عيوب المرأة في النكاح
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وأمّا عيوب
المرأة فهي سبعة: وفاقيّة وخلافيّة؛ فمن الأول،
الجنون والجذام والبرص والقرن والإفضاء؛ ومن الثاني،
العمى والإقعاد. وفي
الرتق تردد أشبهه: ثبوته عيبا لأنه يمنع
الوطء. ولا ترد
بالعور ولا
بالزنا ولو حدت فيه، ولا
بالعرج على الأشبه.
فمن العيوب الوفاقية:
الجنون وهو: فساد
العقل المستقرّ الغير المستند إلى
السهو السريع الزوال أو
الإغماء العارض مع غلبة المِرّة؛ لعدم صدق
الإطلاق مع الاستناد إلى أحد الأمرين عرفاً، وعلى تقديره فليس بمتبادر من إطلاق النصوص جدّاً، فلا يُخصّ
الأصل باحتمال إرادة نحوه منها قطعاً.
والجُذام بضمّ الجيم، وهو: مرض يظهر معه يبس الأعضاء وتناثر اللحم، بشرط التحقّق بظهوره على البدن، أو
شهادة عدلين، أو تصادقهما عليه. لا مجرّد ظهور أماراته، من تعجّر (تعجّر بطنه أي تعكّن ، والعُكنة : الطيّ الذي في البطن من السمن
) الوجه وإحمراره أو اسوداده، واستدارة
العين وكمودتها إلى حمرة، وضيق النفس، وبحّة الصوت، ونتن العرق، وتساقط
الشعر. فإنّها قد تعرض من غيره، فلا يُخصّ بها الأصل المقطوع به.
نعم، مجموع هذه العلامات قد يفيد أهل الخبرة به حصوله، والعمدة على تحقّقه كيف كان.
والبرص وهو: البياض أو السواد الظاهران على صفحة البدن لغلبة
البلغم أو
السوداء، ويعتبر منه المتحقّق دون المشتبه بالبَهَق (البَهَق : بياض يعتري الجلد يخالف لونه ، ليس من البرص
) وغيره؛ لما مرّ.
والقرن بسكون الراء وفتحها، قيل: هو عظم كالسنّ في الفرج يمنع الوطء، ولو كان لحماً فهو
العَفَل بالتحريك وفي اتّحادهما أو تغايرهما خلاف بين اللغويين والفقهاء، وأكثر الفريقين على الاتّحاد، وهو المرويّ في الخبرين:
أحدهما
الصحيح: «المرأة تردّ من أربعة أشياء: من البرص، والجذام، والجنون، والقرن وهو العفل، ما لم يقع، فإذا وقع عليها فلا»
ونحوه الثاني
.
ويشهد له المعتبرة المكتفية بأحدهما عن الآخر، وهي مستفيضة في الاكتفاء بالعفل عن القرن. منها الصحيحان: «يردّ
النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل»
.
وممّا اكتفي فيه بالقرن عنه الصحيح: عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرناً، قال: «هذه لا تحبل، ولا يقدر زوجها على مجامعتها، يردّها إلى أهلها صاغرة ولا
مهر لها» قلت: فإن كان دخل بها؟ قال: «إن علم بها قبل أن يجامعها ثم جامعها فقد رضي، وإن لم يعلم بها إلاّ بعد ما جامعها فإن شاء أمسكها، وإن شاء سرّحها إلى أهلها، ولها ما أخذت منه بما استحلّ من فرجها»
.
والرضوي: «وإن تزوّج بامرأة فوجدها قرناء أو مجنونة إذا كان بها ظاهراً كان له أن يردّها على أهلها بغير
طلاق»
ونحوه غيره
.
ويستفاد من الصحيح السابق عليهما بمقتضى تعليل الردّ بعدم إمكان
الوطء، أو عسره كما يظهر من ذيله دوران الحكم مدارهما حيث تحقّقا، في قرن أو عفل أو رتق، فلا ثمرة للاتّحاد والتغاير في الباب، وبه صرّح بعض الأصحاب
.
ثم المستفاد منه أيضاً كغيره
صريحاً مضافاً إلى إطلاق النصوص ثبوت
الخيار بعسر الوطء أيضاً من دون اشتراط عدم الإمكان، وإليه مال جماعة
، تبعاً للماتن في
الشرائع.
خلافاً للأكثر، بل لم ينقل فيه خلاف، وربما احتمل كونه إجماعاً
، فإن صحّ وعلمناه من غير جهة النقل أمكن المصير إليه، وإلاّ فالمصير إلى الأول أولى؛ إمّا لعدم حجّية عدم ظهور الخلاف أصلاً، أو لأنّه لا يستفاد منه مع
الحجّية سوى المظنّة المعارضة بمضاهيها، الحاصل من الأخبار المعتبرة المعمول بها عند جميع الطائفة، وهي أقوى قطعاً، فيُخصّ به الأصل، ويطرح المعارض.
هذا، مع ظهور الخلاف لنا من الماتن وجماعة من أصحابنا. وكيف كان، فلا ريب أنّ مراعاتهم
أحوط وأولى.
الإفضاء، مصدر أفضى بمعنى جعل المكان واسعاً، وبمعنى الانتهاء والوصول، ومنه قوله تعالى: «أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ»
أي: انتهى إليه فلم يكن بينهما حاجز عن
الجماع. وهي بمعنى الخلوة بالمرأة، مع مجامعتها أو بدونها، وعلى مسّ
الأرض براحة اليد، وعلى جعل مسلكي المرأة واحداً بسبب الوطء. استعمله
الفقهاء في نفس المعاني اللغوية، ولكن المستعمل كثيراً والذي هو متعلق حكم بعنوانه هو المعنى الأخير؛ فلذا يكون هو المقصود بالبحث هنا. هذا وقد اختلفوا في حقيقة إفضاء المرأة على قولين:
الأوّل: أنّه جعل مسلك
الحيض والبول واحداً، ذهب إليه
الشيخ الطوسي حيث قال: «الإفضاء: أن يجعل مدخل الذكر - وهو مخرج
المني والحيض والولد- ومخرج البول واحداً... وبين المسلكين حاجز دقيق، والإفضاء إزالة ذلك الحاجز».
الثاني: جعل مسلك الحيض
والغائط واحداً، وهو ظاهر
يحيى بن سعيد، وصرّح
فخر المحققين بصدق اسم الإفضاء على كلّ واحد من المعنيين حقيقةً. وهو مختار بعض المعاصرين.
قال
السيد اليزدي: «والإفضاء أعم من أن يكون باتّحاد مسلكي البول والحيض أو مسلكي الحيض والغائط أو اتّحاد الجميع وإن كان ظاهر المشهور الاختصاص بالأوّل».
وعلّله
السيد الخوئي بأنّ تفسير الإفضاء لم يرد في
النصوص حتى تكون له
حقيقة شرعية ، فلابدّ من حمله على معناه اللغوي، وهو جعل الموضع واسعاً، وهو يتحقّق بكلّ من المعنيين.
تترتّب على الإفضاء أحكام تختلف باختلاف الموارد، فالإفضاء قد يكون بسبب وطء الزوج، وقد يكون بسبب وطء الأجنبي، والزوجة قد تكون صغيرة وقد تكون كبيرة؛ وقد مضى تفسيره والاختلاف فيه، راجع إلى مقالة
الإفضاء.
والنصوص بثبوت
الخيار بهذه العيوب الخمسة مستفيضة، وقد مرّ ما يتعلّق بالأربعة الأُوَل، بقي المتعلّق بالأخير؛ ويدلّ عليه الصحيح: في الرجل تزوّج امرأة من وليّها، فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها، قال: فقال: «إذا دلّست العفلاء نفسها والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق»
.
وصريحه كالخبرين المتقدّمين في الاكتفاء بالقرن عن العفل في التعبير جواز الفسخ ولو علم بالعيوب بعد الدخول، مع أنّه لا خلاف فيه يعتدّ به، وبه صرّح بعض
، واستفيد من إطلاق النصوص الأُخر والفتاوى.
نعم، ربما أشعر بعضها باختصاص الجواز بقبل الدخول، كالصحيح الدالّ على اتّحاد القرن والعفل، وقريب منه خبران آخران: أحدهما: في الرجل إذا تزوّج المرأة فوجد بها قرناً وهو العفل أو بياضاً أو جذاماً «أنّه يردّها ما لم يدخل بها»
ونحوه الثاني
. ولكن ظاهرهما مع قصور
السند العلم بالعيب قبل الدخول، ولا كلام فيه. والصحيح لا يعارض ما مرّ، مع احتمال حمل إطلاقه على صورة العلم بالعيب قبل الدخول.
ثم مقتضى الأصل وانتفاء المخرج عنه بالإضافة إلى حدوث هذه العيوب وما سيأتي بعد
العقد أو الدخول اختصاص الخيار بما عداهما، مع عدم الخلاف في نفيه في الثاني كما حكي
، وإن حكي عن
المبسوط وظاهر الخلاف طرد الحكم فيه وفي الأول
؛ تبعاً لإطلاق النصوص.. ولكن الأشهر خلافه؛ تمسّكاً بما مضى، واستضعافاً له باختصاصه بحكم
التبادر والفرض في أكثرها بغير محلّ البحث، ولا كلام فيه.
ومن العيوب الخلافية:
العمى والإقعاد وثبوت الخيار ولو بعد الدخول بتقدّمهما العقد مشهور بين الأصحاب، بل عليه الإجماع عن
المرتضى وابن زهرة في الأول
؛ وهو
الحجّة فيه، كالصحيح: الرجل يتزوّج المرأة، فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء، قال: «تردّ على وليّها، ويكون له المهر على وليّها، وإن كان بها زمانة لا يراها الرجل أُجيز شهادة النساء عليها»
.
والموثّق: «تردّ البرصاء والعمياء والعرجاء»
. ويستفاد منه ومن الصحيح المتقدّم في الإفضاء الحكم في الثاني؛ لتضمّنهما الفسخ بالزمانة الظاهرة، وهو منها وإن كانت مطلق العاهة، كما عن بعض أهل اللغة
.
هذا، مضافاً إلى فحوى الخبرين هنا، لاستلزام الفسخ بالعرج الذي دلاّ عليه، وهو أشهر وأقوى كما يأتي إيّاه هنا بطريق أولى كما لا يخفى. ويُخصّ بالنصوص هنا وفي الإفضاء الأصل ومفهوما الحصر والعدد فيما مرّ من المعتبرة.
فخلاف
الشيخ في
الخلاف والمبسوط
في الأول ضعيف جدّاً، كخلاف غيره كما حكي
في الثاني.
وفي ثبوت الخيار
بالرتق بالتحريك، وهو كما حكي عن أهل اللغة
وبه صرّح
العلاّمة في
القواعد وجماعة
: التحام الفرج بحيث لم يكن للذكر فيه مدخل. وعرّفه في التحرير: باللحم النابت في الفرج المانع عن الوطء
، فيرادف حينئذٍ العفل تردّد ينشأ:
من الأصل ومفهومي الحصر والعدد فيما مرّ من الأخبار، مع عدم
النصّ فيه. ومن تعليل الردّ بالقرن بمنعه الوطء في الصحيح وغيره كما مضى الظاهر في دوران الحكم مداره حيث ما تحقّق وفحوى ما دلّ على الحكم في القرن والعفل مع إمكان الوطء معهما، فثبوت الحكم هنا بطريق أولى. هذا إن قلنا بتغايره لهما، وإلاّ فهو داخل في مستندهما.
وهذا هو الأقوى كما حكي عن أكثر أصحابنا
، وادّعى الإجماع عليه جماعة
، واختاره المصنّف هنا وفي
الشرائع بقوله: أشبهه: ثبوته عيباً؛ لأنّه يمنع الوطء فيعمّه التعليل المثبت للحكم في القرن والعفل، وبأدلّته يُخصّ ما مضى من أدلّة المنع.
ويمنع دعوى عدم النصّ إن أراد ما يعمّ ذلك، ويجاب بعدم لزوم النصّ بالخصوص إن أراده منه، بل يكتفى بكلّ ما دلّ خصوصاً أو عموماً.
ولا تُرَدّ المرأة ولا الرجل
بالعور مطلقاً، بلا خلاف في الظاهر؛ للأصل، ومفهومي الحصر والعدد الماضيين، وخصوص الصحيح: في الرجل يتزوّج إلى قوم وإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له، قال: «لا تردّ»
مع عدم المعارض.
ولا بالزناء مطلقاً ولو حُدَّت فيه. خلافاً للإسكافي، فردّ به مطلقاً، في الرجل والمرأة، سبق العقد أم لحق، حصل معه
الحد أم لا
. وللصدوق، فردّ به في المرأة خاصّة مع لحوق العقد مطلقاً
. ولأكثر القدماء في المحدودة خاصّة
.
وقد مضى الكلام فيه في بحث
الكفّارة، وأنّ الأصحّ مختار الماتن وأكثر المتأخّرين.
ولا بالعَرَج على الأشبه وفاقاً
للمقنع وظاهر المبسوط والخلاف
والقاضي؛ لما مضى.
خلافاً للأكثر، بل عن
الغنية الإجماع عليه
، وهو الأظهر؛ للمعتبرين اللذين مضيا في الإقعاد والعمى، وليس فيهما
التقييد بالبيّن إن أُريد به ما يزيد على مفهوم
العرج كما عن
الحلّي والمختلف والتحرير ولا
البلوغ حدّ الإقعاد كما في الشرائع
والقواعد والإرشاد فلا وجه لهما.. وليس في عدّ الزمانة عيباً في الصحيحين ما يوجب التقييد بالأخير، فالأقوى عدّ مطلق العرج عيباً بعد تحقّقه؛ تمسّكاً بظاهر المعتبرين، ويُخصّ بهما ما مضى من أدلّة المنع في البين.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۴۵۳-۴۶۱.