ما يفيد الإبراء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولتفصيل أكثر انظر
الإبراء (توضيح).
وهو إسقاط حق له الذي في ذمة المديون بلا عوض.
لا إشكال في دلالة بعض الألفاظ على الإبراء صريحاً كلفظ الإبراء
والإسقاط ، وقد يكون ظاهراً فيه كالعفو والتحليل، وقد يكون ظاهراً في غيره من العقود، ولكن بالقرينة يمكن أن يكون المقصود منها
الإبراء لا تلك العقود
كهبة المدة المتبقية
للزوجة المنقطعة. ولا شك في تحقق الإبراء في تمام هذه الموارد.
وهناك تطبيقات وموارد اخرى تتضمّن الإبراء بحسب النتيجة أعني براءة ذمّة المدين، ولكن وقع الاختلاف بين الفقهاء فيها من حيث إنّها هل تكون من الإبراء أو أحد تلك العقود الاخرى مع ترتب نتيجة الإبراء عليه.
وفيما يلي نورد بعض هذه الموارد:
اختلف الفقهاء في أنّ
الصلح هل هو عقد قائم بنفسه لا يرجع إلى سائر المعاملات وإن أفاد فائدتها، أم هو فرع لغيره مما يفيد فائدته؟
ذهب إلى الأوّل المشهور، بل ادّعي عليه
الإجماع ، وعليه فلا تلحقه أحكام تلك المعاملات، ولا يتوقّف على شروطها.
بينما ذهب
الشيخ الطوسي إلى الثاني فجعل الصلح فرعاً لغيره من المعاملات إذا أفادت فائدته، فالصلح المفيد فائدة
البيع - كالصلح على عين بعوض- هو بيع في الحقيقة فتجري عليه الأحكام المختصة بالبيع فيجري فيه خيار بيع الحيوان مثلًا، والصلح المفيد فائدة الهبة- كالصلح على عين بغير عوض- هو هبة في الحقيقة فتجري فيه أحكامها من اشتراط القبض وجواز الرجوع على المتهب الأجنبي مع بقاء العين الموهوبة وغير ذلك،
وهكذا.
وحينئذٍ فالصلح المفيد فائدة الإبراء- كالصلح على إسقاط حق أو دين- هو إبراء على قول الشيخ الطوسي فتجري فيه أحكامه فيكون إيقاعاً ولا يتوقف على القبول، ويكون على قول المشهور عقداً محتاجاً إلى القبول، وبه صرّح الفقهاء.
قال
الشهيد الأوّل بشأن
صلح (الحطيطة) وهو أن يصالح الدائن المدين على بعض الدين: «الصلح هنا ليس معاوضة، بل هو في معنى الإبراء... (و) الأقرب الافتقار إلى قبول الغريم هنا وإن لم نشترط في الإبراء القبول مراعاة للفظ».
وقال
المحقق النجفي بهذا الشأن أيضاً: «الأقرب- كما في
الدروس - الافتقار إلى قبول الغريم هنا، وإن لم يشترط في الإبراء القبول؛ لأجل إتمام عقد الصلح».
وقال السيد
الإمام الخميني : «الصلح عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول مطلقاً حتى فيما أفاد فائدة الإبراء والإسقاط على الأقوى، فإبراء
الدين وإسقاط الحق وإن لم يتوقّفا على القبول، لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقّفا عليه».
وتفصيل الكلام موكول إلى محله راجع (صلح).
تعتبر
الهبة أساساً من أسباب التمليك كالبيع، وليست من أسباب
الإسقاط .
كما أنّها من العقود، فيشترط فيها القبول.
وقد تقسّم في بعض الكلمات إلى قسمين: هبة العين، وهبة الدين.
أمّا هبة العين فلا ارتباط لها بالابراء؛ لعدم جريان
الإبراء في الأعيان.
وأمّا هبة الدين فتارة تكون لغير المدين، وهذه أيضاً لا ارتباط لها بالابراء؛ إذ هو إسقاط ما في ذمّة المدين كما تقدّم، واخرى تكون للمدين، وهذه هي التي تعطي معنى الإبراء وتفيد فائدته، مثل أن يقول الدائن لمدينه: وهبتك ما كان لي عليك... والظاهر أنّه لا خلاف بين الفقهاء في صحتها.
أمّا أنّها عقد أو إيقاع؟ فجوابه أنّ من يقول بكون الإبراء عقداً مفتقراً إلى القبول يقول بذلك أيضاً في هبة الدين للمدين كما صرّح بذلك صاحب
الحدائق قائلًا: انّ كل من أوجب القبول في الإبراء أوجبه هنا،
وهذا ما نجده فعلًا في كلماتهم.
أمّا الاتجاه الآخر السائد والمشهور والذي يعتبر الإبراء إيقاعاً فقد وقع الخلاف بين أصحابه حول هبة الدين: هل هي إبراء وإيقاع ولا يشترط فيها القبول، أم هي هبة وعقد مفتقر إلى القبول؟
فهناك قولان:
وقد ذهب إليه جمع كثير منهم- هو أنّها في الحقيقة والمعنى إبراء وإسقاط لا تمليك، رغم كونها في الظاهر هبةً، اذاً فتجري عليها أحكام الإبراء دون الهبة، فلا يعتبر فيها القبول، ولا القبض، كما أنّها لازمة لا يجوز الرجوع فيها.
وقد يستند بعضهم في ذلك إلى عدم إمكان تملّك الانسان لما في ذمّة نفسه عقلًا، أو عقلائياً.
وقد يستند البعض الآخر منهم في ذلك إلى أنّ تملّك الانسان لما في ذمّة نفسه وإن كان ممكناً عقلًا وعقلائياً، إلّا أنّ هبة الدين للمدين ظاهرة عرفاً في الإسقاط لا التمليك فيكون إبراءً بلفظ الهبة.
وفرق بين الدليلين فإنّه على الأوّل لا يصحّ إلّا إبراءً، بخلافه على الثاني فانّه قد يصحّ أيضاً انشاء التمليك، إلّا أنّه يدّعى ظهوره في الإبراء.
وعلى كلٍ فقد ذهب إلى هذا القول جملة من الفقهاء وإليك بعض كلماتهم:
قال
المحقق الحلّي : «ولو وهب ما في الذمّة، فإن كانت لغير من عليه الحق... وان كانت له صحّ، وصرفت إلى الإبراء، ولا يشترط في الإبراء القبول على الأصحّ»، وقال
ابن سعيد الحلّي : «فإن وهبه ما في ذمّته صحّ وكان إبراءً، ولا يفتقر إلى قبول المبرأ، ولا رجوع فيه»، وقال
العلّامة الحلّي في
القواعد : «وهبة ما في الذمة لمن عليه إبراء لا يشترط فيه القبول»، وقال أيضاً: «إذا وهب الدين من المديون كان إبراءً بلفظ الهبة، ولا يشترط قبول المبرأ»، وقال فخر المحققين: «الخلاف هنا في موضعين: الأوّل: عدم اشتراط القبول وهو الحق خلافاً للشيخ في
المبسوط ،
وابن زهرة وابن ادريس ، لنا قوله تعالى: «فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ»، وفي الدية: «إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا»، ولأنّه إسقاط فلا يفتقر إلى القبول
كالعتق والطلاق والعفو عن
الدية »، وقال
المحقق الكركي : «هبة الدين لمن عليه إبراء لا يشترط فيه القبول عند جمع من الأصحاب؛ لأنّه إسقاط لا نقل شيء إلى الملك، فهو بمنزلة تحرير العبد... والأصح عدم الاشتراط، ولا يضرّ كونه هبة؛ لأنّ بعض الهبة لما أشبه العتق اكتفى فيه الشارع بالايجاب كبعض أفراد
الوقف مثل وقف المسجد»، وقال
الشهيد الثاني : «هنا مسألتان: أولاهما: أن يهب الدين لغير من هو عليه... الثانية: أن يهب الدين لمن هو عليه. وقد قطع المصنّف وغيره بصحته في الجملة وينزّل الهبة منزلة الإبراء، فانّه إسقاط لما في الذمة، فلا يفتقر إلى قبض... وإبراء المديون لا إشكال في صحته، فظاهرهم انّه لا ينحصر في لفظ، بل ما دلّ عليه- كالهبة- هنا يدلُّ عليه..»، وقال
السبزواري : «وإن وهب ما في الذمة لغير من عليه الحق.. ويصحُّ لمن عليه الحق، ويصرف إلى الإبراء... وفي اشتراط القبول في الإبراء قولان: أشهرهما العدم»، وقال
الهمداني : «وأمّا هبة ما في الذمم على من عليه فهو إبراء في الحقيقة، ولا يعقل اعتبار القبض فيه»، وقال
السيد الحكيم : «ولو وهبه ما في ذمته كان إبراء»، ووافقه
السيد الصدر عليه (المصدر السابق). ومثله قال
السيد الخوئي ، بل قال
المحدّث البحراني : بأنّ كل من لم يشترط القبول في
الإبراء لا يشترطه في هذه الهبة أيضاً، قال- في هبة من عليه الحقّ-: «الظاهر انّه لا خلاف في صحة ذلك... لكن الهبة هنا عند الأصحاب بمعنى الإبراء من الدين، فلا يشترط فيها القبض.. وحيث إنّ الأصحاب قد اختلفوا في أنّ الإبراء هل تتوقف صحته على القبول أم لا؟ والهبة هنا في معنى الإبراء كما عرفت، اختلفوا في اشتراط القبول فيها فكل من أوجبه ثمة أوجبه هنا، ومن لا فلا، والمشهور بين الأصحاب العدم».
وقد يستدلّ أيضاً لوقوع الهبة في الدين إبراءً بدلالة النصوص على عدم جواز الرجوع فيه، مع انّه لو كان هبة لجاز كما يجوز فيها، فكأنّه استدلال باللازم.
فمن النصوص المستدلّ بها صحيحة
معاوية بن عمار الاولى قال: «سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يكون له على الرجل الدراهم فيهبها له، أله أن يرجع فيها؟ قال: لا».
وصحيحته الثانية قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: «رجل كانت عليه دراهم لإنسان فوهبها له ثمّ رجع فيها، ثمّ وهبها له، ثمّ رجع فيها، ثمّ وهبها له، ثمّ هلك، قال: هي للذي وهبها له».
وربما نوقش في الرواية الثانية بأنّها دالّة على عكس المطلوب؛ لتضمّنها رجوع الواهب في دينه أكثر من مرّة، ومعها تكون معارضة للرواية الاولى.
واجيب بأنّ الرجوع بعد الهبة إنّما وقع في حكاية كلام السائل لا في كلام
الإمام عليه السلام ليحتجّ به، فلا منافاة بينه وبين ما دلّت عليه الرواية الاولى.
وسوف تأتي المناقشة في أصل هذا الاستدلال.
وقد ذهب إليه بعض آخر من الفقهاء حيث أفادوا أنّ هبة الدين لمن هو عليه تمليك له وإن أفادت فائدة الإسقاط فتكون هبة، وتجري عليها أحكامها من اشتراط القبول والقبض الحاصل فرضاً، لكون الموهوب في ذمّة الموهوب له.
نعم، لا يجوز الرجوع في الموهوب لا لصيرورة الهبة عقداً لازماً، بل لسقوط الموهوب عن ذمّة المتّهب بمجرّد هبته؛ إذ لا يعقل بقاء ملكية الانسان شيئاً على نفسه، ومن شرط جواز الرجوع في الهبة بقاء الموهوب وعدم تلفه.
وبهذا الوجه يجاب عمّا استدلّ به للقول الأوّل، فإنّ دلالة الروايات على عدم جواز الرجوع لا ينافي كون الحاصل هبة.
قال
المحقق النجفي بعد بيان حكم
هبة الدين لغير من هو عليه: «هذا كله في هبة الدين لغير من هو عليه. وإن كانت له صحّ بلا خلاف أجده فيه، بل في بعض كتب مشايخنا ظاهرهم الاتفاق عليه، ولعلّه لصحيح معاوية بن عمّار (الأوّل)... ولا ينافيه صحيحه الآخر... إذ الرجوع بعد الهبة إنّما كان في كلام السائل مضافاً إلى عموم الأدلّة التي لا ينافيها ما دلّ على اعتبار القبض في الهبة؛ إذ الموهوب هنا مقبوض للموهوب له، باعتبار كونه في ذمته، فهو حينئذٍ كهبة ما في يده بل أقوى.
ولذا لم يجز الرجوع فيها ضرورة اقتضاء صحتها سقوط المال عن ذمّته؛ لعدم تعقّل ملك الإنسان على نفسه شيئاً نحو غيرها من أسباب النقل كبيع الدين على من هو عليه وغيره، فيكون ذلك بمنزلة تلف المال الموهوب الذي هو ملزم للهبة...
ومن هنا كان المتجه اعتبار القبول فيها وإن قلنا: إنّه لا يشترط في الإبراء القبول على الأصح...».
وقال
السيد اليزدي : «الموهوب يجوز أن يكون عيناً... وكذا يجوز أن يكون ديناً على الغير، فيجوز هبته لمن عليه، بلا إشكال، ولا يكون إبراء- كما قد يتخيّل- بل هو هبة تفيد فائدة الإبراء، ولا تحتاج إلى القبض؛ لأنّ ما في الذمّة مقبوض لمن عليه.
وهل يحتاج إلى القبول؟ الظاهر ذلك».
وقال السيّد
الإمام الخميني : «يشترط في الموهوب أن يكون عيناً، فلا تصحُّ هبة المنافع، وأمّا الدين فإن كانت لمن عليه الحق صحّت بلا إشكال.
ويعتبر فيها القبول على الأقوى، وأفادت فائدة الإبراء، وليست به، فإنّها تمليك يحتاج إلى القبول ويترتب عليها السقوط، وهو (الإبراء) إسقاط لما في الذمة».
والظاهر من هذا الاستدلال أن نظرهم إلى المنع عن الدليل الشرعي المتمثل في بعض النصوص التي استند اليها بعض القائلين بالقول الأوّل. وكذلك المنع عن استدلالهم بعدم إمكان وقوع مثل هذه المعاملة هبة واشتراط أن يكون الموهوب عيناً في الخارج لا ديناً في الذمة، حيث يقال بأنّه لا وجه لذلك بل مقتضى القاعدة صحة إنشاء عقد الهبة على المال في الذمة بالنسبة لمن عليه الدين وترتب آثاره عليه تمسكاً بعمومات صحة العقود وإطلاقات أدلّة الهبة، بل وصريح مثل صحيح معاوية المتقدم بناءً على استظهار إرادة عقد الهبة منه.
نعم، هذا لا يمنع عن استظهار كون مثل هذه المعاملة عرفاً وعقلائياً يقصد منها الإبراء بلفظ الهبة، فيكون البحث عندئذٍ
إثباتياً صغروياً، إلّا أنّ حمل
الاختلاف بين الفقهاء على ذلك بعيد جدّاً.
ويمكن أن يكون مبنى بعض القائلين بالقول الأوّل تقوّم عقد الهبة بالقبض ووضع اليد على المال شرعاً وعقلائياً، ومن هنا كان شرطاً في صحته حتى عند العقلاء، وكان أثره وهو الملكية حاصلًا من حين القبض لا قبله، فكأنّه بوضع اليد على المال- ولو بقاءً- تحصل الهبة والتمليك، نظير التمليك بالأخذ والحيازة في المباحات؛ فكأنّ المالك في الهبة يرفع يده عن ماله ليأخذه الموهوب له ويتملكه بالقبض. فاذا صحَّ هذا التحليل للهبة وقام عليه الدليل من سيرة عقلائية راسخة أو أدلّة شرعية واضحة تعيّن القول الأوّل، وكان البحث والخلاف بينهم كبروياً لا محالة.
اختلف الفقهاء في أنّ بيع الدين على من هو عليه بعوض معيّن هل يكون بيعاً كسائر البيوع فيجري فيه ما يجري فيها أم هو إبراء بعوض؟
ومنشأ الاشكال في ذلك إمكان تملّك الإنسان ما في ذمّته وعدمه. فمن قال بإمكان ذلك ومعقوليته قال ببقاء المعاملة على ظاهرها فأفتى بأنّها بيع، ومن قال بعدم إمكان ذلك أرجع البيع المذكور إلى الإبراء بعوض.
قال
الميرزا النائيني : «وقع الخلاف في بيع الدين على من هو عليه... بعد الاتفاق على حصول براءة الذمة... في أنّ المبيع أعني الدين... هل ينتقل إلى المشتري ثمّ يتلف عليه بالإبراء بمعنى... والمنشأ وإن كانت ملكية الدين لمن هو عليه.. إلّا أنّه ينتج نتيجة التلف؟
ومنشأ القول الثاني... لأجل
استحالة أن يسلط الانسان على نفسه بمال ويملك على نفسه شيئاً؛ لعدم صحة اعتبار مال الإنسان عليه.. وهو كما ترى.
والسرّ في ذلك هو عدم صحة ذلك الاعتبار عند العقلاء. وإذا ورد الدليل على صحة بيع الدين عليه، فلا بدّ من أن يكون راجعاً إلى إبراء ذمّته عن الدين بالعوض، فيصير مآل بيع الدين عليه سقوط ذمّته عن الدين بالعوض- يقصد سقوط الدين عن ذمته- لا صيرورته مالكاً لما في ذمته...
ومنشأ القول الأوّل هو المنع عمّا ذكر في وجه القول الثاني. أمّا في باب الدين فلأنّ المانع عن اعتبار المال للانسان على نفسه إنّما يمنع عن اعتباره كذلك على نحو الاستقرار. وأمّا اعتبار مالكيته لما ثبت في ذمّته ملكاً يترتّب عليه الإبراء لا ملكاً مستقراً فلا منع من اعتباره عقلًا وعرفاً... فحينئذٍ يمكن ملك الدين للإنسان نفسه بعد اعتبار قراره في الذمة... ومع إمكان ذلك فلا موجب لصرف بيع الدين... عمّا تقتضيه معاملة البيع من مبادلة المال بالمال، بل هو كسائر البيوع في كونه بيعاً إلّا انّه يترتب على هذا البيع تلف المبيع على المشتري؛ لمكان عدم اعتبار المال للإنسان على نفسه في الدين... وهذا هو الأقوى؛ لما ذكر».
وكيف كان فمشهور الفقهاء قائل بأنّه بيع، ومعه فينبغي إحالة البحث إلى مصطلح (
بيع ).
يصحّ
للزوجة أن تعفو عن مهرها، وإذا كان ديناً في ذمّة
الزوج فعفوها عنه إبراء وتترتب عليه أحكامه حيث قال
العلّامة الحلّي في
التحرير : «إن كان ديناً في ذمّة الزوج وعفت المرأة عن حقها ونصفه صحّ بلفظ العفو
والإسقاط والإبراء والتمليك وأشباه ذلك، ولا يفتقر إلى القبول. ويجوز لكلّ من الزوجين العفو عن حقه أو بعضه من المهر»، وقال
ابن طي الفقعاني : «فإن كان المهر ديناً في ذمّة الزوج صحّ بلفظ الهبة والإبراء والعفو والإسقاط، والأصح عدم اشتراط القبول حينئذٍ»، وقال
الشهيد الثاني : «... فتحقيق حكم الملك وانتقاله وسقوطه عن الذمة يتم بثمان صور: الاولى: أن يكون ديناً في ذمّة الزوج والعافي المرأة فتحصل براءة ذمته بمجرد عفوها؛ لأنّ العفو حينئذٍ منزّل منزلة الإبراء، فلا يشترط فيه سوى اللفظ الدال عليه، وأن لا يقبل من عليه الحق على الأقوى»، وقال
المحدّث البحراني : «الاولى: أن يكون ديناً في ذمّة الزوج والعافي المرأة فتحصل براءة ذمته بمجرد عفوها؛ لأنّ العفو حينئذٍ بمنزلة الإبراء، فلا يشترط فيه سوى اللفظ الدال عليه وإن لم يقبل من عليه الحق على الأقوى»، وقال
السيّد السيستاني : «إذا كان المهر ديناً على ذمّة الزوج يصح العفو عنه باسقاطه عن ذمته وإبرائه منه، ولا يصح هبته له إلّا إذا قصد بها الإسقاط فيكون إبراء، ولا يحتاج إلى القبول»،
وبه فُسّر قوله تعالى: «وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى».
قال الشهيد الثاني: «والمراد بالعفو إسقاط المهر بالهبة إن كان عيناً، والإبراء وما في معناه من العفو والإسقاط إن كان ديناً».
وكذلك يصحّ للزوج أن يعفو فيما إذا كان شيء من المهر ديناً في ذمّتها، كما إذا كان الزوج قد أقبضها المهر كلّه بعد العقد، وتلف في يدها، وطلّقها قبل الدخول، فانّه يثبت له نصف المهر في ذمّتها، فاذا عفا عنه صحّ وكان إبراءً تترتّب عليه أحكامه حيث قال العلّامة في التحرير: «لو كان ديناً على الزوج أو تلف في يد الزوجة فإنّ العفو كاف؛ لأنّه إبراء، ولا يفتقر إلى القبول»، وقال الشهيد الثاني: «السادسة: الصورة بحالها وهو كونه ديناً في ذمتها لكن العافي هو الزوج وهنا ينزّل منزلة الإبراء كما مرّ في نظيره، ويصح بجميع الألفاظ الستة، ولا يفتقر إلى القبول على الأقوى»، وقال الفاضل الهندي: «ولو كان الصداق عيناً فقبضته وتلف في يدها أو كان ديناً له عليها فعفا الزوج أو وهبها أو أبرأها أو أتى بسائر الألفاظ المتقدمة بعد الطلاق صحّ الإبراء ولم يحتج إلى القبول لمثل ما عرفت»، وقال المحدّث البحراني: «السادسة: الصورة بحالها وهو كونه ديناً في ذمتها لكن العافي هو الزوج وهنا ينزل منزلة الإبراء كما مرّ في نظيره، ويصح بجميع الألفاظ الستة، ولا يفتقر إلى القبول على الأقوى».
قال
المحقق الحلّي «الصداق يُملك بالعقد... فاذا طلّق الزوج عاد إليه النصف وبقي للمرأة النصف، فلو عفت عن مالها كان الجميع للزوج... وإذا عفت عن نصفها أو عفا الزوج عن نصفه لم يخرج عن ملك أحدهما بمجرّد العفو؛ لأنّه هبة فلا ينتقل إلّا بالقبض. نعم لو كان ديناً على الزوج أو تلف في يد الزوجة كفى العفو عن الضامن له؛ لأنّه يكون إبراءً، ولا يفتقر إلى القبول على الأصح».
يصح للبائع أن يحطّ عن المشتري كل الثمن أو بعضه، وقد صرّح بعض الفقهاء بأنّه إبراء ولا يلحق بعقد البيع، بمعنى أنّ الأحكام المترتبة شرعاً على الثمن تترتب هنا على الثمن المسمّى في العقد بغض النظر عن حطّ البائع، فاذا كان للبائع شريك مثلًا وأراد الشريك أن يأخذ بالشفعة أخذ بالثمن المسمّى.
قال
الشيخ الطوسي : «وإن حطّ من الثمن شيئاً أو حطّ جميعه صحّ وكان إبراءً مما له عليه ولا يلحق بالعقد، وإنّما هو إبراء في الوقت الذي أبرأه منه».
إذا كان للمدين الحق في تأجيل أداء دينه- كالمشتري الذي له الحقّ في تأجيل دفع الثمن في النسيئة، وكالبائع الذي له الحق في تأجيل دفع المثمن في السلف، وكالمقترض الذي له الحق في تأجيل أداء القرض في القرض المؤجّل ونحو ذلك- كان كغيره من الحقوق قابلًا للاسقاط، وإسقاطه إبراء يترتّب عليه أحكام
الإبراء ، وعليه فيكون حينئذٍ للطرف الآخر حقّ المطالبة بالدين في الحال؛ إذ لم يَعُد للمدين حقّ في التأجيل.
وقد خالف في ذلك العلّامة الحلّي حيث قال: «لو أسقط المديون أجل الدين الذي عليه لم يسقط، وليس لصاحبه المطالبة في الحال».
واستدل
المحقق الكركي على ذلك: «أوّلًا: بأنّ حقّ التأجيل قد ثبت بالعقد اللازم- كالبيع- حسب الفرض، فلا يسقط بمجرد الإسقاط. وثانياً: بأنّ في الأجل حقاً لصاحب الدين، ولذا لا يجب عليه أخذ الدين قبل الأجل».
وقال الشيخ الطوسي أيضاً: «وإن كان النقصان أو الزيادة بعد استقرار العقد لم يلحق العقد عندنا، وإن كانت زيادة فهي هبة، وإن كان حطّاً فهو إبراء».
وقريبة من عبارته الاولى عبارة ابن إدريس.
وردّ عليه
المحقّق النجفي ما حاصله: انّ ثبوت حق التأجيل بالعقد اللازم لا يمنع عن سقوطه
بالاسقاط . نظير الخيار الثابت بالعقد اللازم، فإنّ ذلك لا يمنع عن سقوطه بالاسقاط. وأمّا أنّ في الأجل حقاً لصاحب الدين فبالإمكان منعه، فإنّ حق تأجيل الثمن في النسيئة مثلًا حق خاص للمشتري وليس للبائع حق فيه، نعم قد يتفق وجود مصلحة للبائع أيضاً في التأجيل، لكن ذلك لا ينافي كون الحق من حقوق المشتري خاصّة، نظير الخيار المشروط للمشتري، فإنّه حق خاصّ به.
الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۳۱۹-۳۲۹.