صلاة الجمعة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي ركعتان كالصبح يسقط معهما الظهر بالنص و
الإجماع .
ووقتها ما بين الزوال
زوال الشمس حتى يصير ظلّ كل شيء مثله على المشهور بين الأصحاب.
خلافا للمحكي في الخلاف عن
المرتضى في أوّله فجوّز فعلها عند قيام الشمس.
وهو شاذّ، بل في الخلاف و
روض الجنان وشرح القواعد للمحقّق الثاني
على خلافه الإجماع، وهو الحجّة عليه، مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، وسيأتي إلى جملة منها
الإشارة .
هذا مع أن الحلّي قال بعد نقل نسبة الشيخ هذا القول إلى المرتضى : ولعلّ شيخنا سمعه من المرتضى مشافهة، فإن الموجود في مصنّفات السيّد موافق للمشهور، من عدم جواز
إيقاعها قبل تحقق الزوال.
وهو كما ترى صريح في موافقة السيّد للأصحاب، فلا خلاف ولا إشكال هنا. وإنما
الإشكال في التحديد بالمثل، فإنه وإن كان مشهورا، بل عن
المنتهى أنه مذهب علمائنا أجمع،
إلاّ أن مستنده من النص غير واضح.
بل ظاهر النصوص المعتبرة المستفيضة خلافه، وهو : التحديد بما دونه وأنه عند الزوال وأنه من الأمور المضيّقة كما في الصحاح وغيرها، منها : «إنّ من الأمور أمورا مضيّقة وأمورا موسّعة، وإنّ الوقت وقتان، و
الصلاة ممّا فيه السعة، فربما عجّل
رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وربما أخّر، إلاّ صلاة الجمعة فإنّ صلاة الجمعة من
الأمر المضيّق، إنما لها وقت واحد حين تزول الشمس، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام»
ونحوه غيره.
وفي آخر : «فإنّ وقتها حين تزول الشمس».
وحكي القول بمضمونها عن جماعة من القدماء كابن زهرة و
الحلبي وابن حمزة والجعفي،
وإن اختلفت عبارتهم في التأدية، فقيل
: نص الأوّلان على فواتها إذا مضى من الزوال مقدار
الأذان والخطبتين والركعتين، وفي
الغنية الإجماع عليه، والثاني على وجوب أن يخطب قبل الزوال ليوقع الصلاة أوّله، والثالث على أن وقتها ساعة من النهار.
قيل
: ونحو ابن حمزة محتمل عبارة المهذّب و
الإصباح والمقنعة، فإنّ فيها : إنّ وقت
صلاة الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس،
لما جاء عنهم : «إنّ
النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان يخطب في الفيء الأوّل، فإذا زالت نزل عليه
جبرئيل فقال : يا محمد قد زالت الشمس فصلّ بالناس فلا يلبث أن يصلّي بالناس».
وفي الأوّلين : إن
الإمام يأخذ في الخطبة قبل الزوال بمقدار ما إذا خطب زالت، فإذا زالت صلّى.
ولا ينافي قولهم أخبار التحديد بالساعة،
وإن ضعّفه بها جماعة،
لإجمال الساعة فيها، واحتمالها الساعة التي توقع فيها الصلاة وحدها أو مع الخطبة، مع قصور أسانيدها، بل ضعفها، فلا يمكن المصير بها إلى ما عليه
الجعفي إن أراد من الساعة ما يتوهم منها. ويعضد مختارهم ما يقال من إجماع
المسلمين على المبادرة بها حين الزوال، وهو دليل التضيق، وإلاّ لوقع التأخير أحيانا. وبه يعارض إجماع المنتهى، مع عدم صراحته في دعواه، ووهنه بمصير هؤلاء الأعاظم من القدماء على خلافه، مع أنه لم يحك القول به منهم إلاّ عن ظاهر
المبسوط ،
فتأمّل.
وللحلي قول بامتداد وقتها بامتداد وقت الظهر، لتحقق
البدلية ، و
أصالة البقاء.
واختاره الشهيد ; في جملة من كتبه.
وهو ضعيف في الغاية، فإنّ فيه
إطراحا للأدلة المتقدمة وسيّما الأخبار منها، ويخصّص بها أصالة البقاء وقاعدة البدلية إن سلّمنا، وإلاّ فلا تخلوان عن مناقشة، سيّما الأخيرة، فإنها فرع وجود لفظ دالّ عليها أو على المنزلة في النصوص، ولم أر منها ما يشير إليها بالكلية، نعم ربما أشعر بعض النصوص بأن بناء الضيق على الفضيلة، ففي الصحيح : عن وقت الظهر، فقال : «بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ يوم الجمعة أو في السفر، فإنّ وقتها حين تزول الشمس».
_ولا ريب أن كون وقت الفريضة في السفر حين الزوال ليس على الضيق بل على الفضيلة، لسقوط النافلة، فلتكن الجمعة كذلك، لتقدم نافلتها على الزوال، منه رحمه الله.
وروى الشيخ في المصباح عن
محمّد بن مسلم ، قال : سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الجمعة، فقال : «وقتها إذا زالت الشمس فصلّ ركعتين قبل الفريضة، وإن أبطأت حتى يدخل الوقت هنيئة فابدأ بالفريضة ودع الركعتين حتى تصلّيهما بعد الفريضة».
_لا ريب أن فعل الركعتين بعد الزوال ينافي الضيق المستفاد من تلك الأخبار، وقريب منه الوجه في الصحيح الآتي (منه رحمه الله). وفي الصحيح : «كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك»
فتدبر. وبالجملة : المسألة محل إشكال، ولا ريب أن
الاحتياط يقتضي المبادرة إلى فعلها عند تحقق الزوال.
(وتسقط) الجمعة (بالفوات وتقضى ظهرا) إجماعا على الظاهر، المصرّح به في عبائر جماعة،
وللمعتبرة المستفيضة، ففي الصحيح : عمّن لم يدرك
الخطبة يوم الجمعة، قال : «يصلّيها ركعتين، فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعا».
وفي آخر : «فإن أدركته وهو يتشهد فصلّ أربعا».
وفي ثالث : «من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة».
ويستفاد منه حصول الفوات بعدم
إدراك ركعة كما عليه الشهيدان وجماعة،
ويعضده عموم مفهوم : «من أدرك من الوقت ركعة فكأنّما أدرك الوقت».
خلافا للمحكي عن الشيخ وجماعة
فما لم يتلبس بالتكبير، ومعه فلا فوت،
لاستصحاب الصحة، وحرمة
إبطال العمل في الشريعة. وهما بعد تسليمهما
اجتهاد في مقابلة المعتبرة المعتضدة بالاتفاق على العمل بها فيما عدا الجمعة. والمراد بالقضاء في العبارة مطلق
الأداء الشامل للأداء والقضاء بالمعنى المصطلح، فلا يرد أن القضاء تابع لأصله، والجمعة ركعتان فكيف تقضى أربعا.
(ولو لم يدرك) المأموم (الخطبتين أجزأته الصلاة، وكذا لو أدرك مع الإمام الركوع) خاصة (ولو في) الركعة (الثانية) بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في كثير من العبائر،
وللمعتبرة المستفيضة المتقدم إلى جملة منها الإشارة، ومنها الصحيح : «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى»
ونحوه الخبر.
وفي آخر : «إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة، فإن فاتته فليصلّ أربعا».
وأما
الصحيح : «الجمعة لا تكون إلاّ لمن أدرك الخطبتين»
فمع شذوذه يحتمل الحمل على
التقية ، لكونه مذهب جماعة من العامة
وإن وافقنا أكثرهم. أو على أن المراد نفي حقيقة الجمعة فإنّ حقيقتها ركعتان مع ما ناب عن الأخيرتين، فمن لم يدركهما لم يدرك الجمعة حقيقة وإن أجزأه ما أدركه، وهو معنى ما مضى من المعتبرة. وحمله الشيخ على نفي الكمال والفضيلة.
(ويدرك الجمعة) أيضا (بإدراك الإمام راكعا على الأشهر) الأظهر، بل عليه عامة من تأخر، وفي الخلاف عليه الإجماع،
وهو الحجّة. مضافا إلى أن إدراك الركعة مع الإمام موجب لإدراك الجمعة كما مرّ في المعتبرة، وهو يحصل بإدراك الإمام راكعا كما في الصحاح الصراح المستفيضة، منها : «إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبّرت وركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة، وإن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة».
خلافا للمحكي عن
المقنعة والنهاية والقاضي،
فاشترطوا في إدراكها إدراك تكبيرة
الركوع ، للصحيح : «إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة».
وفي لفظ آخر : «لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام».
وفي ثالث : «إذا أدركت التكبير قبل أن يركع فقد أدركت الصلاة».
وهو مع قصوره عن المقاومة لسابقته غير صريح، لاحتماله الحمل على الكراهة. وهو أولى من حمل تلك على التقية، كما اتّفق لبعض الأجلّة معتذرا بموافقتها العامة، لرجحانها على هذا الصحيح
بالاستفاضة والصراحة والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة كما عرفت من الخلاف نقله، وقريب منه في
السرائر والذكرى،
حيث عزياه إلى باقي الفقهاء من عدا الشيخ كما في الأوّل، وإلى المتأخرين كافة كما في الثاني، وزاد في الأول فادّعى تواتر الأخبار به.
وبنحوه يجاب عن الصحيح الآخر الوارد في المقام : «إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة، وإن أدركته بعد ما ركع فهي أربع بمنزلة الظهر».
مع احتماله الحمل على أن المراد بعد الفراغ منه أي الرفع، أو الفراغ من الركعة المعروفة التي إنما تتم بتمام السجدتين. وعلى المختار : المعتبر اجتماعهما في حدّ الراكع. وهل يقدح في ذلك أخذ الإمام في الرفع مع عدم مجاوزته حدّ الراكع؟ فيه وجهان.
وعن
التذكرة : اعتباره ذكر المأموم قبل رفع الإمام رأسه،
ومستنده غير واضح كما صرّح به جماعة،
نعم قيل : في
الاحتجاج عن الحميري، عن
مولانا الصاحب عليه السلام أنه : «إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلك الركعة»
ولا ريب أنه أحوط.
رياض المسائل، ج۳، ص۳۰۸- ۳۱۶.