قصاص النفس في الأحرار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فيقتل الحر بالحر ولا رد، وبالحرة مع الرد، والحرة بالحرة وبالحر؛ وهل يؤخذ منهما الفضل؟ الأصح: لا، وتتساوى المرأة والرجل في الجراح
قصاصا ودية حتى يبلغ ثلث دية الحر فتنصف ديتها ويقتص لها مع رد التفاوت، وله منها ولا رد.
فلا يقتل الحرّ بالعبد، بل يقتل بالحرّ مثله، كما في نصّ
الكتاب «الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ»
ولا ردّ إجماعاً، وللأصل.
وكذا يقتل بالحرة لكن مع الردّ من وليّها عليه نصف ديته؛ لأنّ ديته ضعف ديتها؛ وللصحاح المستفيضة وغيرها، الآتي إلى جملة منها الإشارة.
وتقتل الحرّة بالحرّة إجماعاً، ولا ردّ كما في نظيره وبالحرّ إجماعاً، ولتلك المستفيضة، ففي
الصحيح: في رجل قتل امرأته متعمداً، قال: «إن شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه ويؤدّوا إلى أهله نصف
الدية، وإن شاؤوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم» وقال: في امرأة قتلت زوجها متعمّدة، قال: «إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها، وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه»
.
وفيه: الرجل يقتل المرأة متعمّداً فأراد أهل المرأة أن يقتلوه، قال: «ذاك لهم إذا أدّوا إلى أهله نصف الدية، وإن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل، وإن قتلت المرأة الرجل قتلت به، ليس لهم إلاّ نفسها»
الحديث.
ونحوهما أخبار كثيرة هي ما بين صحيحة ومعتبرة
.
وهل يؤخذ منها أي من الحرّة في الفرض الأخير الفضل من دية الرجل الذي قتلت به، وهو نصف ديته، كما يتوهّم من كون ديتها نصف ديته، ويوجد في بعض الروايات: «في امرأة قتلت رجلاً، قال: تقتل، ويؤدّي وليّها بقية المال»
؟ والأصحّ أنّه لا يؤخذ منها؛ للأصل، وقوله تعالى «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»
وللتصريح به في تلك الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، معلّلة بأنّ الجاني لا يجني أكثر من نفسه.
والرواية المخالفة مع وحدتها، وقصور سندها محتملة
للتقية، كما صرّح به بعض الأجلة
، شاذّة، كما صرّح به
الشيخ وجماعة كالشهيدين وغيرهما
، واحتمل أوّلهما دعوى
الإجماع على خلافها، وذكر ثانيهما وبعض من تبعه أنّه لا نعلم قائلاً من
الأصحاب بمضمونها، وإن كان قول المصنف وكلام غيره يشعر بالخلاف، واحتمل التابع وغيره كون الإشارة إلى الخلاف للرواية لا للقول.
وهو حسن، إلاّ أنّه يحكى عن
الراوندي حمل الرواية على يسار المرأة، والصحاح على إعسارها؛ جمعاً، وظاهره المخالفة في الجملة.
وعن
تفسير علي بن إبراهيم: أنّ قوله تعالى «الْحُرُّ بِالْحُرِّ» و«الْأُنْثى بِالْأُنْثى»
ناسخ لقوله تعالى «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»
وظاهره أنه لا يكتفى بالاقتصاص منها.
ويدلُّ عليه المروي في
الوسائل عن
المرتضى في رسالته
المحكم والمتشابه، بإسناده عن علي (علیهالسّلام) في حديث قال: «ومن الناسخ ما كان مثبتاً في
التوراة من الفرائض في القصاص، وهو قوله تعالى «وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» إلى آخر الآية، فكان الذكر والأُنثى والحرّ والعبد شرعاً، فنسخ الله تعالى ما في التوراة بقوله تعالى «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى» فنسخت هذه
الآية «وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»»
.
قيل
: والمراد
بالنسخ في الرواية التخصيص لا معناه المعروف؛ جمعاً بينها وبين
الموثق كالصحيح: في قول الله عزّ وجلّ «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» الآية، فقال: «هي محكمة»
.
وهو حسن، وإلاّ فطرح الرواية الأُولى متعيّن؛ للإجماع على جواز الاقتصاص من الذكر بالأُنثى وبالعكس على الظاهر، المصرّح به في
كنز العرفان وغيره
، والاختلاف في الثاني في أخذ الفاضل منها على تقديره لا ينافيه، فإنّه أمر آخر، هذا.
وقد نقل في الكنز في النسخ قولاً بالعكس، فقال في تفسير قوله تعالى «الْحُرُّ بِالْحُرِّ» الآية: قيل: هذا منسوخ بقوله «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» قال: وليس بشيء، أمّا أوّلاً: فلأنّه حكاية ما في التوراة، فلا ينسخ
القرآن، وأمّا ثانياً: فلأصالة عدم النسخ؛ إذ لا منافاة بينهما، وأمّا ثالثاً: فلأنّ قوله «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» عامّ، وهذا خاصّ، وقد تقرّر في الأُصول بناء العام على الخاص
.
وتتساوى المرأة والرجل في الجراح قصاصاً وديةً، حتى تبلغ ثلث دية الحرّ أو تتجاوزه على الاختلاف فينتصف بعد ذلك ديتها ويقتصّ لها منه مع ردّ التفاوت عليه وله منها، ولا ردّ عليها مطلقاً، كما في
قصاص النفس قد مضى، بلا خلاف في شيء من ذلك أجده، إلاّ ما تقدّم إليه الإشارة.
واعتبار البلوغ إلى الثلث مذهب المشهور على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر
، بل وعن
الخلاف الإجماع عليه، وهو
الحجة.
مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، ففي الصحيح: ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة، كم فيها؟ قال: «عشر من الإبل» قلت: قطع اثنين؟ قال: «عشرون» قلت: قطع ثلاثاً؟ قال: «ثلاثون» قلت: قطع أربعاً؟ قال: «عشرون» قلت: سبحان الله! يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون، هذا كان يبلغنا ونحن
بالعراق فنبرأ ممّن قاله، ونقول: الذي جاء به
شيطان، فقال: «مهلاً يا أبان، هذا حكم
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، وإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف، يا أبان إنّك أخذتني بالقياس، والسنّة إذا قيست محق
الدين»
.
وفي الصحيحين: عن المرأة بينها وبين الرجل قصاص؟ قال: «نعم، في الجراحات حتى تبلغ الثلث سواء، فإذا بلغت الثلث ارتفع الرجل وسفلت المرأة»
.
خلافاً
للنهاية والسرائر والإرشاد، فاعتبروا التجاوز؛ للنصوص، منها الصحيح: «الرجال والنساء في
القصاص السنّ بالسنّ، والشجّة بالشجّة، والإصبع بالإصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية، فإذا جازت الثلث صيرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية، ودية النساء ثلث الدية»
.
والخبر: عن رجل قطع إصبع امرأة؟ قال: «تقطع إصبعه حتى ينتهي إلى ثلث دية المرأة، فإذا جاز الثلث أُضعف الرجل»
.
وهي مع قصور
سند جملة منها، وعدم مكافأتها لما مضى من وجوه شتّى غير واضحة الدلالة إلاّ من حيث مفهوم اشتراط الجواز في الذيل، وهو معارض بمفهوم الغاية في الصدر، والجمع بينهما كما يمكن بصرف مفهوم الغاية إلى الشرط كذا يمكن بالعكس، فلا يمكن الاستدلال بها إلا مع المرجّح، المفقود في المقام، إن لم نقل بوجوده على الخلاف من جهة الشهرة، والصحاح المستفيضة، وحكاية الإجماع المتقدّمة.
وبالجملة: فدلالة
النصوص على خلافها غير واضحة؛ لتعارض المفهومين فيها بلا شبهة.
ومن هنا ينقدح وجه التردّد في نسبة الخلاف إلى النهاية، حيث اشتركت مع النصوص في العلّة التي نشأ منها عدم وضوح الدلالة، حيث قال: وتتساوى جراحهما ما لم تتجاوز ثلث الدية، فإذا بلغت ثلث الدية نقصت المرأة وزيد الرجل
.
وقريب منها عبارة
الفاضل في الإرشاد، حيث قال: ويقتصّ للرجل من المرأة وبالعكس، ولا ردّ ما لم يتجاوز ثلث الدية، فينتصف المرأة، وكذا يتساويان في الدية ما لم تبلغ الثلث، فينتصف المرأة
.
ولو لا شهرة نسبة الخلاف إلى النهاية لكدت أن أقول: لا خلاف في المسألة، وإنّ التعبير بالتجاوز عن الثلث إنّما وقع مسامحةً، أو نظراً إلى كون البلوغ إلى الثلث من دون زيادة ونقيصة من الأفراد النادرة غاية الندرة.
وعلى التقديرين فلو قطع أربعاً من أصابعها لم يقطع منه الأربع إلاّ بعد ردّ دية إصبعين.
وهل لها القصاص في إصبعين من دون ردّ؟ وجهان: من إيجاب قطع إصبعين ذلك، فالزائد أولى.
ومن النصّ الدالّ على أنّه ليس لها الاقتصاص له في الجناية الخاصّة إلاّ بعد الردّ.
ويقوى الإشكال لو طلبت القصاص في الثلاث والعفو في الرابعة، وعدم إجابتها هنا أقوى.
هذا إذا كان القطع بضربة واحدة، ولو كان بأزيد من ضربة ثبت لها دية الأربع، أو القصاص في الجميع من غير ردّ؛ لثبوت الحكم السابق، فيستصحب، وكذا حكم الباقي.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۲۰۷-۲۱۳.