معونة الظالم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(ومعونة الظالم) بالكتاب، والسنّة المستفيضة، بل المتواترة،
والإجماع .
قال سبحانه (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) الآية.
وقال تعالى (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ).
وعنهم : كما في المجمع : أنّ الركون إليهم هو المودّة
والنصيحة والطاعة لهم.
وفي الخبر في تفسيره : «هو الذي يأتي
السلطان فيحبّ بقاءه إلى أن يدخل يده في كيسه فيعطيه».
ويستفاد منه ومن كثير من النصوص حرمة
إعانة الظالمين ولو في المباحات والطاعات، ففي الصحيح : عن أعمالهم، قال : «لا، ولا مدّة بقلم، إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينه».
وأظهر منه الموثق : «لا تُعِنْهم على بناء مسجد».
وقريب منهما القريب من الصحة، وفيه : إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو الشدّة فيدعى إلى البناء يبنيه، أو النهر يكريه، أو المسنّاة-المسنّاة : السدّ مجمع البحرين،
يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال عليه السلام : «ما أُحبّ أنّي عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاءً وإنّ لي ما بين لابتيها، لا ولا مدّة بقلم، إنّ أعوان الظلمة
يوم القيامة في سرادق من النار حتّى يحكم الله تعالى بين العباد».
ونحوها أخبار أُخر هي كالأوّلة مؤيّدة
بإطلاق كثير من النصوص المانعة عن إعانتهم.
فالأحوط تركها مطلقاً إلاّ لتقيّة أو ضرورة، وإن كان ظاهر الأصحاب بغير خلاف يعرف
اختصاص التحريم بالإعانة في المحرّم، ولعلّه لقصور الأخبار المطلقة سنداً والظاهرة دلالة، لاحتمال المباحات والطاعات فيها ما عرضها التحريم بغصب ونحوه، كما هو الأغلب في أحوالهم.
وهو وإن نافاه النهي عن حبّ البقاء المجامع للإعانة على المباحات والطاعات، إلاّ أنّ المشتمل عليه قاصر السند، فلا يخرج بمثله عن
الأصل المقطوع به، المعتضد بعمل الأصحاب كافّة من غير خلاف يعرف بينهم، فلا بدّ من حمله على الكراهة، كما يشعر بها الرواية الأخيرة المعبِّرة عن المنع بلفظه «ما أُحبّ» الظاهرة فيها البتّة، وإن اقتضى التعليل المذيّلة به الحرمة، لاحتمال أن يكون المراد من ذكره بيان خوف
الاندراج في أفراد مصداقه، ولكن
الإنصاف أن الجواز لا يخلو عن شيء -في «ت» زيادة : لولا
اتفاق الأصحاب.
ويدخل في إعانتهم المحرّمة
اختيار التولية عنهم بلا خلاف؛ للمستفيضة، منها : «لأن أسقطَ من حالق -
الحالق : الجبل المرتفع.
فأتقطّع قطعة أحبّ إليّ من أن أتولّى لأحد منهم عملاً، أو أطأ بساط رجل منهم، إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن، أو فكّ أسره، أو قضاء دينه، إنّ أهون ما يصنع الله تعالى بمن تولّى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ الله تعالى من حساب الخلائق، فإن ولّيت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة»
الحديث.
ولا خلاف فيما تضمّنه من
الاستثناء وشرطه فتوًى ونصّاً، وهو مستفيض، وإن اختلف في
الإباحة والرجحان
والإثابة ، فبين ما دلّ على الأوّل، وهو هذا الخبر، ونحوه المروي مرسلاً في الفقيه : «كفّارة خدمة السلطان قضاء حوائج الإخوان».
والخبران، في أحدهما : «إن كنت تعلم أنّك إن ولّيت عملت في عملك بما أمر به
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم تصيّر أعوانك وكتّابك أهل ملّتك فإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين حتّى تكون واحداً منهم كان ذا بذا، وإلاّ فلا».
وفي الثاني : «ما من جبّار إلاّ ومعه مؤمن يدفع الله به عن المؤمنين، وهو أقلّهم حظّا في الآخرة، يعني أقلّ المؤمنين حظّا، لصحبة الجبّار».
وما دلّ على الثاني، وهو مستفيض، أجودها دلالةً المروي عن الكشي والرواية ليست موجودة في رجال الكشي بل توجد في رجال النجاشي
في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن مولانا
الرضا عليه السلام : «إنّ لله تعالى بأبواب الظلمة من نوّر الله تعالى به البرهان، ومكّن له في البلاد، ليدفع عن أوليائه، ويصلح الله تعالى به أُمور المسلمين، لأنّهم صلحاء المؤمنين» إلى أن قال : «أُولئك المؤمنون حقّا، أُولئك أُمناء الله تعالى في أرضه، أُولئك نور الله تعالى في رعيّتهم يوم القيامة، ويزهر نورهم لأهل السماوات كما تزهر الكواكب الزهرية لأهل الأرض، أُولئك من نورهم نور يوم القيامة يضيء منهم القيامة، خُلِقوا والله للجنة وخُلِقَت الجنة لهم، فهنيئاً لهم، ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كلّه» قال : قلت : بماذا جعلني الله فداك؟ قال : «يكون معهم فيسرّنا
بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا، فكن منهم يا محمّد». ولقد جمع بينهما بعض الأصحاب بحمل الأوّلة على الداخل معهم لحبّ الدنيا والرياسة، مازجاً ذلك بفعل الطاعات وقضاء حوائج المؤمنين وفعل الخيرات، والثانية على الداخل لا لذلك، بل لمجرّد ما ذكر من الطاعات.
وهو جمع حسن، وإن أبى عنه بعض ما مرّ من الروايات.
ثم لو قلنا باختصاص تحريم الإعانة بالأُمور المحرّمة فلا ريب في
انسحاب الحكم في معونة مطلق العصاة الظلمة، حتّى الظالم لنفسه بعصيانه مع حرمانه عن الرئاسة وخذلانه.وإن قلنا بالعموم ولو في نحو المباحات فالظاهر من النصوص سياقاً اختصاص الحكم بمعونة الظلمة من أهل السنّة، فلا يحرم إعانة سلاطين
الشيعة في الأُمور المباحة، ويجوز حبّ بقائهم،
لإيمانهم ، ودفع شرور أعدائهم، إلاّ أنّ عبارات الأصحاب مطلقة، ولعلّه لتخصيص التحريم فيها بالإعانة في الأُمور المحرّمة، وذلك ممّا لا يدانيه شبهة.
نعم، النهي عن الركون إلى الظلمة في الآية مع ما في تفسيرها بما تقدّم في الرواية مطلق،
فالاحتياط الترك على الإطلاق، وإن أمكن المناقشة في دليله بعدم
تبادر مثله من
الآية ، وضعف الرواية المفسِّرة.
رياض المسائل، ج۸، ص۱۷۶-۱۸۰.