مسح الرأس في الوضوء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
من
فرائض الوضوء مسح مقدم الرأس ببقية البلل بما يسمى مسحا؛ وقيل: أقله ثلاث
أصابع مضمومة، ولو استقبل فالأشبه
الكراهية ويجوز على الشعر أو البشرة، ولا يجزئ على حائل
كالعمامة.
من فرائض الوضوء مسح بشرة مقدّم الرأس أو شعره الغير المتجاوز بمدّه عن حدّه، بالنصوص
والإجماع.
ففي
الصحيح: «مسح الرأس على مقدّمه»
وفي آخر: «تمسح ببلّة يمناك ناصيتك»
.
وبها يقيد
إطلاق الآية والأخبار.
وما في شواذ أخبارنا
ممّا يخالف بظاهره ذلك فضعيف متروك بإجماعنا، محمول على
التقية.
والمراد بالمقدّم ما قابل المؤخر، لا خصوص ما بين النزعتين المعبّر عنه بالناصية، فلو مسح القدر الواجب من أيّ موضع منه ولو ارتفع الناصية ولم يصادف منها شيئا كفى على ما يستفاد من ظاهر كلمة الأصحاب.
إلّا أن ظاهر الصحيح المتقدم يعطي تعيّن الثاني لظاهر الأمر، بناءً على تفسير الناصية به، إلّا أنه ربما فسّرت بمطلق شعر مقدّم الرأس أيضاً
، وفي كتب جماعة من
أهل اللغة: أنها خصوص القصاص الذي هو آخر منابت شعر الرأس. وبه يخرج عن صلاحية تقييد الأخبار المطلقة في المقدم، ولكن مراعاته
أحوط.
ويجب أن يكون المسح ببقية البلل ولو بالأخذ من مظانها إن لم تبق، أو مطلقا.
والأول أظهر نظراً إلى
الاحتياط، والوضوءات البيانية، والتفاتا إلى الحسن الآمر بمسح الناصية، وظهر القدم اليمنى ببلّة اليمنى، وظهر القدم اليسرى ببلّة اليسرى
، والمرسل المشترط في جواز الأخذ من بلّة اللحية والحاجب وأشفار العينين جفاف بلة اليد
، وفي معناه أخبار أخر
.
وقصور أسانيدها
بالشهرة منجبر، وحملها ككلمة الأصحاب على الغالب نافع مع وجود الدليل على إجزاء غيره وليس، إذ المطلق منصرف إلى الشائع المتبادر، فلا ينفع.
ومنه يظهر ضعف القول بالثاني والمستند عطف على ضعف أي ومنه يظهر المستند لأصل الحكم، مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه، وبه يقيد إطلاق
الآية والأخبار.
وربما نسب إلى
الإسكافي تجويز
استئناف ماء جديد مطلقاً، أو مع الجفاف، على اختلاف النقلين
.
للخبرين، أحدهما الصحيح: أيجزي الرجل أن يمسح قدمه بفضل رأسه؟ فقال برأسه: لا، فقلت: أ بماء جديد؟ فقال برأسه: نعم
.
ولآخر
الموثق: أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟ قال: «لا بل تضع يدك في الماء ثمَّ تمسح»
.
ودلالتهما كما ترى، مع أن في الأول
إشعاراً بالتقية فيحملان عليها، ولا ينافيه مسح القدم في الأول لوجود القول به بينهم في سابق الزمان.
وأقلّ الواجب منه
الإتيان بما يسمّى به مسحاً ولو بجزء من إصبع، ممّراً له على الممسوح ليتحقق اسمه، لا بمجرّد وضعه، على الأصح الأشهر، بل عن
التبيان ومجمع البيان وروض الجنان للشيخ
أبي الفتوح الرازي وأحكام القرآن للراوندي وعن
ابن زهرة العلوي: الإجماع عليه
.
للأصل، والإطلاقات، وخصوص الصحاح، منها: «إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف
الأصابع فقد أجزأك»
.
وقيل: إنّ الأقل مقدار إصبع، كما في
المقنعة والتهذيب، وعن
الخلاف وجمل
السيّد والغنية و
المراسم وأبي الصلاح والمهذّب والراوندي في موضع آخر من الكتاب المزبور
.
للخبرين، أحدهما
المرسل: في الرجل يتوضأ وعليه
العمامة، قال: «يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدّم رأسه»
.
وثانيهما القاصر سنداً والمعيب متناً: عن الرجل يمسح رأسه من خلفه وعليه عمامة بإصبعه، أيجزيه ذلك؟ فقال: «نعم»
.
وهما ـ مع ما هما عليه ـ غير واضحي الدلالة والمقاومة لما قدّمناه من الأدلة، فيحملان على كون الإدخال لتحصيل المسمّى أو
الاستحباب.
وقد حمل على الأول كلام الجماعة، لكن عبارة التهذيب تأباه، فإنّها صريحة في المنع عن الأقل من الإصبع الواحدة، مستنداً إلى أنّ
السنّة منعت منه.
وربما عكس الأمر فاُوّل كلام من تقدم بإرادتهم من المسمّى خصوص الإصبع. وهو مع بعده لا وجه له، سيّما مع تصريح بعضهم بالاكتفاء بالأقل، ولا ريب أنه أحوط.
وقيل: أقلّه أي المسح أن يمسح مقدار ثلاث أصابع مضمومة مطلقاً، كما عن
الشيخ في بعض كتبه
، والسيّد في خلافه
لظاهر الصحيح: «
المرأة تجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه قدر ثلاث أصابع، ولا تلقي عنها خمارها»
.
وهو؛ مع قصوره عن المقاومة لما تقدّم، وإشعاره باختصاصه بالمرأة، كما يعزى إلى الإسكافي حيث قال فيها بذلك ولكن في الرجل بالإصبع الواحدة
غير صريح الدلالة، لاحتمال إرادة الإجزاء من القدر
المندوب لا
الواجب، بل ولا يبعد ظهوره بملاحظة ما في خبر آخر: «يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع، وكذلك الرّجل»
فإنّ عدم التفصيل في ذلك بين الرأس والرّجل مع استحبابه في الرّجل إجماعا كما حكي
قرينة واضحة على كون
الإجزاء بالنسبة إلى الرأس كذلك.
هذا والمنقول عن
أبي حنيفة المصير إلى هذا القول
، فيتعيّن الحمل على
التقية، ولا بأس بالحمل على الاستحباب وفاقاً للجماعة.
وربما قيل: حدّه أن يمسح بثلاث أصابع مضمومة كذلك
، ومستنده غير واضح.
وعن
النهاية والدروس: وجوبها اختيارا والاكتفاء بالإصبع الواحدة اضطرارا
. وهو كسابقه في عدم وضوح مستنده ولعلّه للجمع بين خبري الإصبع والثلاث. ولا شاهد له، وثقل نزع العمامة ليس بضرورة. هذا مع عدم التكافؤ بينهما، لما عرفت.
ولو استقبل الشعر في مسحه فنكس فالأشبه الجواز مع
الكراهة وفاقا للمشهور للصحيح: «لا بأس بمسح
الوضوء مقبلا ومدبرا»
مؤيّدا بالأصل والإطلاقات.
خلافاً لجماعة
؛ للاحتياط، والوضوءات البيانية، وغيرهما ممّا تقدم دليلا لعدم جواز النكس في الغسلتين. وهو كذلك لو لا الصحيح المعتضد بالشهرة.
وإنّما يكره تفصياً من الخلاف، واحتياطاً عن الأدلة المزبورة،
والإجماع المنقول في الخلاف
والانتصار. وعدم مقاومته للصحيح مع كونه في حكم الصحيح على الصحيح لتطرق القدح إليه بمخالفته الشهرة الموهنة، المخرجة له عن حيّز
الحجية في نفسه.
ويجوز المسح على الشعر بالشرط المتقدم؛ لإطلاق الأدلة مع كونه أغلب أفراده والبشرة بلا تأمل.
ولا يجزي المسح على حائل كالعمامة وغيرها، إجماعاً منا؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، وأخبار رفع العمامة والقناع ثمَّ المسح كما تقدّم، وخصوص الصحيح: عن المسح على الخفّين وعلى العمامة، قال: «لا تمسح عليهما»
.
والمرفوع: في الذي يخضب رأسه بالحنّاء ثمَّ يبدو له في الوضوء، قال: «لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه الماء»
.
والخبر المروي في كتاب
عليّ بن جعفر عن أخيه (علیهالسّلام): عن المرأة هل يصلح لها أن تمسح على
الخمار؟ قال: «لا يصلح حتى تمسح على رأسها»
.
والمجوّز لمسحه على الحنّاء كالصحيحين
مع شذوذه محتمل للضرورة أو اللون أو
الإنكار أو غير ذلك.
ومن
العامة من جوّزه على العمامة
، ومنهم من جوّزه على الرقيق الذي ينفذ منه الماء إلى الرأس
.
ويخصّ ذلك بحال
الاختيار، فيجوز على الحائل حال
الاضطرار اتفاقاً على ما حكي
لعموم أدلة جواز المسح على الجبائر، كقوله (علیهالسّلام) في
الحسن بعد أن سئل عن الرجل يكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع الوضوء فيعصبها بخرقةٍ ويتوضأ: «إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة»
.
ويؤيّده ما دلّ على جوازه فيها في مسح الرجلين كما سيأتي.
فلا ينتقل حينئذ إلى
التيمم، خلافاً لمن شذّ
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۱۲۹-۱۳۶.