مستحبات الإحرام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
واعلم أن مقدماته كلّها مستحبة على
اختلاف في بعضها يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
(وهي توفير شعر الرأس) بل اللحية أيضاً، كما في عبائر جماعة
وإن اقتصر آخرون على ما في العبارة؛
لوروده في المعتبرة
(من أول ذي القعدة إذا أراد
التمتع ) بل مطلق الحجّ على الأقوى، وفاقاً لجمهور محقّقي متأخري أصحابنا؛
لإطلاق الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
وظاهرها الوجوب، كما عليه الشيخان في المقنعة و
الاستبصار والنهاية.
خلافاً لمن عداهما، ولا سيّما المتأخرين،
فحملوها على
الاستحباب ؛ جمعاً بينها وبين المعتبرة المصرِّحة بالجواز، ففي الصحيح : «يجزي الحاج أن يوفّر شعره شهراً».
وفي آخر مروي عن كتاب
علي بن جعفر أنه سأل
أخاه : عن الرجل إذا همّ بالحجّ يأخذ من شعر رأسه ولحيته وشاربه ما لم يحرم، قال : «لا بأس».
والموثق : عن
الحجامة وحلق القفا في
أشهر الحجّ ، فقال : «لا بأس به، و
السواك والنورة».
وفي الخبر : «أمّا أنا فآخذ من شعري حين أُريد الخروج يعني إلى مكّة للإحرام».
ولا بأس به وإن كان الوجوب أحوط؛
لإمكان الجمع بين النصوص بوجه آخر أوضح من هذا الجمع، إلاّ أنه لما اعتضد بالأصل والشهرة القريبة من
الإجماع كان أظهر.
(ويتأكد) الاستحباب (إذا أهلّ ذو الحجة) قيل : للصحيح : عن متمتع حلق رأسه بمكّة، قال : «إن كان جاهلاً فليس عليه شيء، وإن تعمّد ذلك في أول الشهور للحجّ بثلاثين يوماً فليس عليه شيء، وإن تعمّد بعد الثلاثين التي يوفّر فيها الشعر للحجّ فإن عليه دماً يهريقه».
ويحتمل اختصاصه بتمتع دخل مكّة وهو حينئذ محرم. وألزمه المفيد الدم بالحلق بعد هلال ذي القعدة، وهو الذي أوجب نسبة وجوب التوفير اليه، مع أن ابن سعيد وافقه فيه مع أنه قال : ينبغي لمن أراد الحجّ توفير شعر رأسه ولحيته.
انتهى.
وفي كل من الاستدلال و
الاحتمال نظر.
(وتنظيف الجسد) عن الأوساخ على ما يقتضيه نحو العبارة؛ لعطف قوله : (وقصّ
أظفاره ، والأخذ من شاربه، و
إزالة شعره عن جسده و
إبطيه بالنورة) عليه، فإن العطف يقتضي المغايرة.
وفي اللمعة بدّل الواو بالباء،
مؤذناً
بالاتحاد ، ولعلّه لخلو الأول عن النص، وأن المنصوص في الصحاح المستفيضة هو ما عداه.
ويمكن
الاستدلال بها عليه أيضاً؛ للتلازم بينه وبين ما عداه غالباً عادةً، فتأمل جدّاً.
واستدل عليه أيضاً بعموم استحباب الطهور، و
اختصاص الإحرام باستحباب الغسل له المرشد اليه، ومنعه منه مدّة طويلة.
أقول : ومن العموم تعليل استحباب
الاطلاء بالنورة بأنه طهور الوارد في جملة من النصوص،
ومنها الوارد في
الإحرام بالخصوص، كالصحيح : عن التهيؤ للإحرام، فقال : «أطل بالمدينة فإنه طهور».
وفي الخبر : «أطليا» قالا : فعلنا منذ ثلاثة أيّام، فقال : «أعيدا فإن الاطلاء طهور»
ونحوه آخر.
ويستفاد منها أجمع استحباب التنور مطلقاً ولو قبل مضي خمسة عشر يوماً، وبه صرّح جماعة من المتأخرين،
تبعاً للمحكي عن
النهاية والمبسوط والمنتهى.
ولا ينافيه قوله : (ولو كان مطلياً أجزأ ما لم يمض خمسة عشر يوماً) كما قيل،
بل ربما يؤكده؛ لمكان لفظ «
الإجزاء » المستعمل عرفاً في أقل الواجب أو المستحب، وإنما المقصود من ذكر المدة بيان تأكد الاستحباب بعدها للخبر : إذا أطليت للإحرام الأول كيف أصنع للطلية الأخيرة، وكم بينهما؟ قال : «إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوماً فأطل».
•
استحباب غسل الإحرام،
(وأن يحرم عقيب)
الصلاة بلا خلاف؛ للصحاح المستفيضة.
ولا يجب؛ للأصل المعتضد بعدم الخلاف فيه إلاّ من
الإسكافي ،
وهو نادر.
وأن يكون (فريضة الظهر) فقد فعله
النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، كما في الصحيح،
وفي آخر : إنه أفضل.
وما دلّ على التسوية لنا، وأن فعله صلي الله عليه و آله وسلم كان لضرورة فقد الماء،
محمول على التسوية في غير الفضيلة، يعني الإجزاء؛ لما عرفت من تصريح الصحيحة بالأفضلية.
(أو عقيب فريضة) مكتوبة؛ لظاهر
إطلاق الصحيحين،
وصريح الخبرين الآمرين بتأخير الإحرام عما بعد العصر إلى المغرب.
وهما مختصان بها، وما قبلهما بالمكتوبة، وظاهرها الفرائض الخمس اليومية المؤدّاة خاصة. خلافاً لإطلاق نحو العبارة فعمّمت لها وللمقضيّة وللكسوف ونحوها، وبه صرّح الشهيدان في
المسالك والدروس.
(ولو لم يتّفق) فريضة (فعقيب ستة ركعات) لرواية ضعف سندها بعمل الأصحاب مجبورة، مضافاً إلى أدلة المسامحة، وفيها : «تصلّي للإحرام ستّ ركعات تحرم في دبرها».
وظاهرها استحباب هذه الستّ مطلقاً ولو أحرم عقيب
الفريضة ، كما هو ظاهر أكثر الأصحاب وإن اختلفوا في استحباب تقديمها على الفريضة والإحرام في دبرها، كما يعزى إلى المشهور،
ومنهم :
المفيد في المقنعة، والشيخ في المبسوط والنهاية، والحلّي والشهيدان،
غيرهما؛
لصريح الرضوي : «فإن كان وقت فريضة فصلِّ هذه الركعات قبل الفريضة ثمّ صلِّ الفريضة».
أو العكس، كما عن الجمل والعقود والمهذّب والإشارة و
الغنية والوسيلة.
وهو أحوط، عملاً بعموم : «لا نافلة في وقت فريضة» وإن كان الأول لا يخلو عن وجه؛ لصراحة المستند، و
انجبار قصور السند بفتوى الأكثر.
ويعضده
بالإضافة إلى الحكم بتأخير الفريضة و
إيقاع الإحرام دبرها أنّ فيه الأخذ بظاهر الأخبار الصحيحة الحاكمة باستحباب الإحرام في دبر الفريضة؛ إذ المتبادر منها التعقيب بغير فاصلة، كما أشار إليه في الرضوي أيضاً، فإن فيه بعد ما مرّ : «أنّ أفضل ما يحرم
الإنسان في دبر الصلاة الفريضة، ثمّ أحرم في دبرها ليكون أفضل». نعم، ينافيه ظاهر الرواية؛ فإن المتبادر منها أيضاً التعقيب للإحرام عقيب النافلة بغير فاصلة، إلاّ أن صرفها إلى المعنى الأعم ممكن، وهو أولى من العكس، لضعف سند هذه ووحدتها، ولا كذلك ما دلّ على التعقيب للفريضة، فإنها بطرف الضد من الأُمور المزبورة، مضافاً إلى الشهرة.
(وأقلّه) أي المندوب من الصلاة التي يحرم عقيبها إن لم يتفق في وقت الفريضة (ركعتان) للصحيح (وإن كانت نافلة صلّيت ركعتين وأحرمت دبرها).
وفي رواية : أربع
، وعمل بها بعض.
ولا بأس به؛
للمسامحة في أدلة السنن ، مع استحباب أصل الصلاة مطلقاً.
ويستحب أن (يقرأ في الاولى) من هاتين الركعتين (
الحمد والصمد، وفي الثانية : الحمد والجحد) كما في كلام جماعة،
وبالعكس في كلام آخرين.
وفي الصحيح : «لا تدع أن تقرأ بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون في سبعة مواطن : في الركعتين قبل الفجر، وركعتي الزوال، وركعتين بعد المغرب، وركعتين من أول
صلاة الليل ، وركعتي الإحرام، والفجر إذا أصبحت بها ( وركعتي الطواف )».
وليس فيه دلالة إلاّ على استحباب السورتين، دون الترتيب بينهما مطلقاً، إلاّ أن يراعى الترتيب الذكري فيدل على الأول.
ويدلّ عليه صريحاً المرسل في الكافي و
التهذيب والشرائع، فإن في الأولين بعد نقل الرواية : وفي رواية اخرى أنه : «يبدأ في هذا كلّه بقل هو الله أحد، وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون، إلاّ في الركعتين قبل
الفجر فإنه يبدأ بقل يا أيها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية بقل هو الله أحد».
وفي الثالث بعد الفتوى بعكس ما في المتن : وفيه رواية أُخرى.
ولعلّها المرسلة.
وفي المسالك : إن الكل مستحب.
ولا بأس به؛ لإطلاق الصحيح وإن كان ما في المرسل أفضل.
(و) اعلم أنه يجوز أن (تصلّى نافلة الإحرام ولو في وقت الفريضة ما لم يتضيق) فتقدّم؛ لما عرفته، مضافاً إلى ظاهر الخبرين بتأخيرها إلى المغرب،
ونحو النصوص الدالّة على أنها من الصلاة التي تصلّى في كلّ وقت، أظهرها دلالةً الخبر : «خمس صلوات تصلّيهن في كلّ وقت :
صلاة الكسوف ، والصلاة على الميت، وصلاة الإحرام، والصلاة التي تفوت، وصلاة الطواف، من الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد العصر إلى الليل».
وهو صريح في جواز
الإتيان بها في الأوقات المكروهة. ولا ينافيه الأخبار الناهية عن فعلها بعد العصر؛ لتصريحها بعد النهي بأنه لمكان الشهرة.
رياض المسائل، ج۶، ص۱۹۲- ۲۰۷.