الوصايا المبهمة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وفيه
أطراف : لو أوصى بجزء من ماله، لو أوصى بسهم من ماله، لو أوصى بشيء من ماله، لو أوصى بوجوه ونسي
الوصي وجهاً منها، لو أوصى بسيف وعليه حلية، لو أوصى بصندوق وفيه مال، لو أوصى بسفينة وفيها طعام، عدم جواز
إخراج الولد من
الإرث .
( من أوصى بجزء من ماله ) ولم يكن ثمة قرينة من عرف أو عادة على تعيينه ( كان )
الموصى به هو:
( العشر ) من أصل التركة لا من الثلث ، إلاّ أن يضيفه إليه، وفاقاً للصدوقين والطوسي في كتابي الأخبار،
واختاره الفاضل في المختلف وولده والشهيد في
الدروس واللمعة والمحقق الثاني؛
اقتصاراً فيما خالف
الأصل على المتيقن، وليس إلاّ العشر؛ للاتفاق عليه نصّاً وفتوى؛ وللنصوص المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر، مروية في الكتب الأربعة،
وعن غيرها من الكتب المشهورة كتفسير العياشي ومعاني الأخبار و
الفقه الرضوي،
وفيها الصحيح وغيره.
(وفي رواية) أنه (السبع) وهي مستفيضة، وفيها الصحيح وغيره، مروية أيضاً في
الكتب الأربعة وعن غيرها من الكتب المشهورة كتفسير العياشي وإرشاد المفيد،
وإليها ذهب الأكثر، كالمفيد والنهاية و
الإسكافي والديلمي والقاضي وابن زهرة
مدعياً عليه إجماع
الإمامية .
والمسألة محل شبهة؛ لاعتضاد الرواية الأُولى بالأصل والكثرة، ولذا نسبها في
الشرائع إلى أشهر الروايتين؛ والثانية بالشهرة العظيمة، وحكاية
الإجماع المتقدمة.
فالأحوط الرجوع فيما زاد على العشر إلى الصلح حيث أمكن، وإلاّ فالتوقّف، وإن كان المصير إلى مختار الأكثر لا يخلو عن قرب.
(و) أمّا ما (في) رواية (أُخرى) من أنه (سبع الثلث)
فمع ضعف سنده شاذّ غير معمول به، فليطرح، أو يحمل على صورة
إضافة الجزء إلى الثلث دون أصل المال كما هو الفرض.
(ولو أوصى بسهمٍ) من ماله ولم يكن قرينة على تعيينه (كان ثمناً) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخّر؛ للأصل، والمعتبرة، وفيها الصحيح وغيره.
خلافاً لوالد
الصدوق ،
فالسدس؛ للرضوي : «فإن أوصى بسهمٍ من ماله فهو سهم من ستّة أسهم، وكذلك إذا أوصى بشيء من ماله غير معلوم فهو واحد من ستة».
وتبعه الطوسي في
المبسوط والخلاف وابن زهرة؛
للعامي : إن رجلاً أوصى لرجلٍ بسهم من المال، فأعطاه
النّبي صلي الله عليه وآله وسلم السدس.
وفي ظاهر الغنية الإجماع عليه، قال : وقد روي عن إياس بن معاوية في السهم أنه قال : هو في اللغة السدس.
وهذه الأدلّة كما ترى مع مخالفتها
الأصل لا تقاوم الأدلّة؛ لاعتضادها بالشهرة العظيمة المتقدمة والمتأخّرة.
ومنه ينقدح وجه القدح في دعوى الإجماع المتقدمة، مع أنها في نقله غير صريحة.
وأما الرواية المفسِّرة له بالعشر
فمع ضعفها شاذّة لم أر عاملاً بها، ولا من نقله إلاّ شيخنا في
الروضة ،
فأشار إليه بقيل، ولم أعرف قائله.
(ولو كان) أوصى (بشيء) من ماله (كان سدساً) بلا خلاف يظهر، وبه صرّح بعضٍ،
بل في الغنية و
المسالك وغيرهما
الإجماع عليه.
والروايات هنا متّفقة، منها الرضويّة المتقدّمة، ونحوها غيرها من المعتبرة المرويّة في الكتب المشهورة.
(ولو أوصى بوجوه فنسي
الوصي وجهاً) منها أو أكثر (صرف) المنسي (في) وجوه (البرّ) بلا خلاف يظهر إلاّ من الحلّي تبعاً للطوسي في بعض فتاويه،
فأرجعاه إلى الوارث؛ لبطلانها بامتناع
القيام بها.
والملازمة ممنوعة، مع كونه اجتهاداً في مقابلة بعض المعتبرة بالشهرة : عن
إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلاّ باباً منها، كيف يصنع في الباقي؟ فوقّع عليه السلام: «الأبواب الباقية اجعلها في البرّ».
ومعارضاً بما علّل به المشهور : من خروجه عنهم فلا يعود إليهم إلاّ بدليل، ومن وجوب العمل بالوصية و
تحريم التبديل بالكتاب والسنّة فيصرف في مصرف مجهول المالك، ومن أن صرفه في البرّ عمل بها بقدر
الإمكان ؛ لإرادته القربة فإذا فات الخصوص بقي العموم.
وهذه العلل كما ترى أقوى مما ذكره، وإن كان الأخيرة أخصّ من المدّعى؛ لعدم تماميّتها إلاّ فيما إذا ظهر من الموصي قصد القربة لا مطلقاً، هذا.
مع تأيّدها كالرواية بما ورد في نظائر المسألة، وهي كثيرة، كما ورد في المنذور للكعبة من صرفه في زوّارها،
وفيمن أوصى أن يحجّ عنه بما لا يفي به أنه يصرف في
البر ويتصدّق به،
ونحو ذلك.
وإلى هذا القول أشار بقوله : (وقيل : يرجع ميراثاً) ولا ريب في ضعفه.
(ولو أوصى بسيفٍ وهو في جَفْنٍ) بفتح الأوّل، وهو الغِمد بالكسر (وعليه حِلْيَة دخل الجميع في
الوصية على رواية)
(يجبر ضعفها الشهرة) العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل في المهذب أن كل الأصحاب مطبقون على العمل بها،
وهو ظاهر في الإجماع عليه كما ترى، وقريب منه المحكي عن
التحرير والتذكرة؛
وهو حجة أُخرى جابرة لضعفها أيضاً.
مع أنّها صحيحة إلى الراوي، والراوي عنه ابن أبي نصر المجمع على تصحيح رواياته، فتكون حجة بنفسها ولو لم تكن بالشهرة مجبورة، سيّما مع اعتضادها بموافقة العرف، لشمول اسمه لهما فيه وإن اختصّ بالنصل لغة.
(وكذا لو أوصى بصندوق وفيه مال دخل المال) أيضاً (في الوصية) فإنّ فيه أيضاً تلك الرواية المجبورة بما مرّ إليه
الإشارة ، حتى حكاية الإجماع، إلاّ أن العرف لعلّه لا يساعده، فيشكل من هذه الجهة، ولكن لا مندوحة عن العمل بها إلاّ أن يوجد قرينة على عدم الدخول، فتتّبع، وكذلك في السابق، وفاقاً للّمعة،
والظاهر أن محل النزاع غيره.
(وكذا قيل : لو أوصى بسفينة وفيها طعام؛ استناداً إلى فحوى رواية) عقبة بن خالد عن
مولانا الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل قال : هذه السفينة لفلان، ولم يسمّ ما فيها، وفيها طعام، أيعطيها الرجل وما فيها؟
قال : «هي للّذي أوصى له بها إلاّ أن يكون صاحبها متّهماً وليس للورثة شيء».
والقائل هو المشهور، كما في
المهذب وغيره،
وإنما نسبه إلى القيل المشعر بالتمريض مع
انجبار الرواية هنا أيضاً بالشهرة التفاتاً إلى عدم صراحة الدلالة، فإن غايتها الدلالة على أنها للموصى له، ومرجع الضمير السفينة دون ما فيها، والرواية المنجبرة بالشهرة إنما تكون حجة حيث تكون دلالتها واضحة لا مطلقاً.
نعم، لها دلالة ضعيفة بحسب الفحوى؛ لوقوع قوله عليه السلام: هي له، جواباً عن جواز
إعطاء ما فيها أم لا، فلو لم يجعل المرجع السفينة بما فيها لم يكن الجواب للسؤال مطابقاً.
وإنما قلنا : ضعيفة، من حيث
احتمال أن يكون المراد بالجواب الظاهر في رجوع الضمير إلى السفينة خاصّة التنبيه على
انحصار الموصى به فيها دون ما فيها، وبه تحصل المطابقة أيضاً، فكأنه عليه السلام قال : لا يعطى ما فيها.
فالأصح عدم الدخول؛ للأصل، إلاّ مع وجود قرينة عليه من عرف أو عادة.
وتحتمل الرواية على تقدير الدلالة الحمل على ذلك، وإليه ذهب الفاضل في المختلف وولده في شرح القواعد،
لكنهم حكموا بذلك فيما سبق أيضاً، ولا ريب في حُسنه لولا ما قدّمناه من قوّة دليل خلافه.
ومنه يظهر عدم التعدية إلى ما يشابه مفروض العبارة كالجراب ومظروفه ونحوه لو أوصى بهما، فلا يدخل سوى الظرف.
خلافاً للشيخين والتقي.
ولا فرق في الحكم حيث ثبت بين كون
الموصي عدلاً أم غيره.
خلافاً للنهاية،
فاشترط
العدالة . ولا وجه له كما صرّح به الجماعة، والرواية الأخيرة وإن كانت به مشعرة إلاّ أنها بما قدّمناه ضعيفة.
ولا بين كون الصندوق مقفولاً أم غيره.
خلافاً للمفيد والتقي،
فاشترطاه. و
إطلاق النص حجة عليهما.
(ولا يجوز) للموصي الوصية بـ (
إخراج الولد من
الإرث ولو) كان من (أوصى) بذلك (
الأب ) على الأظهر الأشهر، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر؛ لمخالفة مثل هذه الوصية للكتاب والسنة.
وفي الحديث : «الحيف في الوصية من الكبائر».
وفي آخر : «ما أُبالي أضررت بورثتي أو سرقتهم ذلك المال».
وفي ثالث : «من عدل في وصيّته كان بمنزلة من تصدّق بها في حياته، ومن جار في وصيته لقي الله تعالى يوم القيامة وهو عنه معرض».
وظاهر العبارة وصريح المحكي عن الأكثر في كلام جماعة
بطلان الوصية من الأصل.
خلافاً للمختلف، فأجراها مجرى الوصية بجميع المال لمن عداه، فإن أجاز مضى في الكل، وإلاّ ففي الثلث.
وفيه : أنه خلاف مدلول اللفظ وإن لزم رجوع الحصّة إلى باقي الورثة؛ لأن ذلك ليس بالوصية، بل لاستحقاقهم التركة حيث لا وارث غيرهم، وربما كان ذاهلاً عن الوارث، بل غير عارف به، وإنما غرضه مجرّد
الانتقام منه، فلا يوجد منه القصد إلى الوصية المعتبر في صحتها، مع أن في الصحيح : عن رجل كان له ابن يدعيه، فنفاه ثم أخرجه من الميراث وأنا وصيه، فكيف أصنع؟ فقال عليه السلام: «لزمه الولد لإقراره بالمشهد، لا يدفعه الوصي عن شيء قد علمه»
فتأمّل.
فالأصح ما ذهب إليه الأكثر.
(و) اعلم أن (فيه) أي في المقام (رواية) تضمّنت أن رجلاً وقع ابنه على أُمّ ولد له فأخرجه من الميراث، فسأل وصيّه
مولانا الكاظم عليه السلام عن ذلك، فقال : «أخرجه».
ويظهر من الطوسي في كتابي الحديث والصدوق العمل بها،
إمّا في الجملة كما في الكتابين حيث جعلها قضية في واقعة، أو مطلقاً بشرط وقوع الحدث الذي في الرواية من الوارث الموصى بإخراجه.
ولكنها ( مطرحة ) بين المتأخّرين كافّة ، ومع ذلك بحسب السند ضعيفة من وجوه عديدة ، فلا يجوز العمل بها في مقابلة ما قدّمناه من الأدلّة.
ومقتضاها
انسحاب الحكم بالبطلان في الوصية بإخراج مطلق الوارث ولو لم يكن الولد.
وتخصيصه به في العبارة إنما وقع في مقابلة مورد الرواية المطرحة ، فإنّها كما عرفت به مختصة ، مع كونه هو محل النزاع خاصّة نظراً إلى أنه يظهر من العاملين بها تخصيص الحكم بموردها ، فلا يتعدّونها ، فيكون الحكم بعدم النفوذ في الجملة أو مطلقاً فيما عداه مجمعاً عليه.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۳۶۴- ۳۷۳.