الوصية للحربي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولا تصحّ
الوصية للحربي.
(ولا تصحّ للحربي) على الأظهر الأشهر، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر، إلاّ
الشهيد الثاني وفاقاً لبعض القدماء كالمفيد والحلّي.
وحجّتنا بعد
الإجماع في الأجانب المستفاد من المحكي عن ظاهر
المبسوط حيث قال : وممّن لا تصحّ له الوصية عندنا الكافر الذي لا
رحم له من الميت
الآيات الناهية عن المودّة إليهم، السليمة في المقام عن المعارض بالكلية سوى إجماع الطبرسي المتقدّم الدالّ على جواز المبرّة لأهل الحرب، إلاّ أنه مع عدم مكافأته لهذا الإجماع من حيث اعتضاده بالشهرة العظيمة دونه عام وهذا خاص فليقدّم.
وإطلاقات الكتاب والسنّة، وهي بما قدّمناه مخصّصة؛ لاعتضاده بالشهرة العظيمة وحكاية الإجماع المتقدمة دونها، مع كونها في الدلالة غير صريحة بل ولا ظاهرة، سيّما السنة؛ فإن احتمال
الإجمال فيها بالإضافة إلى ما نحن فيه قائم بلا شبهة ، ولذا لم نتّخذها فيما مضى حجّة ، بل جُعلت مؤيّدة.
مع
إمكان الاستدلال للمنع بالأخبار السابقة من حيث عطفها اليهودي والنصراني ب « إن » الوصليّة الدالّة على أنهما أخفى الأفراد مع أنّ الحربي أخفى بلا شبهة ، فكان ذكره أولى. ولا يعارضه
الاستدلال فيها للنفوذ بآية الوصية الشاملة للوصية لهم ؛ لاختصاصها بالإجماع بالوصايا المحلّلة دون المحرّمة ، وكون الوصية لهم من الاولى دون الثانية محلّ ريبة لو لم نقل بكونها على العكس ؛ لما مضى من الأدلة.
وأمّا ما يقال من شمول اليهودي والنصراني فيها للحربي لأعمّيتهما منه وشمولهما له حيث لا يلتزم بشرائط الذمّة. فمنظور فيه ؛ إذ لا عموم فيهما ، لكونهما نكرتين في سياق
الإثبات لا عموم فيهما لغةً ، بل مطلقان ينصرفان بحكم التبادر إلى الملتزم منهما بشرائط الذمّة ، ولذا يقابلان في
إطلاق الفتاوى والنصوص بالحربي مع أنه أحد أقسامهما على بعض الوجوه ، كما ذكره ، وليس ذلك إلاّ لما ذكرناه : من ظهور اللفظتين في الملتزم بالشرائط خاصّة ، هذا.
مضافاً إلى
الأصل المتقدم في
اشتراط القبول : من عدم الانتقال وتوقفه على الدليل. وهو مفقود في هذا المجال ؛ لما عرفت ، ولأن الوصية تمليك للعين أو المنفعة للموصى له ، وصحتها هنا فرع قابلية الحربي للتمليك له ، وهي غير معلومة ، سيّما مع ما ذكروه : من أنّ أمواله فيء للمسلمين لهم أخذها بعد
الاستيلاء عليها.
وبما ذكرنا استدل على المنع هنا وفي
الوقف له جماعة من أصحابنا
فقالوا : ولأن مال الحربي فيء للمسلمين، فلا يجب دفعه إليه؛ لأنه غير مالك، فلو جازت الوصية لهم لكان إمّا أن يجب على الوصي دفعه إليه وهو
باطل ، لما تقدّم، أو لا يجب وهو المطلوب، إذ لا معنى لبطلان الوصية إلاّ عدم وجوب تسليمها إلى الموصى له.
وأما ما اعترضه به في المسالك بأن فيه منع
استلزام عدم وجوب الدفع للوصية بطلانها، لأن معنى صحتها ثبوت الملك إذا قَبِله، فيصير حينئذٍ ملكاً من أملاكه يلزمه حكمه، ومن حكمه جواز أخذ
المسلم له، فإذا حكمنا بصحة وصيته وقبضه الوصي ثم استولى عليه من جهة أنه مال الحربي لم يكن منافياً لصحّة الوصية، وكذا لو منعه الوارث لذلك، وإن اعترفوا بصحة الوصية. وتظهر الفائدة في جواز استيلاء الوصي على
الموصى به للحربي فيختصّ به دون الورثة، وكذا لو استولى عليه بعضهم دون بعض حيث لم يكن في أيديهم ابتداءً، ولو حكمنا بالبطلان لم يتأتّ هذا، بل يكون الموصى به من جملة التركة لا يختصّ بأحدٍ من الورثة.
فإنه عجيب، فإن بناء المستدل على ثبوت عدم ملكيّته، وعليه بنى الملازمة التي أنكرها. وحاصلها حينئذٍ أن عدم وجوب تسليمها إليه من جهة عدم المالكية كما فرض في صدر العبارة يستلزم
بطلان الوصية؛ لأنّها كما عرفت تمليك عين أو منفعة، وحينئذٍ فكيف يمكنه دعوى صيرورة الموصى به من أملاكه يترتب عليه ما ذكره.
لكن الشأن في إثبات عدم الملكية. وإباحة ما في يده للمسلمين أعمّ منه، إلاّ أن الشك في ثبوتها كافٍ بلا شبهة، لاستلزامه الشك في مثل كون الوصية له وصية، ومعه لا يُوجد ما يدل على الصحة لا من إجماع ولا كتاب ولا سنة.
ولعلّه لما ذكرنا فهم الماتن كغيره من الجماعة من إطلاق عبائر المجوّزين للوصية للكفّار مطلقاً أو في الجملة خصوص
أهل الذمة الذين لهم قابلية التملّك دون أهل الحرب، فيندفع عنه ما اعترضه به في التنقيح : من عدم
اختصاص الأقوال المشار إليها في كلامه بأهل الذمة، كما هو ظاهر العبارة، بل شمل كثير من إطلاق عبائر أربابها
أهل الحرب أيضاً.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۲۸۳- ۲۸۶.