الاستنجاء بالحجر ذي الجهات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
اختلف الفقهاء- بناءً على وجوب
التثليث - في
إجزاء التمسّح بالحجر الواحد من ثلاث جهات على قولين:
الإجزاء،
بل قيل: إنّه المشهور،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
عدم الإجزاء،
وهو ظاهر من اقتصر على التعبير بثلاثة أحجار،
بل ادعي إنّه المشهور.
وقد استدلّوا على القول الأوّل- مضافاً إلى الإجماع والشهرة المتقدّمين- بالأدلّة التالية:
إطلاق حسنة
ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: للاستنجاء حدّ؟ قال: «لا، حتى ينقى ما ثمّة»،
وموثّقة
يونس عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام:«يغسل ذكره ويذهب الغائط»،
فإنّ في إطلاقهما دلالة على كفاية مجرّد حصول
النقاء وإذهاب الغائط من دون حاجة إلى تعدّد الأحجار.
ونسب ذلك إلى بعض المتأخّرين في الحدائق.
وأورد عليه:
أوّلًا: بأنّه إطلاق لا يقاوم الأخبار المقيّدة بالتعدّد.
وثانياً: بأنّ الظاهر من الروايتين كون مورد السؤال فيهما حول
الاستنجاء بالماء دون الأحجار.
وثالثاً: بأنّ فرض البحث مبنيّ على وجوب التثليث، والروايتان تدلّان بإطلاقهما على عدم وجوبه، إلّاأن يؤوّلان.
أنّ المتبادر من ثلاثة أحجار في أخبار التثليث ثلاث مسحات بالحجر، فهو من قبيل ضربته عشرة أسواط الذي يراد به عشر ضربات بسوط.
وممّا يدلّ عليه قول
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا جلس أحدكم لحاجته فليتمسّح ثلاث مسحات»،
وفيهما: «إذا تغوّط أحدكم فليمسح ثلاث مرّات». فإنّ المطلوب هو ثلاث مسحات ولو بحجرٍ واحد.وأجيب عنه:
أوّلًا: بأنّ رواية المسحات مجهولة السند وضعيفة؛ لأنّها واردة عن طريق الجمهور.
وثانياً: بأنّ هناك فرقاً واضحاً بين ثلاث مسحات بحجر واحد وبين ثلاث مسحات بثلاثة أحجار،
فإرادة المسحات بحجر واحد من قولنا: (امسحه بثلاثة أحجار) مجاز قطعاً، وهو موقوف على القرينة؛ لأنّه خلاف مدلول اللفظ.والفارق بينه وبين ما شبّه به وجود القرينة فيما شبّه به على
إرادة المعنى المجازي دونه،
ولا تطابق بين قول الإمام الصادق عليه السلام: «جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار»
وبين (اضربه ثلاثة أسواط)؛ إذ هو من قبيل (اضربه بثلاثة أسواط)، وفرق بين الصيغتين؛
إذ أنّ الجملة مع حرف الباء تعني ثلاث ضربات بثلاثة أسواط، وأمّا بدونها فتعني ثلاث ضربات بسوطٍ واحد، ولمّا كانت الثلاثة في الحديث الشريف مقرونة بالباء فلابدّ أن يكون المراد بها التعدّد في
المسح والماسح الذي هو الأحجار الثلاثة.
وثالثاً: بأنّ السوط في المثال مصدر ساط، أي ضرب بالسوط، فقولك:(ضربته خمسين سوطاً) عبارة اخرى عن (ضربته خمسين مرّة بالسوط)، فسوط مفعول مطلق للضرب، أي ضربته كذا مقداراً ضرباً بالسوط، فالتعدّد في المثال إنّما هو في الضرب لا في السوط. وأين هذا من قول أبي جعفر عليه السلام في حديث زرارة: «يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار»
؟! حيث إنّ التعدّد فيه في الآلة التي يتمسّح بها أعني الأحجار، ولا تطابق بين الأحجار الثلاثة والحجر الواحد وإن كان ذا جهات ثلاث.
أنّ المقصود هو
إزالة النجاسة، وهي تحصل بالحجر ذي الشعب أيضاً.
وأورد عليه:
أوّلًا: بأنّه مصادرة محضة؛
لأنّ الكلام في الطريقة التي أقرّها
الشارع في إزالة النجاسة هل تستلزم تعدّد الأحجار أم يكفي ذو الجهات الثلاث؟فالإزالة حكم شرعي يتوقّف تحقّقه على
إقرار الشارع وتأييده.
وثانياً: بأنّه لا يقين
بالطهارة إلّامع التثليث بالأحجار.
لا فرق بين
اتّصال الأحجار وانفصالها؛ لأنّها لو انفصلت لأجزأت قطعاً، فكذا مع اتّصالها، وليس في
الانفصال خصوصيّة مؤثّرة في التطهير، وأيّ عاقل يفرّق بين الحجر متّصلًا بغيره ومنفصلًا.
وأجيب عنه: بأنّه
مصادرة محضة؛ لأنّ عدم الفرق أوّل الكلام؛ لوجود النصّ في أحدهما دون الآخر، والغالب في أبواب العبادات- خصوصاً الطهارة- رعاية جانب التعبّد؛
فإنّ الأحكام التعبّديّة لا سبيل إلى
استكشاف ملاكاتها بالوجوه الاعتبارية
والاستحسانات ؛ إذ من المحتمل أن يكون للانفصال خصوصية مؤثّرة في حصول الغرض، ولولا هذا
الاحتمال للزم الحكم بكفاية الغسلة الواحدة فيما يجب فيه الغسلتان إذا كانت الغسلة بمقدار الغسلتين بحسب الكمّ والزمان.
إذاً، فلا
ملازمة بين الاتّصال والانفصال، فإنّ حكم الشارع بإجزاء الشيء في حال لا يقتضي إجزاءه في كلّ حال.
أنّه لو استجمر ثلاثة أشخاص بحجرٍ لأجزأ كلّ واحدٍ عن حجر،
فيكون الحجر الواحد بحكم الثلاثة؛
لأنّه بالنسبة إلى كلّ واحدٍ منهم يعدّ حجراً، فكذلك الواحد.
وأجيب عنه بأنّ الفرق بين
استجمار كلّ واحد بالحجر واستجمار شخص واحد واضح؛ لصدق تعدّد الأحجار في كلّ واحد من هؤلاء الأشخاص، بخلاف الواحد؛ لعدم صدق العدد عليه،
فالملازمة ممنوعة،
وأيّ عاقل يحكم على الحجر الواحد بأنّه ثلاثة نقله عن
قطب الدين الرازي في
الروض،
؟على أنّ الاستجمار بهذه الصورة يلزم منه
الإخلال باشتراط الطهارة في أحجار الاستجمار.
ويدل على القول الثاني- وهو عدم الإجزاء مضافاً إلى الشهرة المتقدّمة التي نوقش في تحقّقها
- بالأدلّة التالية:
الأوّل: ظواهر النصوص،
بل صريح بعضها،
كقول
أبي جعفر عليه السلام في صحيحة
زرارة : «يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار»،
وغيرها؛كما روى زرارة عن الباقر عليه السلام أنّه قال: «جرت السنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار».
وغيرها من الروايات من طرقنا وطرق الجمهور.
لتبادر التعدّد والانفصال من «ثلاثة أحجار»،
وعدم صدق الثلاثة على الحجر الواحد.
مضافاً إلى تقييد الأحجار بالأبكار الواردة فيما روي عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: «جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار، ويتبع بالماء»،
وهي قرينة على الانفصال أيضاً.
وأورد على الصحيحة بأنّها ضعيفة الدلالة على المطلوب؛
لأنّ المتبادر من ثلاثة أحجار ثلاث مسحات
بقرينة الروايات المتقدّمة الدالّة على كفاية ثلاث مسحات. وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا جلس أحدكم لحاجته فليتمسّح ثلاث مسحات»، وقد تقدم في أدلّة القول بالإجزاء.
على أنّه لو كنّا وظاهر الأحجار الواردة في النصوص لما أمكن التعدّي إلى غيرها من الخرق ونحوها،
وهو خلاف المشهور.
الدليل الثاني:
استصحاب حكم النجاسة حتى يعلم حصول المطهّر لها شرعاً، وهو لا يعلم إلّامع التثليث.
الدليل الثالث: أنّ التثليث مقتضى
الاحتياط ، فلابدّ من الالتزام به.
حيث حكم أكثرهم بأنّ هذا الاحتياط لا يترك.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۲۸۱-۲۸۵.