أهل الذمة (معابدهم)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
أهل الذمة (توضيح).
يختلف حكم
معابد أهل الذمّة
باختلاف الطريقة التي فتحت بها
أرضهم ؛ لأنّها قد تكون مفتوحة
عنوة بالقهر و
الغلبة ، وقد تكون مفتوحة
صلحاً على أن تكون أرضهم للمسلمين، وقد تكون مفتوحة صلحاً أيضاً على أن تكون أرضهم لهم، وقد تكون
البلدان مستحدثة بيد المسلمين، فالصور أربع:
وفي هذه الصورة لا يجوز لهم
استئناف الكنائس و
البيع و
الصوامع وبيوت
النيران وغيرها؛
لأنّها من بيوت
الضلال ،
لبطلان عبادتهم فيها، بل لعلّ في
الإذن لهم
إعانة على
الإثم ، ولو أحدثوها وجب على
الوالي إزالتها .
نعم، ذهب المشهور
إلى جواز
إبقاء ما كان
قبل
الفتح إذا لم يهدمه
المسلمون ؛
لقوله صلى الله عليه و
آله وسلم: «كلّ
مصر كانت
العجم مصّرته ففتحه اللَّه على
العرب فنزلوا على حكمهم، فللعجم ما في عهدهم، وعلى العرب أن يوفوا لهم بذلك».
وخالف في ذلك
الشيخ الطوسي فمنع من
بقاء معابدهم التي كانت قبل الفتح؛
ولعلّه لكونه إعانة على الإثم. وأمّا
العلّامة الحلّي فقد تردّد في
المسألة .
وقد يقال في مقابل ذلك بأنّ صدق عنوان
الإعانة على الإثم بمجرّد عدم منعهم من ذلك مشكل فضلًا عن أنّ الإعانة على الإثم لا يحرز حرمتها
مطلقاً كما عليه بعض المتأخّرين. وكونها من
بيوت الضلال وتبطل
عباداتهم فيها لا ربط له- لا
عقلًا ولا
شرعاً ولا
عرفاً -
بالسماح لهم في
البناء أو إبقاء ما كان. وأمّا
الرواية فهي
ضعيفة السند لم ترد من طرقنا. على أنّ فيها رائحة
التمييز بين العرب والعجم وهي رائحة تخالف روح
القرآن و
السنّة . بل يمكن
الترقّي بالقول بأنّ سماح
الإسلام لهم بالبقاء على دينهم مع
العلم بأنّهم سوف يقيمون
شعائرهم في بيوتهم يخرج
التعامل مع
أهل الذمّة عن القوانين العامّة التي تحظر مثل ذلك، ولا أقلّ من
الشك في شمولها للمورد.
ويؤيّد ما نقول أنّ الفقهاء سمحوا في الصورة الثالثة- وهي
الأرض التي تمّ فتحها مع
التصالح مع
أهلها على أن تبقى في أيديهم- بأن يقرّهم
الحاكم على ما بأيديهم، فلو كان
حراماً في نفسه فكيف جاز ذلك للحاكم هناك دون بيان عنوان ثانوي، إلّاإذا جعل
أصل فرض هذه الصورة في حال
اضطرار المسلمين إليها.
فالأقرب أنّ
القضية بيد الحاكم الشرعي ينظر فيها وفقاً
لمصلحة الإسلام و
المسلمين .
والحكم في هذه الصورة كسابقتها، فلا يجوز لهم أن يحدثوا فيها
معبداً بعد أن صارت للمسلمين؛
لنفس ما تقدّم من الأدلّة، ويجوز أن يصالحهم
الإمام على
إحداث معبد بما يراه من المصلحة.
و
التعليق على ذلك صار واضحاً ممّا تقدّم.
وفي هذه الحالة يجوز
إقرارهم على كنائسهم وبيعهم وبيوت نيرانهم و
مجتمع عبادتهم وإحداث ما شاؤوا منها، و
إظهار الخمور والخنازير وضرب
الناقوس وغير ذلك ممّا يجوز للمالك فعله في ملكه إذا لم يكن تركها مشروطاً في
عقد الصلح ،
وذلك ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف.
وممّا تقدّم يعرف أنّ كلّ موضع لا يسمح فيه بإحداث معبد لهم ينقض إذا أحدثوه، وكلّ موضع سمح لهم فيه يجوز
ترميمه ،
وإن كره للمسلم أن يؤجر نفسه لذلك؛
ولعلّه لما فيه من إعانةٍ ما لأهل الذمّة على ما يفعلونه من محرّمات من
صلاة ونحوها.
وأمّا ما انهدم منها ممّا لهم
استدامتها أو هدمها أهلها ممّا لا يجوز
تجديدها، فقيل: يجوز
إعادة بنائها،
وقيل: لا يجوز إذا كانت في أرض المسلمين، وأمّا إذا كانت في أرضهم فلا بأس.
ورغم
تقوية الشيخ الطوسي للجواز
إلّا أنّه تردّد من جهة عدم
صدق الإحداث على بنائها حتى تكون مشمولة لأدلّة
المنع من إحداثها، بل هي استدامة لبنائها السابق، ومن جهة أنّ إعادة بنائها يدخل في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تُبنى
الكنيسة في الإسلام»،
وأنّ إعادة بنائها كإحداثها.
ومال
المحقّق النجفي إلى عدم الجواز، حيث قال: «لعلّه الأولى؛ ضرورة عدم
اقتضاء الإقرار على ما كان منها جواز تجديدها، فيبقى على حرمة
التصرّف في أرض المسلمين. نعم، لو كانت الأرض لهم اتّجه حينئذٍ
الجواز ».
كالكوفة و
البصرة و
بغداد وغيرها، فإنّه لا يجوز إحداث معابد لأهل الذمّة فيها، بلا
خلاف في ذلك،
بل ادّعي عليه
الإجماع ؛
لما روي عن
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «أيّما مصر مصّرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة، ولا يضربوا فيه ناقوساً، ولا يشربوا فيه خمراً، ولا يتّخذوا فيه
خنزيراً ».
نعم، تبقى المعابد التي كانت قبل إحداث هذه المدن، ككنيسة
الروم التي كانت من قرى بغداد قبل إحداثها.
والخبر ضعيف السند، فلو تمّ
إجماع فهو، وإلّا جرى عليه ما تقدّم.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۸۱-۸۴.