الانقباض
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
اجتماع بعض الأشياء مع بعض .
الانقباض- لغةً-: ضدّ
الانبساط ، بمعنى التجمّع
واجتماع بعض الشيء إلى بعض،
فيقال: انقبض الحديد واللحم بالبرودة أو الحرارة، في قبال انبساطه بمعنى
امتداده وزيادة حجمه.
وهذا هو المعنى الحقيقي للانقباض، وقد يستعمل في معان أخرى لها
ارتباط وثيق بالمعنى الحقيقي، وهي:
۱- انقباض الشيء في المعاملات: وهو صيرورته مأخوذاً، وقبض المبيع: هو تحويل المتاع إلى حيّز
الإنسان ، ويكنّى به عن قبول المتاع.
۲- الانقباض عن الشيء أو عن فلان أو عن الناس: ويأتي بأحد المعاني الثلاثة التالية:
أ-
الاشمئزاز .
ب- الاستحياء
والاحتشاء منهم.
ج-
اعتزالهم والتجنّب عنهم.
۳- انقباض الوجه: ويستعمل بأحد معنيين:
أ-
العبوسة والخشونة مقابل
البشاشة والبشر.
ب- تسلّط ضيق معنوي وهمّ وغمّ على الإنسان.
۴- انقباض اليد: ويكنّى به لأحد معنيين:
أ- عدم
القدرة .
ب- البخل والامتناع عن الجود.
ولا يخرج استعمال الفقهاء للانقباض عن معانيه اللغوية المتقدمة.
تقدّمت إطلاقات الانقباض ومعانيه، وليس الكلام في جميع تلك الإطلاقات، فإنّ البحث عن الانقباض بمعنى الاعتزال أو القبض أو البخل أو عدم القدرة ولا بسطها كما في بحث
الولاية مع بسط يد
الإمام أو انقباضها موكول إلى محلّه من مصطلح (اعتزال، بخل، عزلة، قبض، ولاية)، وإنّما نتعرّض هنا لبعض الفروع
إجمالًا بحسب سائر الإطلاقات.
صرّح كثير من الفقهاء بأنّه لا يجب
إعلام الفقير بأنّ المدفوع إليه زكاة،
وادّعي عدم الخلاف فيه،
بل
الإجماع عليه،
بل لو كان ممّن يترفّع ويدخله الحياء منها وهو مستحقّ يستحبّ دفعها إليه على وجه الصلة ظاهراً والزكاة واقعاً.
ويدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق الأدلّة رواية
أبي بصير ، قال: قلت
لأبي جعفر عليه السلام: الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزكاة، فاعطيه من الزكاة ولا اسمّي له أنّها من الزكاة، فقال: «أعطه ولا تسمّ له ولا تذلّ المؤمن».
نعم، ورد في رواية
محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: الرجل يكون محتاجاً فيبعث إليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه
الصدقة ، يأخذه من ذلك ذمام(الذمام: حفظ الحرمة.)
واستحياء وانقباض، فنعطيها إيّاه على غير ذلك الوجه وهي منّا صدقة، فقال: «لا، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها، فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إيّاه، ما ينبغي له أن يستحيي ممّا فرض اللَّه (عزّوجلّ)،إنّما هي فريضة اللَّه له فلا يستحيي منها».
ولكن أعرض عنه الفقهاء،
مع أنّ الأوّل نصّ في الجواز، فلا يقوى الثاني على صرفه وإن كان ظاهراً في المنع.
فيمكن حمله على الكراهة.
على أنّه يمكن الجمع بين مدلولي الخبرين بالقول بعدم وجوب إعلام الفقير بأنّ المدفوع إليه زكاة، لكن لابدّ من قصده إجمالًا لها في تمليكها، ولا يكفي عدم القصد ولا قصد العدم.
ذكر الفقهاء أنّ المرتبة الاولى من مراتب النهي عن المنكر أن يعمل عملًا يظهر منه
الانزجار القلبي، وأنّه طلب منه بذلك فعل المعروف وترك المنكر، وله درجات كغمض العين والعبوس والانقباض في الوجه.
يكره للقاضي الانقباض في وجه الخصوم، فإنّه يمنع من النطق بالحجّة، والتفطّن بها وتحريرها على وجه الكمال، كما يكره له الانبساط واللين الذي لا يؤمن معه من جرأة الخصوم، ويسقط محلّه عن القلوب.
والظاهر أنّ هذا الحكم مردّه إلى تأمين سلامة العلاقة بين القاضي وأطراف النزاع، وإلّا فهو من باب المثال، فينبغي للقاضي أن يوفّر كلّ الظروف المناسبة التي تسمح لطرفي النزاع
بإبداء ما عندهما من
اتّهام أو دفاع، لكن بحيث لا يؤدّي ذلك إلى التأثير السلبي على
القاضي نفسه بحيث يصل المتّهم من الجرأة حدّاً يؤثّر على القاضي
واستقلال العملية القضائية.
لو لم يعلم
تذكية اللحم المطروح فالواجب
اجتنابه على رأي جمع من الفقهاء؛
لأصالة عدم التذكية، وقال جمع آخر: إنّه يطرح اللحم في النار، فإن انقبض بالحرارة فيحكم بالتذكية، أمّا مع انبساطه فهو ميّت،
وادّعي أنّه إجماعي.
ومستنده ما رواه
إسماعيل بن شعيب عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام في رجل دخل قرية فأصاب بها لحماً لم يدر أذكيّ هو أم ميّت، فقال: «فاطرحه على النار، فكلّ ما انقبض فهو ذكي، وكلّ ما انبسط فهو ميّت».
وكذا ما روي عنه أيضاً عليه السلام أنّه قال:«... وإذا وجدت لحماً ولم تعلم أذكي هو أم ميتة، فألق قطعة منه على النار، فإن انقبض فهو ذكي، وإن استرخى على النار فهو ميتة».
وقد حاول بعض الفقهاء
اعتماد هذا السبيل الوارد في الأخبار للتمييز بين المذكّى والميتة عند
الاختلاط مستغرباً من عدم تعرّض الفقهاء لهذه الطريقة في التمييز مع كون الرواية الاولى صحيحة السند.
وذكر بعض الفقهاء أنّه قد يستشكل في هذا الطريق لمعرفة المذكّى بأنّ الوارد هو سوق المسلمين ونحو ذلك فيعارض هذان الخبران هنا تلك الأمارات الاخرى المذكورة في محلّه.واجيب بعدم المعارضة؛ بداهة أنّهما مثبتين ولا تعارض بينهما، فكلّ واحد منهما يشير إلى سبيل لمعرفة المذكّى، ولا ضير في ذلك.
والتفصيل في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۴۳۹-۴۴۲.