وجوب غسل الثوب والبدن من البول
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(يغسل الثوب والبدن من البول مرّتين) على الأظهر الأشهر، بل عن ظاهر المعتبر
الإجماع عليه،
وهو الحجّة كالصحاح المستفيضة وغيرها، منها الصحيحان : عن الثوب يصيبه البول، قال : «اغسله مرّتين».
ونحوهما الصحيح بزيادة : «فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة».
خلافا للمنتهى والبيان فمرّة مطلقا،
لإطلاق
الأمر . ويقيّد بما مرّ.
ولشاذ، فخص التعدد بالثوب خاصة،
عملا فيما عداه
بالأصل وإطلاق الأمر السالمين عن معارضة النصوص المتقدمة،
لاختصاصها بالثوب خاصة.والإجماع المحكي حجة عليه، والأصل معارض
باستصحاب النجاسة، ومع ذلك هو كالإطلاق مقيد بالإجماع الذي مرّ ونصوص أخرى هي ما بين صحيح وحسن وقاصر قصوره بالشهرة منجبر، ففي الصحيح : عن
البول يصيب الجسد، قال : «صبّ عليه الماء مرتين».
ونحوه الحسن بزيادة : «وإنما هو ماء».
ونحوه بعينه المروي في مستطرفات السرائر، عن جامع أحمد بن محمّد ابن أبي نصر ولكنه مروي في المستطرفات عن نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر لا عن جامعه.
وربما يعدّ مثله صحيحا، لنقله عن الكتاب المشهور بلا واسطة، وهو معتبر.
ثمَّ إن إطلاق العبارة والنصوص المتقدمة وظاهر جماعة
عموم التعدد لصور الغسل بالقليل، أم الكثير الراكد، أو الجاري.خلافا لجماعة، فاكتفوا بالمرة فيما عدا الأوّل مطلقا، كما عن العلّامة في
التذكرة والنهاية والشهيدين وغيرهم،
أو الجاري خاصة كما عن الجامع.
وربما علّل الإطلاق
بالاقتصار فيما خالف الأصل وإطلاق الأوامر على القدر المتيقن من النصوص المتقدمة، وليس إلّا القليل خاصة، للغلبة، ولما فيما عداه من الندرة زمن صدور تلك المعتبرة.والأصل معارض بمثله بل وأقوى، والإطلاق مجاب بما أجيب به عن النصوص.
فإذا : القول الأخير أقوى،
استنادا في لزوم التعدد فيما عدا الجاري باستصحاب النجاسة، لا إطلاق النصوص الآمرة بالإزالة ليرد عليها المناقشة المزبورة. وفي
الاكتفاء بالمرة فيه بالصحيح الثالث، لقوله : «فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة».والرضوي : «فإن أصاب بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة، ومن ماء راكد مرتين، ثمَّ أعصره».
وفيهما مفهوما في الأول ومنطوقا في الثاني بحسب العموم ردّ للقول بنفي التعدد فيما عدا القليل على
الإطلاق ، إلّا أن يجابا بالورود مورد الغلبة.
واعلم أن ظاهر العبارة وصريح جماعة
اختصاص التعدد بالبول خاصة والاكتفاء فيما عداه بالمرة الواحدة، تمسّكا بالأصل وإطلاق النصوص.خلافا لآخرين، وهم ما بين مطلق للتعدد فيه،
ومقيّد له بما له قوام وثخانة،
للأولوية، وهي ممنوعة، وللصحيحة : ذكر المني فشدّده وجعله أشد من البول.
والدلالة غير واضحة، فيحتمل
إرادة الأشدية في النجاسة ردّا لما ذهب إليه بعض العامة من القول بالطهارة،
لا الأشدية في كيفية
الإزالة ، مع أنها تستلزم الزيادة على المرتين ولو بواحدة. فإذا : الأقوى هو القول بالمرة وإن كان الأحوط مراعاة التعدد مطلقا البتة.
ثمَّ إن الأقوى ـ وفاقا لأكثر أصحابنا-في «ح» : الأصحاب-، بل ربما نفي الخلاف عنه
ـ لزوم العصر في الغسل، وقد حقّقناه في بعض تحقيقاتنا يطول الكلام بذكره هنا (إلّا من بول الصبي) الذي لم يأكل أكلا مستندا إلى شهوته وإرادته كما في
المعتبر والمنتهى
(فإنه يكفي صب الماء عليه) من غير عصر، بلا خلاف في الظاهر، مضافا إلى حكاية الإجماع عليه عن ظاهر المعتبر والخلاف،
للحسن بل الصحيح : عن بول
الصبي ، قال : «صبّ عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله غسلا، والغلام والجارية شرع سواء».
ونحوه الرضوي مبدلا فيه الصبي بالرضيع.
وأمّا الموثق الآمر بالغسل
فإطلاق الصبي فيه محمول على ما فصّله الخبران. ونحوه الجواب عن الحسن القريب منه،
مع احتماله لمحامل أخر.ثمَّ ظاهر الأولين ـ كالمحكي عن ظاهر الصدوقين
ـ مساواة الجارية للغلام في البين.خلافا للأكثر، فنفوا المساواة وخصوا الحكم بالذكر. وهو الأظهر، للأصل، والإطلاقات، واحتمال رجوع الحكم بالتسوية في الخبرين وعبارة القائلين إلى صورة لزوم الغسل لا صورة الاكتفاء بالصب.مضافا إلى صريح الخبر : «لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم، لأن لبنها يخرج من مثانة أمّها. ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم، لأن لبن الغلام يخرج من العضدين».
وضعف السند وكذا
الاشتمال على ما لا يقول به أحد مجبور بالشهرة، مؤيد بروايات أخر حكاها بعض الأجلة
عن غير الكتب المشهورة، فأحدها العامي
النبوي : «بول الغلام ينضح، وبول الجارية يغسل».
وقريب منه الآخر وفيه : كان
الحسن بن علي عليه السلام في حجر
رسول الله صلى الله وعليه وآله فبال عليه، فقلت : أعطني إزارك لأغسله، فقال : «إنما يغسل من بول الأنثى»
في «ح» زيادة : والمرتضوي..
ثمَّ المفهوم من الصب يشمل ما ينفصل معه الماء وغيره، والمستوعب وغيره، فيشمل الرشّ، إلّا أن المتبادر المنساق إلى الفهم المستوعب.وعن الأصحاب
القطع بعدم اعتبار
الانفصال ،
لمقابلة الصب في النصوص بالغسل الدالة على ذلك على كلّ من القول بتضمن الغسل العصر والقول بعدم تضمنه له وأن غايته وحدّه الانفصال كما عن الخلاف ونهاية الإحكام،
فالمقابلة صريحة في نفي الانفصال على الثاني، وظاهرة فيه على الأوّل. وربما يحتمل عليه وجوب الانفصال بناء على نجاسة الغسالة، والمقابلة غايتها على هذا القول الدلالة على عدم لزوم العصر، وهو أعم من عدم لزوم الانفصال، فقد يراد بغير العصر من وجوه الانفصال.وكيف كان : فلا ريب أن الانفصال أحوط وإن كان في تعيّنه نظر، لإطلاق الأمر بالصب، ولتصريح النبوي المتقدم بكفاية النضح والرشّ الذي قد لا يتحقق معه الانفصال، والسند وإن ضعف إلّا أنه كما مرّ بالشهرة بل وظاهر حكاية الإجماع المتقدمة منجبر.
(ويكفي إزالة عين النجاسة وإن بقي اللون) والرائحة على الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل عن المعتبر عليه إجماع العلماء كافة،
وهو الحجّة فيه كالنصوص المستفيضة، منها الحسن : قلت له :
للاستنجاء حدّ؟ قال : «لا، حتى ينقى ما ثمّة» قلت : فإنه ينقى ما ثمّة ويبقى الريح، قال : «الريح لا ينظر إليها».
وقصوره عن إفادة تمام المدّعى بالإجماع المركب بل البسيط مجبور.وبه يجبر قصور باقي النصوص سندا ودلالة من حيث القصور عن
إفادة تمام المطلوب، فعنه عليه السلام في الدم : «لا يضرك أثره».
وعن مولانا
الرضا عليه السلام : عن الرجل يطأ في الحمّام وفي رجله الشقاق، فيطأ البول والنورة فيدخل الشقاق أثر أسود ممّا وطئ من القذر وقد غسله، كيف يصنع به وبرجله الذي وطئ بها، أيجزيه الغسل أم يخلّل أظفاره بأظفاره؟ ويستنجي فيجد الريح من أظفاره ولا يرى شيئا، فقال عليه السلام: «لا شيء عليه من الريح والشقاق بعد غسله».
وفي الخبرين في دم الحيض الذي لم يذهب أثره : «اصبغيه بمشق» المشق والمشق : المغرة وهو صبغ أحمر..
والأمر
للاستحباب عند كافة الأصحاب لا لإزالة الأثر، كيف لا وهي بالصبغ غير حاصلة قطعاً.
هذا، مع أن
الأصل يساعد النصوص، وهو البراءة عن إزالة نحو اللون والرائحة. ولا يعارضه المعتبرة بإزالة
الأعيان النجسة ، لعدم صدقها على نحو الأمرين في العرف والعادة وإن قلنا ببقاء الأجزاء الجوهرية.
وبالجملة : لا ريب في المسألة. وفتوى العلّامة في
النهاية بلزوم إزالة الطعم لأنّها سهلة،
ضعيفة. كفتواه في المنتهى بوجوب إزالة اللون مع
الإمكان .
وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بين صورتي
العسر في الإزالة وعدمه. وربما قيّد بالأولى. وهو أحوط.والمرجع في العسر والمشقة إلى العادة، فلو كان بحيث يزول بمبالغة كثيرة لم يجب.وهل يتعيّن له نحو الأشنان والصابون، أم يتحقق المشقة بمجرّد الغسل بالماء ولو مرّة إذا لم يزل به الآثار المتقدم إليها
الإشارة ؟ كلّ محتمل، والأصل يقتضي الثاني،
والاحتياط الأوّل.
رياض المسائل، ج۲، ص۱۰۸-۱۱۴.