مكروهات الحج
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
و مكروهات
الحج المجاورة بمكة، والحج على
الإبل الجلالة، ومنع الحاج دور مكة من السكنى، ورفع البناء فوق
الكعبة .
(ومن المكروهات : المجاورة بمكة) بلا خلاف وإن اختلفت العبارات بالإطلاق كما هنا وفي
الشرائع والمنتهى وغيرها من عبائر كثير،
وفي
الدروس وغيره
: إنه المشهور، وجعله المدارك هو المعروف بين الأصحاب،
مشعراً بالإجماع. أو التقييد بسنة كاملة، سواء وثق من نفسه بعدم المحذورات الآتية أم لا، كما في الجامع وغيره.
أو التقييد بما إذا وثق من نفسه عدمها مطلقاً كما في الدروس.
أو التقييد بهما معاً كما في المدارك وغيره.
ومنشأ الاختلافات
اختلاف الأنظار في الجمع بين الأخبار المختلفة. فممّا يدل على المشهور النصوص المستفيضة، وفيها التعليل بأنّ كلّ ظلم فيه إلحاد،
وفي المقام خوف ظلم منه وممن معه كما في الصحاح، وفي جملة منها فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكنى مكة كما في أحدها،
أو كان ينتهي أو يتقي أن يسكن
الحرم كما في غيره.
أو بأن من خرج منها دام شوقه إليها، كما في المرسل كالصحيح
وغيره.
أو بأن المجاورة بها تقسي القلوب، كما في المراسيل المستفيضة.
وعلى الثاني الصحيح : «لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكة سنة» قلت : كيف يصنع؟ قال : «يتحوّل عنها» الخبر.
وممّا يدل على استحباب المجاورة مطلقاً أو سنةً ما أشار إليه بعض الأصحاب جامعاً بينه وبين ما سبق فقال بعده : ولا ينافيه استحبابها لما ورد من الفضل فيما يوقع فيها من العبادات، وهو ظاهر. ولا ما في الفقيه عن
علي بن الحسين عليهما السلام من قوله : «الطاعم بمكة كالصائم فيما سواها، والماشي بمكة في عبادة الله عز وجل»
إذ الطاعم بها إنما هو كالصائم والماشي في العبادة لكونهما نوياً بكونهما التقرب إلى الله تعالى بأداء المناسك أو غيرها من العبادات، وهو لا ينافي أن يكون الخارج منها لتشويق نفسه إليها والتحرز من
الإلحاد والقسوة أيضاً كذلك. ولا ما فيه عن
أبي جعفر الباقر عليه السلام من قول : «من جاور بمكة سنة غفر الله تعالى له ذنوبه ولأهل بيته ولكل من استغفر له ولعشيرته ولجيرانه ذنوب تسع سنين قد مضت، وعصموا من كل سوء أربعين ومائة سنة»
إذ ليس نصّاً في التوالي، مع جواز كون
الارتحال لأحد ما ذكر أفضل من المجاورة التي لها الفضل المذكور كما في مكروهات العبادات، ولذا قيل بعد ما ذكر بلا فصل : و
الانصراف والرجوع أفضل من المجاورة، وهو يحتمل الحديث وكلام الصدوق.
انتهى.
وهو حسن، مع أن الخبرين ضعيفاً السند بالإرسال، فلا يقاومان ما سبق من وجوه، فلا إشكال من جهتهما.
وإنما
الإشكال من جهة الرواية المقيدة بالسنة الظاهرة في عدم الكراهة فيما دونها، ومقتضى الأُصول وإن كان لزوم تقييد
إطلاق ما سبقها بها إلاّ أن التعليلات فيها كادت تلحقها بالنص على الكراهة مطلقاً، سيّما التعليل بإيراثها قساوة القلب وأنه أمر غير اختياري، فيكون التعارض بينهما من قبيل تعارض النصّين. ولا ريب أن الأخذ بما هو المشهور أولى، وخصوصاً مع كونه أحوط وأولى؛ للمسامحة في أدلة السنن بما لا يتسامح في غيرها، بناءً على أنه ليس المفهوم من الرواية استحباب
الإقامة فيما دون السنة، وإنما غايتها كسائر الفتاوي المقيّدة عدم الكراهة فيه، وهو أعم من الاستحباب .
فالكراهة لا معارض لها من قبيله فصاعداً ليتوقف في الفتوى بها مسامحةً، نعم المرسلان قد أفادا
الاستحباب ولكن قد عرفت الجواب عنهما.
(والحج) والعمرة (على
الإبل الجلاّلة) كما في بعض المعتبرة.
(ومنع) الحاج (دور مكة) جمع دار (من السكنى) بها كما في الصحاح وغيرها : «ليس ينبغي لأهل مكة أن يمنعوا الحاج شيئاً من الدور ينزلونها»
كما في بعضها، وبمعناه الباقي.
وفي الخبر : «إنّ
علياً عليه السلام كره إجارة بيوت مكة، وقرأ (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ).
وبمعناه في تفسير الآية به أحد الصحاح والحسان وغيرهما، وفي أحدهما : «ليس لأحد أن يمنع الحاج شيئاً من الدور ومنازلها».
قيل : وبه عبّر القاضي.
وظاهره
التحريم كما عن صريح الشيخ
وظاهر
الإسكافي .
وهو ضعيف؛ لشذوذ القول به، ودعوى
الإجماع القطعي في السرائر والمدارك
على خلافه، مضافاً إلى
الأصل وأظهرية دلالة الصحاح على الكراهة من الحسنة على الحرمة. قيل : وهي وإن فتحت عنوة فهو لا يمنع من
الأولوية واختصاص الآثار بمن فعلها.
(وأن يرفع بناء فوق الكعبة) للصحيح : «لا ينبغي أن يرفع بناء فوق الكعبة».
ولا يحرم على الأشهر الأظهر؛ للأصل، ودلالة الصحيح على الكراهة كما مرّ. خلافاً للمحكي عن الشيخ والحلّي فحرّماه،
وعن القاضي النهي عنه.
وهو ضعيف.
والبناء يشمل الدار وغيرها حتى حيطان المسجد. قيل : وظاهر رفعه أن يكون ارتفاعه أكثر من
ارتفاع الكعبة، فلا يكره البناء على الجبال حولها، مع احتمالها.
(والطواف للمجاور بمكة أفضل من
الصلاة ، وللمقيم) بها (بالعكس) كما عن الصحيح.
وفي آخر : «الطواف لغير
أهل مكة أفضل من الصلاة، والصلاة لأهل مكة والقاطنين أفضل من الطواف».
وفي ثالث : عن المقيم بمكة
الطواف أفضل له أو الصلاة؟ قال : «الصلاة».
وفي رابع : «من أقام بمكة سنة فالطواف أفضل من الصلاة، ومن أقام سنتين خلط من ذا ومن ذا، ومن أقام ثلاث سنين كانت الصلاة له أفضل من الطواف».
وينبغي حمل إطلاق ما مر عليه وفاقا لبعض المحدثين والظاهر أن المراد بالصلاة النوافل المطلقة غير الرواتب إذ ليس في الروايات المزبورة تصريح بأفضلية الطواف على كل صلاة وينبه عليه ما مر في الصحيح المتضمن للأمر بقطع الطواف لخوف فوات الوتر والبدأة بالوتر ثم
إتمام الطواف.
وبذلك صرّح بعض الأصحاب قال : وبالجملة : فلا يمكن الخروج بهاتين الروايتين وأشار بهما إلى الأُولى والأخيرة عن مقتضى الأخبار الصحيحة المستفيضة المتضمنة للحثّ الأكيد على النوافل المرتّبة، وأنها مقتضية لتكميل ما نقص من الفرائض بترك
الإقبال ، إلى آخر ما قال.
وهو حسن ، ومرجعه إلى أن التعارض بين هذه الأخبار وأخبار الحثّ تعارض العموم والخصوص من وجه ، يمكن تقييد كلّ منهما بالآخر ، وعليه فينبغي أن يصار إلى الترجيح ، وهو مع أخبار الحثّ ، للتواتر الموجب لقطعيتها ، بخلاف هذه ، لأنها من الآحاد المفيدة للظن ، فلا يترجّح على القطع ، سيّما مع تأيّدها بما مرّ من قطع الطواف للوتر مع خوف الفوات.
رياض المسائل، ج۷، ص۱۸۰- ۱۸۶.