معلومية العمل في الإجارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ومن شروط العمل أن يكون معلوماً
من حيث النوع والمقدار ومورد العمل وسائر الخصوصيات الدخيلة في ماليته وفي الغرض المعاملي منه، كما تقدم ذلك أيضاً في
شروط المنفعة في إجارة الأعيان .
والدليل عليه نفس ما تقدم هناك مما تقتضيه القواعد العامة من بطلان
الترديد أو
الجهالة أو
الغرر في المعاوضات، أو
الروايات الدالّة على لزوم التعيين والتسمية في عقد
الإيجار بالخصوص. وقد تقدمت الإشارة إليه هناك فلا حاجة إلى الإعادة.
كما أنّ طرق المعلومية أو رفع الجهالة وتقدير كمية العمل في إجارة الأعمال بالزمان والمدة أو بالنوع والكيفية أو بالمرة وغير ذلك مما يرفع الجهالة
تختلف بحسب نوع العمل ومورده كما تقدم في المنافع. فقد يكون تعيين العمل بتعيين نوعه وكيفيته كالخياطة الرومية أو الفارسية، وقد يكون بالزمان كالحراسة في الليل، وقد يكون بالمرة والدفعة
كختم القرآن مرة، وقد يكون
التحديد بأكثر من واحد كما إذا آجره ليخيط ثوبه بكيفية خاصة في هذا اليوم بالخصوص، وهكذا.
وقد تقدم حكم الترديد بين نوعين من العمل مع تعيين اجرة كلّ منهما، كما إذا قال: إن خطت ثوبي هذا رومياً فبدرهم، وفارسياً فبدرهمين.
وإذا كان العمل مقدّراً بالزمان أو كان للزمان دخل في ماليته فلا بد من تعيين الزمان، بل وتعيين مبدئه ومنتهاه.
ولو أطلق ولم يعيّن وقتاً فقد يكون الإطلاق مقتضياً
للتعجيل ، كما تقدم في المنافع في إجارة الأعيان (تقدم في الإجارة المضافة).
وتقدّم أيضاً حكم الإيجار على عمل معيّن مع اجرة معلومة وإن كان مجموع العمل غير معلوم كما في إجارة الخيّاط لخياطة طول من القماش كلّ قميص منه بدرهم أو إجارة الأجير لحمل الصبرة كلّ قفيز منها بدرهم، فتكون
الجهالة هنا بحسب مجموع العمل وما يستحقه من الاجرة بهذا العقد وإن لم يكن
غرر في البين.
والميزان في كلّ ذلك واحد، وهو ما تقدم من لزوم رفع الترديد والجهالة المؤثّرة في المالية أو المرغوبية العقلائية، إمّا بالتسمية والتصريح بما يوجب ذلك، أو بالاعتماد على ظهور عرفي أو عادة منضبطة نوعية.
ولو قدّر بالمدة والعمل معاً مثل أن يستأجر الدابة ليوم معيّن ولحمل متاع معيّن أو أن يستأجر الخيّاط لخياطة ثوب معيّن في مدة معينة ففيه صور:
صرّح
العلّامة وغيره بصحة الإيجار فيه
سواء كانت المدة المأخوذة على وجه
التطبيق - بمعنى
الإتيان بكلّ جزء من العمل في جزء من الوقت المعيّن بحيث يشغل العمل تمام الوقت- أو كانت على وجه
الظرفية ؛ بأن كان المقصود تعيين العمل كخياطة الثوب مثلًا. والزمان إنّما ذكر لأجل إتيانه في الوقت المعيّن.
ووجه الصحة واضح؛ لمعلومية المنفعة، وجواز وقوع تمام العمل في المدة المقررة الذي هو غرض المستأجر على نحو التطبيق أو الظرفية، والعلم بامكان ذلك بحسب الفرض، فلا مانع من الصحة بعد فرض معلومية المنفعة ووجود
القدرة على تسليمه، وعدم وجود ما يوجب
الفساد والبطلان ، خصوصاً في صورة الظرفية.
وقد ادعى
المحقق النجفي (وذهب
الحكيم إلى الصحة في صورة الظرفية والتطبيق سواء كان التطبيق ملحوظاً في الإجارة أو شرطاً.)
إمكان تحصيل
الإجماع على الصحة في هذه الفرضية، مضافاً إلى العمومات وموثقة
محمد الحلبي قال: كنت قاعداً إلى قاض وعنده أبو جعفر عليه السلام جالس فجاءه رجلان فقال أحدهما: إنّي تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن فاشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لأنّها سوق أخاف أن يفوتني، فإن احتبست عن ذلك حططت من
الكراء لكلّ يوم احتبسته كذا وكذا وأنّه حبسني عن ذلك اليوم كذا وكذا يوماً، فقال
القاضي :
هذا شرط فاسد وفّهِ كراه، فلمّا قام الرجل أقبل إليّ
أبو جعفر عليه السلام فقال: «شرطه هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه».
ذهب فقهاؤنا
إلى بطلان الإجارة؛ لأنّ المؤجر لا يملك مثل هذا العمل الذي يمتنع وقوعه خارجاً حتى يمكنه
تمليكه للغير.
ولو قيل بملكيته فهو لا يقدر على تسليمه، بل لا وجود للمعوّض خارجاً لكي يقع العقد عليه، وعلى هذه الصورة حمل المحقّق النجفي إطلاق البطلان في صورة التطبيق الذي ورد في كلام
الفقهاء وقال: «لعلّ إطلاق البطلان في
اللمعة وجامع المقاصد والروضة ومحكي
التذكرة وشرح الإرشاد والتنقيح في فرض التطبيق في المثال المفروض مبني على معلومية غلبة عدم حصوله. قيل: وهو معنى ما في
المبسوط والمهذب وفقه القرآن والسرائر من توجيه البطلان في المثال بأنّه ربّما يخيط الثوب قبل مضي النهار فيبقى بعض المدة بلا عمل...».
وقد صرّح
المحقق العراقي بالصحة في هذه الصورة إذا كان بنحو الاشتراط وتعدد المطلوب لا التقييد ووحدة المطلوب،
لكن استشكل فيه
السيد الحكيم فذهب إلى البطلان في صورة الشرطية لو كان بنحو التطبيق لا الظرفية، وعلم بعدم القدرة على التطبيق حين العقد.
صرّح غير واحد من الفقهاء
كالعلّامة والشهيد الثاني بالصحة فيه في صورة وقوع الإجارة على وجه الظرفية.
حتى قال المحقّق النجفي: «إنّ المسلّم خروجه من عموم الأدلّة معلوم العجز، ولعلّه الأقوى خصوصاً فيما كان كالغرض من قبيل الشرط».
وحينئذٍ إن فرغ من العمل قبل المدة لم يكن له إلزامه بالعمل في باقيها، وملك الاجرة لحصول الغرض وإتيان متعلّق الإجارة، وإن انقضى الزمان قبل إتمام العمل فللمستأجر الفسخ.
أمّا إذا وقعت الإجارة على نحو التطبيق فقد ذهب جمع من الفقهاء كالعلّامة والشهيدين وغيرهم
إلى البطلان نظراً إلى تعذّر حصول مثل هذا العمل غالباً، وغررية مثل هذه الإجارة، وعلى هذه الصورة يحمل كلام
الشيخ والقاضي وجميع ممن تأخّر عنهما
أيضاً، باعتبار ظهور التعليل الذي ورد في كلامهم.
قال ابن البراج: «لأنّه ربّما يخيطه قبل مضي النهار، فيبقى بعض المدة بلا عمل. وربما لا يفرغ منه في يوم ويحتاج إلى مدة اخرى ويحصل العمل بغير المدة».
واستدل
السيد الخوئي للبطلان بعدم إمكان التمليك المطلق لما لا يعلم أنّه يملكه أوّلًا، فعلى تقدير عدم القدرة على العمل في تلك المدة لم يقع شيء بإزاء الاجرة، فيكون تملكها أكلًا للمال بالباطل،
فلا يكون التمليك المطلق مورداً لإمضاء الشارع، والتمليك في صورة وقوعه في الخارج لم ينشأ ضمن العقد حتى يتعلّق به الإمضاء.
وفي قبال ذلك صرّح بعض
بالصحة مع مراعاة
التسليم والإمكان الخارجي.
فعلى تقدير السعة واقعاً تصح الإجارة، وإلّا فلا. وهو ظاهر
الجواهر أيضاً.
وصرّح
المحقق الاصفهاني بالصحة أيضاً فيما إذا لوحظ التطبيق بنحو الالتزام والشرط ضمن الإجارة؛ إذ غايته بطلان الشرط بناءً على فساد الشرط الغرري.
وأمّا بطلان الإجارة بذلك فمبني على سراية الغرر من الشرط إلى المشروط.
وقد صرّح أيضاً أنّ غررية
البيع والإجارة بما هما بيع وإجارة لا يكون إلّا بملاحظة الخطر في أحد العوضين المتقوّم بهما المعاوضة، ومع عدم تقيّد أحد العوضين لا خطر فيهما فلا معنى للسراية، فيختص البطلان بما إذا لوحظ التطبيق قيداً لموضوع الإجارة.
كما صرّح السيد الخوئي
بصحة ما آجره معلّقاً على التمكن وسعة المدة بعد أن ذهب إلى البطلان في صورة
إنشاء الإجارة على سبيل الإطلاق؛ لأنّه من
التعليق على ما يكون العقد معلّقاً عليه في نفسه. وقد تقدم أنّه لا يقدح بصحة العقد.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۱۰۳-۱۰۷.