إثبات اليد على مال الغير
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إثبات اليد على مال الغير إمّا أن يكون مأذوناً فيه من قبل الشارع أو من المالك أو غير مأذون، فهذه ثلاثة أقسام:
وموارده كثيرة:
قسّم الفقهاء اللقطة إلى ثلاثة أقسام:إنسان وحيوان ومال صامت.
وأطلقوا على لقطة
الإنسان اسم اللقيط، وعلى الحيوان اسم الضالّة، وعلى المال الصامت- وهو المال الجامد أي غير الحيوان- اسم اللقطة بالمعنى الأخصّ.
أمّا بالنسبة إلى القسم الأوّل فأوجبوا التقاطه وإثبات اليد عليه إذا كان بحيث لا يقدر على الدفع عن نفسه.
وكذلك صنعوا بالنسبة إلى القسم الثاني فيما إذا كان
الحيوان لا يقدر على البقاء كما يوجد في الصحراء ولا قدرة له على
احتمال الجوع والعطش أو دفع المضارّ عن نفسه كالشاة ونحوها، فإنّ تركها
إسلام لها إلى الموت، لكن لا يظهر من كلماتهم وجوب
الالتقاط .وكذلك ما تركه صاحبه عن جهدٍ وتعب آيساً منه أو في خوف وعلى غير ماء وكلأ، فإنّهم جوّزوا إثبات اليد عليه وتملّكه بعد
إنقاذه وتخليصه من الهلاك.
وأمّا القسم الثالث وهو المال فقسّموه إلى قليل أو بمقدار الدرهم، فجوّزوا التقاطه وتملّكه من دون تعريف إن وجد في غير الحرم، لكن إن جاء صاحبه ضمنه له،
وما زاد عن ذلك في غير الحرم فجوّزوا التقاطه أيضاً وتعريفه سنة، ثمّ إن شاء الملتقط تملّكه أو التصدّق به مضموناً لصاحبه أو حفظه أمانة بيده جاز له ذلك،
وحرّم بعض منهم لقطة الحرم أو مطلقاً.
وجميع هذه الأقسام التي جوّز الفقهاء التقاطها هي من جملة أموال الغير التي
أذن الشارع في أخذها وإثبات اليد عليها. وقد مرّ بيان هذه الأقسام وأحكامها متفرّقة، وسيأتي بحثها في محلّها أيضاً.
إذا ابتلى المكلّف بالمال الحرام بأن اختلط بماله بنحوٍ لم يعد قادراً على تمييزه أو معرفة قدره وصاحبه جاز إثبات اليد عليه والتصرّف فيه بعد
إخراج خُمسه.
يجوز للوليّ إثبات اليد على مال المولّى عليه والتصرّف فيه بحسب ما يراه من المصلحة له، ولا فرق في ذلك بين كونه وليّاً بالولاية الخاصّة
كالولاية على أموال الصغير والمجنون والسفيه، أو بالولاية العامّة كالوليّ العامّ على أموال الامّة وثرواتها وأموال وأملاك المسلمين وأموال من لا وليّ لهم والأموال المجهولة المالك وما لا وارث لها وغيرها، وهي أمانة شرعية بيده لا يضمنها إلّا مع التعدّي أو التفريط.والحكم بالجواز إنّما صدر من الشارع، فيكون من جملة ما أذن الشارع في إثبات اليد عليه من أموال الغير.
ما يقبضه المتعاقد بالعقد الفاسد يجوز إثبات يده عليه، ولكن لا يتصرّف به؛ لأنّه أمانة شرعية عليه أن يحفظها لمالكها، ولا يكون
إباحة ولا أمانة مالكية؛ لأنّ المالك وإن أقبضه المتعاقد، لكن
إقباضه إيّاه كان بناءً على صحّة المعاملة لا فسادها.نعم، لو احرز رضاه بإثبات اليد عليه أو التصرّف فيه يكون أمانة وإباحة مالكية.وعلى هذا فالمقبوض بالعقد الفاسد هو ممّا أذن الشارع ببقائه في يد المتعاقد على وجه
الاستئمان ، لكنّ الفقهاء افتوا رغم ذلك بكونه مضموناً على القابض.
يجوز للمارّ في مزرعة الغير وبستانه أن يثبت يده على ثمرته فيأكل منها من غير
إفساد . صرّح بهذا المعنى مشهور فقهائنا في كتبهم وظاهر بعضهم المخالفة.
تقدّم أنّ الشارع أذن في إثبات اليد على مال من عليه الحقّ مع جحده له أو
امتناعه عن
أدائه أو تسويفه ومماطلته، بل مع فلسه أيضاً.
صرّح الفقهاء بجواز الأكل والتصرّف في الطعام العائد للغير في موارد، منها:
الأكل من بيوت الأقارب والصديق مع عدم الكراهة؛ تبعاً للنصّ القرآني الوارد في ذلك، بل قد تضمّن النصّ جواز الأكل مما ملك مفتاحه،ومثاله الدار المودعة بيد الغير ونحوه، ومنها: تصدّق الزوجة على المساكين بالطعام العائد لزوجها ونحوه.
تقدّم أنّ
المضطرّ والمكره يجوز لهما إثبات اليد على ما اضطرّا إليه مقيّداً ببعض الشروط.
وقد تقدّم أيضاً.
وقد تقدّم كذلك.ولبعض هذه الموارد أبحاث مفصّلة وشروط تأتي في محالّها.
يجوز إثبات اليد على ما أذن المالك أو الولي على المال التصرّف فيه في حدود ذلك الإذن كما تقدّم، وموارده كثيرة أيضاً، لكن يمكن تقسيمها بعدّة تقسيمات من نواحٍ مختلفة فمن ذلك:
أ- المأذون فيه لمصلحة المالك:
قد يأذن المالك في إثبات الغير يده على ماله لمصلحة نفسه، كما في الوديعة والوكالة
والإبضاع المجّاني ونحوها، فهذه ممّا لا يكون فيه ضمان التلف على المثبت ليده إذا لم يشترط، نعم فيها ضمان
الإتلاف إذا فرّط وتعدّى، وقد وقع عندهم البحث في صحّة اشتراط ضمان التلف في هذه الموارد وعدم صحّته، وتفصيله يطلب في مصطلح (أمانة).
ب- المأذون فيه لمصلحة القابض:وقد يأذن الإنسان للغير في إثبات اليد على ما هو مسلط عليه لمصلحة الغير نفسه، إمّا من جهة الخروج عمّا له من الحقّ عليه بأن فرض توقّف ذلك على تسليط الغير على ماله أو نفسه، كما في
إجارة البدن
والمضاربة والمزارعة
والمساقاة ونحوها، أو تبرّعاً كما في
الإباحة والعارية ونحوهما، فإنّه يجوز له حينئذٍ ذلك؛ لأنّ الشارع أناط ذلك به، وجعل له السلطنة على ماله ونفسه.
لكن لا ينافي ذلك أن يكون مضموناً على الغير مع اشتراطه، ولذلك صرّح كثير من الفقهاء بجواز العارية والإجارة والإباحة بالضمان، وقد يكون المضمون في المعاملات التبرّعية العين أو المنفعة أو هما معاً، وفي المعاملات المعاوضيّة العين وأصل رأس المال فقط، باعتبار أنّ المنفعة والربح داخلان عوضاً في المعاملة.
أ- المأذون في إثبات اليد عليه دون التصرّف فيه ينفع المأذون كالوديعة والوكالة.
ب- والمأذون في إثبات اليد عليه مع التصرّف في المنفعة ينفعه كالعارية.
ج- والمأذون في إثبات اليد عليه والتصرّف فيه ينفعه أيضاً حتى بإتلاف العين، كالطعام المأذون في أكله. ويلحق به موارد
إعراض المالك عن ماله، بناءً على عدم خروجه بذلك عن ملكه.
يحرم إثبات اليد على المال غير المأذون فيه من قبل المالك أو الشارع لعصمته، إلّا أن يكون حربيّاً غير مستأمن ولا معاهد فيجوز؛ لعدم عصمة ماله.
كما يترتّب على إثبات اليد عليه كذلك الضمان.
الموسوعة الفقهية، ج۳، ص۴۴۲-۴۴۶.