ما يباح أكل مال الغير دون العلم بإذنه
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو
الأكل الذي أذن الشارع فيه، والأكل من المباحات العامّة، والأكل من بيوت من سمّتهم
الآية ، وأكل المارّة من ثمر الأشجار، وأكل ما ينثر في الأعراس فضلًا عن أكله من ماله، ونذكرها تفصيلًا فيما يلي:
صرّح الفقهاء بجواز الأكل من بيوت من تضمّنته الآية مع عدم العلم
بالإذن في التناول،
بلا خلاف فيه،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
والمعروف بين الفقهاء تقييد الجواز بعدم العلم بكراهتهم، فلو علم أو غلب على ظنّه الكراهة لا يجوز الأكل منها.
واستدلّ عليه بقوله تعالى: «وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً»،
وهي صريحة في جواز الأكل من بيوت المذكورين مع حضورهم أو غيبتهم، وإن لم يعلم رضاهم وإذنهم به.
وبالروايات الواردة:
منها: صحيحة محمّد الحلبي، قال:سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن هذه الآية...قلت: ما يعني بقوله: «أَوْ صَدِيقِكُمْ» ؟قال: «هو- واللَّه- الرجل يدخل بيت صديقه، فيأكل بغير إذنه».
ومنها: ما رواه
زرارة ، قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن هذه الآية: «مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ» إلى قوله: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا»، فقال: «ليس عليك جناح في ما أطعمت، أو أكلت ممّا ملكت مفاتحه ما لم تفسد».
ولكن اشترط بعض الجواز بما يخشى عليه الفساد من يومه،
واشترط بعض آخر بأن يكون الدخول بإذن صاحب البيت، وإلّا فلا يجوز الأكل منه.
وردّ عليه بأنّه لا فرق في ظاهر
إطلاق عبارة العلماء بين ما يخشى فساده في هذه البيوت وغيره، ولا بين دخوله بإذنه وعدمه؛ عملًا بإطلاق الآية والأخبار.
كما ردّ عليه بنصوص صريحة، كصحيح زرارة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ: «أَوْ صَدِيقِكُمْ» فقال:«هؤلاء الذين سمّى اللَّه عزّوجلّ في هذه الآية، تأكل بغير إذنهم من التمر والمأدوم، وكذلك تأكل المرأة بغير إذن زوجها، وأمّا ما خلا ذلك من الطعام فلا».
وقريب منه الرضويّ: «ولا بأس بالرجل أن يأكل من بيت
أبيه وأخيه
وامّه وأخته وصديقه- ما لا يخشى عليه الفساد من يومه بغير إذنه- مثل: البقول والفاكهة وأشباه ذلك».
وفيه: «ما يخشى».
اختلف الفقهاء في جواز الأكل ممّا يمرّ به
الإنسان من النخل أو شجر الفواكه أو الزرع على أقوال:
جواز الأكل، فالمشهور بين الفقهاء
أنّه يجوز الأكل من الفواكه والزرع من غير
إفساد مع عدم العلم أو
الظنّ بالكراهة،
بل ادّعي عليه الإجماع.
قال
الشيخ الطوسي : «إذا مرّ الإنسان بشيء من الفواكه جاز له أن يأكل منها مقدار كفايته من غير إفساد، ولا يجوز له أن يحمل منها شيئاً معه إلّابإذن صاحبه».
والأخبار
في ذلك كثيرة:
منها: ما رواه
محمّد بن مروان ، قال:قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أمرّ بالثمرة فآكل منها، قال: «كُلْ ولا تحمل»، قلت:جعلت فداك، إنّ التجّار اشتروها ونقدوا أموالهم، قال: «اشتروا ما ليس لهم».
ومنها: مرسل
يونس عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يمرّ بالبستان وقد حيط عليه أو لم يحط عليه، هل يجوز له أن يأكل من ثمره وليس يحمله على الأكل من ثمره إلّاالشهوة، وله ما يغنيه عن الأكل من ثمره، وهل له أن يأكل من جوع؟ قال: «لا بأس أن يأكل، ولا يحمله ولا يفسده».
ومنها: مرسل
ابن أبي عمير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يمرّ بالنخل والسنبل والثمر، فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة، قال: «لا بأس».
ولكنّ الفقهاء- مع ذلك- ذكروا لجواز الأكل شروطاً ثلاثة:
۱- المرور
اتّفاقاً ، أي أن يكون مروره على الشجرة أو الزرع اتّفاقيّاً، أي يكون الطريق قريباً من الثمرة، بحيث لا يستلزم قصدها البعد الخارج عن المعتاد، ويصدق عرفاً أنّه قد مرّ بها، فلو قصدها
ابتداءً لم يجز الأكل؛ اقتصاراً في الرخصة المخالفة
للأصل على موضع اليقين،
ولدلالة ظواهر النصوص على ذلك.لكن نفاه
السيّد الخوئي بقوله: «الظاهر جواز الأكل للمارّ وإن كان قاصداً له من أوّل
الأمر».
۲- عدم الإفساد، فالمارّ إذا أراد الأكل عليه أن لا يخرج عن حدّ
الاعتدال ، بحيث يؤثّر فيه أثراً بيّناً ويصدق معه الإفساد عرفاً، أو يهدم الحائط أو يكسر الغصن وغير ذلك، ويختلف ذلك بكثرة الثمرة وقلّتها وكثرة المارّة وقلّتهم.
واستدلّ لهذا الشرط برواية
عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا بأس بالرجل يمرّ على الثمرة ويأكل منها، ولا يفسد...».
۳- عدم الحمل، بمعنى أنّه يأكل في موضعه ولا يحمل منها شيء، وقد دلّ على هذا جملة من الروايات، منها: رواية محمّد بن مروان، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أمرّ بالثمرة فآكل منها، قال: «كُلْ ولا تحمل...».
۴- أن لا يكون للبستان جدار أو حائط، ولو كان كذلك فلا يجوز الصعود من الجدار.
۵- أن تكون الثمرة على الشجرة، لا مقطوعة ومحرزة في حرزها.
۶- عدم العلم بكراهة صاحب البستان.
عدم الجواز، وقد ذهب إليه جملة من الفقهاء،
قال
المحقّق الكركي : «الحقّ أنّه لا يجوز الأكل؛ تمسّكاً بالدلائل القاطعة على تحريم مال المسلم إلّاعن طيب نفس منه، سوى بيوت من تضمّنت الآية الأكل من بيوتهم.وما استدلّ به على الجواز، لا تنهض معارضاً لدلائل التحريم».
واستدلّ له بما رواه
علي بن يقطين ، قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يمرّ بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر، أيحلّ له أن يتناول منه شيئاً ويأكل بغير إذن صاحبه؟وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره المقيم فليس له، وكم الحدّ الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال: «لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئاً».
وفي مرسل
مروك بن عبي د عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت له: رجل يمرّ على قراح الزرع ويأخذ منه السنبلة، قال: «لا»، قلت: أيّ شيء سنبلة؟ قال: «لو كان كلّ من يمرّ به يأخذ سنبلة كان لا يبقى شيء».
لكن قال المحقّق البحراني: «الظاهر أنّ هذا الخبر لا يدخل في سياق هذه الأخبار، فلا معنى
لإجرائه في هذا المضمار، فإنّ موضوع المسألة هو الأكل من الثمار في مكانه من غير أن يحمله، ومن الظاهر أنّ السنبلة ليست من المأكول على تلك الحال، وأنّ الظاهر إنّما هو
إرادة حمله معه، لا إرادة أكله والمنع في هذه الصورة ممّا لا خلاف فيه».
هذا، وتوقّف بعض الفقهاء في الحكم هنا فلم يقولوا بأحد القولين المتقدّمين، وهو ما ذهب إليه المحقّق والعلّامة الحلّيين
وغيرهما.
قال
المحقّق البحراني : «فإنّ القول المشهور وإن كان لا يخلو من قوّة؛ لكثرة الأخبار الدالّة عليه، إلّاأنّ المسألة غير خالية عن شوب
الإشكال ؛ لعدم المحمل الظاهر لأخبار المنع».
وقال السيّد العاملي: «فالمسألة عند التحقيق مشكلة جدّاً، والقول بالحرمة قويّ، وإن بنيت على الظاهر فالقول بالحلّ هو الظاهر».
ثمّ إنّهم اختلفوا في ما يجوز أكله، فقال بعض
باختصاصه بالتمر،
وبعض آخر بثمر النخل والفواكه،
وبعض بجواز أكل الجميع من ثمر النخل والشجر أو المباطخ أو الزرع.
قال الشيخ الطوسي: «إذا مرّ الرجل بحائط غيره، حلّ له الأكل من غير ضرورة».
يقع البحث حول حكم ما ينثر(النثر: هو رمي الشيء- مثل الجوز والسكّر- بيدك متفرّقاً في الأعراس.)
في الأعراس في عدّة نقاط، هي:
الظاهر من كلمات الفقهاء أنّه يجوز
نثر المال والجوز والسكر في الأعراس؛
لأصالة الجواز، ولأنّ ذلك من متمّمات أغراض السرور المطلوب في هذه المواضع.
قال العلّامة الحلّي: «يجوز نثر السكّر واللوز والجوز والقسب والتمر ونحو ذلك في الأملاكات وليس بمكروه... لأصالة الجواز».
والروايات الواردة، نحو ما رواه وهب عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال:«قال
علي عليه السلام : لا بأس بنثر الجوز والسكّر».
المشهور في كلام الفقهاء
جواز أكل ما ينثر في الأعراس من مأكول وغيره.
قال المحقّق النجفي: «أكل ما ينثر في الأعراس جائز بلا خلاف ولا إشكال؛ عملًا بشاهد الحال الذي عليه
السيرة في سائر الأعصار والأمصار».
واستدلّ له بأنّه نوع
إباحة فأشبه إباحة الطعام للضيوف بوضعه بين أيديهم، ولا فرق في النثر بين جعله عاماً وخاصاً بفريق معيّن.
لكن أجيب عنه:
أوّلًا: بأنّ صريح رواية
إسحاق بن عمّار - قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام:الأملاك يكون والعرس فينثرون على القوم، فقال: «حرام، ولكن ما أعطوك منه فخذ»
- هو التحريم.
وثانياً: بأنّ العادة في النثار هو
الأخذ والأكل على جهة النهبة، وقد علم تحريم
النهبة بالأدلّة الصحيحة- نحو ما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:«لا تصلح المقامرة ولا النُهبة»
- وحينئذٍ فإن أريد بهذه الدعوى هو الجواز، وإن كان بطريق النُهبة فضعفها أظهر من أن ينكر، وإن أريد لا مع النهبة فهو خروج عن موضوع المسألة.
الظاهر من كلمات الفقهاء أنّه لا يجوز أخذ المنثور من غير أن يؤكل في محلّه إلّا
بإذن أربابه صريحاً أو بشاهد الحال.
قال المحقّق النجفي: «لا يجوز أخذه (ما ينثر) على وجه النقل إلّابإذن أربابه نطقاً أو بشاهد الحال الحاصل من نحو رميه على جهة العموم من غير وضعه على خوان ونحوه، وإلّا لم يجز حتى مع
اشتباه الحال؛ لأنّ
الأصل المنع من التصرّف في مال الغير إلّابالإذن».
فإذا حصل الإذن في الأخذ نطقاً أو بشاهد الحال، فهل يملك المأخوذ بمجرّد الأخذ؟ فيه قولان، من أنّه كان مملوكاً لأربابه، ولم يحصل سبب يقتضي نقل الملك، فيتمسّك بأصالة البقاء، ومن أنّ الإذن في الأخذ صيّره مباحاً، فيملك بالحيازة كسائر المباحات. وتفصيل البحث موكول إلى محلّه.
لا يجوز للرجل أن يأكل من ولده البالغ شيئاً إلّابإذنه- إلّامع خوف التلف- إن كان غنيّاً أو كان
الولد ينفق عليه؛ لأصالة عصمة مال الغير، ولو كان
الأب معسراً جاز أن يتناول من مال ولده الموسر قدر مؤونة نفسه خاصّة إذا منعه الولد.
وكذا يحرم على الولد مال والده، فلا يحلّ له أن يأخذ منه شيئاً إلّابإذنه، فلو اضطرّ الولد المعسر إلى
النفقة ومنعه الأب، كان للولد أن يأخذ قدر مؤونته.
واستدلّ له بالروايات:
منها: ما رواه محمّد بن مسلم- في الصحيح- عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه، قال:«يأكل منه ما شاء من غير سرف»، وقال:«وفي كتاب علي عليه السلام إنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلّابإذنه، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء...»».وهذا يدلّ على جواز التناول مع الحاجة بقرينة الروايات القادمة.
ومنها: ما رواه ابن سنان- في الصحيح- قال: سألته- يعني أبا عبد اللَّه عليه السلام- ماذا يحلّ للوالد من مال ولده؟قال: «أمّا إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئاً، وإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها إلّاأن يقوّمها قيمة تصير لولده قيمتها عليه»، قال: «ويعلن ذلك...».
ومنها: ما رواه علي بن جعفر عن
أبي إبراهيم عليه السلام قال: سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال: «لا، إلّاأن يضطرّ إليه، فليأكل منه بالمعروف، ولا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئاً إلّابإذن والده».
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۲۹۶-۳۰۳.