اللقيط
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو كل صبي او مجنون ضائع لا كافل له؛ ويشترط في الملتقط
التكليف؛ وفي اشتراط
الاسلام تردد؛ ولا يلتقط المملوك إلا بإذن مولاه؛ وأخذ اللقيط مستحب واللقيط في دار الإسلام حر، وفي دار
الشرك رق؛ واذا لم يتول أحدا فعاقلته ووارثه:
الإمام اذا لم يكن له وارث ويقبل اقراره على نفسه بالرقية مع بلوغه ورشده؛ واذا وجد الملتقط سلطانا استعان به على نفقته فان لم يجد استعان بالمسلمين؛ فان تعذر الأمر أنفق الملتقط ورجع عليه اذا نوى الرجوع؛ ولو تبرع لم يرجع.
ويقال له: الملقوط والمنبوذ أيضاً؛ وهو: كل صبيّ ضائع لا كافل له حالة الالتقاط، ولا يستقلّ بنفسه بالسعي على ما يصلحه ويدفع عن نفسه المهلكات الممكن دفعها عادةً.
فيلتقط الصبيّ والصبيّة مع عدم التمييز إجماعاً، وكذا معه على قول مشهور بين أصحابنا. ولا ريب فيه مع عدم بلوغ التمييز حدّا يحفظ نفسه عن الهلاك بوقوع في بئر، أو ماء، أو نار، أو عن سطح، ونحو ذلك.
ويشكل مع بلوغه ذلك الحدّ وإن احتاج إلى بعض الضروريات، وبعدم الجواز فيه صرّح بعض
الأصحاب، قال: فيكون أمره إلى الحاكم كالبالغ من باب
الولاية العامّة، كحفظ المجانين وأموال الغياب وسائر المصالح العامّة، فينصب له من يباشر ذلك، ويصرف عليه من
بيت المال إن لم يكن له مال
.
وهو حسن، ومرجعه إلى أنّ حكم الالتقاط وهو الأخذ والتصرّف في الضبط وحفظه ونحو ذلك مخالف
للأصل مطلقاً، سيّما على القول بوجوبه، فيقتصر فيه على القدر المتيقّن من
النصّ والفتوى، وهو ما أطلق عليه لفظ اللقيط حقيقةً عرفاً، والمميّز الدافع عن نفسه لا يسمّى لقيطاً جدّاً.
وعلى تقدير التنزل، فلا أقلّ من
الشك في تسميته بذلك حقيقة عرفاً، وهو كافٍ في الرجوع إلى حكم الأصل. ولعلّ مراد المجوّزين خصوص المميّز الغير الدافع على ما يظهر من تعليلهم الجواز بما يدلّ عليه.
ومن هنا ينقدح وجه صحّة تعبير الماتن كغيره
عن اللقيط بخصوص الصبي، دون مطلق
الإنسان الشامل له ولمن في حكمه كالمجنون؛ لعدم صدق اللقيط عليه مطلقاً وإن لم يستقلّ بدفع المهلكات عن نفسه؛ لأنّ ترتب أحكام اللقيط عليه بالاسم دون الحاجة، ودفع الضرر عن النفس المحترمة؛ لاندفاعهما بإرجاع الأمر إلى الحاكم ومن في حكمه، كما في البالغ العاقل لاتّفاقهم فيه على امتناع التقاطه، ومع ذلك قالوا: نعم لو خاف على البالغ التلف في مهلكة وجب إنقاذه كما يجب إنقاذ الغريق ونحوه.
وهو كما ترى ظاهر في دوران أحكام اللقيط مدار الاسم دون وجوب دفع الضرر.
وإليه يشير ما في
المسالك في بيان احتراز الماتن بقوله: الضائع، عن غير المنبوذ وإن لم يكن له كافل من التعليل بأنّه لا يصدق عليه اسم اللقيط وإن كان كفالته واجبة كالضائع إلاّ أنّه لا يسمّى لقيطاً. وفي بيان احترازه ب: لا كافل له، عن الضائع المعروف
النسب من قوله: فإنّ أباه وجدّه ومن وجب عليه حضانته مختصّون بحكمه، ولا يلحقه حكم الالتقاط وإن كان ضائعاً. نعم يجب على من وجده أخذه وتسليمه إلى من يجب عليه حضانته كفاية من باب الحسبة
. ونحوه كلام غيره
.
فلا وجه لما ذكراه هما وغيرهما
من إلحاق
المجنون مطلقاً بالصبي مع اعترافهم بما ذكرناه، وتصريح بعض أهل اللغة في تعريف اللقيط بأنّه الصبي المنبوذ خاصّة
.
فالأجود وفاقاً لبعض من تأخّر
عدم القطع بالإلحاق، بل التوقّف فيه.
اللهم إلاّ أن يكون إجماعاً، ولم أتحقّقه، سيّما مع اقتصار كثير من التعاريف على الصبي كالمتن، مع موافقته اللغة، كما عرفته.
نعم يتوجّه عليه خروج الصبيّة
والخنثى الغير البالغين مع صدق اللقيط على غير مميّزهما لغةً وعرفاً، وورد النصّ به في الأُولى، ففي الخبر المعتبر: عن اللقيطة، فقال: «لا تباع ولا تشترى، ولكن تستخدم بما أنفقت عليها»
ونحوه غيره
.
ويمكن الذبّ عنه بإدخالهما في الصبي تغليباً، سيّما مع شيوعه ودخول الصبيّة فيه بفحوى الخطاب جدّاً.
•
شرائط الملتقط، ويشترط في الملتقط
التكليف بالبلوغ والعقل، فلا يصحّ التقاط الصبي والمجنون
؛ ويفهم من إطلاق الماتن وكثير اشتراط التكليف خاصة وعدم اشتراط الرشد فيصحّ من السفيه؛ وكذا يفهم من ذلك عدم اشتراط
العدالة؛ وكون اللقيط محكوماً بإسلامه، دون ما إذا كان محكوماً بكفره، فللكافر التقاطه
.
•
التقاط المملوك، ولا يجوز أن يلتقط المملوك اللقيط إلاّ بإذن مولاه
؛ ولا فرق بين القنّ والمكاتب والمدبّر والمبعّض وأُمّ الولد.
•
أخذ اللقيط، وأخذ اللقيط
مستحبّ إمّا مطلقاً
، أو مع عدم الخوف عليه، وأمّا معه فيجب
.
•
لقيط دار الإسلام، واللقيط في دار
الإسلام حرّ محكوم بإسلامه، لا يجوز تملّكه
؛ ولا كذلك اللقيط في دار
الشرك فإنّه رقّ محكوم بكفره
.
ويتفرع عليه انه إذا لم يتوال أحداً بعد بلوغه فعاقلته ووارثه
الإمام (علیهالسّلام) إذا لم يكن له وارث ولم يظهر له نسب. فدية جنايته خطأً عليه، وحقّ قصاصه في النفس له. وفي الطرف للّقيط بعد بلوغه قصاصاً وديةً، قيل: ويجوز للإمام تعجيله قبله كما يجوز ذلك
للأب والجدّ، على أصحّ القولين
.
ويستفاد من شيخنا في
الروضة وقوع الخلاف في أصل الحكم حيث قال بعد بيان أنّه لا ولاء عليه للملتقط ولا لأحد من المسلمين: خلافاً
للشيخ.
ولعلّه أشار به إلى ما يحكى في
المختلف والدروس عنه وعن
المفيد من أنّه إذا لم يتوال أحداً كان ولاؤه للمسلمين ولم يكن للذي أنفق عليه ولاؤه، وإن ترك ولم يترك ولداً، ولا قرابة له من المسلمين، كان ما تركه لبيت المال كما عن الأوّل، أو لبيت مال المسلمين كما عن الثاني.
لكن ذكر
الحلّي أنّ المقصود من بيت المال هنا بيت مال الإمام، دون بيت مال المسلمين، قال: فإذا ورد لفظ: إنّه للمسلمين، أو لبيت المال، فالمراد أنّه بيت مال الإمام (علیهالسّلام)، وإنّما أطلق القول بذلك لما فيه من
التقيّة لأنّ بعض المخالفين لا يوافق عليه. ثم قال: هكذا أورده شيخنا في آخر الجزء الأوّل من مبسوطه، وهو الحقّ اليقين
، انتهى.
ولعلّه لذا نسب الحكم في المسالك وغيره
إلى الأصحاب من غير نقل خلاف.
وفيه نظر، كنسبة الخلاف في الروضة إلى الشيخ خاصّةً؛ لما عرفته من موافقة المفيد له، مع أنّه حكي في الكتابين أيضاً عن
الإسكافي قولاً آخر يخالف ما عليه الأصحاب ولو في الجملة، وهو أنّه لو أنفق عليه وتولّى غيره ردّ عليه
النفقة، فإن أبى فله ولاؤه وميراثه. ولكن حمله
الفاضل على أخذ قدر النفقة من ميراثه.
وعلى أيّ حال فالحقّ ما ذكره الأصحاب، ولا دليل على ما ذهب إليه الإسكافي والشيخان في ظاهر عبائرهم.
ويقبل إقراره على نفسه بالرقّية مع بلوغه ورشده أي: وعقله، ما لم يعلم حرّيته سابقاً بشياع ونحوه على الأظهر الأشهر؛ لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»
؛ وخصوص ما مرّ في كتاب
العتق من
النص الدال على أنّ «الناس أحرار إلاّ من أقرّ على نفسه بالعبودية»
.
خلافاً للحلي فقال: لا يقبل إقراره عند محصّلي أصحابنا، وهو الأصحّ؛ لأنّ
الشارع حكم عليه بالحرية
.
ويضعّف بأنّ حكم
الشرع على الحرّية بناءً على
الأصل، وهو يدفع بالإقرار بعده. ولا فرق بين اللقيط وغيره من المجهولين، فلو جاء رجل وأقرّ بالعبودية يقبل. وقد كان على مذهبه أنّه لا يقبل؛ لأنّه كان محكوماً عليه بالحرّية شرعاً فلا يقبل إقراره بالعبودية. وهذا كلّه غلط كما في المختلف
، ومع ذلك النصّ الخاصّ المتقدّم يدفعه صريحاً.
نعم إن اعترف سابقاً بحرّيته مع الوصفين ثمّ ادّعى رقّيته أمكن عدم قبول إقراره؛ لكونه مناقضاً لإقراره السابق، وفاقاً لجماعة ومنهم الشيخ في
المبسوط.
خلافاً لآخرين ومنهم
المحقق الثاني كما حكي
، وجعله الأشهر شيخنا
الشهيد الثاني فقبلوه هنا أيضاً؛ للعموم السابق، وعدم منافاة الإقرار السابق له، فإنّه له والثاني عليه، فليقدّم بمقتضى النصّ المتقدّم الدالّ على قبول
الإقرار عليه، ولا دليل على قبوله له حيث ينافي الأصل. وقبوله حيث لا ينافيه كما في محل البحث إنّما هو من حيث الأصل، ولولاه لما قبل، فوجود هذا الإقرار كعدمه.
ولعلّه أقوى.
ثم إنّ كلّ ذا إذا لم يكذّبه المقرّ له، وأمّا معه ففي قبول إقراره حيث يقبل من دونه قولان، اختار ثانيهما في المبسوط
، وأوّلهما في المسالك
. ويتفرّع عليه ما إذا عاد المقرّ له فصدّقه فلا يلتفت إليه على الأوّل؛ لأنّه لمّا كذّبه ثبت حرّيته بالأصل فلا يعود رقيقاً. ونعم على الثاني؛ لأنّ الرقّية المطلقة تصير كالمال المجهول المالك يقبل إقرار مدّعيه ثانياً وإن أنكره أوّلاً.
وحيث حكم برقّيته ففي بطلان تصرّفاته السابقة على الإقرار أوجه، يفرق في ثالثها بين ما لم يبق أثره
كالبيع والشراء فلا يبطل، وما يبقى
كالنكاح فيبطل، وعليه نصف
المهر قبل الدخول، وتمامه بعده. ولو كانت المقرّة الزوجة اللقيطة لم يحكم بالبطلان؛ لتعلّقه بالغير ويثبت للسيّد أقلّ الأمرين من المسمّى وعقر الأمة. واختار هذا في الدروس
.
واعلم أنّ المعروف من مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف أنّ الواجب على الملتقط حضانته بالمعروف، وهو تعهّده والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره. وأنّه لا يجب عليه
الإنفاق من ماله ابتداءً، بل من مال اللقيط الموجود تحت يده، أو الموقوف على أمثاله، أو الموصى لهم به، بإذن الحاكم مع إمكانه، وإلاّ أنفق ولا ضمان.
•
الإنفاق على اللقيط، اذا وجد الملتقط سلطانا استعان به على نفقته فان لم يجد استعان بالمسلمين
؛ فان تعذر الأمر أنفق الملتقط ورجع عليه اذا نوى الرجوع
؛ ولو تبرع لم يرجع.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۴، ص۱۳۷-۱۵۵.