الاجتماع في العقود والمعاملات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
قد يتّفق الجمع بين عقدين في صيغة واحدة، فتارة يكون هذا
الاجتماع بين عقدين فيهما عوض، كالبيع و
الإجارة أو
البيع و
النكاح ، واخرى يكون الاجتماع بين عقدين لا عوض فيهما
كالهبة و
الرهن . والأوّل تارة يكون الاجتماع فيها بين عقود مختلفة من الحكم، واخرى يكون بين عقود متماثلة صفقة بعوض واحد، كما في كتابة عبيد في عقد واحد، أو نكاح نسوة في عقد واحد بعوض واحد.
وقد تعرّض فقهاؤنا إلى اجتماع العقود المختلفة في صيغة واحدة بعوض واحد، كما في مسألة اجتماع
الإجارة والبيع في قوله: آجرتك داري هذا شهراً، وبعتك عبدي هذا جميعاً بألف، أو يقول: زوّجتك بنتي وبعتك داري جميعاً بألف، ونحو ذلك.
وذهب الأكثر
إلى صحة هذه العقود- بل ادعى بعضهم عدم الخلاف فيه- وحكموا بتقسيط العوض بإزاء العقود بالنسبة، وذلك عملًا بعمومات الصحة.
وقد ناقشه البعض تارة: بخروج مثله عن العقود المتعارفة؛
لانصراف دليل الصحة إلى ما كان عقداً مستقلًا بحياله، فلا يشمل الملفّق من عقدين الذي هو غير متعارف.
ويرد عليه بمنع خروج هذا النوع من العقد- وإن كان قليل التحقق- عن حدود التعارف بحيث ينصرف عنه
الإطلاق ، فلا مانع لدى العرف مثلًا من أن يؤجر داره سنة ويبيعه جميع أثاث البيت بمبلغ كذا. كما أنّه لا دليل على
اختصاص أدلّة الصحة بالعقود المتعارفة، بل كل ما صدق عليه عنوان
التجارة عن تراض ولم يكن
الأكل فيه عن سبب
باطل فهو محكوم بالصحة ومشمول للاطلاقات، سواء كان متعارفاً أم لا. وفي الحقيقة ينحل ذلك إلى
بيع وإجارة وإن ابرزا وانشئا
بانشاء واحد، وعليه يقسّط العوض إلى ثمن و أجرة بالنسبة.
واخرى: بجهالة كلٍّ من الثمن و
الأجرة (في مثال البيع والإجارة)، أو المهر والثمن (في مثال النكاح والبيع)؛ لعدم العلم بمقدار كل واحد منهما، فيبطل البيع والإجارة من أجل الجهالة.
وقد اجيب عليه بعدم قدح مثل هذا الجهل؛ لعدم كون المعاملة غررية بعد أن كان المجموع معلوماً.
وبما تقدّم يظهر وجه الحكم بالصحة في اجتماع العقود التي لا
عوض فيها كالهبة والرهن مثلًا.
قد يتفق أن يجتمع شيئان أو أكثر في عقد واحد في مقابل عوض واحد، ولذلك مصاديق مختلفة:
منها: أن يكون مالك الشيئين واحداً، كما لو باع المالك قميصه وثوباً آخر له بعوض واحد في عقد واحد، ولا خلاف بين
الفقهاء في صحة مثل هذا العقد.
ومنها: أن يكون كل من المبيعين في العقد الواحد لمالك غير مالك الآخر. فهنا اختلف الفقهاء في حكم البيع على أقوال:
الأوّل: بطلان البيع؛ وذلك لأنّ هذا العقد بمنزلة عقدين لتعدد المالك، وثمن كل مبيع منهما مجهول، واختار هذا القول
الشيخ الطوسي في
الخلاف ،
و
القاضي ابن البرّاج .
الثاني:
البطلان إذا كان المبيعان مختلفي القيمة والصحة وإن كانا متقاربين فيها، وقد اختاره الشيخ الطوسي في
المبسوط .
الثالث: الصحة مطلقاً سواء كان المبيعان مختلفي القيمة أو متساويين، وهو المشهور بين الفقهاء.
ونحو ما تقدّم لو تزوج شخص أكثر من امرأة في عقد واحد وبمهر واحد، فالمشهور صحة النكاح، قال
الشهيد الثاني : «صحّ النكاح عندنا، لوجود المقتضي له وهو العقد الجامع لشرائطه، و
انتفاء المانع، إذ ليس إلّا جمع المهور على شيءٍ واحد، وهو لا يصلح للمانعية؛ لأنّه على تقدير الصحة يظهر حق كل واحدة بالتوزيع، وعلى تقدير البطلان لا يؤثر في العقد»،
وقال الأكثر بصحة
المهر ؛
لأنّه معلوم جملة، وإن اختلفوا في كيفية تقسيطه عليهن، حيث ذهب البعض إلى تقسيمه عليهنّ بالسوية،
وقال البعض الآخر بأنّه يقسّط على قياس مهور أمثالهن.
من المسائل التي تعرّض فقهاؤنا لها في أبواب العقود البحث في
إمكان اجتماع خيارين في عقد واحد وعدمه، فقد يقال بعدم إمكانه،
وقد ذكر في وجهه بأنّ الخيارين مثلان، واجتماع المثلين مستحيل، والقول بأنّ
الخيار واحد إلّا أنّه مسبب من سببين- المجلس والشرط مثلًا- يلزم منه اجتماع السببين على مسبّب واحد، وهو محال أيضاً.
واجيب عن محذور اجتماع المثلين بأنّ اجتماعهما في الأحكام لا محذور فيه مع
اختلاف الجهتين، فيثبت خيار للبيعين بجهة العيب وآخر بجهة الغبن، وكذا يثبت حق الخيار في العقد بجهتين، فالمماثلة في الامور
الاعتبارية غيرها في المقولات.
واجيب عن محذور اجتماع السببين على مسبّب واحد- لو قيل بوحدة الخيار- بأنّ الأسباب الشرعية ليست كالعقلية مؤثرات وموجدات، بل هي معرّفات للموضوعات أو حكم ونكات للجعل، فلا
استحالة في اجتماعهما كما لو اجتمعت في المجلس والعيب.
ولذا اختار الأكثر امكان اجتماع الخيارين، وأنّه لا محذور عقلي في ذلك.
ومن المسائل التي بحثها الفقهاء أيضاً في أبواب
الوصية و
الوكالة هو إذا أوصى إلى اثنين بشرط الاجتماع أو وكّلهما- وإن كان
التوكيل في الخصومة- أو أطلق الوصية لهما أو توكيلهما، فذكر المشهور
بأنّه لا يجوز لأحدهما أن ينفرد بشيءٍ من التصرفات المرتبطة بالوصية أو الوكالة، بمعنى صدوره عن رأيهما ونظرهما وإن باشره أحدهما.
ومن الأحكام التي تترتب على ذلك هو موت أحدهما، ففي الوكالة يحكم ببطلانها، حيث إنّ المعتبر اجتماع كلا الوكيلين، بينما لا تبطل الوصية بموت أحد الوصيين المشترط اجتماعهما، فإنّه قد يقال بأنّ الوصي الآخر يستقل بالوصية من غير أن يضم إليه الحاكم شريكاً،
وفي قباله قد يقال: إنّه يجوز للحاكم أن يضمّ إلى الباقي شريكاً، وذهب بعض إلى أنّ المتّجه في المقام انتفاء الوصي بناءً على قاعدة انتفاء المركب بانتفاء أحد جزئيه، فينتقل
الأمر إلى
الحاكم كما لو ماتا معاً.
ولذلك فروع ومسائل اخرى ترتبط بها تذكر في محلّها من الموسوعة.
الموسوعة الفقهية، ج۵، ص۱۶۶-۱۷۰.