موجب حد المسكر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
في بيان الموجب للحدّ: وهو تناول
المسكر والفقاع اختيارا مع العلم بالتحريم؛ ويشترط
البلوغ،
والعقل؛ فالتناول يعم الشارب والمستعمل في
الأدوية والأغذية ويتعلق الحكم ولو بالقطرة؛ وكذا
العصير إذا غلا ما لم يذهب ثلثاه؛ وكل ما حصلت فيه الشدة المسكرة؛ ويسقط
الحد عمن جهل المشروب أو
التحريم؛ ويثبت بشهادة عدلين أو
الإقرار مرتين من مكلف حر مختار.
وهو تناول
المسكر جنسه وإن لم يسكر قليله: أو
الفقّاع، اختياراً، مع العلم بالمتناوَل
والتحريم وإن لم يعلم وجوب الحدّ به؛ ويشترط مع ذلك:
البلوغ،
والعقل فهذه قيود أربعة.
فالتناول يعمّ الشارب إيّاه خالصاً والمستعمل له. والأولى أن يقول: يعمّ الشرب والاستعمال في
الأدوية والأغذية.
وحيث اجتمعت ثبت الحدّ بلا خلاف، بل عليه
الإجماع في كثير من العبارات
؛ وهو
الحجّة، مضافاً إلى النصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة، بل هي
متواترة.
وجملة منها عامّة لكل مسكر متّخذ من العنب وهو المعروف
بالخمر أو
التمر وهو
النبيذ أو
الزبيب وهو النقيع أو
العسل وهو البِتَع أو
الشعير وهو المِزر أو الحنطة، أو الذُّرة، أو غيرها. ففي الصحيح: «كلّ مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحدّ»
.
وفي الخبر: «يضرب
شارب الخمر وشارب المسكر» قلت: كم؟ قال: «حدّهما واحد»
.
وقريب منهما النصوص الواردة في علّة تحديد حدّ شارب الخمر بثمانين جلدة، من أنّه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فاجلدوه حدّ المفتري
، وهي موجودة في شرب كلّ مسكر، وهي مستفيضة، بل ادّعى في
التنقيح أنّها متواترة
.
وجملة منها ما بين خاصّة بالخمر، وعامّة لها وللنبيذ، وهي تجاوزت حدّ الاستفاضة.
ففي
الموثّق كالصحيح: عن رجل حسا حسوة خمر، قال: «يجلد ثمانين جلدة، قليلها وكثيرها
حرام»
.
وفي
الصحيح وغيره
: «يضرب شارب الخمر وشارب النبيذ ثمانين».
وجملة منها مصرّحة بحكم
الفقّاع، كما هو مذهب الأصحاب، وادّعى عليه جماعة منهم بحدّ الاستفاضة إجماع
الإماميّة، مصرّحين بثبوت الحدّ فيه وإن لم يسكر
.
ففي الصحيح
وغيره
: عن الفقّاع، فقال: «هو خمر، وفيه حدّ شارب الخمر» ونحوهما في
إطلاق الخمر عليه المستلزم لثبوت أحكامها التي من جملتها الحدّ كثير من الأخبار
.
ومقتضى إطلاق هذه
النصوص وغيرها وكذا
الفتوى وصريح جملة منها أنّه يتعلّق الحكم بالحدّ بتناول المسكر والفقّاع مطلقاً ولو بالقطرة الغير المسكرة منهما، وادّعى عليه الإجماع جماعة
.
وأمّا الصحيحان الدالاّن على عدم حدّ شارب النبيذ إن لم يسكر
، فمع شذوذهما، محصولان على
التقية كما ذكره
شيخ الطائفة أو على النبيذ الحلال، كما احتمله بعض الأجلّة
.
قالوا: وكذا
العصير العنبي إذا غلى ما لم يذهب ثلثاه يجب بتناوله أو استعماله فيما مرّ الحدّ مطلقاً وإن كان قليلاً غير مسكر، وكأنّه إجماع بينهم، كما صرّح به في التنقيح
وغيره
، ولم أقف على حجّة معتدّ بها سواه.
وكذا كلّ ما حصلت فيه الشدّة المسكرة من نحو العصير التمري والزبيبي، يجب بتناوله أو استعماله الحدّ بلا خلاف ولا إشكال؛ لعموم ما مرّ من النصّ والفتوى.
وفي ثبوته بتناول العصيرين أو استعمالهما إذا لم يبلغا الإسكار وجهان، مبنيّان على القول بتحريمهما أو حلّهما، وقد مضى في كتاب
الأطعمة والأشربة كون الثاني أشهر وأقوى، فلا حدّ فيهما. ويحتمل العدم على القول الأول أيضاً؛ لعدم التلازم بين
التحريم والحدّ أصلاً، إلاّ أن يكون إجماعاً، كما هو ظاهر
الأصحاب هنا، حيث إنّ ظاهرهم بناء الوجهين على القولين كما ذكرنا.
ويسقط
الحدّ عمّن استعمل المسكر وما في معناه في نحو الاحتقان والسعوط حيث لا يدخل الحلق، بلا خلاف في الظاهر؛ للأصل، وعدم إطلاق الشرب الوارد في النصوص عليه، ومثله وإن جرى في استعماله في نحو
الدواء والغذاء؛ لعدم إطلاق الشرب عليهما جدّاً، إلاّ أنّ العذر في ثبوت الحدّ به الإجماع الظاهر، المحكي في جملة من العبائر
.
وعمّن تناوله مكرهاً بأن وجر في فمه، أو ضرب عليه، أو خوّف بما لا يتحمّله عادةً أو اضطراراً لحفظ النفس، كإساغة اللقمة على الأصحّ.
قيل: أمّا للتداوي أو حفظ الصحّة، فلا يسقط عنه
.
وفيه إشكال؛ للأصل، واختصاص النصوص المثبتة للحدّ بشربه بحكم
التبادر وغيره بغير الشرب اضطراراً، فلا حدّ فيهما وإن قلنا بتحريمهما، فتأمّل جدّاً.
وعمّن جهل المشروب أنّه مسكر مثلاً أو التحريم وإن علمه لقرب عهده
بالإسلام وشبهه، أو كان صبيّاً، أو مجنوناً، بلا خلاف.
لحديث رفع القلم في الأخيرين
.
والموثّق كالصحيح
وغيره
في الجاهل بالحكم، وفيه: «إنّ رجلاً شرب خمراً على عهد أبي بكر، فقال: إنّي أسلمت وحسن إسلامي، ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلّون، ولو علمت أنّها حرام اجتنبتها، فقال مولانا
أمير المؤمنين (علیهالسّلام): ابعثوا به من يدور به على مجالس
المهاجرين والأنصار من كان تلا عليه
آية التحريم فليشهد عليه، ففعلوا ذلك فلم يشهد عليه أحد، فخلّى عنه، وقال له: إن شربت بعدها أقمنا عليك الحدّ» والنصوص به زيادة على ذلك مستفيضة
.
ويثبت هذا الفعل بشهادة عدلين ذكرين أو
الإقرار مرّتين الصادر من مكلّف حرّ مختار بلا خلاف فيهما وفي عدم الثبوت بالمرّة من الإقرار، بل على الأخير في ظاهر
المبسوط الإجماع
؛ وهو الحجّة فيه، كالعمومات في الأولين، وخصوص النصّ الآتي في المسألة الاولى من مسائل الأحكام في الأول.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۶۴-۶۹.