متعلق الشفعة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تثبت في الأرضين والمساكن إجماعا؛ وهل تثبت فيما ينقل كالثياب والأمتعة؟ فيه قولان، والأشبه: الاقتصار على موضع
الإجماع؛ وتثبت في النخل والشجر والأبنية تبعا للأرض، وفي ثبوتها في الحيوان قولان، المروي: أنها لا تثبت؛ ومن فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره؛ ولا تثبت فيما لا ينقسم كالعضايد والحمامات والنهر والطريق الضيق على الأشبه؛ ويشترط انتقاله
بالبيع فلا تثبت لو انتقل
بهبة أو
صلح أو
صداق أو
صدقة أو
إقرار؛ ولو كان
الوقف مشاعا مع طلق فباع صاحب الطلق لم تثبت للموقوف عليه؛ وقال
المرتضى: تثبت، وهو أشبه.
واعلم أنّه تثبت في الأرضين والمساكن إجماعاً كما هنا وفي
الشرائع وشرحه،
وشرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي. والنصوص بذلك مستفيضة جدّاً، منها: «قضى
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ولا إضرار»
.
وهل تثبت فيما ينقل كالثياب والأمتعة؟ فيه قولان أكثر المتقدّمين منهم:
الشيخان والمرتضى
والإسكافي والقاضي والحلبي والحلي وجماعة من المتأخّرين
على الأوّل مطلقاً، منقولاً كان أم لا، قابلاً للقسمة أم لا، ومال إليه الشهيد في الدروس ونفى عنه البعد
. ولعله أظهر؛ لدعوى الإجماع عليه في الانتصار والسرائر، وخصوص المرسلة المنجبرة بالشهرة القديمة: «الشفعة جائزة في كل شيء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشيء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحقّ به من غيره»
الخبر.
مضافاً إلى التأيّد بالإطلاقات، بل وعموم بعض الروايات، كالحسن: «الشفعة في البيوع إذا كان شريكاً فهو أحقّ بها من غيره بالثمن»
، والخبر: «الشفعة لكل شريك لم يقاسم»
وقريب منه مفهوم غير واحد من النصوص
، هذا.
مع انسحاب وجه الحكمة وهو الضرر الذي نيط به شرعيّة الشفعة كما اعترف به الجماعة. وربما استفيد من
الرواية السابقة التي هي إحدى المستفيضة في المسألة، هذا. مع احتمال التأيّد أيضاً ببعض النصوص الآتية في ثبوت الشفعة في المملوك.
ولا يعارضها المرسلة الأُخرى المرويّة في
الكافي بعدها: «أنّ الشفعة لا تكون إلاّ في الأرضين والدور فقط»
؛ لقصور سندها، مع عدم جابر لها عدا الأصل والشهرة المتأخّرة، والأوّل يجب الخروج عنه
بالإجماع المنقول، والعمومات. والثاني جابر لو لم يعارضه
الشهرة القديمة الراجحة عليه حيث حصل بينهما معارضة، كما في المسألة، ومع ذلك موافقة للعامّة كافّة، كما يستفاد من الانتصار
وسيأتي إليه الإشارة.
والأشبه بين أكثر المتأخرين
، وفاقاً للمبسوط والخلاف
وابن حمزة وظاهر
سلاّر الاقتصار على موضع الإجماع أخذاً بالأصل الدالّ على عدم تسلّط المسلم على مال المسلم إلاّ بطيب نفسه، خرج منه المجمع عليه وبقي الباقي. وبما دلّ على نفيها عن الحيوان والطريق والسفينة من المعتبرة الآتية. وبالمرسلة المتقدّمة.
وضعف الجميع ظاهر، فالأوّل: بلزوم الخروج عنه بما مرّ من الخبر المنجبر بالعمل، والإجماع المنقول المعتضد بما تقدّم. والثاني: بما يأتي. والثالث: بما مرّ.
والعجب من
المختلف حيث استدلّ على هذا القول بالرواية المتقدّمة من جملة المستفيضة، قال بعد نقلها: وهو يدلّ بمفهومه على انتفاء الشفعة في غير الأرضين والمساكن، أمّا أوّلاً: فلتعليق الحكم عليهما، وأمّا ثانياً: فلقوله (علیهالسّلام): «لا ضرر ولا ضرار»
.
وهو كما ترى، فإنّ تعليق الحكم عليهما لا يقتضي نفيه عمّا عداهما إلاّ على تقدير اعتبار مثل هذا المفهوم، ولم يقل هو ولا سائر
الأصحاب به. وأمّا التعليل فالظاهر أنّه للحكم بثبوت الشفعة فيهما، لا لنفيه عمّا عداهما. وعليه فيكون المراد بالضرر الضرر الذي نيط به وجه الحكمة في ثبوت الشفعة، لا ضرر نفي سلطنة المالك عمّا ملكه كما عقله، فالرواية حينئذٍ حجّة بعمومها المستفاد من التعليل فيها لما عليه أكثر القدماء. وعلى تقدير عدم ظهور ما ذكرناه فاحتماله لا أقل منه، ومعه لا يتمّ استدلاله إلاّ على تقدير مرجوحيّته، ولا ريب في فساده.
وتثبت الشفعة في الشجر والنخل والأبنية إذا بيعت تبعاً للأرض التي هي أصلها ومنضمّة معها، بلا خلاف ظاهر مصرّح به في
المبسوط. ويظهر من الماتن في الشرائع
، وشيخنا في شرحه، قال بعد القطع بالحكم: لدخولها في عموم
النص الوارد بثبوتها في الربع والمساكن والدور ونحو ذلك. وإن بيعت منفردةً أو منضمّةً إلى أرض أُخرى غير ما هي فيها بني ثبوت الشفعة فيها وعدمه على القولين السابقين، فمن عمّمها أثبتها بطريق أولى، ومن خصّص موردها بالأرضين والمساكن والبساتين لم يوجبها؛ لأنّها لا تدخل منفردةً في أحدها، فإنّ المساكن اسم للمجموع المرّكب من الأرض والبناء، وكذا البساتين بالنسبة إلى الشجرة. ولا ينفعها ضميمتها إلى غير أرضها؛ لعدم التبعيّة وكونها جزءاً من مسمّاها
.
وفي ثبوتها أي الشفعة في الحيوان القولان المتقدّمان، ولم أفهم وجه إفراد ذكرهما فيه بالخصوص مع كونه من المنقول الذي فيه أصل القولين. ولقد أحسن في الشرائع حيث أدرجه فيه وذكره من أمثلته
.
وكذا لم أفهم وجهاً لقوله: و المرويّ في
الموثّق أنّها لا تثبت لإشعاره، بل ودلالته بعدم ورود رواية بثبوتها فيه مطلقاً، وقد عرفت ورود ما هو صريح في ثبوتها فيه سابقاً غايته أنّه ضعيف بالإرسال، ولكنّه كما عرفت منجبر بالشهرة بين الأصحاب، وهو أقوى من الصحيح الغير المنجبر بها.
فالرواية النافية لها وإن كانت موثقة إلاّ أنّها بالإضافة إلى تلك المرسلة لذلك مرجوحة، وإن ترجّحت عليها بأخبار أُخر صحيحة متضمّنة للتفصيل بين المملوك وحيوان غيره مصرّحة بالثبوت في الأوّل وبعدمه في الثاني. منها: المملوك بين الشركاء فيبيع أحدهم نصيبه، ويقول صاحبه: أنا أحقّ به، إله ذلك؟ قال: «نعم إذا كان واحداً» فقيل له: في الحيوان شفعة؟ فقال: «لا»
ونحوها صحيحة أُخرى في
الفقيه مرويّة
؛ لأنّ هذا التفصيل لم يقل به أحد من أرباب القولين، بل ولا غيرهم، بل ولا نقل القائل به من الأصحاب أحد عدا الماتن هنا وفي الشرائع
فقال: ومن فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره وقد اعترف جماعة بعدم معروفيّته
، فمثله شاذّ وإن صار إليه في المختلف
، ولكنّه ضعيف وإن صحّ سند ما دلّ عليه؛ لما مرّ من فقد التكافؤ بينه وبين الخبر المثبت، هذا.
مع أنّ الموثّقة مع ما هي عليه ممّا مر إليه الإشارة محتملة للحمل على
التقية؛ لكون المنع مذهب
العامّة، كما يستفاد من الانتصار، حيث قال بعد الحكم بالثبوت، ونسبته إلى
الإمامية: وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وأجمعوا على أنّها لا تجب إلاّ في العقارات والأرضين دون العروض والأمتعة والحيوان
. انتهى.
وهي مع ذلك بإطلاقها شاملة للعبد وغيره، فتعارض بما مرّ من النصوص الصحيحة الصريحة بثبوتها في الأوّل وإن اشتركت معها في نفيها في الثاني.
ونحوها الموثق بل
الصحيح: المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه فقال أحدهم: أنا أحقّ به أله ذلك؟ قال: «نعم إذا كان واحداً»
.
ولا تثبت الشفعة فيما لا ينقسم ولا يقبل القسمة الإجبارية كالعضائد والدكاكين والحمامات الضيقة والنهر والطريق الضيّق كلّ منهما على الأشبه الأشهر بين أكثر من تأخّر، بل بالشهرة المطلقة صرّح في
التذكرة.
والحجّة عليه غير واضحة عدا ما في التنقيح من وجوه ضعيفة، منها: أنّ غرض
الشارع بالشفعة إزالة ضرر المالك بالقسمة لو أرادها المشتري، وهذا الضرر منتف فيما لا يقسم، فلا شفعة فيه
.
وهو كما ترى في غاية من الضعف، أمّا أوّلاً: فلعدم ورود النصّ الصحيح الصريح بهذه العلّة.
نعم ربما يستفاد من بعض الروايات السابقة كون العلّة في ثبوت الشفعة نفي الضرر والإضرار في
الشريعة، لكن متعلّق الضرر فيه غير معلوم، فيحتمل ما ذكره وغيره من نفس الشركة الجديدة، أو سوء الشريك. ولعلّ هذا أظهر.
ولذا استدلّ بعض الأصحاب وفاقاً للمرتضى على ثبوت الشفعة في المسألة بالضرر، فقال: لأنّ المقتضي لثبوت الشفعة وهو إزالة الضرر عن الشريك قائم في غير المقسوم، بل هو أقوى؛ لأنّ المقسوم يمكن التخلّص من ضرر
الشريك بالقسمة بخلاف غيره، قال: وأُجيب بأنّه ليس المراد من إزالة الضرر بالشفعة ما ذكروه، بل إزالة ضرر طلب القسمة ومئونتها، وهو منتفٍ في محلّ النزاع. ولا يخفى عليك ضعف هذا الجواب، وأيّ مئونة للقسمة وضرر بذلك يقابل ضرر الشريك الذي لا وسيلة إلى التخلّص منه
.
وهو في غاية الجودة.
وأمّا ثانياً: فلضعف التعليل من وجه آخر، وهو أنّ الشفعة إنّما تثبت بانتقال الملك عن الشريك إلى المشتري، فلا بدّ أن يكون الضرر الذي نيط به الشفعة في ظاهر النصّ وكلام الأصحاب ناشئاً من جهته، وضرر طلب المشتري القسمة ليس ضرراً ناشئاً منه؛ لسبقه على الانتقال، وثبوته للشريك على كلّ حال. فضرر طلب القسمة لازم على كلّ تقدير، بل هو من لوازم
الشركة فيما يقبل القسمة، فلا يمكن أن يكون مثله الضرر المناط به الشفعة. وهذا من أقوى الشواهد على تعيّن ما استظهرناه من متعلّق الضرر في الرواية. ومنها: أصالة بقاء الملك على مالكه، وإثبات الشفعة مخالف له فيفتقر إلى دليل.
وهو كالسابق في الضعف بعد ما عرفت على الثبوت على العموم من الإجماع المنقول، والخبر المنجبر بالعمل المؤيّد بما قدّمناه من المؤيّدات.
ومنها: الخبران «لا شفعة في سفينة، ولا في نهر، ولا في طريق»
وزيد في بعض النسخ «ولا في رحى ولا في حمام»
.
وفيهما مع قصور
السند: ما ذكره بعض الأصحاب
من أنّه لا دلالة فيهما عليه أصلاً، مع احتمالهما التقية، سيّما مع كون
الراوي لهما من العامّة على المشهور بين
الطائفة. ولا يقدح فيه اختصاصهما بنفي الشفعة في الأُمور المزبورة إلاّ على تقدير حجّية مثل هذا المفهوم، ولم يقل بها أحد من الطائفة وأكثر العامّة، هذا.
مضافاً إلى معارضتهما في الطريق بأقوى منهما سنداً، وهو خبران: أحدهما موثّق، والآخر حسن يأتيان في بحث ثبوت الشفعة في المقسوم بالاشتراك في الطريق والغالب فيها الضيّق. والاختصاص بالطريق غير قادح بعد
الإجماع المركّب على العموم، وعليهما بناء الاستدلال بالخبرين الأوّلين.
فإذاً القول بثبوت الشفعة في المسألة في غاية من القوّة، وفاقاً لجماعة من قدماء الطائفة، ومنهم المرتضى مدّعياً عليه إجماع الإماميّة
.
ومال إليه من المتأخّرين
شيخنا في
المسالك وجمع ممن تبعه
، لكنّه رجع عنه في
الروضة فوافق الجماعة مستنداً إلى الوجه الثاني. وفيه ما عرفته.
هذا ولا ريب أنّ
الأحوط للشفيع ترك المطالبة بها في المواضع الخلافية، سيّما فيما لا يقبل القسمة، وخصوصاً الخمسة الواردة في خصوص الخبرين المتقدّم إليهما الإشارة، ونحوهما مرسلة رضويّة
عمل بها
الصدوقان حيث نفيا الشفعة فيها وأثبتاها في غيرها ولو لم يقبل القسمة أصلاً.
وللمشتري إجابة الشفيع إن طلبها مطلقاً. وإن تعاسرا فالعمل على ما عليه أكثر قدماء أصحابنا.
ويشترط في ثبوتها انتقاله أي الشقص المشفوع بالبيع، فلا تثبت لو انتقل
بهبة أو
صلح، أو
صداق، أو
إقرار على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر، وفي المسالك وكلام جماعة أنّه كاد أن يكون إجماعاً
، وبانعقاده بين المتأخّرين صرّح في
التنقيح، وبه وبالأخبار في نفيها عن الصداق صرّح في المبسوط
، وبه في الجميع صرّح في
السرائر، والمقدس الأردبيلي في شرح الإرشاد
؛ وهو
الحجّة، مضافاً إلى
الأصل. واختصاص أكثر النصوص بصورة البيع خاصّةً، وإطلاقات بعضها غير معارضة بعد ورودها لبيان حكم آخر غير مفروض المسألة.
خلافاً للإسكافي فأثبتها في الهبة مطلقاً بعوض كان أم لا
. ونسب جماعة إليه ثبوتها في الجميع
، ولا تساعدها عبارته المحكيّة في المختلف
، ولذا نسب إليه الثبوت فيما ذكرناه خاصّة في
الدروس.
فكيف كان فحجّته غير واضحة عدا ما قيل عنه: من عدم دليل على التخصيص مع اشتراك الجميع في الحكمة الباعثة، وهي دفع الضرر عن الشريك. وتضمّن النصوص
البيع لا ينافي ثبوتها بغيره
.
ويظهر من المسالك الميل إليه في الجملة
، وكذا بعض من تبعه، قال لا بعد نقله: وهو قويّ إن خصّها بالمعاوضات المحضة؛ لأنّ أخذ الموهوب مثلاً بغير عوض بعيد، وبه خارج عن مقتضى الأصل، وكذلك غير الهبة
.
والمناقشة فيه واضحة؛ لابتناء التقوية على ثبوت وجه الحكمة من حجّة منصوصة، ولم نقف عليها عدا الرواية المتقدّمة النافية للضرر بعد الحكم بالشفعة، وهي مع قصور سندها وعدم جابر لها في المسألة قد مرّ ما يقدح في دلالتها من حيث إجمال المعلّل به، هل هو ثبوتها، أو نفيها كما فهمه
العلاّمة؟ وعليه فينعكس الدلالة.
ولا ينافي الإجمال ما ادّعيناه سابقاً من ظهور الاحتمال الأوّل؛ لعدم كونه ظهوراً معتدّاً به، ولذا أيّدنا به الأدلّة العامّة ولم نجعله حجّةً مستقلّةً.
وعلى تقدير الظهور وقوّة الدلالة فلا ريب في عدم مقاومتها للإجماعات المحكيّة والقاعدة الثابتة المسلّمة، ومع ذلك مفهوم العلّة فيها معارض بمفهوم الشرط أو القيد المعتبر في المرسلة المتقدّمة المتضمّنة لقوله (علیهالسّلام): «الشفعة جائزة في كلّ شيء» إلى أن قال: «إذا كان بين الشريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره».
وقريب منها: أخبار أُخر معتبرة وفيها الصحيح وغيره آتية في مسألة ثبوت الشفعة في الدور المقسومة، مع كون طريق الجميع واحدة.
ولكنّ الإنصاف أنّ مثل هذه المفاهيم محتملة للورود مورد الغلبة في بعض، والسؤال في آخر، فلم تبلغ درجة
الحجّية، ولا كذلك مفهوم العلّة في
المرسلة، لكنّها صالحة للاعتضاد والتقوية، وإلاّ فالعمدة هو ما قدّمناه من الأدلّة الظاهرة والحجج الباهرة السليمة كما عرفت عمّا يصلح للمعارضة. فلا شبهة في المسألة بحمد الله سبحانه.
وقد استدلّ الفاضل في
المختلف للمختار بالصحيح: عن رجل تزوّج امرأة على بيت في دار له، وله في تلك الدار شركاء، قال: «جائز له، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها»
.
وفيه نظر؛ لجواز أن يكون نفي الشفعة لكثرة الشركاء، لا للإصداق.
ولو كان الوقف مشاعاً مع طلق فباع الموقوف عليه
الوقف على وجه يصحّ، تثبت الشفعة لصاحب الطلق بلا خلاف فيه ظاهر؛ لوجود المقتضي وانتفاء المانع.
وإن انعكس فباع صاحب الطلق ملكه لم تثبت للموقوف عليه مطلقاً وفاقاً من الماتن هنا وفي الشرائع، والشهيدين للمبسوط
نافياً الخلاف فيه. ونسبه الحلّي إلى الأكثر
، ولعلّه الأظهر؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن من
الفتوى والنصّ، وليس بحكم
التبادر إلاّ ما عدا محلّ الفرض، مضافاً إلى نقل عدم الخلاف المتقدّم المعتضد بدعوى الحلّي على ذلك
الشهرة؛ وهو حجّة كما بيّنته في رسالة في الإجماع مفردة، ومع ذلك سليم عن المعارض بالكلّية عدا ما يتخيّل من وجه الحكمة المشتركة، وقد مرّ الجواب عنه في المسألة السابقة.
هذا كلّه على تقدير القول بانتقال ملك الموقوف إلى الموقوف عليه، كما هو أحد الأقوال في تلك المسألة.
وأمّا على القول بعدم الانتقال إليه مطلقاً فلا ريب في عدم ثبوت الشفعة لفقد الشركة المشترطة في ثبوتها اتّفاقاً فتوًى وروايةً.
وقال
المرتضى رضى الله تعالى عنه: تثبت الشفعة مطلقاً وجوّز
للإمام وخلفائه المطالبة بشفعة الوقوف التي ينظرون فيها على المساكين، أو على
المساجد ومصالح المسلمين، وكذلك كلّ ناظر بحقّ في وقف من وصيّ ووليّ، واستند فيه إلى الإجماع.
وهو موهون بعدم وجود قائل به سواه، معارض بنقل الشيخ على خلافه عدم الخلاف. وهو أرجح بعد اعتضاده بالشهرة المنقولة، والأصل المتقدّم إليهما الإشارة.
وعن الحلّي الموافقة له مع وحدة الموقوف عليه، وللمبسوط مع تعدّده. وعليه أكثر المتأخّرين، بل نسبه الشهيدان إليهم كافّة
.
ووجهه غير واضح إلاّ على تقدير ثبوت انتقال الموقوف إلى الموقوف عليه مطلقاً، ووجود عموم على ثبوت الشفعة كذلك حتّى في الملك الغير التامّ كالوقف فيصح ما ذكروه حينئذٍ؛ لوجود المقتضي لثبوتها في الشق الأوّل، والمانع عنه وهو تعدّد الشركاء على الأصح كما يأتي في الثاني. ولكنّهما في محلّ التردّد أو المنع.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۴، ص۵۴-۶۸.