أسباب التهيؤ لشهر رمضان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
أسبابُ التَّهَيُّوَلِضِيافَةِ اللّه: أ- تَقديمُ
التَّوبَةِ، ب-
صِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ مِن آخِرِ
شَعبانَ، ج- إصلاحُ
الطَّعامِ.
عيون أخبار الرضا (علیهالسّلام) عن عبد السلام بن صالِحٍ الْهَرَوِيِّ قَالَ دَخَلتُ عَلى أبِي الحَسَنِ
عَلِيِ بنِ موسَى الرِّضا (علیهالسّلام) في آخِرِ جُمُعَةٍ مِن شَعبانَ، فَقالَ لي: «يا أبَا الصَّلتِ، إنَّ شَعبانَ قَد مَضى أكثَرُهُ، وهذا آخِرُ جُمُعَةٍ مِنهُ، فَتَدارَك فيما بَقِيَ مِنهُ تَقصيرَكَ فيما مَضى مِنهُ، وعَلَيكَ بِالإِقبالِ عَلى ما يَعنيكَ وتَركِ ما لا يَعنيكَ، وأكثِر مِنَ
الدُّعاءِ وَالاِستِغفارِ وتِلاوَةِ القُرآنِ، وتُب إلَى اللّه ِ مِن ذُنوبِكَ؛ لِيُقبِلَ شَهرُ اللّه ِ إلَيكَ وأنتَ مُخلِصٌ للّه ِ عز و جل، ولا تَدَعَنَّ أمانَةً في عُنُقِكَ إلاّ أدَّيتَها، ولا في قَلبِكَ حِقدا عَلى مُؤمِنٍ إلاّ نَزَعتَهُ، ولا ذَنبا أنتَ مُرتَكِبُهُ إلاّ (أ) قلَعتَ عَنهُ، وَاتَّقِ اللّه َ وتَوَكَّل عَلَيهِ في سِرِّ أمرِكَ وعَلانِيَتِكَ «وَ مَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَــلِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْ ءٍ قَدْرا»
، وأكثِر مِن أن تَقولَ فيما بَقِيَ مِن هذَا الشَّهرِ: اللّهُمَّ إن لَم تَكُن قَد غَفَرتَ لَنا فيما مَضى مِن شَعبانَ فَاغفِر لَنا فيما بَقِيَ مِنهُ. فَإِنَّ اللّه َ-تَبارَكَ وتَعالى- يُعتِقُ في هذَا الشَّهرِ رِقابا مِنَ النّارِ لِحُرمَةِ
شَهرِ رَمَضانَ»
.
السنن الكبرى عن أنس: قيلَ: يا رَسولَ اللّه ِ، أيُ الصَّومِ أفضَلُ؟ قالَ: «صَومُ شَعبانَ تَعظيما لِرَمَضانَ»
.
الإمام الصادق (علیهالسّلام): مَن صامَ ثَلاثَةَ أيّامٍ مِن آخِرِ شَعبانَ ووَصَلَها بِشَهرِ رَمَضانَ، كَتَبَ اللّه ُ لَهُ صَومَ شَهرَينِ مُتَتابِعَينِ
.
رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): كُلُوا
الحَلالَ يَتِمَّ لَكُم صَومُكُم
.
عدّة الداعي عن رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): «
العِبادَةُ مَعَ أكلِ
الحَرامِ كَالبِناءِ عَلَى الرَّملِ». وقيلَ: عَلَى الماءِ
.
إرشاد القلوب عن حذيفة بن اليمان رفعه عن رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): «إنَّ قَوما يَجيؤونَ
يَومَ القِيامَةِ ولَهُم مِنَ الحَسَناتِ أمثالُ الجِبالِ، فَيَجعَلُهَا اللّه ُ هَباءً مَنثورا، ثُمَّ يُؤمَرُ بِهِم إلَى النّارِ».
فَقالَ
سَلمانُ: صِفهُم لَنا يا رَسولَ اللّه ِ. فَقالَ: «أما إنَّهُم قَد كانوا يَصومونَ ويُصَلّونَ، ويَأخُذونَ اُهبَةً (الاُهبة: العدّة، وتأهّب: استعدّ، وأخذ لذلك الأمر اُهبته: أي عُدّته
) مِنَ اللَّيلِ، ولكِنَّهُم كانوا إذا عَرَضَ لَهُم شَيءٌ مِنَ الحَرامِ وَثَبوا عَلَيهِ»
.
تعدّ عملية تناول الطعام والشراب في وقتي
الإفطار والسحر قوام عملية الصيام وروحها، ومن ثَمَّ فإنَّ حلّية
الأطعمة والأشربة وحرمتها، وكمّها ونوعها، وكذلك دوافع الصائمين في تناولها، تلعب -من منظور
الإسلام- دورا أساسيّا في مدى الانتفاع من الصيام ولها تأثيرها البليغ فيما يكسبه الصائم من
بركات هذه الضيافة. فالشرط الأوّل للانتفاع من الصوم أن تكون الطاقة الّتي تؤمّنه والقوّة الّتي تعين
الإنسان عليه من حلال، فالطعام الحرام لا يقتصر دوره المخرّب على حرمان الإنسان من عطايا
الصيام وبركاته وحسب، بل هو آفة تهدّد العبادات كافّة، على ما سلفت الإشارة إليه في الروايات السابقة. من هنا جاء عن رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، قوله: «العِبادَةُ مَعَ أكلِ الحَرامِ كَالبِناءِ عَلَى الرَّملِ»
. تأسيسا على هذا المعنى، تستأثر معرفة الأطعمة المحرّمة بأهمّية بليغة بالنسبة إلى الصائم.
تقسّم الأطعمة والأشربة المحرّمة إلى عدد من الأقسام، هي: ۱. ما يتّسم بالحرمة الذاتية، مثل: لحوم الحيوانات المحرّمة، وبيوض الطيور المحرّمة، وبعض أعضاء الحيوانات المحلّلة (مثل: الطحال، والقضيب، والرحم، والأنثيين، والمثانة، والغدد، والمرارة، والنخاع وغيرها)،
والأعيان النجسة (مثل:
الميتة،
والدم،
ولحم الخنزير،
والشراب المسكر، ويلحقه أي مائع آخر مسكر). ۲. ما يتّسم بالحرمة العرضية، مثل: الأطعمة المتنجّسة بملاقاة الأعيان النجسة، أو ما يتّسم بإلحاق الضرر الشديد بجسم الإنسان ونفسه. ۳. الأطعمة والأشربة الّتي تهيّأ من
المال الحرام، ويدخل في عدادها موائد الإفطار الّتي يُنفق عليها من
بيت المال بدون إذن قانوني. ۴. ما تمّ إعداده من مال مختلط بالحرام. ۵. ما تمّ إعداده من مال لم تؤدَّ حقوقه الشرعية، مثل
الخمس والزكاة. ۶. ما تمّ إعداده من مال حلال، لكن وقع
الإسراف في نوعيّتِهِ ومقداره.
إذا أراد الصائم أن يستفيد من صومه وينتفع به، فينبغي له ألاّ يقتصر على اجتناب الأغذية الّتي ثبتت حرمتها قطعا، بل من الضروري له أن يجتنب الأطعمة المشتبهة أيضا. والأغذية الّتي تخالطها الشبهات، وهي على قسمين: القسم الأوّل: أن يكون المشتبه محكوما بالحلّية في الظاهر، كما هو حال الأطعمة الّتي يُهيّئها المضيّف المسلم لضيفه، والضيف يحتمل أن يكون مصدرها من
المال الحرام. القسم الثاني: ما هو محكوما بالحرمة بحسب الظاهر، كما هو حال الأطعمة الّتي تعدّ من المال المختلط بالحرام، على النحو الّذي لا يمكن فصل الحلال من الحرام. على أنَّ النقطة الّتي تبرز على هذا الصعيد، أنَّ الإسلام أخذ الحيطة لمعالجة هذه الشبهات ودبّر طريقا للخروج من ربقتها، متمثّلاً بإخراج خمس المال المشتبه عن هذا الطريق، بمقدور الصائم أن يتخلّص من مشكلة الأطعمة المشتبهة الّتي يتناولها ويطعم منها ضيوفه خاصّةً، ويطهّرها ممّا يلابسها من شبهات، لكي يصفوَ له صيام شهر رمضان المبارك وينعم بعطاياه المعنوية أكثر.
إنَّ طبيعة الدافع الّذي يصدر منه الصائم في تناول الطعام والشراب في وقتَي الإفطار والسحر، له تأثيره في بلوغ كمال الانتفاع من بركات الصوم. لقد جاء في أحد وصايا
النّبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) إلى
الصحابي الجليل
أبي ذرّ الغفاري، قوله: «يا أبا ذَرٍّ لِيَكُن لَكَ في كُلِّ شَيءٍ نِيَّةٌ صالِحَةٌ حَتَّى الأَكلِ وَالنَّومِ»
. ثَمَّ فرق ولا ريب بين الصائم الّذي يتناول السحور والإفطار بباعث
الجوع والعطش وحسب، وبين من يتناولهما
بقصد القربة ورضا اللّه سبحانه، فالحالة النورية الوضّاءة لصوم الصائم الّذي تناول الطعام فيه بباعث
القربة الإلهية، لا يقارن مطلقا بالصوم الّذي يتمّ تناول الطعام فيه والتقوّي عليه بباعث حيواني وبمحض
الشهوة، بديهي أنَّ الدافع الإلهي في هذه الممارسة، الّتي يقول فيها الصائم: إنّني أتناول الطعام قربةً إلى اللّه، يحتاج تحقّقها إلى مقدّمات تتجاوب مع هذه الممارسة ولوازم تقترن معها، منها أن يتناسب الطعام في النّوعيّة والمقدار مع حاجة البدن. على ضوء ما مرَّ من المقدّمات والإيضاحات يمكن تكثيف خلاصة الكلام في باب إصلاح الطعام، بسعي الصائم الالتزام بثلاثة اُمور تقود رعايتها للانغمار بهذه الضيافة الإلهية والانتفاع من مواهبها أكثر فأكثر، هذه الاُمور الثلاثة، هي: ۱. حليّة المأكول والمشروب، واجتناب الأطعمة المحرّمة وتلك الّتي تلابسها الشبهات. ۲. أن تأتي نوعيّة هذه الأطعمة والأشربة ومقدارها، متّسقةً مع حاجة البدن ومتطلّباته، وألاّ يُترف الصائم في طعامه بالألوان الكثيرة الّتي تفيض عن حاجته. ۳. أن يتناول ما يتناوله من الأطعمة والأشربة، بقصد القربة وبباعث رضا اللّه وامتثال أمره سبحانه.
بعد أن ينتهي العالم الرباني
آية اللّه ملكي تبريزي (قدسسره) من بيان أصناف الصائمين لجهة طبيعة تعاملهم مع الطعام والشراب، يقول: «ومنهم: من يكون مأكله ومتقلّبه كلّها محلّلة ولا يُسرف ولا يُترف، بل يتواضع للّه في مقدار طعامه وشرابه عن الحدّ المحلّل وغير المكروه، وهكذا يترك اللّذيذ ويقتصر في الأدام على لون واحد، أو يترك بعض اللّذائذ وبعض الزيادة. فدرجاتهم عند ربّهم المراقِب لحفظ
مجاهداتِهم ومراقباتِهم محفوظة مجزيّة مشكورة ولا يُظلَمون فتيلاً، فيجزيهم ربّهم بأحسن ما كانوا يعملون، ويزيدهم من فضله بغير حساب، فلا تعلم
نفس ما اُخفي لهم من قرّة أعين، بل ولا خطر على
قلب»
. اللّهمَّ اجعلنا منهم.
مراقبات شهر رمضان، المحمدي الري شهري، الشيخ محمد، ص۷۵-۸۲.