بين الفريقين، وإن كانوا يحكمون بالصحّة والرجوع إلى الحدّ فلأنّ الظاهر أنّ مجرى القاعدة ما إذا كان مذهبهم واضحاً عند الإمامية، وأمّا مع
الاختلاف وموافقة بعض الإمامية لهم نسب إلى بعض كبار فقهاء الإمامية الصحّة والرجوعإلى الحدّ.
فلا مجال لجريانها.
فالمعروف بين الإمامية ثبوت الخيار بالغبن، بل ادّعي عليه
الإجماع ،
لكن مذهب بعض علماء الجمهور- كالحنفية والشافعية- أنّ المسترسل إذا غبن غبناً فاحشاً ليس له الخيار،
فالمغبون لو كان حنفياً أو شافعياً الزم بما يدين به من عدم ثبوت الخيار؛ وذلك تطبيقاً لقاعدة الإلزام.
وهي
تدليس يثبت به الخيار للمشتري عندنا،
والمحكي عن الحنفية عدم ثبوت الخيار له،
وعليه فلو اشترى شخص من الحنفية شاة وكانت مصرّاة فللبائع
الامتناع من ردّها؛ إلزاماً له بما يدين به، لقاعدة الإلزام.
فلو تلف المبيع في زمن الخيار بعد القبض وكان الخيار للمشتري فالتلف من مال البائع عند الإمامية،
والجمهور في بعض مذاهبهم يقولون بأنّه من المشتري.نقل عن أبي حنيفة أنّ الضمان على المشتري، وللشافعي قولان، أشهرهما ذلك، وهو مختار الحنابلة.
فلو باع حيواناً من المخالف الملتزم بأنّ
الضمان على المشتري وقبضه المشتري، فتلف في يده في زمن الخيار، فللإمامي البائع أن لا يردّ إليه الثمن؛ لقاعدة الإلزام.
يجوز السلم في المعدوم إذا كان مأمون
الانقطاع في أجله عند الإمامية
والمحكي عن
الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة عدم جواز ذلك،
وعلى هذا فيلزم المخالف الملتزم بعدم جواز ذلك بفساد البيع إذا لم يكن المسلّم فيه موجوداً حال العقد.
حيث اتّفق الإمامية على اعتبار الشركة في
الشفعة ولو في الطريق، فلا شفعة بالجوار،في الخلاف :انّه إجماعي.
وفيالمسالك:أنّه مذهب الأصحاب إلّا
العماني.
وذهب بعض غير الإمامية إلى أنّها تثبت بالجوار لكن الشريك أحقّ، ذهب إليه
أبو حنيفة وبعض آخر منهم.
قال بعض الفقهاء في تطبيق قاعدة الإلزام على هذا المورد: «لو كان لسنّي جار شيعي وأراد السنّي بيع داره فللشيعي أن يشفع بذلك البيع وأخذ ذلك العقار منه؛إلزاماً له بما يدين به».
وأورد عليه بأنّ الشفعة حقّ على المشتري لا البائع، فلابدّ من ملاحظة حال المشتري، فإذا كان سنّياً وقائلًا بثبوتها للجار فللإمامي أن يأخذ بالشفعة وأن يلزمه بما يدين به وإن كان البائع إمامياً ولو لم يكن المشتري سنّياً، فلا مجال للقاعدة ولو كان البائع سنّياً.
فإنّ شركة الأبدان باطلة عند الإمامية،
وقال أبو حنيفة: تصحّ في الصناعة، وقال مالك: تجوز مع
اتّفاق الصنعة، وقال أحمد: تجوز في الصنائع وغيرها.
وعليه فلو كان أحد طرفي الشركة مخالفاً ومن القائلين بالصحّة، وكانت الشركة مضرّة له، فيجوز للطرف الآخر الإمامي إلزامه بالصحّة.
ففوائد المغصوب مضمونة بالغصب عند الإمامية،
فيما الحنفية يقولون بأنّ الغاصب لا يضمنها،
فلو كان المغصوب منه حنفياً فيجوز إلزامه بذلك ومنعه عن أخذ قيمة الفوائد.
وذلك أنّ
الرهن غير مضمون إلّامع التعدّي والتفريط عندنا،
لكن قال
أبو حنيفة: يضمنه المرتهن بأقلّ
الأمرين من قيمته أو قدر الدين،
وعليه فلو كان المرتهن حنفياً وتلف عنده الرهن فيجوز إلزامه بذلك.
كما أنّ منفعة الرهن للراهن في فقه الإمامية ولا تبطل،
والمحكي عن أبي حنيفة أنّ منفعة الرهن تبطل، وليس للراهن ولا للمرتهن
الانتفاع بالرهن، بل تترك المنافع تتلف،
وعليه فلو كان الراهن حنفياً فيجوز إلزامه بعدم التصرّف في المرهون بالسكن
والإيجار .
هذا وقد نسب إلى الحنفية في قولٍ عدم جواز تصرّف الراهن فيه إلّابإذن المرتهن، وعليه فلا مجال لتطبيق القاعدة.
ولا يدخل النماء المنفصل الموجود حال الرهن في الرهن،
والمحكي عن أبي حنيفة دخوله فيه،
فلو كان الراهن حنفياً جاز إلزامه بدخول النماء المنفصل الموجود حال العقد في الرهن.
وإذا أذن للعدل في بيع الرهن وأطلق له
الإذن جاز له البيع بثمن المثل حالّاً بنقد البلد،
والمحكي عن أبي حنيفة أنّه يجوز له البيع بأيّ ثمن كان
وبنسيئة،
فلو كان الراهن حنفياً فللإمامي إلزامه بصحّة ذلك البيع.
والعدل لو باع الرهن وقبض الثمن فهو من ضمان الراهن حتى يقبضه المرتهن، فإن تلف لم يسقط من دين المرتهن شيء،
ولكنّ الحنفية والمالكية يقولون بأنّ ثمن الرهن في ضمان المرتهن،
وعليه فلو كان المرتهن ممّن يلتزم بأنّه في ضمان المرتهن فللإمامي إلزامه بذلك.
فإذا تنازع اثنان دابّة، أحدهما راكبها، والآخر آخذ بلجامها، ولم يكن لهما ولا لأحدهما بيّنة، جعلت بينهما نصفين،
والجمهور- إلّاقليل منهم- يقولون: يحكم بذلك للراكب،
وعليه فلو كان الراكب إمامياً يجوز له إلزام الآخذ باللجام بذلك لو كان مخالفاً.
إلّاأن يقال: لا مجال لجريان القاعدة في مثل المورد ممّا كان يوافقهم به بعض الفقهاء من الإمامية.
حيث لا يصحّ عندنا ضمان المجهول الذي لا يمكن العلم به،
والمحكي عن أبي حنيفة ومالك صحّة ضمانه،
وعليه فلو كان الضامن حنفياً أو مالكياً جاز إلزامه بصحّة الضمان ولو كان المضمون به مجهولًا.
حيث تصحّ الوصيّة للوارث عندنا،
والجمهور يقولون:لا تصحّ
الوصيّة له مطلقاً أو إذا لم يجزها سائر الورثة،
فلو كان الوارث الموصى له مخالفاً يجوز إلزامه ببطلان الوصيّة؛ إلزاماً له بما دان به.
فلا يجوز
إيداع الوديعة من غير ضرورة ولا إذن من المالك، بلا فرق بين أن يودعها عند زوجته أو ولده أو عبده وغيرهم مع فرض عدم وجود قرائن تقتضي
الإذن بذلك، ويضمن لو أودعها،
لكن قال أبو حنيفة: إن أودعها عند من تلزمه نفقته لم يضمن، وجوّز مالك إيداعها عند عياله الذين يأمنهم وهم تحت غلفه من زوج أو ولد أو أمة ومن أشبههم.
وعليه، فلو أودع المخالف القائل بعدم الضمان وديعةً عند إمامي، وأودعها الإمامي عند زوجته أو من يساكنه من عياله وتلفت، فللإمامي إلزامه بما يدين به من عدم الضمان.
وأورد عليه:
أوّلًا: بأنّه لا خلاف ظاهراً بين الجمهور في المسألة، فإنّ غرض الحنفية أنّه لا يجب عليه أن تكون الوديعة عنده، بل الواجب حفظها، ومن طرق الحفظ دفعها إلى من يساكنه.
ويجاب بأنّه لا مجال
لإنكار الخلاف بين الجمهور مع تصريحهم به، وأنّ خصوص الشافعي يقول: ليس له أن يحفظ إلّا بيد نفسه، ويرى غيره أنّه له أن يحفظها عند من يأتمنه من عياله.
وثانياً: بأنّه في المثال لا خلاف بيننا وبينهم، فإنّ الإماميّة أيضاً يقولون بعدم الضمان.
ويناقش فيه كيف؟! وقد صرّح فقهاؤنا بالضمان.
نعم، ذكروا أنّ ذلك ما لم يكن عن ضرورة ولا إذن ولم يكن ممّن ليس من شأنه الحفظ بنفسه.
وهي أمانة لا تضمن إلّا بالتفريط أو التعدّي أو باشتراط الضمان إلّا إذا كانت ذهباً أو فضّة،
لكن بعض مذاهب الجمهور يقولون بالضمان مطلقاً،الشافعيّة والحنابلة.
فلو كان المعير إمامياً والمستعير من أهل المذهب القائل بالضمان، وكانت العارية غير مضمونة عندنا، فللمعير إلزامه بالضمان.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۳۸۸-۳۹۶.