الإنفحة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي- بكسر الهمزة وفتح الفاء-: فسّرها
الجوهري بكرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل، وظاهر كلامه أنّها
اسم معدة الحيوان ذي الكرش ما لم يعلف، بينما عرّفها غيره من اللغويين بأنّها شيء يستخرج من
بطن الجدي أصفر، يُعصر في صوفة مبتلّة في اللبن فيغلظ كالجبن، ولا يكون إلّالكلّ ذي كرش. ليس للأنفحة لدى الفقهاء
اصطلاح خاص، إلّاأنّ
الاختلاف المتقدّم الحاصل في عبارات اللغويين صار سبباً في اختلاف كلمات الفقهاء أيضاً، فظاهر بعضهم أنّها نفس الظرف، وظاهر جماعة منهم أنّها عبارة عن المظروف.
الإنفحة- بكسر الهمزة وفتح الفاء-: فسّرها
الجوهري بكرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل،
وظاهر كلامه أنّها
اسم معدة الحيوان ذي الكرش ما لم يعلف، بينما عرّفها غيره من اللغويين بأنّها شيء يستخرج من
بطن الجدي أصفر، يُعصر في صوفة مبتلّة في اللبن فيغلظ كالجبن، ولا يكون إلّالكلّ ذي كرش.
من هنا اعتبر
الفيروزآبادي أنّ تفسير الجوهري للإنفحة بالكرش سهو.
لكن نقل
الزبيدي عن بعض الأفاضل أنّه يتعين أن يكون مراد الجوهري بالإنفحة أوّلًا ما في الكرش وعبّر بها عنه مجازاً لعلاقة المجاورة، فأجاب عنه بأنّه مبنيّ على أنّ بينهما فرقاً، والظاهر أنّه لا فرق.
وقيل في توجيه كلام الجوهري: إنّه لم يفسّر الإنفحة بمطلق الكرش حتى ينسب إلى السهو بل قال: هو كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل، فكأنّه يقول: الإنفحة الموضع الذي يسمّى كرشاً بعد
الأكل ، وقوله بعد ذلك: فإذا أكل فهو كرش صريح في أنّ مسمّى الإنفحة هو الكرش قبل الأكل كغيره من الأشياء التي تختلف أسماؤها باختلاف أحوالها.
ثمّ إنّ كلمات
أهل اللغة غير واضحة في أنّ الإنفحة هل هي اسم للظرف أو المظروف أو مجموعهما؛ ولعلّه لذلك جمع بينهم في
المعجم الوسيط حيث قال: «(هي) جزء من معدة صغار العجول والجداء ونحوهما، ومادة خاصّة تستخرج من الجزء الباطني من معدة الرضيع من العجول أو الجداء أو نحوهما، بها خميرة تجبّن اللبن».
ليس للأنفحة لدى الفقهاء
اصطلاح خاص، إلّاأنّ
الاختلاف المتقدّم الحاصل في عبارات اللغويين صار سبباً في اختلاف كلمات الفقهاء أيضاً، فظاهر بعضهم أنّها نفس الظرف.
قال
ابن إدريس : «الإنفحة- بكسر الهمزة وفتح الفاء-: كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل، فإذا أكل فهي كرش».
وفي
التنقيح الرائع حكاية عن
أبي زيد : «وهي كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل، فإذا أكل فهو كرش».
وظاهر جماعة منهم أنّها عبارة عن المظروف. قال العلّامة في
القواعد : «وهي لبن مستحيل في جوف السخلة».
وقال
المحقّق الأصفهاني : «وهي لبن مستحيل إلى شيء أصفر في جوف السخلة من كلّ ذي كرش، يعصر في صوفة مبتلّة في اللبن فيغلظ كالجبن، فلا يكون إلّا وهي رضيعة»،
ومال إليه
السيّد العاملي والسيّد الخونساري.
بل عن بعضهم أنّ هذا التفسير موافق للأخبار.
واحتمل بعض الفقهاء أنّها اسم لمجموع الظرف والمظروف
كالمحقّق الهمداني حيث قال: «ويحتمل قويّاً أن تكون اسماً لمجموع الظرف والمظروف».
وقال
السيّد الخوئي : «والصحيح في المقام أن يقال: إنّه لا يسعنا تحقيق مفهوم اللفظة المذكورة إلّاعلى سبيل الظن والتخمين، ونظنّ أنّها اسم لمجموع الظرف والمظروف؛ لأنّها لو لم تكن موضوعة بإزائهما وقلنا باختصاصها للمظروف فحسب فما هو اللفظ الذي وضع في لغة العرب بإزاء ظرفه؟ ومن البعيد جدّاً أن لا يكون للظرف في لغة العرب اسم موضوع عليه».
وكيف كان، فلابدّ من البحث عن حكمه على جميع التقادير، كما سيأتي.
لا خلاف في طهارة الإنفحة وحلّيتها وجواز سائر التصرّفات فيها- كالبيع ونحوه- لو استخرجت من الحيوان المأكول اللحم المذكّى، كما هو ظاهر كلام جميع من تعرّض من الفقهاء لهذه المسألة، حيث جعلوا البحث مختصّاً بفرض كونها من الميتة، ومنشأ ذلك ورود النص في استثنائها من نجاسة الميتة، وتفصيل الكلام في ذلك في العناوين التالية:
الظاهر عدم الخلاف في طهارة أنفحة الميتة من مأكول اللحم، بل نسبه
العلّامة الحلّي إلى قول علمائنا،
والسيّد العاملي إلى القطع به في كلامهم،
وقال الفاضل الأصفهاني أنّه ثابت بالإجماع والنصوص،
ونفى
المحقّق النجفي معرفة الخلاف فيه.
منها: صحيحة
زرارة عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن الإنفحة تخرج من الجدي الميّت، قال: «لا بأس به»، قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت؟ قال: «لا بأس به...».
ومنها: خبر
أبي حمزة الثمالي عن
أبي جعفر عليه السلام - في حديث- أنّ قتادة قال له: أخبرني عن الجبن، فقال: «لا بأس به»، فقال: إنّه ربما جعلت فيه أنفحة الميّت، فقال: «ليس به بأس، إنّ الإنفحة ليس لها عروق، ولا فيها دم، ولا لها عظم، إنّما تخرج من بين فرث ودم، وإنّما الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة اخرجت منها بيضة...».
ومنها: خبر الحسين بن زرارة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام- في حديث- قال: سأله
أبي عن الإنفحة تكون في بطن العناق أو الجدي وهو ميّت، قال: «لا بأس به»،
وغيرها.
فلا إشكال إذاً في طهارة الإنفحة في الجملة. نعم، وقع البحث في أنّها هل هي المظروف فقط أو الظرف فقط أو مجموعهما؟ فتارة يفرض صدق الإنفحة على مجموع الظرف والمظروف فلا شكّ حينئذ في طهارتها بمقتضى الأخبار؛ لأنّها ناطقة بطهارة الإنفحة، والفرض صدقها على المجموع. واخرى يفرض صدقها على الظرف خاصّة- مع بعد هذا
الاحتمال في نفسه؛ لأنّ الإشكال في
الأثر للمظروف- فالظرف طاهر؛ للأخبار، وأمّا المظروف فهو أيضاً طاهر؛ إمّا لعدم
إمكان تطهيره كما هو واضح، وإمّا لعدم الدليل على نجاسته؛ لأنّه مائع متكوّن في ظرف طاهر، والفرض أنّ هذا المائع ليس بنفسه من أجزاء الميتة، فهو طاهر ذاتاً.
وثالثة يفرض صدقها على المائع فقط، ولا ريب في طهارة المائع؛ للأخبار، وأمّا الظرف فباعتباره جزءً من الحيوان يحكم بنجاسته؛ لصدق الميتة عليه. نعم، قد يحكم بطهارة سطحه الداخلي؛ لمكان الملازمة بين نجاسته ونجاسة المائع والفرض طهارة المائع فهو طاهر أيضاً، مع إمكان الحكم بنجاسة داخله أيضاً و
الالتزام بعدم تنجّس المائع بالملاقاة؛ لمكان الدليل على طهارة المائع مطلقاً.
قال: «تظهر ثمرة الخلاف في الحكم بطهارة كلّ من الظرف والمظروف على الاحتمالين الأخيرين. أمّا إذا كانت عبارة عن المجموع فلدلالة الأخبار الواردة في طهارة الإنفحة. وأمّا إذا كانت عبارة عن الظرف فقط، فلأنّ المتكوّن في جوفها ليس من أجزاء الميتة ولا هو لاقى شيئاً نجساً فلماذا يحكم بنجاسته؟ وهذا بخلاف ما إذا كانت عبارة عن المظروف فقط، فإنّه لا يحكم حينئذٍ بطهارة ظرفها وجلدها. نعم، الأخبار الواردة في طهارة الإنفحة تدلّ بالدلالة الالتزامية على طهارة السطح الداخل من الجلد أيضاً؛ لاتّصاله بالإنفحة، كما يمكن أن نلتزم بنجاسة داخل الجلد أيضاً ولا نقول بنجاسة ملاقيه بمقتضى ما دلّ على طهارة المظروف».
بناءً على طهارة الظرف يقع البحث في وجوب تطهير ظاهر الإنفحة المتّخذة من الميتة
باعتبار ملاقاتها مع رطوبات الميتة. والمستفاد من كلمات الفقهاء قولان:
الأوّل: وجوب الغسل، اختاره بعضهم
كالشهيد الأوّل في
الذكرى حيث قال: «الأولى تطهير ظاهرها من الميتة؛ للملاقاة».
و
الشهيد الثاني في بعض فوائده على ما نسبه إليه في
معالم الدين حيث قال: «وفي
احتياج ظاهر الجلد إلى الغسل بتقدير طهارة ذاته احتمالان، اختار أوّلهما والدي في بعض فوائده».
وقال المحقّق النجفي: «فالظاهر وجوب غسلها من ملاقاة رطوبات الميتة، وفاقاً للمحكي عن الشهيد الثاني في بعض فوائده، وربما يعطيه ما سمعته من المنتهى وغيره في البيض».
وقال السيّد الخوئي: «وكيف كان، إذا لم ندر بما وضعت عليه لفظة الإنفحة وشككنا في حكمها، فلا مناص من الأخذ بالمقدار المتيقّن منها، وهو المظروف وما يلاصقه من داخل الجلدة فحسب دون خارجها، وهو مشمول لأدلّة نجاسة الميتة وأجزائها. و
الاستدلال على طهارة الجلد بقاعدة الطهارة من غرائب الكلام؛ لأنّه مع دلالة الدليل الاجتهادي على نجاسة الجلد لا يبقى مجال للتشبّث
بالأصل العملي ».
القول الثاني: عدم الوجوب، وهو مختار السيّد العاملي، حيث قال: «وفي وجوب غسل الظاهر من الإنفحة والبيضة وجهان، أظهرهما العدم؛ للأصل و
إطلاق النص، وظاهر كلام العلّامة في المنتهى يعطي الوجوب، وهو أحوط».
ومراده من
الأصل قاعدة الطهارة، إلّا أنّ هذا الاستدلال من غرائب الكلام في نظر السيّد الخوئي؛ لأنّه مع دلالة الدليل الاجتهادي على نجاسة الجلد لا يبقى مجال للتشبّث بالأصل العملي كما تقدّم في عبارته آنفاً. ومراده من الإطلاق الإطلاق المقامي والسكوتي لا الإطلاق اللفظي كما لا يخفى. وهذا كالاستثناء بالنسبة لعمومات نجاسة الميتة وتنجّس ملاقيها بالرطوبة المسرية.
ويظهر ذلك من كلام
المحقّق الأردبيلي أيضاً، حيث ادّعى
الإجماع على طهارة الإنفحة المستخرجة من بطن الحيوان الميّت، قال: «وبالجملة، لو ثبت الطهارة لا
استبعاد ؛ لجواز
استثناء هذا الفرد من نجاسة الملاقي بالنجس مع الرطوبة لو ثبتت الكلّية، مثل الإنفحة فإنّه خارج بالإجماع على الظاهر، والأخبار مع تلك الملاقاة مع شيء زائد».
المعروف عند الفقهاء حلّية الإنفحة؛ لأنّها من جملة المستثنيات من الميتة المحكوم بحلّيتها وطهارتها ذاتاً
ولعلّ وجه حلّيتها كثرة حاجة الناس إليها. ويستدلّ على ذلك بنفس الأخبار المتقدّمة فإنّها تنفي البأس عنها، وهي ظاهرة في الطهارة والحلّية معاً؛ لأنّها من المطعومات فيكون نفي البأس عنها ظاهراً في حلّية الأكل، خصوصاً مع ما في بعضها من التشبيه بالبيض. وكذلك يمكن أن يستدلّ له برواية يونس عنهم عليهم السلام قالوا: «خمسة أشياء ذكيّة ممّا فيه منافع الخلق: الإنفحة والبيض والصوف والشعر والوبر، ولا بأس بأكل الجبن كلّه، ما عمله مسلم وغيره، وإنّما كره أن يؤكل سوى الإنفحة ممّا في
آنية المجوس و
أهل الكتاب ؛ لأنّهم لا يتوقّون الميتة والخمر»،
وغيرها من الروايات.
هذا، ونتيجة الحكم بطهارة الإنفحة وحلّية أكلها جواز كلّ التصرّفات المحلّلة فيها- كبيعها وشرائها و
إطعامها وهبتها ونحو ذلك من التصرّفات- لعدم دليل على المنع بعد ثبوت طهارتها وحلّيتها. نعم، لو قيل بأنّها عبارة عن المظروف وأنّ الظرف ميتة لا يجوز بيعها كان اللازم بيع المظروف لا الظرف.
قال السيّد الخوئي: «وممّا ذكرناه في المقام يظهر
اختصاص هذا الحكم بأنفحة الحيوانات المحلّلة الأكل؛ لأنّ الروايات بين ما ورد في خصوص ذلك وبين ما هو منصرف إليه، وأمّا ما لا يؤكل لحمه كأنفحة الذئب ونحوه فلا دليل على طهارتها، فلا محالة تبقى تحت عمومات نجاسة الميتة...».
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۳۵۰-۳۵۱.