قاعدة الاضطرار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ترتفع التكاليف الشرعية بالاضطرار
إجمالًا ؛ إذ به يباح فعل المحرّم وترك الواجب
ويمثّل هذا الحكم مظهر السهولة والسماحة والواقعية والمرونة في التشريع الإسلامي، كما يعبّر عن
مراعاة الجانب الحقوقي عند المكلّفين.نعم، يستثنى من ذلك موارد لا يرتفع حكمها حتى في حال الاضطرار، نتعرّض لها لاحقاً.
وقد استدلّ لقانون سقوط الأحكام بسبب
الاضطرار بالأدلّة التالية:
فقد دلّت عدّة آيات على رفع التكاليف عند الاضطرار:
منها: قوله تعالى: «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».
ومنها: قوله تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».
ومنها: قوله تعالى: «وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَاحَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَااضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ».
وهذه الآيات واردة في مجال
الأطعمة والأشربة ، وقد لا تكون هناك خصوصية للمورد الذي جاءت فيه، فيؤخذ بالنكتة الأساسية فيها وهي الاضطرار الشديد.
فقد دلّت روايات كثيرة على رفع التكليف عن المضطرّ إلى فعل الحرام أو ترك الواجب، نشير إلى بعضها:
منها: خبر
المفضّل بن عمر - الطويل- عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «... ولكنّه خلق الخلق، فعلم ما تقوم به أبدانهم، وما يصلحهم، فأحلّه لهم وأباحه؛ تفضّلًا منه عليهم به لمصلحتهم، وعلم ما يضرّهم فنهاهم عنه، وحرّمه عليهم، ثمّ أباحه للمضطرّ، وأحلّه له في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلّابه، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك...»،
ومنها: حديث الرفع، عن
حريز بن عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: رفع عن امّتي تسعة أشياء:
الخطأ ، والنسيان، وما اكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطرّوا إليه...».
ومنها: مرسل
الصدوق ، قال: قال الصادق عليه السلام: «من اضطرّ إلى الميتة والدم ولحم
الخنزير ، فلم يأكل شيئاً من ذلك حتى يموت، فهو كافر».
ومنها: خبر
سماعة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «... وليس شيء ممّا حرّم اللَّه إلّاوقد أحلّه لمن اضطرّ إليه».
ولو تأمّل
الإنسان الروايات الشريفة وجد في موارد متفرّقة عديدة ترخيصاً منها بأمور كثيرة نظراً لحالة الاضطرار، ممّا يؤكّد أنّ الشريعة لاحظت هذه الحالة في التخفيف عن المكلّفين.
استدلّ بعض الفقهاء على رفع التكليف عند الاضطرار بالعقل، قال
المحقّق الأردبيلي : «... الدليل هو ظاهر العقل وبعض العمومات...».
إلّاأنّ ما يحكم العقل
بارتفاع التكليف به إنّما هو الاضطرار أو عدم الطاقة البالغ حدّ العجز أو الأقل من ذلك، سيّما أنّهم اختلفوا في أنّ العقل هل يحكم بارتفاع التكليف الشرعي وقبحه في موارد العجز وعدم القدرة، أو أنّ الثابت بحكم العقل ليس أكثر من ارتفاع التنجّز
واستحقاق العقوبة، وأمّا التكليف فلا ربط له بالعقل؟وتفصيل ذلك في محلّه من علم الأصول.
استدلّ
المحقّق النجفي على قاعدة الاضطرار بقواعد فقهية أخرى، كقاعدة نفي الضرر والضرار،وهي مستفادة من الروايات المرويّة في الوسائل،
كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام». ونفي الحرج، وهي مأخوذة من قوله تعالى: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ».
وإرادة اليسر،وهي مأخوذة من قوله تعالى: «يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَوَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ».
وسهولة الملّة وسماحتها، وهي مستفادة من الروايات العديدة التي منها: ما رواهفي الكافي،
ومنها: ما رواه في الوسائل،
وقاعدة كلّ ما غلب اللَّه عليه فهو أولى بالعذر،استفيدت هذه القاعدة من الروايات المروية فيالوسائل،
والتي وصفها المحقّق النجفي بقوله: «ينفتح منها ألف باب».
هذا، ويبدو من بعض الكلمات أنّهم يستندون إلى الإجماع
لإثبات إسقاط الأحكام بالاضطرار، وقد أشار بعض الفقهاء إلى ذلك.
إلّاأنّ هذا
الإجماع محتمل المدركية؛ لوجود سائر الأدلّة في هذا المجال.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۴۳۸-۴۴۱.