أحكام اللقطة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
في الأحكام المتعلقة بالمقام وهي ثلاثة: الاول: لا يدفع
اللقطة إلّا بالبينة؛ ولا يكفي الوصف، وقيل: يكفي في الأموال الباطنة كالذهب والفضة، وهو حسن؛ الثاني: لا بأس بجعل
الآبق فان عينه لزم بالرد، وان لم يعينه ففي رد العبد من المصر: دينار، ومن خارج البلد: أربعة دنانير، على
رواية ضعيفة يؤيدها
الشهرة وألحق
الشيخان: البعير، وفيما عداهما
أجرة المثل؛ الثالث: لا يضمن الملتقط في الحول لقطة ولا
لقيطا ولا
ضالة ما لم يفرط.
لا تدفع
اللقطة إلى مدّعيها وجوباً إلاّ بالبيّنة العادلة، أو الشاهد
واليمين، أو العلم بأنّه له ولا يكفي الوصف إجماعاً إذا لم يورث ظنّاً، بل عن
الحلي عدم كفايته مطلقاً؛ لاشتغال الذمّة بحفظها وإيصالها إلى مالكها، ولم يثبت كون الوصف
حجّة والواصف به مالكاً.
وقيل كما عن
الشيخ: إنّه يكفي في الأموال الباطنة، وهو حسن وغير خالٍ عن القوّة إذا أفاد المظنّة، كما هو الغالب في وصفها، وفاقاً للأكثر، بل عليه عامّة من تأخّر؛ لأنّ مناط أكثر الشرعيّات
الظن، فيلحق المقام به إلحاقاً له بالأعمّ الأغلب؛ ولتعذّر إقامة البيّنة في الأغلب، فلولاه لزم عدم وصولها إلى مالكها كذلك.
وفي كثير من النصوص إرشاد إليه، ففي
الصحيح في ملتقط الطير وواجده: «وإن جاءك طالب لا تتّهمه ردّه عليه»
. ونحوه الخبر الطويل المتضمن لتقرير
مولانا الصادق (علیهالسّلام) ملتقط الدنانير الدافع لها إلى من وصفها من دون بيّنة على ذلك
. وقريب منهما النبوي المقبول
. وظاهره كالصحيح وسابقه وإن كان وجوب الدفع، إلاّ أنّ
الفتاوى مطبقة على التعبير بالجواز، وبه صرّح في المسالك مدّعياً عليه دون الوجوب
إجماع الأصحاب
.
وبه وبسابقه يصرف الأمر في الخبرين عن ظاهره، مع قوّة احتمال عدم دلالته فيهما على الوجوب من أصله بوروده مورد توهّم حظر الدفع وحرمته. فلا إشكال في عدم وجوبه، كما لا إشكال في جوازه؛ لندرة القائل بخلافه؛ وقيام الدليل على فساده.
وعليه فلو أقام غير الواصف بها بيّنة بعد دفعها إليه استعيدت منه بلا خلاف؛ لأنّ البيّنة حجة شرعيّة بالملك، والدفع بالوصف إنّما كان رخصةً وبناءً على الظاهر. فإن تعذّر انتزاعها من الواصف ضمن الدافع لذي البيّنة مثلها أو قيمتها؛ لإتلافه لها عليه بالدفع.
ولا ينافيه
الرخصة له من
الشرع فيه؛ لأنّ غايتها دفع
الإثم، وهو لا يستلزم نفي الضمان مع عموم دليل ثبوته من نحو قوله: «على اليد» وغيره من أدلّته، كما ثبت نظيره في
الإذن في التصرّف في اللقطة بعد التعريف مع الضمان بظهور المالك.
فإذا ضمن رجع على القابض بما غرم؛ لمباشرته الإتلاف؛ ولأنّه عادٍ بادّعائه ما ليس له، فيستقرّ
الضمان عليه، إلاّ أن يعترف الدافع له بالملك، فلا يرجع عليه لو رجع عليه؛ لاعترافه بكون ذي البيّنة الآخذ منه عاديا عليه ظالماً.
لا بأس بجعل
الآبق وأخذ مالٍ لردّه ونحوه إجماعاً، فتوًى ونصّاً فإن عيّنه المالك كأنْ قال: من ردّ عبدي مثلاً فله كذا لزم بالردّ مع عدم قصد التبرع كائناً ما كان بلا كلام ولا إشكال، كما في المسالك
وشرح الشرائع للصيمري مؤذنين بدعوى الإجماع عليه. ويدلّ عليه عموم: «المؤمنون عند شروطهم»
.
وإن لم يعيّن
الجعل بأن قال: من ردّ عبدي فله عليّ شيء، أو
عوض، وأبهم ففي ردّ العبد من المصر الذي فيه مالكه إليه دينار قيمته عشرة دراهم.
ومن خارج البلد الذي هو فيه سواء كان من مصر آخر أم لا أربعة دنانير قيمتها أربعون درهماً على رواية مسمع بن عبد الملك، عن
أبي عبد الله (علیهالسّلام): «إنّ
النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) جعل في الآبق ديناراً إن أخذه في مصره، وإن أخذه في غيره فأربعة دنانير»
.
وهي وإن كانت ضعيفة
السند بجماعة
، والمتنِ بمخالفة القاعدة الدالّة على ثبوت
اجرة المثل فيما له اجرة في العادة، وعدم شيء فيما لا اجرة له، إلاّ أنّها يعضدها الشهرة المتقدّمة والمتأخّرة حتى من الحلي
الغير العامل بأخبار الآحاد الغير المحفوفة بالقرائن القطعية، لكنّه خصّها بصورة ذكر الجعل مبهماً، كما نزّلنا عليه العبارة.
ونسبه
الشهيد في
الدروس والصيمري في شرح الشرائع
إلى المتأخّرين كافّة. ونسب الأوّل
كالمختلف العمل بإطلاق الرواية الشامل لما لم يذكر جعل بالكلية ولم يستدع الردّ بالمرّة إلى ظاهر
النهاية والمقنعة والوسيلة.
وما عليه الحلي وتابعوه في غاية القوة؛ عملاً بالقاعدة؛ واقتصاراً في تخصيصها بالرواية على ما تحقّق فيه منها جبر بالشهرة، وليس في محل البحث بلا شبهة.
وإطلاقها كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في وجوب المقدّر بين نقصانه عن قيمة العبد وعدمه. وبه صرّح
الماتن في
الشرائع والفاضل في
التحرير.
واستشكل في
القواعد والروضة، بل قال فيها: وينبغي حينئذٍ أن يثبت على المالك أقلّ الأمرين من قيمته والمقدّر شرعاً. ومبنى
الرواية على الغالب من زيادة قيمته كثيراً
.
وهو حَسَنٌ، لكن في كلام الصيمري أنّ الإطلاق مشهور بين
الأصحاب، فيمكن جعل الشهرة قرينة على إرادة الفرد النادر. وفيه إشكال.
وظاهر
النص والفتوى وجوب دفع المقدّر لا استحبابه. ونسبه في المختلف
إلى الأشهر.
خلافاً
للمبسوط فنزّل الرواية على الفضيلة، وحجّته غير واضحة عدا العمل بالقاعدة، وترك أصل الرواية. وهو حَسَنٌ لولا ما عرفت من الشهرة الجابرة. فهو ضعيف وإن اختاره شيخنا في المسالك والروضة وبعض من تبعه
، فحكموا بلزوم الأُجرة دون المقدّر في الرواية.
ثم إنّ مورد العبارة والرواية العبد خاصّة، ولكن ألحق به
الشيخان والحلي وغيرهم
البعير ونسبه في المختلف
إلى الأكثر. ويظهر من
المفيد أنّ به رواية؛ لأنّه قال: بذلك ثبتت
السنّة. وفيه إشكال، ولعلّ المصير إلى القاعدة أجود وفاقاً لجماعة
.
وأما فيما عداهما فتتعيّن أُجرة المثل إذا كان العمل ممّا له اجرة في العادة وذكر المالك لها ولو مبهمة؛ عملاً بالقاعدة المتقدّمة، مع أنّه إجماعي كما صرّح به بعض الأجلة. فلا إشكال فيه، كما لا إشكال في عدم لزوم شيء مع فقد الشرطين، أو تبرّع العامل بعمله؛
لأصالة البراءة.
لا يضمن الملتقط في الحول وبعده لقطةً ولا لقيطاً ولا ضالّةً ما لم يفرّط أو يتعدّى، بلا خلاف في شيء من حكمي المستثنى منه والمستثنى، ولا إشكال فيهما أصلاً.
ومن التعدي أخذها بنيّة التملك قبل الوقت المشروع للتملك فيه في أثناء الحول كانت أو ابتداء لكون اليد حينئذٍ عارية مستعقبة للضمان إجماعاً. وكذا ترك
التعريف حيث يجب عليه مطلقاً وإن لم ينوِ التملك، بل الحفظ خاصّة.
وليس منه الأخذ بنيّة الحفظ دائماً مع المواظبة على التعريف سنةً، ولا الأخذ ليعرّفها سنةً ويتملّكها بعدها، فإنّها أمانة فيها إذا عرّفها، ويجوز له التملّك بعدها مع
الضمان، كما مضى.
وفي ثبوته بعد الحول بمجرد نيّة التملك السابقة أو توقفه على
نية اخرى له متجدّدة وجهان على القول بافتقار التملّك بعد التعريف إليها. وعلى القول بحصوله بعده قهراً فالضمان بعد مضيّ الحول متعيّن جدّاً. وحيث ثبت الضمان بموجبه من نيّة التملك قبل الحول أو ترك التعريف لم يزل بزواله من نيّة الحفظ والأخذ في التعريف؛ استصحاباً لما ثبت من حاله سابقاً.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ العين لا تخرج بالتقاطها قبل الحول عن ملك مالكها، فالنماء المتجدّد في أثنائه للمالك مطلقاً، متصلاً كان أو منفصلاً. وأقرب الوجهين وأظهرهما أنّه يتبع العين مطلقاً، ولا يشترط لتملّكه حول بانفراده بعد إكمال حول أصله.
وإطلاق العبارة وسائر الفتاوى بكون اللقطة مع عدم التفريط أمانة يقتضي عدم الفرق فيها بين
لقطة الحرم وغيرها.
وهو حسن إن قلنا بعدم الفرق بينهما حكماً، وأمّا على القول بالفرق بينهما
كراهةً في الثانية
وحرمةً في الأُولى فمشكل جدّاً. بل الأوفق بالأُصول عدم كون لقطة الحرم
أمانة؛ لكون اليد الآخذة لها عادية من حيث النهي عن التقاطها فلا إذن لها في التصرّف فيها أصلاً، فتأمّل جدّاً.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۴، ص۱۹۸-۲۰۴.