منفعة العين في الإجارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
منفعة العين المعقود عليها في
إجارة الأعيان قد تكون منفعة عين خارجية، وقد تكون منفعة عين
كلّية في الذمة .
والأوّل أيضاً على أقسام، فقد تكون المنفعة منفعة عين خارجية معيّنة، وقد تكون منفعة إحدى الأعيان الخارجية بنحو
الكلّي في المعيّن ، وقد تكون منفعة عين مشاعة كما سيأتي في أقسام المنفعة.
وقع البحث بين المحققين في تصوير حقيقة المنفعة في إجارة الأعيان، فسكنى الدار مثلًا حيثية قائمة بالمستأجر (المنتفع) فكيف يمكن أن يملكها المؤجر له؟ ولعلّه من هنا ذهب بعضهم إلى تعريف الإجارة بأنّها تسليط للمستأجر على العين من أجل
الانتفاع .
واجيب عليه: بأنّ المنفعة ليست حيثية الساكنية بل المسكونية أي القابلية القائمة في العين للانتفاع به، فيمكن تمليكها للغير بعوض كما صرّح بذلك
المحقق الاصفهاني والسيد الخوئي ،
ولعلّه يستظهر أيضاً من عبارة
التذكرة حيث قال في إجارة الثوب: «إنّ المعقود عليه نفس اللبس المتوسط بين صلاحية لأن يلبس، وبين
الفائدة الحاصلة لدفع الحرّ والبرد».
يشترط في منفعة العين المستأجرة شروط، بعضها عامّة لكافّة عقود
المعاوضة ، وبعضها يختص بالإجارة:
يشترط وجود المنفعة في ظرف
الاستيفاء ولو تدريجياً،
وبذلك يندفع
ما قد يتوهّم من أنّ المنفعة معدومة حال الإجارة، فلا يمكن تمليك المعدوم، وقد تقدم في حقيقة الإجارة.
وهذا الشرط مقوّم لحقيقة الإجارة بحيث من دونها لا تتحقق الإجارة
بالحمل الشائع خارجاً.
يشترط في المنفعة أن تكون
مالًا عند العقلاء
كما يشترط ذلك في كافة المعاوضات؛
لئلا يكون ما بازائه أكلًا للمال بالباطل أو تكون المعاملة
سفهية أو لغير ذلك من الوجوه.
والمالية تتفرع عن كلّ ما يرغب فيه العقلاء ويستعدون لبذل مرغوب آخر في قباله
ولو كانت
الرغبة نادرة أو في حالة مخصوصة أو لصنف خاص، وسواء كانت لحاجة دنيوية أو دينية، نفسية أو غيرية، يرجع نفعه للراغب نفسه أو لغيره،
فبكلّ ذلك يمكن تحقق المالية.
فتصح إجارة التفاح للشم عند الحاجة إليه، وإجارة الدراهم والدنانير للتزيين لتعلق غرض عقلائي بها بحيث تصير مالًا عند العرف
ولو كانت المنفعة نادرة، ولكن يستظهر من
القواعد الإشكال في المنافع غير المقصودة.
يشترط في المنفعة أن تكون مملوكة وما في حكمها، إمّا تبعاً لملكية العين، وإمّا
استقلالًا ، بلا خلاف» كما في كافة
العقود وسائر الالتزامات المالية.
والظاهر أنّ مقصودهم من اشتراط الملكية زائداً على اشتراط المالية اشتراط أن يكون ذلك المال من حق المؤجر واختصاصه، إمّا بنحو الملكية الوضعية أو بنحو الحقّية الوضعية- كما في
حق الاختصاص بالأرض المحياة أو المحجرة- أو بنحو الحقّية والملكية الذاتية- كما في ملك الإنسان لعمل نفسه
ولذمّته .
والمقصود أنّه لا بد من اختصاص المنفعة بشخص لكي يمكنه تمليكها للغير بعقد الإجارة أو أي عقد آخر، وإلّا لم يعقل المعاوضة
والمبادلة في جهة الملكية أو الاختصاص،
وهذا واضح.
وبناءً عليه يظهر وجه صحة إيجار المنابع والمنافع العامّة الراجعة إلى عموم الناس أو الامّة أو
الإمام من قبل
الحاكم الإسلامي المتولّي عليها.
والشروط الثلاثة المتقدمة لا تختص بالإجارة بل هي شروط في كافة عقود المعاوضية.
يشترط أن تكون منفعة العين بنحو لا يلزم من استيفائها
استهلاك العين، وهذا لا خلاف فيه بل عليه
الإجماع ،
حتى نسبه في الخلاف إلى عامّة الفقهاء.
ووجهه واضح حيث إنّ حقيقة الإجارة متقوّمة
ببقاء العين، فلا تصح إجارة الخبز للأكل، ولا الحطب للإحراق، ولا الدرهم للصرف،
وهكذا.
وقد عبّر بعض
الفقهاء (لا يخفى أنّ هذا صرف تشبيه، ولا يصح جعله بعنوان الضابطة، ولذا صرّح الفقهاء بجواز عارية بعض الأشياء
كالشاة للحلب، بينما لا تجوز إجارتها على ما هو المشهور.
) عن هذا الشرط بتشبيه الإجارة بالعارية، وأنّ كلّ ما صحت
إعارته من حيث كونه عيناً ينتفع به مع بقائها صحت إجارته، ولذلك لا تصح إجارة الخبز كما لا تصح إعارته، وكذا في الحطب والشمع للإحراق.
ومن الشروط إمكان استيفاء المنفعة المقصودة بالإجارة،
فلا تصح إجارة الأرض للزراعة إذا لم يمكن إيصال الماء إليها؛ لعدم إمكان منفعة الزراعة حينئذٍ.
ومرجع هذا الشرط إلى الشرط الأوّل من وجود
المعوّض خارجاً، فانّه وإن كان متعلّق العقد في مرحلة
الإنشاء والتراضي الوجود الذهني لا الخارجي إلّا أنّه ملحوظ بما هو طريق إلى الوجود الخارجي، فإذا انكشف عدم وجوده في الخارج انكشف
بطلان العقد؛ لأنّه مع عدمه يكون أخذ الاجرة أكلًا للمال بالباطل، ولا تصح معه المعاوضة المأخوذة في حاق الإجارة،
فيكون هذا من مقوّمات عقد الإجارة، إلّا أنّ بعض الفقهاء أرجعه إلى انتفاء المملوكية أو
التمليك المعتبر، فلا يجوز إجارة الحيوان لما لم يخلق له؛ لأنّه لا تتعلّق الملكية بمنفعة غير قابلة للتحقق خارجاً حتى تقع مورداً للتمليك المعتبر في الإجارة.
وعلى فرض إمكان استيفائه من العين هل يشترط زائداً على ذلك إمكان استيفاء المستأجر نفسه من العين المستأجرة أم لا يشترط ذلك كما إذا استأجر دابة للسفر فمرض المستأجر فلا يقدر على السفر بها؟
ذهب جمع من الفقهاء
إلى البطلان إذا اشترط المباشرة على جهة القيدية أي سفره بنفسه لتعذّر تلك المنفعة خارجاً، والصحة إذا كانت الإجارة مطلقة أو كانت المباشرة على جهة الشرطية. وتفصيل الكلام سيأتي في بحث
انفساخ الإجارة.
•
إباحة المنفعة، يشترط
إباحة المنفعة في
الإجارة ، فلا تصح إجارة المساكن لإحراز المحرمات أو الدابة والسيارة لتحمل عليها
الخمر أو الجارية
للغناء بلا خلاف فيه،
بل في الخلاف وغيره أنّ عليه
إجماع الفرقة وأخبارهم.
واستدلّوا عليه بوجوه.
•
القدرة على التسليم، ومما يشترط في
المنفعة أن تكون مقدورة
التسليم والتسلّم للمتعاقدين،
فلا تصح
إجارة ما لا يقدر المؤجر على تسليمه، أو لا يقدر المستأجر على تسلّمه؛ لأنّ القدرة على ذلك شرط في صحة
المعاوضات بل ركن فيها، حيث إنّه مع عدمه ينتفي الغرض النوعي من المعاوضة؛ إذ ليس الغرض منه مجرد اعتبار
التمليك بعوض من دون تسليط
واستيلاء في الخارج، فإذا لم يكن شيء له بإزاء العوض فكأنّه لا معاوضة عرفاً ولا عقلائياً، بل يرونه أكلًا للمال بالباطل وبلا ازاء.
•
معلومية المنفعة، يشترط في
المنفعة أن تكون معلومة، وادعى غير واحد من
الفقهاء عدم الخلاف في ذلك بل عليه
الإجماع فيجب أن لا تكون مجهولة، وجوداً وكمية وصفة مما يكون دخيلًا في
المالية وغرض المتعاملين. فالجهل بها يوجب بطلان
الإجارة .
تنقسم إجارة الأعيان إلى ما يلي:
۱- إجارة العين الخارجية المعيّنة، وهذا مما لا إشكال في جوازه.
۲- إجارة حصة مشاعة من العين الخارجية.
۳- إجارة حصة كلية معيّنة منها.
۴- إجارة ما في
الذمة .
والاشاعة أو الكلية أو الذمية قد تكون في المنفعة بلحاظ موضوع العين كإجارة حصة مشاعة من الأرض أو حصة كلّية معينة منها على النحو
الكلّي في المعيّن أو حصة كلّية منها في الذمة شهراً معيّناً، وهذه الإجارة بالدقة ليست من الإشاعة أو الكلّية في المنفعة، بل في موضوعها وهو العين المستأجرة.
وقد تكون الإشاعة في المنفعة نفسها- بقطع النظر عن العين- كما في استئجار شريكين داراً أو سيارة على أن تكون منفعتها مشاعة بينهما يتقاسمانها من حيث الوقت والمدة أو المكان والمسافة، وكاستئجار كلّي السكنى في دار في الذمة أو في دار خارجية شهراً مردداً بين شهور السنة مثلًا بنحو الكلّي في المعيّن، فإنّ الكلّية والذمية هنا ملحوظان في المنفعة.
نعم، كلّي المنفعة في الذمة يستلزم كلّية موضوع العين المضاف إليها لا محالة.
وجواز كلّ ذلك ثابت على القاعدة إذا توافرت الشرائط المتقدمة لصحة الإجارة فيها كما هو صريح كلام الفقهاء، بل عليه
الإجماع من غير واحد منهم
في إجارة المشاع استناداً إلى عمومات العقود وإطلاقات أدلّة الإجارة»، خصوصاً مع عدم مانعية
الشركة والاشاعة من حيث
التسليم والتعيين .
فيجري فيه سائر أحكام الشركة كتوقّف تصرف الشريك على
إذن شريكه،
وثبوت
الخيار وعدمه مع
جهل المستأجر باشتراك العين بين المؤجر وغيره،
وصحة
القبض وعدمه في صورة التسليم
نسياناً أو
عصياناً .
كما أنّه يجوز إجارة الكلّي في المعيّن أو الكلّي في الذمة كما قال
العلّامة في
التذكرة «واعلم أنّ الدابة المسلّمة عن الإجارة في الذمة وإن لم تكن معيّنة بالعقد ولكنّها متعيّنة في
الاستعمال بتسليم المؤجر إليه، فليس للمستأجر المطالبة بعوضها إذا كانت سليمة من
العيب ، ولا ينفسخ العقد بتلفها...»،
وإن استشكل فيه بعض الفقهاء
-
كالشيخ والمحقق- في إجارة العقار بنحو الكلّي في الذمة؛ للزوم
الغرر واختلافه باختلاف مواردها، فلا بد من تعيينها.
وصحّح جماعة آخرون هذا النحو من العقود لكن مع انضمام الوصف الرافع للجهالة والغرر،
وبه صرّح جمع من الفقهاء المتأخرين أيضاً؛
لأنّ مجرد الكلّية غير قادحة في
بيع الأرض أو إجارتها بعد وضوح الخصوصيات الرافعة للجهالة، وهذا يرجع في الحقيقة إلى اشتراط معلومية المنفعة وكيفيتها، ويجري ذلك في غير الأرض أيضاً، كما يجري فيه سائر الأحكام المذكورة في بيع الكلّي في الذمة من تعيين المالك للحصة وحكم
الإبدال أو
الفسخ في صورة العيب وغير ذلك.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۷۴-۹۹.