ميقات أهل المدينة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ميقات أهل المدينة
مسجد الشجرة وعند الضرورة الجُحفة.
(ولأهل المدينة
مسجد الشجرة ) كما هنا وفي الشرائع و
الإرشاد والقواعد والمقنعة والناصرية،
وعن
جمل العلم والعمل والكافي والإشارة،
وفيها أنه ذو الحليفة. وفي الغنية والسرائر و
المنتهى والتحرير،
وعن المعتبر والمهذّب وكتب الشيخ والصدوق والقاضي والديلمي والتذكرة
: أن ميقاتهم
ذو الحليفة ، وأنه مسجد الشجرة، كما في بعض الصحاح المتقدّمة.
ونحوه الآخر المروي عن
قرب الإسناد ، وفيه : «وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهي الشجرة».
والخبر المروى عنه أيضا ولأهل المدينة ومن يليها الشجرة
ويعضدها
المرسل المروي عن العلل : قلت
لأبي عبد الله : لأي علة أحرم
رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم من مسجد الشجرة ولم يحرم من موضع دونه؟ فقال : «لأنه لما اسري به إلى السماء وصار بحذاء الشجرة نودي : يا محمّد، قال صلي الله عليه و آله وسلم : لبيك، قال : ألم أجدك يتيماً فآويتك، ووجدتك ضالاًّ فهديتك، فقال
النبي صلي الله عليه و آله وسلم : إن الحمد والنعمة لك لا شريك لك، فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلّها».
وفي اللمعة وعن
الوسيلة أن الميقات ذو الحليفة، ولم يزيدا عليه شيئاً، كما في الصحاح المستفيضة.
ومقتضى الجمع بينها وبين السابقة تعيّن
الإحرام من المسجد. خلافاً للشهيدين والمحقّق الثاني
فجعلوه أفضل وأحوط، وصرّح الأخير بأن جواز الإحرام من الموضع كلّه مما لا يكاد يدفع. وفيه بعد ما عرفت من توافق الأخبار على خلافه نظر، سيّما مع
اعتضاده بعمل الأكثر، بل في ظاهر الناصرية و
الغنية بعد التعبير بما مرّ
الإجماع ، فتأمل.
وبالصحيح مضافاً إلى ما مرّ ـ : «من أقام بالمدينة شهراً وهو يريد الحج ثم بدا له أن يخرج في غير طريق
أهل مدينة الذي يأخذونه، فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من
البيداء ».
وأما الصحيح : «وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة كان يصلي فيه ويفرض الحج، فإذا خرج من المسجد وسار واستوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحر»
فليس فيه دلالة على جواز الإحرام من خارج المسجد، كما ربما يفهم من
الذخيرة ،
إلاّ على تقدير أن يراد من الإحرام فيه معناه الحقيقي، وليس قطعاً، لمنافاته لصدره ، بل المراد به إمّا
التلبية نفسها كما قيل،
أو
الإجهار بها كما عن المتأخرين.
وحيث قد تعيّن الإحرام من المسجد فلو كان المحرم جنباً أو حائضاً أحرما به مجتازين؛ لحرمة اللبث. وإن تعذّر فهل يحرمان من خارجه، كما صرّح به جماعة،
من غير مخالف لهم أجده، أم يؤخرانه إلى الجحفة؟ إشكال، من وجوب قطع المسافة من المسجد إلى مكة محرماً، ومن كون العذر ضرورة مبيحة للتأخير إلى
الجحفة . والأحوط الإحرام منهما وإن كان ما ذكره الجماعة لا يخلو عن قوة؛ لمنع عموم الضرورة في الفتوى والرواية لمثل هذا، سيّما مع التصريح في جملة منها في بيانها بمثل المرض والمشقة الحاصلة من نحو
البرد والحرّ. هذا ميقاتهم اختياراً.
(وعند الضرورة) المفسَّر بما عرفته (الجُحفة) بجيم مضمومة فحاء مهملة ففاء، على سبع مراحل من
المدينة وثلاث من مكة، كما عن بعض أهل اللغة،
وعنه : أن بينها وبين البحر نحو ستة أميال، وعن غيره ميلان، قيل : ولا تناقض، لاختلاف البحر باختلاف الأزمنة.
وفي القاموس : كانت قرية جامعة على اثنين وثلاثين ميلاً من مكة.
وفي
المصباح المنير : منزل بين مكة والمدينة قريب من رابع بين بدر وخُلَيص.
و
الأصل في الحكم بعد عدم خلاف فيه أجده وبه صرّح في الذخيرة،
بل الإجماع كما في المدارك
المعتبرة المستفيضة.
وليس في شيء منها التقييد بحال الضرورة، كما فعله الأصحاب بغير خلاف ظاهر ولا محكي، إلاّ من ظاهر الوسيلة والجعفي
فأطلقاها، كما هو ظاهر الصحاح منها. نعم، ربما أشعر به الحسن : «وقد رخّص رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يحرم من الجحفة».
وقريب منه الموثق.
لكن في تقييد الصحاح بهما إشكال؛ لعدم الصراحة التي هي مناط التخصيص والتقييد.
إلاّ أن يقال : دلالة الصحاح على العموم ليت بذلك الوضوح أيضاً، فيشكل الخروج به عن الأدلة الدالة على تأقيت ذي الحليفة من الفتوى والرواية والإجماعات المنقولة، الظاهرة في عدم جواز العدول عنها مطلقاً ولو مع الضرورة، لكنها خرجت اتفاقاً، فتوًى وروايةً، وبقي حال
الاختيار تحتها مندرجة. فإذاً الأحوط مراعاة الضرورة، سيّما مع
اشتهارها بين الأصحاب شهرة عظيمة.
وهل التقييد بالضرورة مطلق، فلا يجوز سلوك طريق لا يؤديه إلى ذي الحليفة اختياراً، كما احتمله بعض؛
لإطلاق الأخبار بكونه ميقاتاً، مع النهي عن الرغبة عن مواقيته عليه السلام. أو مقيّد بما إذا مرّ به، كما في الدروس والمدارك وغيرهما
؟ وجهان. ولعلّ الثاني أقوى؛ للأصل، وعموم جواز الإحرام من أيّ ميقات يتّفق المرور عليه ولو لغير أهله، مع
اختصاص الإطلاق المتقدم بحكم التبادر وغيره بصورة القيد.
ثم على التقييد السابق لا ريب في حصول
الإثم بالتأخير اختياراً. وهل يصحّ الإحرام حينئذ؟ وجهان، قطع بأوّلهما في المدارك تبعاً للدروس،
وتأمل فيه بعض.
ولا يخلو عن وجه.
رياض المسائل، ج۶، ص۱۶۰- ۱۶۳.