المسائل في بدل الهدي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
قال الإمام الصادق عليه السلام: «من لم يصم في ذي الحجة حتى هلّ هلال
المحرّم فعليه دم شاة وليس له صوم، ويذبحه بمنى».
(ولو خرج ذو الحجّة ولم يصم الثلاثة) بكمالها سقط عنه الصوم و (تعيّن) عليه (
الهدي في القابل بمنى) عند علمائنا وأكثر العامة كما في المدارك،
وفي غيره
الإجماع كما عن صريح الخلاف،
بل قيل : نقله جماعة؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى الصحيح : «من لم يصم في ذي الحجة حتى هلّ هلال
المحرّم فعليه دم شاة وليس له صوم، ويذبحه بمنى».
وإطلاقه بل عمومه يعمّ الهدي و
الكفارة واحتمال اختصاصه بالثاني لا وجه له سيّما مع استدلال الأصحاب به فيما نحن فيه. والصحيح : عمن نسي الثلاثة الأيام حتى قدم أهله، قال : «يبعث بدم».
لكنه معارض بالصحاح المستفيضة على أن من فاته صومها بمكة لعائق أو نسيان فليصمها في الطريق إن شاء، وإن شاء إذا رجع إلى أهله،
من غير تقييد ببقاء الشهر وعدم خروجه، بل هي مطلقة شاملة له ولغيره، وبها أفتى الشيخ ; في التهذيب،
ونقل عن المفيد أيضاً،
لكنه رجع عنه في الخلاف كما عرفت. وفي
الاستبصار جمع بينها وبين الصحيحة بحملها على صورة خروج الشهر، وحمل هذه الأخبار على بقائه.
واستبعده في الذخيرة، واستحسن الجمع بينهما بتقييد الصحيحة بالناسي دون غيرها.
وجمع الشيخ أولى؛ لاعتضاده بعد الشهرة والإجماعات المنقولة بظاهر الكتاب والسنة والإجماع الموقِّتة لهذا الصوم بذي الحجة، ومقتضاها سقوطه بخروجه. وتقييدها بحال التمكن و
الاختيار من إتيانه في مكة ليس بأولى من تقييد الصحاح بها، بحملها على بقاء ذي الحجة، بل هذا أولى من وجوه شتّى، ومنها بعد ما ما مضى ـ : قطعية الكتاب والسنّة التي بمعناها دون هذه، فإنها آحاد وإن كانت صحاحاً.
وهل يجب مع دم الهدي دم آخر كفارة، كما في صريح
المنتهى وعن ظاهر المبسوط والجامع،
أم لا، كما هو ظاهر المتن وغيره من عبائر الأكثر؟ الأحوط الأول. واستدل عليه في المنتهى بأنه ترك نسكاً، وقال صلي الله عليه وآله وسلم: «من ترك نسكاً فعليه دم»
وبأنه صوم موقّت وجب بدلاً فوجب بتأخيره كفارة، كقضاء رمضان. وهو كما ترى، وسند الخبر لم يتّضح لنا، فعدم الوجوب للأصل لعلّه أقوى.
(ولو صام الثلاثة في الحج) لفقد الهدي وثمنه (ثم وجد الهدي لم يجب) عليه على الأشهر الأظهر، وعن الخلاف الإجماع عليه؛
للأصل، وظاهر الآية، وصريح الخبر
المنجبر ضعفه بالعمل.
(لكنه أفضل) بلا خلاف يظهر، وبنفيه صرّح بعض خروجاً عن شبهة القول بالوجوب مطلقاً كما عن المهذّب،
أو إذا وجده قبل التلبس بالسبعة في وقت الذبح كما عن
القواعد .
وللخبر : عن رجل تمتّع وليس معه ما يشتري به هدياً، فلمّا أن صام ثلاثة أيام في
الحج أيسر، أيشتري هدياً فينحره، أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله؟ قال : «يشتري هدياً فينحره، ويكون صيامه الذي صامه نافلة».
وإنما حمل على الفضل جمعاً ولضعف السند. وظاهر العبارة ونحوها وجوب الهدي لو لم يصم الثلاثة بكمالها، كما عن الأكثر.
خلافاً للمحكي عن الخلاف والحلّي والفاضل في جملة من كتبه،
فاكتفوا في سقوط الهدي بمجرد التلبس بالصوم، وعليه المقداد في
كنز العرفان .
واستدل عليه في المنتهى بإطلاق الآية وجوب الصوم على من لم يجد الهدي، قال : لا يقال : هذا يقتضي عدم
الاجتزاء بالهدي وإن لم يدخل في الصوم، لأنا نقول : لو خلّينا والظاهر لحكمنا بذلك لكن الوفاق وقع على خلافه، فيبقى ما عداه على
الأصل .
انتهى. والمسألة محل إشكال، و
الاحتياط يقتضي المصير إلى الأول.
(ولا يشترط في صوم السبعة التتابع) على الأشهر الأقوى، بل في المنتهى وعن التذكرة
: أنه لا يعرف فيه خلافاً. للأصل، وإطلاق
الأمر ، وصريح الخبر
المنجبر بالعمل. خلافاً للمحكي في المختلف عن العماني والحلبي،
وفي التنقيح عن المفيد وابن زهرة العلوي، فاشترطوه،
وقوّاه في المختلف لآخَر، وربّما عدّ من الصحيح ـ : عن صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة، أيصومها متوالية أو يفرّق بينها؟ قال : «يصوم الثلاثة الأيام لا يفرّق بينها، والسبعة لا يفرّق بينها».
وأيّد بالحسن : «السبعة الأيام والثلاثة الأيام في الحج لا تفرّق أبداً، إنما هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين».
وليسا نصّاً، فيحتملان الحمل على
الكراهة توفيقاً بين الأدلة، المؤيدة بعموم الصحيح : «كلّ صوم يفرّق إلاّ ثلاثة أيام في كفارة اليمين»
ومع ذلك فلا ريب أن التتابع مهما أمكن أحوط.
(ولو أقام) من وجب عليه صوم السبعة
بدل الهدي (بمكة) شرّفها الله سبحانه (انتظر) بصيامها مضيّ (أقلّ الأمرين من) مدّة (وصوله إلى أهله ومضيّ شهر) بلا خلاف فيه أجده في الجملة، وبه مطلقاً صرّح في الذخيرة،
وفي غيرها : إنه مقطوع به في كلامهم؛ للصحيح : «وإن كان له مقام بمكة وأراد أن يصوم السبعة، ترك الصيام بقدر مصيره إلى أهله أو شهراً، ثم صام».
قيل : وأوجب القاضي والحلبيّون
الانتظار إلى الوصول ولم يعتبروا الشهر، وحكى
ابن زهرة الإجماع، ورواه المفيد عن
الصادق عليه السلام ،
ويوافقها مضمر أبي بصير في الكافي والفقيه.
أقول : ونحوه الصحيح : في المقيم إذا صام الثلاثة الأيام ثم يجاور، ينظر مقدم
أهل بلده، فإذا ظنّ أنهم قد دخلوا فليصم السبعة الأيام.
لكنه مقطوع، كما أن الأول مرسل، فيضعف الخبران بهما عن المقاومة لما مرّ من الصحيح، مع أنه مفصِّل، فالعمل به أقوى من العمل بالمطلق، بل ينبغي تقييده. ثم قصر الماتن الحكم على المقيم بمكة ظاهر جمع، ومنهم الصدوق والشيخ والقاضي وابنا سعيد وإدريس فيما حكاه بعض الأفاضل، قال : وعمّمه الحلبيّان لمن صدّ عن وطنه، وابن أبي مجد للمقيم بأحد الحرمين، والفاضل في التحرير لمن أقام بمكة أو الطريق، وأطلق في التذكرة من أقام لكنه استدل بالصحيح المتقدم. والوجه قصر الشهر على المنصوص؛ للأمر في الآية بالتأخير إلى الرجوع، غاية الأمر تعميمه ما في حكمه وإلاّ لم يصمها من لا يرجع.
انتهى. وبما استوجهه صرّح شيخنا
الشهيد الثاني ،
وتبعه سبطه في المدارك وصاحب الذخيرة،
لكن لم يعتبرا الرجوع الحكمي، بناءً على أن ظاهر الآية الرجوع الحقيقي. وهو حسن، إلاّ أن مقتضاه عدم لزوم صومها لمن يريد
الإقامة بها أبداً، ولعلّه خلاف الإجماع، وإلى هذا أشار الفاضل المتقدم بقوله : وإلاّ لم يصمها من لا يرجع، في تعليل تعميم الرجوع للحكمي مطلقاً. وبناءً على أن المراد بالإقامة في الفتوى والرواية المجاورة الأبدية، لا مطلق المجاورة.
وفي تعيّنه إشكال؛ لصدق الإقامة بغير ذلك مثل المجاورة سنةً لغةً وعرفاً؛ مضافاً إلى وقوع التصريح بذلك في رواية أبي بصير المتقدمة، فإنّ فيها : عن رجل تمتّع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة أيام، فلما قضى نسكه بدا له أن يقيم بمكة سنة، قال : «فلينتظر منها أهل بلده، فإذا ظنّ أنهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام» وهي وإن كانت مرسلة لكنها معتضدة بإطلاق لفظة الإقامة لغةً وعرفاً. وحينئذ فيتّجه ما ذكراه من
اعتبار الرجوع الحقيقي حيث يتوقع ويمكن. ولعلّ هذه الصورة مرادهما، أو يتأملان في وجوب السبعة لمن لا يريد الرجوع ابداً لاشتراطه بالرجوع المفقود هنا، ولكنه بعيد جدّاً. ثم إنه ليس في الصحيحة المتقدمة وكلام الأكثر تعيين مبدأ الشهر أهو بعد انقضاء
أيام التشريق كما عن جماعة،
أو يوم يدخل مكة كما احتمله آخرون،
أو يوم يعزم على الإقامة كما احتمله في الذخيرة، وفيها : إن الرواية لا تخلو عن إشعار به.
وهو كذلك.
(ولو مات) من وجب عليه الصوم بدل الهدى (ولم يصم) فإن لم يكن قد تمكّن من صيام شيء من العشرة سقط الصوم ولا يجب على وليّه القضاء عنه ولا
الصدقة عنه، لما مرّ في كتاب الصوم. وفي المنتهى هنا : ذهب إليه علماؤنا وأكثر الجمهور.
وقريب منه ظاهر الصيمري، فادّعى إطباق الفتاوي على اعتبار التمكن، وجعله المقيّد للنص الآتي بإطلاق القضاء عنه، وردّ بذلك على بعض من حكي عنه عدم اعتباره إياه. وهو حسن.
وإن تمكّن من فعل الجميع ولم يفعل قال الشيخ : (صام الولي عنه الثلاثة) الأيام (وجوباً، دون السبعة)
وتبعة الماتن هنا وجماعة كما قيل؛
للصحيح : عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحج ولم يكن له هدي، فصام ثلاثة أيام في ذي الحجّة، ثم مات بعد أن رجع إلى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيام، أعلى وليّه أن يقضي عنه؟ قال : «ما أرى عليه قضاء».
وفيه : أن ظاهر نفي
القضاء مطلقاً، كما عليه الصدوق في الفقيه، ولكنه استحبه؛
وذلك فإن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل. خلافاً للحلّي وأكثر المتأخرين،
بل المشهور كما قيل،
فيجب عليه قضاء السبعة أيضاً؛ للصحيح : «من مات ولم يكن له هدي لمتعة فليصم عنه وليّه».
وفيه : أن هذا ظاهر وما مرّ نصّ، فليقدّم عليه ويحمل على
الاستحباب ، كما صرّح به الصدوق في الفقيه. لكن شهرة العمل بهذا، واعتضاده بعموم نحو الصحيح : في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام، قال : «يقضي عنه أولي الناس بميراثه»
المعتضد بدعوى الإجماع عليه في
السرائر والمختلف،
وبه استدلا على الوجوب هنا ربما يوجب المصير إليه، وصرف التأويل في الصحيح الأول بما في المنتهى من حمله على ما إذا لم يتمكن من القضاء.
إلاّ أن يقال : إن الشهرة ليست بتلك الشهرة الموجبة لصرف الأدلّة عن ظواهرها بمقتضى القواعد الأُصوليّة، وعموم نحو الصحيحة وشمولها لمفروض المسألة غير واضح كما صرَّح به في
الذخيرة ،
ودعوى الإجماع في محل النزاع المصرَّح به في كلام الناقل له ربما تكون ممنوعة، مع أن عبارة السرائر في الوجوب غير صريحة، فإنه قال : والأولى والأحوط أنه يلزمه القضاء عنه، فتأمل. وكيف كان، فلا ريب أن الوجوب أحوط، بل لا يترك، سيّما في الثلاثة.
(ومن وجب عليه بدنة في كفارة أو نذر وعجز) عنها ولم يكن على بدلها نصّ بخصوصها كفداء
النعامة (أجزأه سبع شياه) كما هنا وفي
الشرائع والسرائر والتهذيب والقواعد والمنتهى والتحرير،
وعن النهاية والمبسوط،
وفي المنتهى ما ربما يشعر بإجماعنا عليه،
قال : للنبوي فيمن أتاه عليه السلام فقال : إنّ عليّ بدنه وأنا موسر لها ولا أجدها فأشتريها، فأمره عليه السلام أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن.
والخاصي الصحيح على قول قوي، أو القريب منه على آخر : في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء، قال : «إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكة أو في منزله».
قيل : ولاختصاصه بالفداء اقتصر عليه ابن سعيد، واقتصر الصدوق في الفقيه والمقنع على الكفّارة، وهي أعم من
الفداء .
أقول : ولكن النبوي عام وقصور السند أو ضعفه مجبور بعمل الأصحاب سيّما الحلّي، كما انجبر به ضعف الخاصي إن كان، وبذيله أفتى الشيخ في كتبه المتقدمة والفاضل في التحرير والمنتهى أيضاً. ولو وجب عليه سبع شياه لم يجزه
البدنة وإن كانت السبعة بدلاً عنها؛ لفقد النص.
وفي إجزاء البدنة عن البقرة وجهان، أظهرهما العدم، خلافاً للتحرير والمنتهى
فاستقرب
الإجزاء ، قال : لأنها أكثر، وهو كما ترى.
(ولو تعيّن عليه الهدي ومات) قبله (أُخرج من أصل تركته) لأنه دين مالي وجزء من الحج الذي يخرج كلّه منه. ولو قصرت
التركة عنه وعن الديون وزّعت التركة على الجميع بالحصص. وإن لم تف حصّته بأقلّ هدي ففي وجوب إخراج جزء من الهدي مع
الإمكان ومع عدمه فيعود ميراثاً، أو العود ميراثاً مطلقاً، أو الصدقة به عنه كذلك، أوجه وأقوال، والقول بوجوب
إخراج الجزء من الهدي مع الإمكان والصدقة به مع عدمه لا يخلو من رجحان.
رياض المسائل، ج۶، ص۴۴۱- ۴۵۱.