أحكام المطلقة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا يجوز لمن طلق رجعيا أن يخرج الزوجة من بيته إلا أن تأتي بفاحشة، وهو ما يجب به
الحد؛ وقيل أدناه أن تؤذى أهله؛ ولا تخرج هي فإن اضطرت خرجت بعد انتصاف الليل وعادت قبل الفجر؛ ولا يلزم ذلك في
البائن ولا المتوفى عنها زوجها، بل تبيت كل واحد منهما حيث شاءت؛ وتعتد المطلقة من حين
الطلاق حاضرا كان المطلق أو غائبا إذا عرفت الوقت؛ وفي
الوفاة من حين يبلغها الخبر.
النفقة واجبة للرجعيّة في زمن
العدّة، وكذا السكنى والكسوة بالشرائط المعتبرة، وكذا للبائنة إذا كانت ذات حمل، أمّا بدونه فلا، والبحث في جميع ذلك قد مضى. ويتفرع عليه في الجملة أنّه:
لا يجوز لمن طلّق زوجته
طلاقاً رجعيّاً أن يخرج الزوجة من بيته الذي طلّقت فيه، إذا كان مسكن أمثالها، وإن لم يكن مسكنها الأوّل، فإن كان دون حقّها فلها طلب المناسب والخروج إليه، أو فوقه فله ذلك؛ اقتصاراً في المنع على المتيقّن المتبادر من الإطلاق، ويحتمل العموم فليس لهما ذلك في المقامين، وهو أحوط.
ولا فرق بين منزل الحضريّة والبدويّة، البرّية والبحريّة.
والأصل فيه مضافاً إلى ما مرّ من وجوب الإسكان
الكتاب،
والسنّة،
والإجماع من علماء
الإسلام، لكن دلالة الثاني على الحرمة قاصرة، إلاّ أنّها بمعونة طرفيه متمّمة.
فلا ريب في
الحرمة إلاّ أن تأتي بفاحشة مبيِّنة، بنصّ الأدلّة الثلاثة. وهو على ما يتبادر منه عند الإطلاق في
العرف والعادة، وصرّح به جماعة
ما يجب به
الحدّ فينبغي الاقتصار في الخروج عن المنع المتيقّن على القدر المقطوع به المسلّم.
مضافاً إلى
المرسل في
الفقيه: عن قول الله عزّ وجلّ «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ»
قال: «إلاّ أن تزني، فتخرج، ويقام عليها الحدّ»
.
وقصور
السند بالأصل المتقدّم مجبور، وضعف الدلالة على العموم في مطلق ما يوجب الحدّ كما هو المطلوب متمَّم
بالإجماع المركّب.
وقيل وهم الأكثر، بل في
الروضة أنّه المشهور
، وعن
الخلاف الإجماع عليه
: إنّ أدناه أن تؤذي أهله بقول أو فعل؛ لعمومه لغةً لذلك، وهو مقدّم على العرف. مضافاً إلى المرسلين المفسِّرين للآية بذلك
.
وفي الأوّل منع، من حيث التقديم، مع أنّه على تقديره مخالف للإجماع من حيث شموله لفواحش أُخر، كترك
الصلاة،
والصوم، ونحو ذلك، ممّا لا قائل بجواز الإخراج به.
وفي الثاني قصور السند المانع عن العمل، سيّما مع معارضتهما بالمرسل المتقدّم، المعتضد بالأصل المتيقّن، إلاّ أنّ
الشهرة والإجماع المتقدّم لعلّهما يجبران جميع ذلك، فلا بُعد في المصير إليه، وإن كان
الأحوط الأوّل.
وكما لا يجوز له إخراجها لا يجوز لها أن تخرج هي بنفسها من دارها التي طلّقت فيها؛ لعين ما مضى من الأدلّة الثلاثة، بزيادة ظهور دلالة السنّة على الحرمة، من حيث تضمّنها الأوامر باعتداد المطلّقة في بيتها، التي هي في
الوجوب وحرمة الترك ظاهرة، وهي مستفيضة: ففي موثّقات ثلاثة: عن المطلّقة أين تعتدّ؟ قال: «في بيتها»
وزيد في أكثرها: «لا تخرج، وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل، ولا تخرج نهاراً، وليس لها أن تحجّ حتى تنقضي عدّتها». وإطلاقها كالآية، وغيرها من المعتبرة، وظاهر العبارة، وصريح جماعة
، بل ادّعى عليه الشهرة جماعة
عموم الحرمة لكل من صورتي
الإذن من الزوج بالخروج وعدمه.
خلافاً
للحلبي وجماعة
، فقيّدوها بالصورة الثانية، بل ظاهر عبارة الفضل المحكيّة في
الكافي الإجماع عليه في الأزمنة السابقة، بل وادّعى أنّها المفهومة من عبارة
الآية في اللغة، قال: وإنّما الخروج والإخراج أن تخرج مراغمة، أو يخرجها زوجها مراغمة، وعلى أنّها لا تريد العود إلى بيتها وإمساكها؛ لأنّ المستعمل في اللغة هذا الذي وصفناه، وهذا الذي نهى
الله تعالى عنه
.
وهو غير بعيد، والمعتبرة شاهدة به، ففي
الصحيح، ونحوه
المقطوع: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلاّ بإذن زوجها حتى تنقضي عدّتها» الخبر.
وفي
الموثق: «المطلّقة تحجّ في عدّتها إن طابت نفس زوجها»
ولا قائل بالفرق. وبه يقيّد ما أُطلق فيه الإذن بالخروج إلى
الحجّ وأداء الحقوق، كالصحيح المقطوع: «المطلّقة تحجّ، وتشهد الحقوق»
.
ويحتمل الحمل على الواجب، فلها الخروج إليه، كالاستمرار به لو كانت قبل
الطلاق خارجة له، بخلاف غيره، فيجب عليها العود إلى منزله، كما لو طلّقت وهي في غير مسكن. ولا يتفاوت الحكم على هذا بين حالتي قبل الطلاق وبعده، ولعلّ الحكمة في التعرض للنهي عن الخروج والإخراج في هذه الصورة احتمال توهّم انقطاع أحكام الزوجية، التي منها النهي عن الأمرين بعد الطلاق، فلا يجعل مثل هذا التعرض دليلاً أو شاهداً للأوّل، ولكنّه أحوط. وعليه فلو كانت في سفر
مباح أو
مندوب ففي وجوب العود إن أمكن إدراكها جزءاً من العدّة، أو مطلقاً، أو تتخيّر بينه وبين الاعتداد في السفر، أوجه:
من إطلاق النهي عن الخروج من بيتها، فيجب عليها تحصيل الكون به.
ومن عدم صدق النهي هنا؛ لأنّها غير مُستوطنة، وللمشقّة، وانتفاء الفائدة حيث لا تدرك جزءاً من العدّة. وهذا أقوى؛ لاختصاص النهي المطلق في
النص والفتوى بحكم الوضع أو التبادر بغير محل الفرض جدّاً.
كلّ ذلك مع إمكان الرجوع، وعدم الضرورة إلى عدمه، ولا يجب العود معها قطعاً؛ لمكان الضرورة المبيحة لعدمه على تقدير وجوبه وللخروج أيضاً.
فإن اضطرّت خرجت إجماعاً، لكن بعد انتصاف الليل، وعادت قبل الفجر وجوباً، على الأشهر، بل لم أقف على مخالف إلاّ من بعض من ندر ممّن تأخّر
. والأصل فيه الموثّق الذي مرّ، ولا قدح فيه من حيث الموثّقيّة والإضمار، كما هو المقرّر، مع أنّه على تقديره فهو بالشهرة العظيمة منجبر، فهو أظهر إن ارتفع به وبغيره الضرر، وإلاّ بأن كان الدفع بالغير منحصراً جاز قولاً واحداً.
ولا يلزم ذلك أي المنع عن كلّ من الخروج والإخراج في
الطلاق البائن مطلقاً، حائلاً كانت المطلّقة أو حاملاً.
ولا المتوفّى عنها زوجها مطلقاً كذلك بل تبيت كلّ منهما وتعتدّ حيث شاءت بلا خلاف في الظاهر في المقامين، بل عليه الإجماع في كلام جماعة
، وهو
الحجة فيه.
مضافاً إلى
الأصل السالم عن معارضة ما دلّ على المنع؛ لاختصاص الآية
بحكم ما في آخرها من العلّة بالرجعيّة، وعلى تقدير
الإطلاق يلزم تقييده كإطلاق الروايات في المطلّقة بها؛ للمعتبرة المستفيضة، منها الصحيح: «إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة بانت منه ساعة طلّقها، وملكت نفسها، ولا سبيل له عليها، وتعتدّ حيث شاءت، ولا نفقة لها»
ونحوه غيره
.
ولا معارض لها من النصوص صريحاً، سوى الإطلاقات المقيّدة بها وبالإجماع جدّاً. وفي الصحيح: عن امرأة توفّي عنها زوجها أين تعتدّ، في بيت زوجها، أو حيث شاءت؟ قال: «حيث شاءت»
الخبر، ونحوه غيره
. ولا معارض لها من إطلاقات الآية والأخبار أصلاً. نعم في كثير من المعتبرة النهي عن بيتوتتها عن بيتها
، ولم أر عاملاً بها، لأنّهم ما بين مصرّحٍ بحملها على
الاستحباب، ورادٍّ لها من أصلها.
وربما يوجد في المتأخّرين عامل بها، مدّعياً عدم التعارض بينها وبين ما تقدّمها؛ لتضمّنه
التخيير والرخصة في الاعتداد بالعدّة أينما شاءت، وليس فيها التعرض للنهي عن البيتوتة عن مكان العدّة، وقد تضمّنته هذه المعتبرة، فالعمل بها غير ملازم لترك ما قابلها، بل فيه جمع بينهما
. وهو أحوط، وإن كان في تعيّنه نظر، من حيث عدم القائل بها، بل وظهور اتفاقهم على ردّها، وما هذا شأنه يلحق بالنادر الذي يجب ردّه أو تأويله.
ثم إنّ المطلّقة بائناً وإن جاز إخراجها ولو حاملاً، إلاّ أنّه في الأخيرة ليس على إطلاقه جدّاً، بل ينبغي تقييده بما إذا أخرجها إلى مسكن آخر، لا مطلقاً، فإنّ لها
النفقة والسكنى، كتاباً وسنّة وإجماعاً، فالفرق بينها وبين المطلّقة رجعيّة حينئذٍ هو عدم جواز إخراجها مطلقاً، ولو إلى مسكن آخر، دون هذه، فيجوز إخراجها إليه، فتأمّل جدّاً.
•
عدة الطلاق، وتعتدّ المطلّقة من حين الطلاق مطلقاً حاضراً كان المطلِّق أو غائباً
، إذا عرفت الوقت
،
.
وتعتدّ الزوجة في
الوفاة من حينه مع الحضور، ومن حين يبلغها الخبر مع الغيبة، على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ للمعتبرة المستفيضة، منها الصحاح، أحدها: في الرجل يموت وتحته امرأة وهو غائب، قال: «تعتدّ من يوم يبلغها وفاته»
.
خلافاً
للإسكافي، فجعلها كالأُولى في الاعتداد من حين الوقوع بعد الثبوت، ولا قبله، بل من حين البلوغ؛ للخبرين، أحدهما الصحيح: امرأة بلغها نعي زوجها بعد سنة، فقال: «إن كانت حبلى فأجلها أن تضع حملها، وإن كانت ليست بحبلى فقد مضت عدّتها إذا قامت له البيّنة أنّه مات في يوم كذا وكذا، وإن لم يكن لها بيّنة فلتعتدّ من يوم سمعت»
.
ونحوه الثاني
، إلاّ أنّه قاصر السند، وهو كالأوّل ضعيف المكافأة للمستفيضة المتقدّمة، من حيث الاعتضاد بالاستفاضة، والشهرة العظيمة،
والاحتياط؛ لأصالة بقاء الحرمة، فليطرحا، أو يؤوّلا، أو يحملا على
التقية، كما فعله بعض الأجلّة
.
وحملها على الرخصة كما في
المسالك وارتضاه جماعة
فرع المكافأة، ومنافٍ للزوم العمل بالأخبار الراجحة وطرح المرجوحة.
وبالجملة: لا ريب في شذوذ هذا القول وضعفه، كمختار
التهذيب المفصِّل بما في الصحيح: المرأة يموت زوجها، أو يطلّقها وهو غائب، قال: «إن كان مسيرة أيّام فمن يوم يموت زوجها تعتدّ، وإن كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر؛ لأنّها لا بدّ أن تحدّ له»
لعين ما مضى، بل بطريق أولى.
ثمّ لا فرق في الزوجة بين الحرّة والأمة في ظاهر العبارة، كأكثر النصوص والفتاوي، ولا يعارضها التعليل في بعضها بلزوم الحداد عليها وهو مختصّ بالحرّة جدّاً؛ لغلبة أخصّيّة علل
الشرع عن معلولاتها، فلا يجسر مع ذلك على تقييد أكثر النصوص والفتاوي بها، فجمود الروضة
على العلّة ونفي العدّة عن الأمة، وجعلها كالمطلّقة، لعلّه ضعيف جدّاً، ولذا لم يمل إليه في المسالك
أصلاً.
ولا فرق أيضاً في الخبر الذي تعتدّ من يومه بين صدوره ممن يقبل قوله ويثبت الحكم بإخباره، أم لا، في ظاهر إطلاق أكثر النصوص والفتاوي، بل صرّح به جماعة من أصحابنا
.
لكن ربما ينافيهما بعض النصوص، كالخبر: «إن مات عنها» يعني: وهو غائب «فقامت البيّنة على موته، فعدّتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر وعشراً»
الحديث.
إلاّ أنّه ضعيف السند، قاصر عن المقاومة لما مرّ، فإذاً ما قالوه أظهر، لكن ليس لها بعد انقضاء العدّة بعد الخبر
التزويج من دون ثبوتٍ شرعيّ، فلو تزوّجت فسد في الظاهر، وصح في الباطن مع
الجهل بالتحريم إن تبيّن بعد ذلك موته وانقضاء عدّتها قبل
العقد.
وأمّا مع
العلم به فقيل: يجب القطع بالفساد؛ لانتفاء
القصد إلى العقد الصحيح
.
وفيه نظر؛ لعدم الملازمة هنا بين الحرمة والفساد، فلا يلزم من العلم بها انتفاء القصد إلى ضدّه المستلزم له، فإلحاق هذه الصورة بالأُولى متّجه جدّاً؛ لعموم الأمر بالوفاء، مع عدم مانعٍ أصلاً، وبه صرّح جماعة من أصحابنا
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۳۳۹-۳۵۰.